كاد أسبوع لندن للموضة لموسم الربيع والصيف 2026 أن يمر مرور الكرام مثل الموسم الماضي والذي سبقه. فما لا يختلف عليه اثنان أن معاناة الأسبوع ما هي سوى انعكاس للأزمة الاقتصادية التي تمر بها بريطانيا والعالم على حد سواء.
ما يُحسب له هو تفاؤله واستماتته ليس للبقاء فحسب بل للتميز. يعرف تماماً أنه الحلقة الأضعف في سلسلة أسابيع الموضة العالمية، نيويورك وميلانو وباريس، وبالتالي يُركِز دائماً على ورقته الخاصة والرابحة، ألا وهي المواهب الشابة.
لندن الولَّادة
فالمعروف عن لندن أنها عش تفريخ هذه المواهب بفضل معاهدها المتخصصة وجنوح طلبتها للتميز بأي شكل من الأشكال. رغم أن الأزمة الاقتصادية وتغير الأسواق والأذواق روَّض جموحهم، فإن هذا لا يمنع أن هناك ومضات قوية تظهر فتسطع بشكل مثير يحيي الآمال بعودة قوية. واحد من هؤلاء المصمم الشاب ريتشارد كوين. اسم أصبح لصيقاً باسم الملكة الراحلة إليزابيث الثانية التي حضرت أسبوع لندن للموضة في عام 2018 في سابقة لتسلمه جائزة خاصة، ابتدعت آنذاك باسمها. لا يزال تقليدها مستمراً حتى اليوم، ويتمثل في حضور أحد أفراد العائلة المالكة لتقديم الجائزة لمصمم لمع نجمه ليس في تصميم الأزياء وحدها، بل في الموضة كصناعة ووسيلة للارتقاء بالإنسان.

ورود وأوبرا
مساء يوم السبت الماضي، ورغم الرياح القوية التي عصفت بلندن، حوَّل المصمم أجواء الأسبوع الباردة في قاعة سميث سكوير الشهيرة بويستمنستر تماماً. لم تكن الأجواء لندنية، بقدر ما كانت باريسية. تشعر بالفخامة حتى قبل دخول القاعة. ففي الخارج كان هناك عرض لا يقل إبهاراً، تمثل في توافد الحاضرات بأزياء من تصاميمه. بعضهن يستعرضنها بحركات راقصة وكأنهن لا يصدقن جمال تفاصيلها وهي تتطاير في الهواء. تدخل المكان وتتفاجأ بأوركسترا حية ساهمت في تعزيز الأجواء الأوبرالية التي تميزت بها الأزياء الفخمة. يبدأ العرض، فيخامرك شعور بأنك انتقلت إلى مكان آخر أو حقبة بعيدة. تتذكر عروض دار «شانيل» وهي في عزها. السبب استعماله لزهرة الكاميليا والأشرطة المعقودة على شكل فيونكات ناعمة في العديد من الإطلالات.

يُصحح المصمم هذا الإحساس بالتصريح أن الورود والأزهار كانت دائماً ملعبه، وتعزِز هنا نظرته إليها كرمز يتعدى الزينة إلى التعبير عن الفرح، والحب والجمال والنقاء. يضيف أنه استلهمها في هذه التشكيلة من نساء من المجتمع الراقي تعكس فترات ذهبية من العقود التي عشن فيها. كانت هناك مثلاً فساتين مستوحاة من عشرينيات القرن الماضي، بأكتاف منسدلة، وأخرى بتنورات من التول تستحضر حقبة الخمسينيات باستدارتها إضافة إلى صديرات ضيقة مع تنورات بذيل حوريات البحر مرصعة بالترتر مستلهمة من السبعينيات.

بهارات وإبهار
افتتحت العرض العارضة ناعومي كامبل، في فستان مستقيم من المخمل الأسود بياقة تزينها زهرة كاميليا. هذه الزهرة التي تكررت في معظم الإطلالات، قد ترتبط بكوكو شانيل، التي كانت تتفاءل بها وتستعملها الدار في أزيائها وإكسسواراتها ومجوهراتها، إلا أنها ليس حكرا عليها. فالكاميليا بالنسبة لريتشارد كوين ترتبط بالأنوثة والنعومة، وهي خصائص تناسب فساتين السهرة. استعملها في تصميمات قوية بقصات درامية وأقمشة مترفة لتخلق توازناً بين القوة والنعومة. كانت هذه الأزهار، قاسماً مشتركاً تكرر في الياقات بشكل لافت.

في هذا العرض، أعاد ريتشارد كوين لأسبوع لندن بعض اعتباره، كون لندن عاصمة بدأ مصمموها يتقنون الجانب التسويقي أيضاً وليس الإبداعي وحده كما كان الأمر سابقاً. كوين جمع الميزتين، لا سيما بتركيزه على فساتين السهرة والمساء وفساتين الزفاف. فقد خصَص القسم الأخير من العرض لفساتين العرائس. فهذان الجانبان هما الأسهل تسويقاً والأكثر ربحاً، خصوصا إذا كانت المرأة التي تتوجه لها هي امرأة منطقة الشرق الأوسط.
في لقاء سابق أجرته مع «الشرق الأوسط» اعترف المصمم أن هذه المرأة، السعودية تحديداً، هي التي نبَهته وطلبت منه تصميم فساتين زفاف خاصة، وبالتالي يعود لها الفضل في نجاحه التجاري. هذا النجاح يؤكده عرض يوم السبت الماضي لربيع وصيف 2026، والذي تميَز ببذخ في كل التفاصيل، من فخامة المكان، والإضاءة إلى الأوركسترا مروراً باستعانته بعارضة سوبر، هي ناعومي كامبل.

المستقبل وردي
إبهار يشير إلى أنه ودَّع شُح الموارد ودخل حقبة جديدة سنراه فيها يرتقي بأسبوع لندن. على الأقل هذا ما تطمح إليه الرئيسة التنفيذية الجديدة لمجلس الأزياء البريطاني، لورا وير. تسلّمت المشعل من كارولاين راش، الرئيسة التنفيذية السابقة في وقت حرج للغاية. ورغم أن المهمة تبدو صعبة والطريق أمامها غير معبد بالورود، فإن ريتشارد كوين، بوروده المتناثرة على تصاميم تُلهب الخيال، قد يُحقق أملها وفق ما صرّحت به في حفل الافتتاح بـ: «بداية عصر جديد للموضة البريطانية».
















