عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

كيف حرّك عرس العام الاقتصاد الهندي وأنعش الموضة والمجوهرات؟

صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
TT

عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)

انتهت أخيراً مراسم زواج أنانت أمباني (29 عاماً)، نجل أغنى رجل في آسيا موكيش أمباني، على راديكا ميرشانت (29 عاماً)، وبينما عدّه البعض زواج الأحلام بتفاصيله وجواهره وألوانه، وصفه البعض الآخر بالسيرك أو فيلم بوليوودي.

الفئة الأولى أثارها بذخه، وبهرها استقطابه لعدد كبير من نجوم هوليوود وبوليوود والسياسيين، فهذا يشير إلى مكانة الهند المتنامية على الساحة العالمية، اقتصادياً وسياسياً، ولو من خلال قوة أحد أبنائها ورجال أعمالها، أما الفئة الثانية فصرّحت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنها أصيبت بالتخمة من كثرة برامجه وطول أيامه، حتى الأزياء الزاهية والمجوهرات البراقة قالوا إنها أصابت عيونهم بالزغللة وعمى الألوان.

الممثلة البوليوودية لوليا فانتور لدى وصولها حفل الزفاف (رويترز)

والحقيقة أن الأزياء تصارعت مع المجوهرات، بدرجة حوّلت الأقمشة في الكثير من الإطلالات إلى مجرد أرضية مهمتها الأولى إبراز جمال وغلاء الأحجار الكريمة التي رُصّعت بها، مثل فستان مرصع كامله باللؤلؤ، وجاكيت مطرّز بخيوط ذهبية، ويُعقد بأزرار من الزمرد أو الياقوت، أما المجوهرات بمفهومها التقليدي كأقراط وعقود وخواتم وإكسسوارات شعر فحدّث بلا حرج، حيث كانت بأحجام ضخمة، ضاربةً عرض الحائط بأيّ عمليات حسابية عن التوازن والتناسق، فهي هنا تحاول سرقة الأضواء من صاحبتها، والحصول على لقب الأكثر جمالاً وبريقاً.

الممثلة مادهوري ديكسيت في ساري مرصع بالأحجار لدى وصولها الحفل (رويترز)

في قاموس الثقافة الغربية فإن المبالغة كانت السائدة، لكن هذه المبالغة في الثقافة الهندية تعكس ثقافة عامة، تعشق الألوان والزينة، وتتشبّث بالهوية والتقاليد، كما أنها لا تشعر بالحرج من استعراض وجاهتها أمام الملأ، وبالتالي فإنه بغضّ النظر عن أي انتقادات نابعة من اختلاف الثقافات والأذواق، فإن هذا البذخ له إيجابياته، والمعروف عن الأعراس الهندية أنها تضخ في اقتصاد البلاد بالمليارات سنوياً، ووفق البعض فإنها صناعة مضادة للركود، لا سيما إذا أقيمت في الهند، وهذا ما يجعل عُرس أمباني مهماً، فبالرغم من أن تكلفته تقدّر بمئات الملايين، فإنه حرّك اقتصاد البلاد، وخلق فرص عمل للمواطنين من شتى التخصصات والمجالات؛ من الحراس الشخصيين الذين رافقوا الضيوف، إلى الفنادق والمطاعم، ومصمِّمي الرقصات والأغاني، ومصمِّمي الحفلات وبطاقات الدعوة وديكورات قاعات الأعراس، مروراً بخبراء الإضاءة، وتنسيق الزهور، والطهاة المتخصصين في مآدب الأعراس، وهلم جرّاً.

نجمة بوليوود أيشواريا راي باشان مع ابنتها لدى وصولهما حفل الزفاف (أ.ف.ب)

والأهم من هذا، أنه أنعش ورشات الصاغة والحرفيين والمصمّمين الهنود، الذين كان لهم نصيب كبير من كعكة العرس هاته، بالنظر إلى أن «الساري» بأشكاله هيمن على المشهد، كذلك المجوهرات التي تزيّنت بها العروس والحاضرات، أغلبها جاء بنكهات هندية، أو مستوحاة من الحضارة الهندية. المثير فيها أنها كشفت كيف يتعامل الهنود مع الذهب والأحجار الكريمة خزينةً أولاً وزينةً ثانياً، وليس العكس، وهذا ما تقرأه من خلال أحجام الأحجار، وكيف تراصّت شلالاتٍ تنساب من العنق إلى الصدر، كل ما فيها يؤكد أنها اقتُنِيت بنيّة الاستثمار، بما في ذلك استعراضها في الأعراس والمناسبات الكبيرة، كلما كانت سخية عدداً وحجماً، ارتفعت أسهم ومكانة أصحابها، من النساء والرجال على حد سواء.

من ناحية أخرى، فإن أي جدل أثاره بذخ عرس عائلة أمباني، يبقى غير شخصي، بمعنى أنه موجّه له؛ لأنه بكل بساطة ليس جديداً، سبق أن تعرضت صناعة الأعراس المكلّفة لنقاشات وصلت إلى قبة البرلمان في عام 2016، تطالب بسنّ تشريعات لتقنينها، وأحد المسؤولين على هذا الاقتراح هو رانجيت رانجان، عضو برلماني من بيهار، قدّم مشروعه تحت عنوان «حفلات الزفاف - تسجيل إجباري ومنع إهدار النفقات».

أراده أن يُلزم من ينفق على حفلات الزفاف أكثر من 7.500 دولار بالتبرع بنسبة 10 في المائة من المال إلى الحكومة، التي سوف تستغله في تمويل زواج الفتيات الفقيرات، كذلك يستهدف التشريع وضع حد لعدد الضيوف المدعوين، والأطباق التي يتم تقديمها في حفلات الزفاف، وقد وافق مجلس الوزراء والرئيس على هذا المشروع، طبعاً لم يؤثر هذا المشروع على مليارديرات الهند، فحفلات الزفاف مناسبة لا مكان فيها للتقشف، وبالتالي فإن أي مصاريف جانبية هي مصاريف هامشية مقدور عليها، المهم ألّا تهتز مكانتهم الاجتماعية، وقوتهم الاقتصادية أو السياسية.

من بين أغلى الأعراس في الهند

العريس أنانت أمباني وعروسه راديكا ميرشانت (أ.ف.ب)

- في عام 2004، أقام لاكشمي ميتال قطب الأعمال الشهير، حفل زفاف ابنته في قصر فرساي بفرنسا، بتكلفة قيل حينها إنها بلغت نحو 60 مليون دولار، وسرعان ما دخلت عوائل هندية أخرى من الطبقات الاجتماعية العليا المنافسة.

- وفي عام 2007، أقام رجل الأعمال الهندي - الأميركي، فيكران تشاتوال، حفل زفاف في دلهي، أثار اهتمام قناة «ديسكفري» الوثائقية، التي أنتجت فيلماً عنه بعنوان «زفاف هندي رائع». وفي نفس العام، 2007، أقيم حفل زفاف آرون نايار وإليزابيث هيرلي، الذي استمرت الاحتفالات به طيلة 8 أيام عبر قارتي أوروبا وآسيا، وتحديداً ما بين قلعة «سوديلي» في غلوسسترشاير ببريطانيا، وقصر «أوميد بهاوان» في جودهبور في الهند.

- وفي عام 2016، أقام الوزير السابق جاناردان ريدي حفل زفاف ابنته في مدينة بنغالور، بتكلفة بلغت حوالي 75 مليون دولار.


مقالات ذات صلة

محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

لمسات الموضة تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة   (آشي استوديو)

محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

لم تكن فكرته الانفصال التام عن الواقع، بل فقط الابتعاد «ولو بأرواحنا وجوارحنا» عن إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم.

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة عروسه لخريف وشتاء 2024-2025 تميل إلى الفني والتفرد (ستيفان رولان)

كيف نجح المصمم ستيفان رولان في الجمع بين النعومة والإثارة بخيط رفيع؟

إذا كان هناك شيء واحد تخرج به بعد عرض ستيفان رولان لخريف 2024 وشتاء 2025، الذي قدمه في أسبوع باريس للـ«هوت كوتور»، فهو أن الوفاء من شيمه؛ إنه عاشق وفيٌّ لباريس.

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة استُلهمت من ثلاثينات القرن الماضي الذي انتعشت فيه حركة الطيران والسفر (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تطير بتحفة ساعاتية للكبار

بسعر 42 ألف دولار، يمكن لعشاق التحف الساعاتية والطيران، على حد سواء، اقتناء هذه القطعة المبتكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من القطع التي صممتها الدار في عام 1907 لأحد هواة اقتناء التحف (فان كليف آند آربلز)

«فان كليف آند آربلز» تستعرض إرثها بكتاب للتاريخ ومجوهرات لملكات مصر

في بداية الشهر الماضي، أعلنت مجموعة «ريشمون»، المالكة لعدة دور ساعات ومجوهرات، تعيين كاثرين رينييه، الرئيس التنفيذي السابق في دار «جيجير لوكولتر» رئيساً…

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)

فستان زوجة رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك يثير موجة من التهكم والتعليقات السلبية

إذا كان الرابع من شهر يوليو (تموز)، يوماً تاريخياً على المستوى السياسي في بريطانيا، فإن الخامس من الشهر نفسه سيبقى مرسوماً في ذاكرة الموضة من خلال فستان مقلم…

جميلة حلفيشي (لندن)

«موسم باريس» للموضة للخريف والشتاء المقبلين والتنازع بين السياسة والرياضة

لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
TT

«موسم باريس» للموضة للخريف والشتاء المقبلين والتنازع بين السياسة والرياضة

لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)
لم يكن صعباً على فريق العمل في «شانيل» تجاوز غياب مدير فني يقودها... كانت جينات الدار قوية وكافية (شانيل)

باريس مشغولة هذه الأيام بالانتخابات والاستعدادات الأولمبية. تأثير هذه الاستعدادات كان واضحاً على «أسابيع الموضة»؛ بدءاً من الأسبوع الرجالي إلى الـ«هوت كوتور» الذي انتهت فعالياته يوم الأربعاء الماضي. لم تكن مثيرة كما كانت عليه في السابق. سرقت منها الاستعدادات الانتخابية والأولمبية، وما سببته من زحمة سير خانقة، سحرها وبريقها المعهودين. الرحلة التي كانت لا تتعدى 15 دقيقة مثلاً، باتت تستغرق نحو 45 دقيقة أو أكثر. في كل رحلة تضطر لإظهار التعاطف مع سائقي التاكسيات وهم يتذمرون من «عشوائية التنظيم»؛ وفق رأيهم، وكيف أدت أعمال البناء والترميم؛ القائمة على قدم وساق، إلى إغلاق شوارع حيوية وإخفاء معالم جمال العاصمة الفرنسية خلف ورشات بناء رمادية.

على مستوى الموضة؛ وبما أن «أسبوع الأزياء الراقية» جزء من الثقافة الفرنسية، فقد توقع المنظمون في «فيدرالية الأزياء» والـ«هوت كوتور» تأثيرات هذه الاستعدادات، واستبقوها بتغيير تاريخ الأسبوع من شهر يوليوز (تموز) إلى شهر يونيو (حزيران) على أمل تفادي زحمة السير وحجوزات الفنادق والمطاعم وغيرها. باءت محاولاتهم بالفشل، لا سيما أن تغيير التاريخ كان له تأثير سلبي على عدد المشاركين الكبار. انسحبت مثلاً دار «بالمان» وغابت «فندي»؛ كذلك «فالنتينو». هذه الأخيرة بسبب الاستبدال بمصممها بيير باولو بيتشولي، أليساندرو ميكيلي الذي سيقدّم تشكيلته الأولى للدار في سبتمبر (أيلول) المقبل. كذلك ألغت دار «جيفنشي» مشاركتها إلى حين أن ترسو على مدير فني جديد يُعوض الأميركي ماثيو ويليامز الذي غادرها في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

كلما زادت درجات الحرارة وتصبب العرق، يتبادر إلى الذهن سؤال عن مدى جدوى الـ«هوت كوتور» في حياتنا وأهمية هذه العروض المتناثرة حول المدينة للمصممين. سؤال أجاب عنه «ديمنا» مصمم دار «بالنسياغا» بقوله: «لا أحد يحتاج الكوتور»، ومع ذلك الكل ينتظر هذا الموسم بشغف؛ بمن فيهم من ليست لهم سوى فسحة الحلم. أما بالنسبة إلى المصممين، فإنه الموسم الذي يسمح لهم باختبار أفكار جامحة ومجنونة أحياناً.

استوحى المصمم هذه القطعة من وشاح مصنوع من ريش الديك في الأربعينات... استعمل هو المعدن لصياغة الريش (سكياباريللي)

ورغم أن هذا الجموح غاب في السنوات الأخيرة بسبب الضغوطات التي تطالبهم بطرح تشكيلات واقعية تحقق الأرباح، فإن البعض يحاول إدخال قطع فنية يستعرضون عبرها إمكاناتهم الإبداعية. الأميركي دانييل روزبيري، المدير الفني لدار «سكياباريللي» واحد من هؤلاء. اتكأ هذا الموسم على جرأة مؤسسة الدار إلسا سكياباريللي، وكأنه يحتمى بتاريخها الفني ليُبرر قطعاً سريالية تبدو فيها العارضات نصباً تذكارية متحركة مثل «كاب» من الريش مصنوع من المعادن.

كانت إلسا سكياباريللي من أوائل المصممين الذين زاوجوا الموضة بالفن، وبالتالي حاولت إدخال الفن إلى حياتنا اليومية من خلال الأزياء والإكسسوارات. استماتت لتحقيق هذا الهدف، لكن توجهات السوق هزمتها في النهاية، لتتوارى عن المشهد الإبداعي وتعيش في الظل إلى مماتها. دانييل روزبيري، أحياها في تشكيلة أطلق عليها «طائر الفينيق»؛ في إشارة إلى إعادته أسلوبها الفني الجامح، الذي يلمس المشاعر أكثر مما يلمس العقل.

كان عرض سكياباريللي فنياً بكل المقاييس... عاد فيه الأميركي روزبيري إلى أسلوب المؤسسة إلسا وشغفها بكل ما هو فني ومبتكر (سكياباريللي)

وفق قول المصمم: «لقد قيل لي مؤخراً إن الناس لا يشترون سكياباريللي بل يقتنونها، وهذا ما يجعل تصميم خط الـ(هوت كوتور) مميزاً بالنسبة إليّ. إنه يُعبر عن رؤيتي للدار اليوم؛ رؤية بعيدة كل البعد عن التسويق والترويج. لكنه أيضاً طريقة لتكريم تلك العلاقة الحميمة التي أعطي فيها المرأة القدرة على أن تولد من جديد؛ مراراً وتكراراً».

بعد العرض صرح دانيال روزبيري بأنه تجنب إحداث الصدمات للحصول على مباركة وسائل التواصل الاجتماعي. اختار في المقابل أن يُقارب أسلوب إلسا بلغة فنية معاصرة. وكانت النتيجة القطعة المغطاة بالريش التي تُدوولت على نطاق واسع. شرح أنه استلهمها من رسمة لـ«دوناند (Dunand)»، ترجمتها المصممة في وشاح مصنوع من ريش الديك وضعته على كتفيها في الأربعينات، لدى حضورها حفل تكريم راقصة الباليه الراحلة آنا بافلوفا. كانت هذه القطعة كافية لمنح المصمم الحالي كل التغطيات الإعلامية التي يحتاجها روزبيري من دون أي حاجة إلى حيل أو خدع.

تاريخياً كانت هناك منافسة شرسة بين غابرييل شانيل وإلسا سكياباريللي وصلت إلى درجة العداوة. أمر كان يعرفه القريب والبعيد. نجحت غابرييل، أو «كوكو»، فيما فشلت فيه إلسا: قراءة تغيرات الثقافة في منتصف القرن الماضي، وتقبل إملاءات الموضة العملية آنذاك. غابرييل في المقابل احتضنت التغيير، بل يمكن القول إنها ساهمت في ظهوره والدفع به إلى الواجهة.

أيقونات الدار من تايورات التويد والفساتين الناعمة ظهرت بترجمة معاصرة وأنيقة (رويترز)

وهذا ما زلنا نلمسه في كل تشكيلة تطرحها الدار وتستند عليه بثقة. حتى خروج مديرتها الفنية فيرجيني فيار المفاجئ في 6 يونيو (حزيران) لم يؤثر عليها أو يُثنها عن تقديم عرضها. فهي مؤمنة بقوة جينات الدار وقدرتها على لمس مشاعر كل الأجيال. التشكيلة لا تحمل توقيع فيار، راهنت فيها الدار على مهارة استوديو العمل، وكسبت؛ إذ تميزت التشكيلة برؤية واضحة وخطوط سلسة. والأهم من هذا غلبت عليها روح شبابية غابت عنها نحو 5 سنوات، وهي الفترة التي قضتها فيرجيني فيار مديرةً إبداعية؛ علماً بأنها عندما عُيِنت بعد وفاة كارل لاغرفيلد في عام 2019، كان من المفترض أن يكون تنصيبها مؤقتاً حتى تجد الدار مديراً فنياً جديداً، لكنها ظلت 5 سنوات.

حتى تايورات التويد الكلاسيكية خضعت لعمليات تجميل خفيفة جداً تناسب كل الأجيال (شانيل)

في لقاء سابق مع «الشرق الأوسط»، قال برونو بافلوفسكي، الذي يُشرف على جانب الأزياء والإكسسوارات منذ أكثر من عقدين من الزمن وعايش تغيرات وتحديات عدة، إن «ما نقوم به الآن لا نستعجل ثماره غداً». من هذا المنظور، كان اختيارها بعد وفاة لاغرفيلد لضمان الاستمرارية، بحكم أنها عملت معه لأكثر من عقدين من الزمن، وبالتالي تحفظ جينات «شانيل» وثقافتها عن ظهر قلب. لكن المأخذ عليها أنها سلكت الطريق المضمونة، وكانت النتيجة أنها لم تُضف بصمة خاصة تُحسب لها. يوم الثلاثاء الماضي، تهامس كثير من الحضور بأن خروجها بث في الدار ديناميكية جديدة.

كان واضحاً أن فريق العمل لم يجد صعوبة في ضخ التشكيلة بنفَس شبابي تجسد في القصات والإكسسوارات على حد سواء. وهكذا، ولأول مرة منذ 5 سنوات بدت الأزياء كما لو أنها خضعت لعملية تجميل. قد تكون عملية خفيفة جداً، إلا إنها أنعشت كل قطعة، بما فيها جاكيت التويد الأيقوني والتنورات، التي أخذت أشكالاً تنوعت بين المستدير نوعاً ما والمستقيم كالعادة. الفستان الناعم أيضاً ظهر بأقمشة وألوان متنوعة وخطوط أكثر انطلاقاً تشم من بين كشاكشه وتطريزاته شقاوة طفولية.

أيقونات الدار من تايورات التويد والفساتين الناعمة ظهرت بترجمة معاصرة وأنيقة (شانيل)

كان منظر العارضات وهن يتنقلن بين ردهات قصر «غارنييه»؛ المكان الذي قدمت فيه الدار عرضها، كأنهن راقصات باليه في مقتبل العمر. حتى عندما كانت الواحدة منهن تظهر بتايور مفصل من التويد يبدو من بعيد كأنه مأخوذ من خزانة والدتها، كانت الفيونكات التي تُزيِن ضفائرهن والأحذية المريحة، تعيدهن إلى فترة الصبا. هذه الصورة لم تأت من فراغ. فقد رسمتها الدار بدقة وعناية لتُذكرنا بعلاقة غابرييل والدار من بعدها بالرقص. فهي الراعي الرئيسي لـ«أوبرا باريس الوطنية» منذ عام 2023، وراعية «باليه دو لوبرا» منذ عام 2021، وراعية الحفل الافتتاحي لموسم الرقص منذ عام 2018. هذا إضافة إلى تاريخها في هذا الفن منذ عام 1924، حين بدأت غابرييل شانيل تصميم أزياء مغنيات الأوبرا وراقصي الباليه. فريق التصميم استعاد هذا التاريخ ونسج خيوطه بالحاضر بخفة، في انتظار مدير فني يجمع باقي الخيوط معاً.

استعمل إيلي الألوان وسيلة لتقسيم تشكيلته إلى مجموعات متنوعة كان القاسم المشترك بينها الرومانسية والأنوثة (إ.ب.أ)

في اليوم نفسه وفي عرض إيلي صعب، الذي أقيم بقاعة خلف متحف «اللوفر»، يأتي الرد على كل الأسئلة التي ظلت تراودنا منذ بداية الأسبوع، عن أهمية الـ«هوت كوتور» ومدى تأثيرها على حياتنا. يأتينا الرد بليغاً وشافياً من صوفيا؛ حفيدة إيلي صعب، البالغة من العمر نحو 3 سنوات. كانت تجلس بين والدها إيلي جونيور ووالدتها كريستينا تتابع العرض بانبهار. ردود الفعل لديها وعيونها وهي تتتبع كل عارضة، ثم حماسها الطفولي إثر ظهور فستان الزفاف الفخم في آخر العرض، تكفي لتؤكد أن هذا الموسم مهم لخلق توازن نفسي وروحي وعاطفي بين الواقع والخيال.

ألهب فستان الزفاف الخيال بلونه السكري وذيله الطويل وتطريزاته الغنية (إ.ب.أ)

فإذا كان لهذا الفستان السكري اللون بتطريزاته الغنية، وطرحته البالغ طولها أمتاراً، هذا التأثير على طفلة لا تتعدى الثالثة من العمر، فما البال بفتيات في عمر الصبا أو الشباب؟ فهنا تبرز قدرة إيلي صعب على نسج قصص ساحرة عن الأميرات والأساطير تتجلى في تصاميم تنسدل على الجسم بخامات مترفة مثل الأورغانزا والحرير والموسلين والمخمل وتطريزات سخية بلمسات شرقية. هذه المرة لعبت القفازات الطويلة دوراً مكملاً لفساتين السهرة والمساء... ظهرت بديلاً للأكمام، والجميل فيها أنها بجلدها الناعم وتناقضه مع الخامات الأخرى، أضافت إلى هذه الفساتين ديناميكية أخرجتها من الكلاسيكية. أما التطريزات التي زينت الأكتاف وأجزاء أخرى من كل تصميم، فلم تكن مجرد إضافة جمالية بقدر ما كانت تخدم القصة السردية.

ظهرت قفازات طويلة بديلاً للأكمام في مجموعة من الإطلالات الخاصة بمناسبات السهرة والمساء (إيلي صعب)

يقول إيلي إن الفكرة التي انطلق منها هي لحديقة غناء تبدأ بإيحاءات قوطية رومانسية، ثم تتفتح تدريجياً بالورود والريش. لم يتجاهل إيلي في هذه التشكيلة الرجل. قدم له هو الآخر مجموعة من البدلات والـ«كابات» المطرزة، استوحاها من أجواء الأوبرا الفخمة ووجهها للمناسبات المهمة.

يشرح إيلي أنه قسم العرض مستعملاً الألوان فاصلاً، أو بالأحرى فصلاً جديداً. استهل العرض بمجموعة بالأسود، أتبعه بمجموعة لحديقة غناء تتفتح بالأزهار والورود، وتباينت فيها الألوان بين الزيتي والبنفسجي والأخضر والأحمر القاني، لينتهي العرض على نغمة بريق تنبعث من ألوان البيج، والذهبي، والرمادي. لكنه رمادي مبهج أنسانا، ولو للحظات، ما كان ينتظرنا خارج القاعة من شمس حارقة وزحمة سير.

كان الأسود حاضراً في مجموعة لا يستهان بها من التشكيلة... قال إيلي إنه نتيجة إيحاءات قوطية رومانسية (إيلي صعب)

ما أكده إيلي صعب للمرة الألف أن للـ«هوت كوتور» لغة فريدة توقظ كثيراً من المشاعر الكامنة. قد تكون للمصممين مختبر أفكار، وللزبونات المقتدرات فرصة للحصول على قطع فريدة لن تمتلكها غيرهن، أما بالنسبة إلى الأغلبية من المتابعين، فهي غذاء للروح والعقل؛ لأنهم مثل رواد القاعات الفنية والمتاحف، يكتفون بالاستمتاع باللوحات والتحف المعروضة ولو من بعيد.