يبدو واضحاً أن حمّى الخصر المنخفض أصابت شوارع الموضة هذا الصيف، بعد أن دخلت في منافسة قوية مع موضة الخصر المحدد. بدأت على منصات العروض العالمية ثم انتقلت إلى المحلات الشعبية، ولم تعد تفرق بين فستان خاص بليلة العمر أو فستان مناسب لرحلة على البحر، بعد أن تم طرحه بخامات وألوان متنوعة.
وفيما لا تزال شريحة من النساء تتخوف من هذا التصميم على أساس أنه ليس رحيماً بكل المقاييس الجسمانية، فإن الشريحة الأكبر تحتفل به على أساس أنه يمنح الصدر طولاً ويُبرز شكل الساعة الرملية بسلاسة.

الأخيرة على حق. فما نراه اليوم على منصات العروض العالمية، وما يتردد صداه في شوارع الموضة من ألوان وقصّات، يشير إلى أنه عاد بشكل مدروس يعكس التغيرات الحالية ويراعي كل المقاييس والمقاسات. صحيح أن المصممين لم يغيروا عناصره الأساسية؛ كامتداد القوام وتموضع الخصر عند الورك، إلا أنهم صاغوه برؤية تركّز عليه كإطلالة متكاملة تأخذ بعين الاعتبار النسبة والتناسب عوض التركيز على التفاصيل فقط. والنتيجة أن تصاميمه الحالية، تمنح الجسم طولاً وتخلق توازناً بصرياً، من شأنه تذويب مخاوف ذوات التضاريس البارزة.
جذور ترتبط بالتحرر
لا يختلف اثنان على أن هذا العام تسيطر عليه نوستالجيا الماضي. ففي وقت يعيش فيه العالم توترات سياسية واقتصادية شتى، تبقى العودة إلى هذا الماضي هي الضمان، الأمر الذي يفسر عودة العديد من التوجهات من موضة الكورسيه إلى نقشات البولكا وغيرها. بالنسبة لموضة الكورسيه المنخفض، فإن بدايته تعود إلى العشرينات من القرن الماضي. كان مضاداً لتصميم «الفلابر» الذي كان يخاصم الخصر في تمرد سافر على قيود الماضي، وتحديداً الكورسيه الذي كان يشد الخصر بشكل يشد الأنفاس أيضاً. فمعايير الجمال آنذاك كانت أنه كلما كان الخصر نحيلاً كان القوام جميلاً. ثم جاءت هذه النسخة من التصميم كحل وسط بين «الفلابر» الصبياني والخصر المشدود الكلاسيكي. رحَبت به المرأة آنذاك لأنه منحها أنوثة وفي الوقت نفسه راحة. وبما أن الموضة كعادتها لا تعود إلى الوراء من فراغ، بل تعود إلى فترات تتقاطع معها ثقافياً واجتماعياً، فإن العشرينات من القرن الماضي تشبه عصرنا إلى حد كبير. شهدت تلك الحقبة خروج العالم من أتون الحرب العالمية الأولى، بينما لا يزال العالم حالياً إلى حد اليوم يئن تحت وطأة جائحة قلبت الموازين وغيّرت الكثير من المفاهيم الاجتماعية والفنية والثقافية والاقتصادية. في كلتا المرحلتين، برزت الحاجة للانعتاق والانطلاق، فصارت الراحة والبساطة مطلبين أساسيين.

في العشرينات، تخلّت النساء عن رموز تقليدية كانت تُقيد حريتها، وهو ما ترجمته كوكو شانيل آنذاك في تصاميم منطلقة تحتفل بالمقاييس الصبيانية، والتخفيف من ثقل الأقمشة والزخرفات، واليوم أيضاً هناك رغبة ملحة في التحرّر من معايير الجمال بمفهومه المثالي والكلاسيكي لصالح مفهوم مختلف لجمال لا يفضّل شكلاً أو لوناً دون آخر. في خضم كل هذا، ظل الخصر هو المحور، يرتفع وينخفض حسب التغيرات الاجتماعية.
لكن استمرارية تصميمه المنخفض لا تقتصر على ارتباطه بالتحرر من القيود والانطلاق، لا سيما ونحن على أبواب الصيف. جمالياته لا تخفى على العين منذ أن تفنن فيه إيلي صعب في عام 2024. لكن صعب كان واحداً فقط من بين مصممين كان لهم الفضل في فتح العيون على مكامن جماله، وتطوير قصّاته باللعب على انسيابية الأقمشة ومرونتها وهندسية تخفي العيوب أكثر مما تُبرزها، من أمثال «إيرديم» و«أوسكار دي لا رونتا» و«سكاباريلي» و«سان لوران» وغيرهم. كان لكل واحد منهم تأثير واضح ومباشر على جذب الانتباه إليه، ما يجعل 2025 عاماً ذهبياً آخر سيُسجل في تطوره التاريخي.

ففي هذا العام، لا يمكن اعتباره مجرّد موضة عابرة ذات نزعة نوستالجية. هو الآن جزء من توجهات الصيف، لا سيما أنه بعد ظهوره على منصات العرض العالمية، انتقل سريعاً إلى محلات الموضة الشعبية، قبل أن تلتقط خيوطه مؤثرات على «إنستغرام» و«تيك توك» ونجمات عالميات نسجن منه إطلالات مثيرة ومُلهمة في الوقت ذاته. يُحسب لكل واحدة منهن ارتداؤه بطريقة أثبتت أن القصّة لم تفقد سحرها حتى بعد مرور نحو قرن على أول ظهور له، بل ازداد نضجاً وأناقة.
كيف تنسّقين هذا التصميم؟

1 - نوعية الأقمشة في أهمية النسبة والتناسب. لهذا يجب اختيار القماش بعناية، إما أن تكون من النوع الناعم والمطواع الذي ينسدل على الجسم بسهولة مثل الشيفون أو الحرير، وإما بقوام متماسك يخفي بروز الكرش.
2 - الطول يصنع الفرق، وبالتالي يجب أخذه بعين الاعتبار سواء تعلق الأمر بطولك أو بطول القطعة. بينما يناسب الـ«ميدي» أو الـ«ماكسي» كل المقاسات والمناسبات، فإن الطول القصير يناسب الصبايا فقط، خاصة إذا تم تنسيقه مع أحذية جريئة.
3- يفضل أن يقتصر الطول القصير على أجواء الصيف. للمناسبات العادية والرسمية يفضل تنسيقه مع حذاء بكعب عال (رفيع أو مدبب) حتى يضفي طولاً على الجسم.
4 - لأن هذا التصميم يجذب النظر إلى أسفل الخصر تلقائياً، فإن التركيز على التفاصيل العلوية مهم؛ كأن تكون الياقة مميّزة أو الأكمام منفوخة، أو اللعب على الإكسسوارات والمجوهرات أو ما شابه من أمور من شأنها خلق توازن بصري للإطلالة.
5 - في عرض «سان لوران» لشتاء 2025، اقترحه مصمم الدار أنطونيو فكاريللو مع جاكيتات من الجلد أضفت عليه صبغة شبابية ترقص على نغمات «الروك أند رول».
















