عندما جلست سارة ميركر ذات يوم، عام 2013، لتناول حلوى الـ«سكونز» (مشهورة في بريطانيا وتقدم مع الشاي الإنجليزي) في أحد المواقع التاريخية الكثيرة في بريطانيا، لم تكن لديها فكرة أنها كانت تشرع في جهد سوف يستغرق عقداً من الزمن لإنجازه وتحويلها إلى شخصية من الشخصيات الشهيرة على الصعيد الوطني.
فقد صارت هي وزوجها عضوين يسددان المستحقات في الصندوق الوطني، وهي جمعية للحفاظ على البيئة وإدارة الممتلكات التاريخية مثل القلاع والقصور الريفية في جميع أنحاء إنجلترا، وويلز، وآيرلندا الشمالية (أسكوتلندا تُدار بصورة مستقلة). كانت الفكرة في مكافأة نفسها بالسكونز مقابل زيارتها وتعلمها عن المواقع التاريخية، وكتابة مدونة لتقييم كل من التاريخ والخبز، كل على مقياس من 5 نقاط.
شكلت مشاركاتها على المدونات في نهاية المطاف الأساس لتأليف «كتاب الصندوق الوطني للسكونز»، وهو مزيج من الوصفات مع رؤيتها التاريخية الخاصة، الذي نُشر عام 2017، بعد أن تناولت ميركر نحو 150 قطعة من السكونز في الموقع. وعندما زارت ميركر مقر الصندوق الوطني للمرة 244 والأخيرة هذا الشهر، تصدرت عناوين الصحف الوطنية في بلد يتعامل مع الحلوى والتاريخ بمنتهى الجدية.
لكن الزخم الإعلامي الهائل رافقته صدمة، إذ فقدت زوجها بيتر ميركر في 2018 إثر إصابته بالسرطان، الأمر الذي تركها لاستكمال مهمتها من دون الشريك الذي أطلقت عليه مسمى «رفيق كعكاتي».
في الآونة الأخيرة، وفي خضم الزخم الإعلامي الهائل، قالت إن الأمر يبدو وكأن زوجها يقف إلى جانبها في كل خطوة تخطوها.
وقالت: «أقول كما يقول أي إنسان فقد شخصاً عزيزاً على قلبه، إننا نريد عودتهم للحياة، حتى لو لفترة قصيرة من الوقت، وهذا ما منحتني إياه التغطية الإعلامية وهذا المشروع. كان ذلك أجمل ما في الأمر بأسره».
للسكونز جذور عميقة في بريطانيا. فقد كانت وصفاتها تُطبع منذ سنة 1669، وظهرت كلمة «سكون» أو Scone في الأوراق الجمركية منذ سنة 1480، استناداً إلى «تاريخ الخبز البريطاني» للمؤرخة وعالمة الآثار إيما كاي.
لم يتطور «الهوس الاندفاعي الطفيف» بتلك الحلوى في البلاد بصورة جدية حتى أوائل القرن التاسع عشر، كما كتبت السيدة كاي في رسالة بالبريد الإلكتروني. واقترنت في النهاية بعادة احتساء «شاي بعد الظهيرة»، في وجبة خفيفة في وقت متأخر من بعد الظهيرة، غالباً ما تحتوي على الشاي، والكيك، والسندويتشات.
في أواخر القرن التاسع عشر، صار شاي بعد الظهيرة «مُثبَتاً وأسطورياً»، إذ صارت سياحة السيارات والعطلات البريطانية أكثر شعبية، كما قالت آني غراي، مؤرخة الأطعمة. وكذلك كان أثر العصر الحديث على السكونز، المُخمرة بصودا الخبز أو مسحوق الخبز، بدلاً من الخميرة، كما تقول النسخ المبكرة من الوصفات.
قالت غراي: «كانت رخيصة ومُبهجة، ويسهل إنتاجها بكميات كبيرة، ومن ثم فهي جيدة في جني الأرباح من صالات الشاي والمقاهي التي تخدم الطبقة العاملة».
تأسس الصندوق الوطني عام 1895، ولا يزال يتبنى نفس التقليد المتمثل في السياحة الريفية الميسرة. ويحتوي كثير من الأماكن الفخمة على صالات الشاي، وهي تقدم بشكل جماعي أكثر من 3 ملايين قريصة سنوياً، وفقاً لما ذكرته إدارة الصندوق.
قال كلايف غودركورت، رئيس الطهاة لتطوير الوصفات في الصندوق الوطني: «هناك شيء ممتع للغاية في امتزاج المربى مع القشدة، بعد نزهة لطيفة أو الانغماس في الكنوز التاريخية التي نعتني بها. إنها لذة بسيطة، وسريعة، وغير مُكلفة نسبياً، وبالتالي يمكن للجميع الاستمتاع بها».
وصفت كاي، مؤرخة الأطعمة، عادة تناول السكونز واحتساء شاي بعد الظهيرة بأنها كمثل «معتقدات الطهي لدى كثيرين في كل أنحاء بريطانيا».
وكسائر المعتقدات، السكونز حلوى مثيرة للجدل، إذ لا يتفق جميع البريطانيين على أصول تناول السكونز، فهناك من يعتقد أن الطريقة الأصح هي وضع القشدة على الحلوى ومن ثم المربى، في حين يرى البعض الآخر أنه يجب وضع المربى أولاً. عن هذا الخلاف، قالت ميركر: «الناس جادون للغاية فيما يتعلق بالطريقة التي يأكلون بها السكونز. إنه ضرب من الجنون، لأنه في نهاية الأمر، يتساوى الطعم، سواء وضعت القشدة أو المربى أولاً. لكن الأمر يُشكل أهمية كبرى لهم».
يرتبط وضع المربى أولاً بشكل عام بمقاطعة «كورنوول»، كما يرتبط وضع القشدة أولاً بمقاطعة «ديفون»، وهي منطقة مجاورة لجنوب غربي إنجلترا؛ حيث تميل القشدة المتخثرة لأن تكون أسهل في الافتراش كطبقة أساسية. وقالت كلير بيل، مسؤولة العلاقات العامة في الصندوق الوطني: «بالتأكيد، ليس لدينا موقف محدد» من هذه المناقشة.
ومن جانبها، قالت ميركر إنه نظراً لحساسية مناقشة قضية «المربى أولاً أم القشدة أولاً»، فقد أمضت 10 سنوات في التدوين عن السكونز، من دون أن تذكر أبداً كيف تفضل تناولها. وتجنبت ذلك السؤال في إحدى المدونات، ونشرت صوراً للسكونز «العادية، بلا إضافات» في مدونات أخرى، حتى لا تُنفر المتابعين المتشددين من أي من الجانبين.
يشار إلى أن السكونز نوعان؛ الأولى عادية، والثانية محشوة بالزبيب.