الموضة والرياضة.. علاقة بدأت قبل أكثر من قرن واكتسبت شرعيتها في التسعينات

المد الرياضي يصل إلى منصات عروض الأزياء

الفنانة زيندايا وحذاء بكعب عال تزينه كرة مضرب حقيقية (أ.ف.ب)
الفنانة زيندايا وحذاء بكعب عال تزينه كرة مضرب حقيقية (أ.ف.ب)
TT

الموضة والرياضة.. علاقة بدأت قبل أكثر من قرن واكتسبت شرعيتها في التسعينات

الفنانة زيندايا وحذاء بكعب عال تزينه كرة مضرب حقيقية (أ.ف.ب)
الفنانة زيندايا وحذاء بكعب عال تزينه كرة مضرب حقيقية (أ.ف.ب)

ليست غريبة أو وليدة اليوم تلك العلاقة الحميمة بين الموضة والرياضة، فهي تنسج خيوطها منذ بداية القرن العشرين عندما استعملت المصممة غابرييل شانيل، المعروفة بكوكو، قماش الجيرسيه لأول مرة في بنطلونات واسعة وسترات مريحة لا تفتقد إلى الأناقة بل العكس، كانت مثل نسمة هواء، أو مضاد حيوي للكورسيهات والملابس المعقدة التي كانت تعاني منها المرأة.

كان هدف كوكو منها تحرير المرأة من قيود الماضي، وفي الوقت ذاته استعمال قماش لم يفكر فيه أحد قبلها خارج إطار ملابس النوم، وهو ما كان مناسباً لها بوصفها مصممة بإمكانيات مادية محدودة آنذاك. يمكن القول إنها كانت أول من زرع بذرة ما أصبح يعرف بـ«سبورت شيك».

المصمم تومي هيلفغر كان من أوائل المصممين الذين تبنوا الأسلوب الرياضي الأميركي ولا يزال (تومي هيلفغر)

مرت السنون، وتطورت التقنيات وتكنولوجيا الأنسجة والاجتهادات، لتزيد هذه العلاقة قوة في السبعينات على يد مصممين أميركيين تحديداً من أمثال رالف لورين وتومي هيلفغر وشركة «ليفايس» وغيرهم.

في التسعينات وبداية الألفية، انتقلت العدوى إلى أوروبا. طرح مصممون كبار تشكيلات رياضية أو مستوحاة من عالمها، مثل ميوتشا برادا التي خاضت هذا المجال لأول مرة بخط «برادا سبورت» في عام 1998. لم تكن الأولى. سبقتها بيوت أزياء أخرى مثل «إيسي مياكي» و«ديور» و«بيربري» وآخرون، اكتشفوا أن هذه التصاميم لها جمهور عريض يمكنهم استقطابه والاستفادة منه.

في هذه الفترة، أي التسعينات، اكتسب الزواج بين الموضة المترفة والراقية والرياضة بتصاميمها العملية، رسميته. ابتكرت أقمشة خفيفة ومتينة في الوقت ذاته، وتمت الاستعاضة عن الأزرار بسحابات في تصاميم غلبت عليها العملية. شركات الساعات كان لها هي الأخرى قُرص في هذا العرس. تنافست على إصدار ساعات يد بتعقيدات ووظائف موجهة للرياضات المائية بكل أشكالها وتسلق الجبال وطبعاً كرة القدم. شركة «هيبلو» واحدة من هذه الشركات. فهي تقدم ساعات ذكية خاصة ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز، وساعات كرونوغراف ميكانيكية للبطولة نفسها منذ عام 2006.

في عرض «بول كوستيللو» ظهرت العارضات بأزياء وإكسسوارات مستوحاة من ميادين التنس (بول كوستيللو)

في التاريخ الحديث، يعيد بعض الخبراء اجتياح الأزياء الـ«سبور» عالم الموضة إلى جائحة كورونا. كانت فترة عصيبة على كل الأصعدة، لكن من إيجابياتها على الموضة، أنها منحت المصممين الوقت الكافي للتركيز على تطوير التقنيات وتحفيزهم على المزيد من الاختبار والابتكار، الأمر الذي نتج عنه أنسجة خفيفة تمنح الجسم التهوية في الصيف والدفء في الشتاء، إلى جانب إخراج هذه التصاميم من إطارها العملي أو الوظيفي إلى الشارع والمناسبات المهمة تماشياً مع التغيرات التي لمست حياتنا بشكل مباشر.

في لقاء خاص مع «الشرق الأوسط» صرح داميان برتراند، الرئيس التنفيذي لدار «لورو بيانا» بأنه استغل «الجائحة لقراءة تحولات السوق». اكتشف خلالها أنه من الصعب على المرأة أن تعود إلى أزياء معقدة بما فيها الحذاء ذي الكعب المدبب والعالي. كان واضحاً أنها استحلت طعم الراحة، وفي الوقت ذاته لا تريد التنازل عن أناقتها. على هذا الأساس، عمل برتراند مع استوديو التصميم على طرح أزياء وإكسسوارات تعكس هذه المطالب، منها مجموعة أزياء «كوكونينغ» التي نفدت من الأسواق في غضون أسابيع قليلة.

بيد أنه ما من شك أن المد الرياضي الذي تابعناه مؤخراً في عروض الأزياء العالمية، يدين بشعبيته لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، كما لبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي تستضيفها باريس هذه الأيام. العديد من المصممين دخلوا منافساتها وكلهم أمل أن يحصدوا ميداليات ذهبية تترجمها أرقام المبيعات بطرح أزياء وإكسسوارات، إما تحتفل برياضة ما، وإما تُغري بأخرى.

بأسلوبها المعهود رسمت «موسكينو» في خط ريزورت لعام 2025 تشكيلتها بفنية عالية تعكس أجواء رياضية (موسكينو)

في عرضها لربيع وصيف 2025، مثلا، كشفت علامة «موسكينو» عن ثاني تشكيلة لمديرها الإبداعي أدريا أبيولازا. أطلق عليها عنوان «لوست أند فاوند»، وتعمد فيها أن يحتفل بكل ما هو متفرد ويستكشف الإنجازات والبطولات الإنسانية. الاحتفال بالرياضة وتحديداً كرة القدم واحدة منها، رسم الصورة على طريقة «موسكينو» بأسلوب أقرب إلى الـ«بوب آرت» ظهرت فيه نقشات سادت في تسعينات القرن الماضي، مثل زهور السلام وكرات القدم.

دار «كنزو» التي تنضوي تحت جناح مجموعة «إل في آم آش» التي صممت ملابس فريق الجودو الفرنسي، هي الأخرى طرحت سلسلة من الأحذية الرياضية للجنسين، صرحت بأنها تحتفل بها بالأولمبياد وبفرنسا، لكنها يمكن أن تناسب أي زمان ومكان إذا كان المطلوب هو الراحة.

الفنانة زيندايا بإطلالة من «برونو كوتشينيللي» تُلخص كل معاني «السبورت شيك» (برونو كوتشينيللي)

في كل الحالات، فإن الحماس الذي صاحب الفعاليات الرياضية التي شهدها عام 2024، فتح نفس عشاق الموضة على تصاميم مريحة وأنيقة أدخلتهم عالم البطولات. إقبالهم عليها يمنحهم الشعور بأنهم مواكبون للأحداث. ليس هذا فحسب، فالمهم فيها أن مصمميها تأكدوا أن تجمع الأناقة بالراحة والعملية، وتنقل صاحبها من أماكن العمل إلى المناسبات الخاصة بسلاسة، وليس أدل على هذا من إطلالة الفنانة زيندايا لدى حضورها بطولة «روليكس مونتي كارلو ماسترز» Rolex Monte-Carlo Masters الأخيرة. اختارت أزياء مستوحاة من عالم التنس قد تكون جريئة بالنسبة لشخص عادي، لكنها في غاية الإثارة والجمال. كانت الإطلالة من تشكيلة دار «برونو كوتشينيللي» لخريف وشتاء 2024، تتكون من كنزة من الصوف بياقة على شكل V تزينها أزرار، وشعار بالأسود والأصفر على جانب الصدر، وتنورة ماكسي من حرير الساتان، أيضاً باللون الأبيض الكريمي، أضفت عليها الجيوب روحاً شبابية.

نجمات وشخصيات أخريات ركبن الموجة، كل حسب ذوقها. المؤثرة هايلي بيبر والعارضة بيلا حديد مثلا ظهرتا في عدة مناسبات ببنطلونات قصيرة مستوحاة من سباقات الدراجات الهوائية. مظهر يستحضر في الكثير من تفاصيله بعض إطلالات الأميرة الراحلة دايانا، وهي متوجهة إلى ناديها الرياضي أو ترافق الأميرين وليام وهاري إلى المدرسة: شورت ضيق وكنزة صوفية واسعة. مظهر ارتبط بحقبة الثمانينات التي شهدت انتعاش بنطلونات الليكرا. اكتسحت ساحة الموضة ودخلت الحياة اليومية بل حتى الملاهي الليلية آنذاك، وهو ما سجلته أفلام سينمائية حققت نجاحات كبيرة، مثل Grease وغيرها من الأفلام التي صدرت في تلك الحقبة.

كنزة مستوحاة من عالم التنس على بنطلون واسع مريح (بول كوستيللو)

رغم شعبيتها، تعرضت بنطلونات الليكرا تحديداً للكثير من الانتقادات من خبراء الموضة، والتنمر من المنتقدين، لأنها لم تكن رحيمة بكل المقاسات والمقاييس. لكن شتان بين القطع الرياضية في الثمانينات وبينها اليوم. أصبحت أكثر أناقة، ولم تعد تقتصر على الـ«ديسكو» أو النوادي الرياضية، بعد أن دخلت أماكن العمل بفضل تقنياتها الجديدة من جهة، وتخففها من رسميتها من دون ابتذال. من بين أكبر المؤشرات على دخولها الموضة الراقية، دخول بيوت أزياء مثل «لورو بيانا» و«زيغنا» و«برونو كوتشينيللي» والمصمم الإيرلندي الأصل، بول كوستيللو و«برادا» ميدانها، وأصبحت مفعمة بالأناقة تفصيلاً وتفاصيل.


مقالات ذات صلة

«السبورت شيك»... أناقة وراحة

لمسات الموضة صورة من «ديور» لملابس صممتها للاعبة التنس بولين يدغوليدي (ماريلي أندريه لـ«ديور»)

«السبورت شيك»... أناقة وراحة

مع اجتياح الفعاليات الرياضية حياتنا اليومية، طفت إلى السطح تلك العلاقة المثيرة بين الرياضة والموضة. فكيف تستفيدين منها وتوظفينها بشكل يناسبك؟

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اشتهرت الدار منذ انطلاقها بالإثارة ونقشات الحيوانات الاستوائية (خاص)

«روبرتو كافالي»... ضيف شرف في أسبوع دبي المقبل

أعلن أسبوع دبي للموضة عن مشاركة علامة «روبرتو كافالي» ضيف شرف في فعاليات نسخته المرتقبة لربيع وصيف 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ملكة الدنمارك ماري تتابع فعاليات فريق بلدها للفروسية التي احتضنها قصر فرساي (إ.ب.أ)

الأعلام تجمع الشعوب

تصاميم وألوان متنوعة تطل علينا في كل يوم خلال أولمبياد باريس 2024. ولا نقصد هنا ملابس الرياضيين فحسب؛ فذلك كان متوقعاً فيها أن تتوهج بألوان قوس قزح والتفاصيل…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة هل عادت تنورة المطبوعة بنقشة «الفهد»؟ كيفية تنسيق إحيائها في عام 2024

هل عادت تنورة المطبوعة بنقشة «الفهد»؟ كيفية تنسيق إحيائها في عام 2024

عادت التنورة المطبوعة بنقشة «الفهد» أو «النمر» مجدداً لساحة الموضة لعام 2024، مستشهدةً بعروض أزياء كثيرة أطلَّت فيها هذه النقشة، تارةً بخجل وتارةً بقوة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسبوع دبي للموضة يكشف برنامجه المبدئي لربيع وصيف 2025

من تصاميم المغربية سارة شرايبي في الموسم الماضي (أسبوع دبي للموضة)
من تصاميم المغربية سارة شرايبي في الموسم الماضي (أسبوع دبي للموضة)
TT

أسبوع دبي للموضة يكشف برنامجه المبدئي لربيع وصيف 2025

من تصاميم المغربية سارة شرايبي في الموسم الماضي (أسبوع دبي للموضة)
من تصاميم المغربية سارة شرايبي في الموسم الماضي (أسبوع دبي للموضة)

بدأت عواصم الموضة العالمية الإعلان عن تواريخها لموسم ربيع وصيف 2025 وكشف قوائم الأسماء المشاركة فيها. واحدة من هذه العواصم هي دبي. فأسبوعها للموضة دخل البرنامج الرسمي العالمي، وبات يسبق أسبوع نيويورك، في الفترة بين 1 و7 سبتمبر 2024 .

ويقدّم أسبوع دبي للموضة هذا الموسم، أكثر من 30 علامة تجارية من فرنسا والهند وإندونيسيا وإيطاليا والكويت ولبنان وليبيا وماليزيا وفلسطين وروسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة. كلها ستقدم اقتراحاتها من الأزياء الجاهزة والأزياء الراقية. كما سيجري تنظيم فعاليات متنوّعة تضمّ 40 عرضاً وحفل عشاء خاصّاً يستهدف تسليط الضوء على الأسبوع وعلى المشاركين فيه.

من تصاميم ديما عياد خلال أسبوع دبي الموسم الماضي (أسبوع دبي للموضة)

وسوف تتركّز الأيام الثلاثة الأولى من أسبوع دبي للموضة على علامات مثل «Alia Bastamam» و«April & Alex» و«Benang Jarum» و«BLSSD» و«Lama Jouni» و«Mrs. Keepa» و«Dima Ayad» و«Born in Exile» و«Buttonscarves» و«Choice» و«Heaven Lights» و«Riva» و«Viva Vox» و«Weinsanto». أما اليوم الأخير فسيتركّز على مواعيد خاصّة مع الزبائن والمشترين إضافةً إلى سوق مفتوحة للمهتمين، في بادرة هي الأولى من نوعها في الأسبوع، وذلك لتمكين تجّار التجزئة من أنحاء العالم كافة من الحصول على أزياء وإكسسوارات بشكل مباشر وسريع.

بهذه المناسبة، أشارت خديجة البستكي، النائب الأول لرئيس مجموعة «تيكوم – حي دبي للتصميم»، إلى أنّ دبي تؤثر بشكل كبير في إيقاع تنظيم فعاليات الموضة العالمية، وأنّ المجموعات التي يقدمها المصمّمون المشاركون في هذا الحدث، تسهم في إضفاء لمسة مهمة على صناعة الموضة والأزياء وتعزيز التنوّع وتسليط الضوء على المواهب الناشئة في المنطقة.

من إبداعات المصممة لاما جوني (أسبوع دبي للموضة)

ولتوفير منصة هادفة للمصممين في المنطقة، قال محمد عقرة، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في مجلس الأزياء العربي: «يُعدّ تعزيز الروابط وإيجاد قنوات التواصل الفعّالة بين تجار التجزئة من حول العالم والمصمّمين المبتكرين الذين يلقي عليهم أسبوع دبي للموضة الضوء، من الأهداف الرئيسية لبرنامج الجهات العالمية الراغبة بالشراء، والذي نطلقه للمرة الأولى تزامناً مع النسخة المقبلة من أسبوع دبي للموضة. وتأتي ردود الفعل والتعليقات الإيجابية من أبرز الجهات الفاعلة ضمن قطاع الأزياء العالمي تأكيداً للدور البارز الذي تلعبه مثل هذه المنصّة على الساحة العالمية. ونؤكد التزامنا الراسخ دعم قطاع الأزياء عبر تزويد المصمّمين والتجّار على حدٍّ سواء بمجموعة غنية من فرص النمو».