لم ينتهِ العرض بنغمة حزن بل بتفاؤل فالنهايات ما هي إلا بدايات كما أكد المصمم (إ.ب.أ)
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
لندن:«الشرق الأوسط»
TT
دريس فان نوتن... وتشكيلة الوداع الأخير
لم ينتهِ العرض بنغمة حزن بل بتفاؤل فالنهايات ما هي إلا بدايات كما أكد المصمم (إ.ب.أ)
قليلون هم من ينسحبون من الأضواء وهم في القمة. المصمم البلجيكي، دريس فان نوتن، واحد من هؤلاء. قدّم خلال أسبوع باريس الرجالي لصيف 2025 آخر تشكيلة له، وكانت مسك ختام مسيرة امتدت لنحو 4 عقود، ولا شك في أن يوم 22 يونيو (حزيران) 2024 سيبقى تاريخياً بالنسبة لمحبيه.
في لاكورنوف، شمال باريس، قدّم المصمم تشكيلته لربيع وصيف 2025 أمام حضور كان يشعر بأنه لا يتابع عرض أزياء بقدر ما يشهد على نهاية قصة كتبها مصمم لم يخضع لإملاءات الموضة، بل فرض عليها احترامه، ببقائه وفياً لأسلوبه وقناعاته.
أسس في التسعينات من القرن الماضي، مع 5 مصممين بلجيكيين، مدرسةً قائمةً بذاتها، تتميز بالجرأة والرقي، وأصبحوا يُعرفون بـ«جماعة أنتوورب»، وهم آن ديمولميستر، وديرك فان ساين، وولتر فان بيرندونك، وديرك بيكمبورغ، ومارينا يي، وطبعاً هو: دريس فان نوتن.
كلهم تخرجوا في جامعة «أنتوورب» للفنون، وافتتحوا مشاغلهم في المدينة، ولم يغادروها إلى أي من عواصم الموضة العالمية رغم الإغراءات. ورغم اختلاف وجهات نظرهم الفنية، أو بالأحرى تفاصيلها، كان الإبداع محركهم الأول والأخير.
كان فان نوتن أكثرهم شهرة، بحيث لُقِّب بـ«سيد الموضة الفلمنكي»؛ لهذا عندما أعلن منذ بضعة أشهر في رسالة مفتوحة خبر تقاعده، تفاجأ عالم الموضة، لأنه كان في عز نجاحه الفني والتجاري. أما هو فبرّر قراره قائلاً: «أشعر بأن الوقت حان لإفساح المجال لجيل جديد من المواهب للتعبير عن رؤيتهم، وضخ دماء جديدة في الدار»، مشيراً إلى أن دار «فان نوتن» التجارية للأزياء والإكسسوارات والعطور، ستستمر من دونه، وسيتولاها فريق عمل معه لسنوات. قبل تقاعده، كان شرطه الوحيد لمجموعة «بوش» (Puig) الإسبانية التي استحوذت على حصة الغالبية من داره في عام 2018 أن يبقى الفريق في «أنتوورب»، حتى ينأى عن ضجيج عالم الموضة وتأثيراته.
غنيٌّ عن القول، إن عرضه الأخير كان الأكثر تشويقاً. لخص في تشكيلته لربيع وصيف 2025 أسلوبه المعروف بالتفصيل المتقن، الذي ظهر هنا في تصاميم «توكسيدو»، بأطوال تصل إلى الكاحل أحياناً، وجرأة الألوان، وتضارب الأقمشة، ما بين السميك والشفاف، وأيضاً النقشات التي غلبت عليها الأزهار. فالمعروف عن فان نوتن، أنه - إلى جانب حبه لتصميم الأزياء - يعشق الطبيعة، وسبق أن صرح في لقاء قديم بأنه بستاني من الدرجة الأولى، الأمر الذي يفسر أشكال الورود والأزهار التي تظهر دائماً في تشكيلاته. أحياناً بشكل خفيف جداً وأحياناً بشكل واضح.
تجدر الإشارة إلى أن فان نوتن ينحدر من أسرة زاولت الخياطة أباً عن جد. ورثها عن حب، واختار أن يصقل موهبته بالدراسة. بعد أن تخرج في «الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة» في بلجيكا عام 1981. بعد تخرجه بـ5 سنوات، قدّم أول تشكيلة له بصفته مصمماً مستقلاً. كانت قوية لفتت إليه الأنظار، لا سيما أنه تبنّى أسلوباً مختلفاً عن الدارج. غلب عليها أسلوب متوهج بالألوان، وتضارب النقشات مع لمسات «فينتاج» رومانسية.
قرار التقاعد بالنسبة له لم يكن متسرعاً. ففي عام 2018 وعندما باع حصة من الدار لشركة «بوش» الإسبانية، أعلن أنه سيبقى مديراً فنياً ومشرفاً عليها لمدة 5 سنوات. انتهت المهلة التي منحها لنفسه، وها هو ينسحب وهو في عز نجاحه وعطائه الفني. ومع ذلك، لم ينتهِ العرض بنغمة حزن، بل بتفاؤل. فالنهايات في الأحوال التي تكون قرارات شخصية مدروسة ما هي إلا بدايات، وبالنسبة لفان نوتن، فإنها تعني فرصة جديدة لممارسة هواياته التي أجّلها طويلاً، كما قال بسبب عدم توافر الوقت وضغوطات العمل.
قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.
وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.
هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.
ورشة العجائب
تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.
تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،
وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.
الواجهة والنوافذ
الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .
صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.
نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.
منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.
قطع حصرية لـ«هارودز»
احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.
الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.
من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.
متجران مؤقتان
بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.
أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.
تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.