مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

عالم المجوهرات يتكلم مصري

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
TT

مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تابعنا فعالياته مؤخراً أعاد لنا ذلك الافتتان لدرجة الهوس بكل ما هو مصري في مجالات فنية وإبداعية متنوعة. كما أعاد وهج حضارة قديمة لم ينضب نبعها في أي وقت من الأوقات، من خلال المجوهرات والأزياء.

فهذه لم تكن تستعمل بوصفها زينة وزخرفة فحسب. في تطريزاتها، سواء كانت جلية أو مبطنة، رموز للحماية من العين، وطاقة الحسد، وبالتالي تجلب الطاقة الإيجابية، مثل الحظ، والصحة، وما شابه.

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

ربما لن يصل هذا الافتتان درجة الهوس التي أصابت العالم في عام 1922 عندما اكتشف العالم البريطاني هوارد كارتر مقبرة الملك الفرعوني الصغير توت عنخ آمون أول مرة، لكنه حتماً سيؤثر على الكثير من المسارات الإبداعية، لا سيما قطاع المجوهرات.

فمن منا لا يتذكر كيف أشعل الاكتشاف روح المنافسة بين دور مجوهرات كبيرة حينها، مثل «كارتييه» و«فان كليف آند آربلز» و«بوشرون» و«تيفاني آند كو»، وكيف حفّزتهم على إبداع قطع تُجسِد رموزاً مثل اللوتس وعين حورس والأفعى واليعسوب وغيرها تعتبر حالياً استثماراً لا يقدر بثمن. أحجار كثيرة دخلت في هذه القطع، لكن الفيروز كان دائماً الحجر الأساسي في معظمها.

عالم المجوهرات... رموز وجمال

حولت المصممة عزة فهمي محلها بالمتحف إلى مغارة من الكنوز المصرية القديمة (عزة فهمي)

في الأسبوع الماضي، استبقت المصممة عزة فهمي هذا الحدث الضخم، وحوَّلت محلها الواقع بالمتحف إلى تجربة تحتفي بكل ما هو مصري فرعوني، وليس أدل على هذا من مجموعتها الأخيرة «الجعران»، التي اعتمدت الأشكال والرموز الثقافية القديمة أكثر من اعتمادها على حجر معين. هذه الثقة تعود إلى أنها من نسل هذه الحضارة، وبالتالي تفهم أسرارها وألغازها أكثر.

الأمر يختلف بالنسبة لدور المجوهرات العالمية، التي إلى جانب الأشكال الرمزية جعلت من حجر الفيروز عموداً مهماً في تصاميمها المصرية. كانت «تيفاني آند كو» من أوائل من استعمل الفيروز في مجوهراتها الرفيعة، حتى قبل اندلاع حمى مصر القديمة. بدأ اهتمامها به في أواخر القرن التاسع عشر، وازداد في بداية القرن العشرين، حين كانت لا تزال تستلهم من فن «الآرت نوفو». بيد أنها لم تسلم من العدوى، وسرعان ما ركبت الموجة وقدّمت تصاميم عدة مستوحاة من مصر مثل عقد «عين حورس»، وأقراط وأساور على شكل أفعى، فضلاً عن قلادات مزينة باللوتس، وغيرها.

من المجوهرات التي تحاكي التحف هذه القطعة على شكل سلحفاة مرصعة بالفيروز والماس (تيفاني أند كو)

في الخمسينات انتقلت الحمى إلى دار «بولغري» التي أطلقت مجموعتها «سيربنتي» (Serpenti). ساعات ومجوهرات مرنة بانحناءات والتواءات الأفعى، التي كانت ترمز للحكمة والتجدد في مصر القديمة.

وفي الستينات، أظهرت «بياجيه» اهتمامها بالفيروز. استعملته بشغف ومهارة في ساعات يد تحاكي المجوهرات، وتؤكد لنا أن الفيروز لا يعترف بزمن أو مكان، ولا هو مجرد حجر يجلب الحظ ويبعد الحسد والعين أو يخلق سلاماً داخلياً. لم ينبع اهتمامها به في البداية من معتقدات المصريين القدامى وشعوب الأزتيك وغيرهم.

نظرت إليه نظرة جمالية بحتة. وسرعان ما احتذت بها دور مجوهرات أخرى، خصوصاً بعد دخوله عالم الموضة، مؤكداً أن لونه يزيد البشرة إشراقاً والإطلالة انطلاقاً.

كيف أخضع سحره صاغة المجوهرات؟

ظهر الفيروز أول مرة في دار بياجيه عام 1963 عندما زيّنت مواني ساعاتها الفخمة (بياجيه)

دار «بياجيه» اختارت هذا العام أن تعيده لنا في مجموعة ساعات ومجوهرات تتداخل فيها الألوان والأشكال بمهارة عالية. ابتعدت عن التاريخ بزخرفاته الشرقية والمعتقدات الروحانية، ووّجهت أنظارها إلى الريفييرا الفرنسية لتستقي من ألوان بحارها ما يسر القلب والعين. تقول الدار إن علاقتها بهذا الحجر تعود إلى عام 1963، حين تزيّنت به موانئ ساعات أنيقة بأنظمة فائقة الرقّة. كان لدمجها الجريء بين الحسّ الفنّي والإتقان التقني أثر في تغيير صناعة الساعات الفاخرة. كانت ساعات تحاكي بكل تفاصيلها المجوهرات الثمينة... ولا تزال.

ساعة «Happy Fish» بلون فيروزي (شوبارد)

من وحي البحار أيضاً، كشفت دار «شوبارد» حديثاً عن مجموعة «Happy Sport» التي تتضمن ساعة «Happy Fish» الجديدة، بقطر 36 مليمتراً، المصنوعة من معدن «لوسنت ستيل™» ومينا من عرق اللؤلؤ الفيروزي تسبح فيه سمكة بشكل راقص.

باقي دور الساعات والمجوهرات ابتعدت أيضاً عن كل ما هو تقليدي، لكنها لا تنكر أن الفيروز تعويذة نجاح لا تخيب من الناحية التجارية. فهو يضفي لمسات مُترفة على أي قطعة، وعندما يقترن بالذهب، يشكل معه زواجاً ناجحاً بكل المقاييس. من هذا المنظور، لم تكتفِ بدمجه مع أحجار كريمة أخرى فحسب، بل جعلته في كثير من المجموعات نجماً ساطعاً يصرخ بالحداثة. دار «فان كليف آند آربلز» مثلاً استعملته في مجموعتها الأيقونية «الحمبرا» (Alhambra)، و«تيفاني آند كو» صاغته بأشكال مثيرة، جمعته فيها مع الذهب الأبيض والألماس.

ساعة من مجموعة "الحمرا" من دار "فان كليف أند آربلز" بميناء من الفيروز (موقع فان كليف أند آربلز)

مصممة «ديور» لقسم المجوهرات، فيكتوار دي كاستيلان، استعملته أيضاً في مجموعات مثل «Gem Dior» و«Rose des Vents». لم تغفل جاذبيته رغم أنها اعترفت مراراً أن عشقها يبقى لحجر الأوبال. لكن ماذا تفعل إذا كان العالم قد أجمع على سحر الفيروز؟ وطبعاً لا يمكن الحديث عن هذا الحجر من دون الحديث عن «بولغري» التي استخدمته بكثافة في تصاميم مستوحاة من التراث الروماني والشرقي، أو عن «كارتييه» Cartier التي صاغته هي الأخرى بمهارة وأشكال مستلهمة من الشرق والزخارف الإسلامية. فقد انتبهت لجماله منذ بداية القرن الماضي، ومنذ ذلك تحرص على إدخاله في مجموعاتها الملونة، وليس أدل على هذا من مجموعة «توتي فروتي» التي تراقص فيها مع الزمرد واللازورد وغيرهما من الأحجار الكريمة. تاريخ «كارتييه» الطويل مع هذا الحجر جعل حرفيّيها يُتقنون استعماله، لدرجة أن قطعها المرصعة به تحقق نجاحات مهمة في المزادات العالمية. مثلاً بيع تاج مرصع بالفيروز والماس للوريثة الأميركية نانسي أستور بـ889400 جنيه إسترليني في مزاد «بونهام».

"بولغري" لا تتوقف على تطوير وتجديد تصميمها الأيقوني "سيربنتي" سواء في ساعات اليد أو المجوهرات أو الاكسسوارات (بولغري)

هذا العام، في مجموعة «سيكستي» (Sixtie) ل «بياجيه» التي تمّ إطلاقها في معرض «ساعات وعجائب»، «Watches and Wonders» كان لافتاً تلوّن ميناء الساعة بالأزرق الفيروزي. قالت إنها جاءت تكريماً لساعة صمّمها جان كلود غيت، وتعد سابقة لأوانها في عام 1969. أعاد قسم الساعات والمجوهرات تصميمها مع احترام الخطوط الهندسية الجريئة التي ميّزتها كما ميّزت تصاميم منتصف القرن. تُضيف الدار أن المجموعة أيضاً تكريم للحقبة الذهبية في سبعينات القرن الماضي، حيث يذكّر إطارها اللامع والمفصّص بإطار ساعة آندي وارهول الأيقونية على شكل شاشة تلفزيونيّة. في التصميم الحديث، نجد الميناء الرباعي محاكاً في المنحنيات الناعمة للسوار الذهبي بهندسة دقيقة وبـ5 صفوف، الأمر الذي يزيد من الكثافة اللونية للفيروز الصافي.

من إبداعات دار «بياجيه» ساعة على شكل قلادة (بياجيه)

اللافت كذلك في هذه الساعة بتصميمها المتدلّي على شكل عقد طويل، أطُر الميناء الشبيهة بتموّجات سطح الماء، التي تعزّزها الحركة الحرّة لشرّابة الماسات والذهب العاكسة للضوء.

تكتمل المجموعة مع عقود طويلة (Swinging Sautoirs) أخرى من «بياجيه» تحمل موانئ فيروزية اللون ورباعية الشكل مثبّتة على حبل من الذهب المجدول، يبدو وكأنه معقود، في حين أنه مصنوع يدوياً حسب أسلوب الدار، الذي أرادته أن يُعبّر عن فلسفتها بأن الساعات يمكن أن تزيّن المعصم والجسم على حد سواء، وبأنها أعمال فنيّة بحد ذاتها.

يمتدّ حسّ «بياجيه» الإبداعي والحسّي إلى ساعة «Essentia» الجديدة حيث تأتي العلبة ذات الشكل غير المنتظم مزوّدة هي الأخرى بميناء ذي لون فيروزي غنيّ ومستوحى من أشكال طبيعية وعضويّة، يحيطها إطار مصقول من الذهب والماس. ينساب شكلها السلس والمتموّج ضمن سوار مصنوع من حلقات ذهبية تلتفّ حول المعصم وتعانقه على شكل طلسم، ما يشكّل دمجاً لمهارة الدار في مجال صناعة السلاسل مع ثراء إلهامها الطبيعي.

السحر مستمر

الممثلة الأميركية شايلين وودلي وعقد مرصع بأحجار ملونة من ضمنها الفيروز (بولغري)

هل يمكن اعتبار هذا الاهتمام الذي يشهده الفيروز في الآونة الأخيرة مجرد موجة عابرة؟ الجواب حسب شركة «إتش تي إف» لتحليلات السوق (HTF Market Intelligence) يقول العكس. فهو ينمو عالمياً بنسبة 6.5 في المائة من عام 2025 إلى 2032، حيث يتوقع أن يرتفع حجمه من 2.8 مليار هذا العام إلى 4.9 مليار دولار عام 2032. تكمن شعبيته في جماله الطبيعي، الأمر الذي يجعله مناسباً لموضة البوهو التي تتصدر مشهد الموضة حالياً. وإلى جانب هذا البعد الجمالي، هناك أيضاً الوعي بقيمته الروحية، وما يرمز إليه من سلام داخلي، وكأنه يأخذنا إلى لحظات اكتشافه الأولى من قبل المصريين القدامى وكل الثقافات البعيدة التي استخدمته عبر العصور.


مقالات ذات صلة

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

لمسات الموضة كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

راما منذ الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات. صرحت دار الأزياء الفرنسية…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة تمت ترجمت الفكرة في مجوهرات ناعمة بأحجار كريمة (أختين)

علامة «أختين» المصرية تنقش من الحناء مجوهرات عصرية

لم تكن نقوش الحناء يوماً مجرد زينة. كانت ولا تزال أيضاً لغة بصرية تجسد البركة التي تشهد على كل الاحتفالات، وتُنقش بلغة فنية تُعبر عن الهوية والانتماء، وأحياناً…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قلادة «سويتر برستيج» من «شانيل» الفائزة بالجائزة الأولى (شانيل)

«شانيل» تفوز بالجائزة الكبرى للمجوهرات الرفيعة في إمارة موناكو

حدث جديد شهدته إمارة موناكو وسينضم إلى روزنامتها الحافلة بالفعاليات العالمية المهمة، مثل سباق «فورمولا 1» ومعرض اليخوت، والأمسية الخيرية Bal De La Rose. …

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة العديد من المصممين والشركات أبدعت فيه وقدمته بألوان وأشكال وتقنيات متطورة (غيتي)

«الحذاء الرياضي: من الصانع إلى الشارع» ينتقل من لندن إلى الدوحة

انطلق منذ أيام، ولأول مرة في الشرق الأوسط معرض «الحذاء الرياضي: من الصانع إلى الشارع»، وهو معرض متنقل يضم تصاميم أحذية رياضية ونحو 600 قطعة من المعروضات تروي…

«الشرق الأوسط» (لندن)

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
TT

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)

بتصميمات فريدة جمعت بين الابتكار والأناقة، يستعرض معرض «صالون المجوهرات 2025»، المُقام في «إيه إن بي أرينا»، ضمن «موسم الرياض»، لزوّاره، أحدث تصميمات المجوهرات والأحجار الكريمة والساعات والمقتنيات النادرة والثمينة.

وتُشارك فيه أكثر من 600 علامة تجارية فاخرة من 50 دولة، وسط أجواء تعكس الفخامة وتنوُّع المعروضات، إذ تتنافس الدُّور المُشاركة على تقديم تصميمات استثنائية تبرز دقّة الصنعة وفنّ التكوين، وسط حضور لافت يشهده المعرض مع انطلاقته في العاصمة السعودية، ضمن الموسم الترفيهي الأضخم في المنطقة والعالم.

يشهد المعرض مشاركة دُور مجوهرات عالمية تمتد جذورها لأكثر من قرنين (موسم الرياض)

كما يشهد مشاركة دُور مجوهرات عالمية عريقة تمتد جذورها لأكثر من قرنين، من بينها «دار بريجيه»، التي انطلقت في القرن الثامن عشر، وكذلك «شوبار»، و«فرنك مولر»، إلى جانب «الفردان للمجوهرات»، و«جوهان»، و«ليدا دايموند آند جولري».

وهو يُعدّ وجهة عالمية تجمع المُصمّمين والمُوزّعين والمُهتمين في تجربة حسّية متكاملة تمتزج فيها الإضاءة الفنّية والموسيقى الهادئة، ويعرض قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً.

المعرض وجهة عالمية يتيح تجربة حسّية متكاملة (موسم الرياض)

وحضرت هيئة المواصفات السعودية «تقييس»، لتعريف الزوّار بأهمية موثوقية موازين المجوهرات والذهب، في الوقت الذي يُقدّم فيه الحدث تصميمات استثنائية راقية.

وشهدت نُسخ المعرض السابقة تسجيل مبيعات تجاوزت 53.3 مليون دولار (200 مليون ريال سعودي)، وقِطعاً استثنائية أثارت اهتمام خبراء المجوهرات، من بينها قناع مُرصّع بأكثر من 3600 ألماسة بلغت قيمته نحو مليون ونصف مليون دولار.

قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً (موسم الرياض)

المعرض يستمر حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مُقدّماً تجربة فريدة لعشّاق المجوهرات والجمال الراقي، ومُحتفياً بتنوّع الذوق السعودي وقدرته على مواكبة أحدث اتجاهات التصميم العالمية.


راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
TT

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

صورة عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وزوجته، راما دواجي، تبدو لأول وهلة جديدة على المشهد السياسي الأميركي... ثنائي شاب من أصول مسلمة، ينتمي إلى جيل «زد» ويتحدث لغته بفصاحة وشجاعة لم ترَ لها نيويورك مثيلاً. فهما لم يتنازلا في أي مرحلة من مراحل الرحلة الانتخابية عن مبادئهما الإنسانية والسياسية والفكرية الداعمة للأقليات والضعفاء.

لكن من الناحية البصرية، لا تبدو هذه الصورة جديدة تماماً. تُذكّر بالرئيس الأميركي الراحل جون كيندي وزوجته جاكي... ثنائي لا يقل كاريزما وتأثيراً على جيل كامل كان يحلم وينتظر التغيير للأفضل. فضل كبير في تجميل صورة جون كيندي يعود إلى جاكي؛ السيدة الأولى التي وظّفت الجمال والأناقة سلاحاً ناعماً ومؤثراً في الوقت ذاته.

ملكت راما بجمالها ونعومتها وثقافتها قلوب ناخبي نيويورك (رويترز)

وكما شكّلت جاكي كيندي في ستينات القرن الماضي مرآة جيل آمَن بالحلم الأميركي، تبدو راما دواجي اليوم امتداداً لذلك الإرث وأكثر... فهي تنقله إلى مرحلة أعمق وعياً وصدقاً يمكن أن تتحول فيها الموضة صوتاً للإنسانية والأقليات.

راما من الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها. مثل جاكي؛ تتمتع راما بكاريزما وجمال فريد من نوعه، ومثلها أثرت على جيل كامل من الناخبين في زمنها؛ أي من جيل «زد»، وفق تصريح من زوجها، الذي استقطب المؤثرين في حملته الانتخابية للوصول إلى هذه الشريحة.

لم يكن لأصول راما العربية والمسلمة، فهي من والدين سوريين ووُلدت في الولايات الأميركية، تأثير سلبي على الناخبين. على العكس؛ ملكت قلوبهم بصدق مواقفها أولاً، وجمالها وأناقتها ثانياً.

وقفت راما إلى جانب زوجها تنظر إليه بصمت... لكن كل ما فيها كان يتكلم... من نظرات العيون إلى الأزياء (أ.ف.ب)

الصورة التي ستبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ، وهي تظهر إلى جانب زوجها زهران ممداني بصفته أول مسلم وأصغر عمدة يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، جذبت اهتمام الولايات المتحدة، كما شدّت أنفاس العالم بأسره... كان فيها تصالح مع الماضي واستقبال للحاضر... وقفت فيها راما، ذات الـ28 عاماً، إلى جانبه صامتة، تنظر إليه بين الفينة والأخرى بنظرات إعجاب، شبّهها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بنظرات الأميرة الراحلة ديانا.

بلاغة الصمت

صمتها لم يَشفِ غليل البعض؛ لأنهم لم يجدوا فيه سمات الصورة النمطية للزوجة المسلمة التابعة لزوجها من دون أن يكون لها كيان خاص أو استقلالية... فراما فنانة لها وجود وتأثير على الساحة الفنية، وقالت بصمتها كل ما يلزم قوله عن هذه الاستقلالية، إضافة إلى انتمائها الثقافي والسياسي. فما ارتدته لم يكن مجرد اختيار عادي يليق بمناسبة يفترض فيها أن تكون بكامل أناقتها، بل كان بياناً سياسياً وإنسانياً وفنياً لا يعتذر عن أفكارها ورؤيتها ودعمها القضية الفلسطينية. إطلالتها أكدت أن الجيل الذي تنتمي إليه أعلى شجاعة من الجيل الذي سبقه في صدق تعبيره عن القضايا السياسية ونبل المشاعر الإنسانية.

عبّرت راما عن ثنائية انتمائها باختيار إطلالتها من مصمم فلسطيني - أردني ومصممة نيويوركية (رويترز)

قد تبدو إطلالتها بسيطة أول وهلة، لا سيما أنها بالأسود؛ «اللون الذي لا يخيب» وتلجأ إليه المرأة عندما تكون خائفة وتريد أن تلعب على المضمون، إلا إن بساطتها كانت خادعة وعميقة في آن؛ لأنها كانت محملة بالأفكار. اختارت «بلوزة» دون أكمام من الدينم الأسود، مطرزة بتخريمات منفذة بالليزر، من تصميم الفلسطيني - الأردني زيد حجازي، الذي أبرز فيها تفاصيل التطريز الفلسطيني التراثي وزخارف القرى الفلسطينية. زيد حجازي، الذي تخرج في معهد «سنترال سان مارتينيز» بلندن، يصف علامته بأنها «استكشاف لـ(الثقافات القديمة والمعاصرة)».

نسّقت دواجي «البلوزة» مع تنورة من المخمل والدانتيل، أيضاً بالأسود، من تصميم إيلا جونسون، وهي مصممة نيويوركية تشتهر بأسلوبها الرومانسي والحرفي، الذي يستهوي النخب الفنية والبوهيمية في بروكلين. الجمع بين مصمم فلسطيني ومصممة نيويوركية يشير إلى جذورها وانتمائها إلى ثقافتين: العربية والأميركية، ويقول إن الموضة ليست مجرد مظهر أنيق وأداة جذب أو قناع واقٍ، بل هي مواقف وأفعال، وترمز أيضاً إلى جيل من المهاجرين لم يعد يكتفي بالاندماج، بل يحلم بالتأثير والمشاركة في رسم ملامح الواقع الذي يعيشه.

ما أسلوب راما دواجي؟

تتميز راما بأسلوبها الخاص وإن كانت تميل إلى الأسود في المناسبات الرسمية (أ.ف.ب)

إلى جانب أنها فنانة ورسامة ومصممة رسوم متحركة، فهي تتمتع بأسلوب بوهيمي تعبر من خلاله عن شخصية مستقلة ومتحررة فكرياً، فهي تنتمي إلى جيل الإنترنت، والـ«تيك توك» وغيرها من المنصات الشبابية. هذا الجيل يراقب العالم بعين ناقدة... يُحلله ويحلم بتغييره للأفضل، بما في ذلك صناعة الموضة، التي يفهمها ويعشقها، لكنه في الوقت ذاته يريد إخراجها من قوالبها النخبوية والتقليدية. يبدو أن دواجي توافقهم الرأي، وإذا كانت إطلالتها ليلة النصر هي المقياس، فإن المتوقع منها طيلة فترة عمدية زوجها أن تتعامل مع الموضة بوعي إنساني بوصفها جسراً تلتقي عليه الحضارات والثقافات بصدق وشفافية.


أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
TT

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات.

صرحت دار الأزياء الفرنسية في بيان أصدرته بالمناسبة بأنها «تُعرب عن امتنانها العميق لأوليفييه على كتابته فصلاً مهماً من تاريخها».

من جهته، أعرب روستينغ عن مشاعره قائلاً في بيانه الخاص: «أنا ممتن لفريقي الاستثنائي في (بالمان)، كانوا عائلتي التي اخترتها في مكان كان بمثابة بيتي طوال الـ14 سنة الماضية... سأظل دائماً أحتفظ بهذه التجربة الثمينة في قلبي».

أوليفييه روستينغ يودع دار «بالمان» بعد 14 عاماً (أ.ف.ب)

لم يكن تعيين «بالمان» لروستينغ «تقليدياً» في عام 2011. كان في الرابعة والعشرين من عمره، أي كان أصغر مدير إبداعي في باريس منذ إيف سان لوران، وأول مدير إبداعي من أصول أفريقية في دار أزياء أوروبية.

صغر سنه ساهم في إدخال الدار العالم الرقمي، حيث أطلقت في عهده أحد أول «فلاتر سناب تشات» الخاصة بالعلامات التجارية، وتطبيق خاص بها، وشراكة مبكرة مع «إنستغرام» للتسوق في عام 2019، من دون أن ننسى أنه أعاد إحياء خط الأزياء الراقية في «بالمان» بعد انقطاع دام 16 عاماً.

من تصاميمه لدار «بالمان» (غيتي)

من بين إنجازاتها الكثيرة أنه نشر ثقافتها لجيل كامل وقع تحت سحر جرأته الفنية، وإن كان البعض يرى أن السحر يكمن في تعاوناته مع نجمات عالميات، نذكر منهن كيم كارداشيان وجيجي حديد وكندال جينر وبيونسي وغيرهن.

روستينغ في عرضه الأخير لخريف وشتاء 2025 مع عارضاته (غيتي)

ولد أوليفييه في مدينة بوردو الفرنسية لأبوين أفريقيين تخليا عنه ليتم تبنيه في سن مبكرة من قبل زوجين فرنسيين. على المستوى المهني، درس في معهد «إسمود» في باريس قبل أن ينضم إلى دار «روبرتو كافالي» بعد التخرج، حيث تولى في نهاية المطاف قيادة قسم الأزياء النسائية. في عام 2009، التحق بدار «بالمان» ليعمل تحت إشراف المصمم كريستوف ديكارنين، وبعد عامين خلفه بصفته مديراً إبداعياً، وفي عام 2016، قاد الدار بسلاسة خلال عملية استحواذ مجموعة «مايهولا» القطرية عليها.

رغم أن صورة وجه المصمم وإطلالاته الاستعراضية ستبقى محفورة في الذاكرة، فإن تصاميمه المبتكرة هي أكثر ما يميزه في انتظار الفصل التالي من مسيرته.