الأسود... ظاهرة الموسم

صناع الموضة يبايعونه والمرأة تدين له بالولاء

أرسل بيير باولو بيكيولي 63 قطعة اختلفت تصاميمها وبقي لونها واحداً (فالنتينو)
أرسل بيير باولو بيكيولي 63 قطعة اختلفت تصاميمها وبقي لونها واحداً (فالنتينو)
TT

الأسود... ظاهرة الموسم

أرسل بيير باولو بيكيولي 63 قطعة اختلفت تصاميمها وبقي لونها واحداً (فالنتينو)
أرسل بيير باولو بيكيولي 63 قطعة اختلفت تصاميمها وبقي لونها واحداً (فالنتينو)

«فالنتينو»، «هيرميس»، «ماكسمارا»، «كلوي»، وطبعاً «شانيل» التي تعده لونها الخاص، وباقة من اليابانيين وغيرهم، اتفقوا هذا العام على عودة الأسود إلى الصدارة. شمل قرارهم هذا تشكيلات الخريف والشتاء والربيع والصيف، على حد سواء.

بيدَ أن قصة تربُّع الأسود على عرش الموضة ليست وليدة هذا الموسم أو ذاك، فهي تعود إلى عام 1926، عندما قدمت مصممة شابة اسمها كوكو شانيل للعالم فستاناً أسود ناعماً. أثار حينها ضجة وجدلاً في كل الأوساط، ليس لأنه كان أقصر مما كانت المرأة تألفه والأعراف تتفق عليه فحسب؛ بل لأنه كان قبل ذلك لون الحزن والحداد.

كانت مجلة «فوغ» الأميركية، من بين من لفتهم الفستان وتوقعوا نجاحه، حين كتبتْ معلِّقة عليه، أنه «سيكون القطعة التي ستلبسها كل نساء العالم». لم يخب توقعها. كان ثورة في زمانه، ولا يزال يتمتع بالوهج والإثارة نفسيهما، لدرجة تدفعنا للتساؤل: كيف لم ينتبه لجماله وإمكاناته أحد قبل الآنسة شانيل؟

الأسود والأبيض ماركة «شانيل» المسجلة تستعملهما في كل جزئية من تصاميمها (شانيل)

لم يتبيَّن حتى الآن ما إذا كانت كوكو شانيل سوداوية الطبع أم لا؛ لكن المؤكد أنها آمنت بتأثيره وإثارته إلى حد أنها كررت في كثير من المناسبات أنها لن تتخلى عنه، حتى تجد ما هو أكثر قتامة منه: «حتى ذلك الحين، سأكتفي بارتداء الأسود». بعد 1926، أثبت نفسه؛ حيث كان من الممكن أن ينضم إلى قائمة الألوان الأنيقة الأخرى؛ لكنه تسلطن وتربَّع في خزانة المرأة. لم يتزعزع منها حتى عندما حصلت هجمة «الإنستغرام» وبقية وسائل التواصل الاجتماعي المتعطشة لألوان صارخة ونقشات متضاربة من أجل الحصول على صور أكثر وضوحاً وتأثيراً.

عمليات التجميل التي يظل خاضعاً لها على يد مصممين جُدد تساهم في ضخِّه بالشباب والكاريزما. ومع الوقت نسي الجميع أنه لون الحِداد. دخل مناسبات المساء والسهرة والأفراح. الراحل عز الدين علايا –مثلاً- قال: «إنه لون يثير الفرح في نفسه».

من عرض «كلوي» الأخير حيث دمجت المصممة الأسلوب البوهيمي المنطلق بتصاميم مفصلة وراقية (كلوي)

هذا لا يعني أنه لا يتوارى أو تتراجع أهميته أحياناً لصالح موجة أو لون جديد؛ لكن دائماً لفترة قصيرة يعود بعدها أقوى. وهذا ما حصل مؤخراً. عروض الأزياء للخريف والشتاء والربيع والصيف، على حد سواء، أكدت أن واقع الموضة الجديد ولسنوات مقبلة سيتلون به. يمكن القول إن ظهوره المكثف في معظم العروض حوَّله من مجرد موجة موسمية إلى ظاهرة.

في عرض «فالنتينو» مثلاً، لوَّن مصممها السابق بيير باولو بيكيولي كل التشكيلة (63 قطعة) به. لم يستثنِ إطلالة واحدة منه، وهو الذي تعوَّد إتحافنا بألوان شهية، فضلاً عن عروض كل من «برادا» و«ماكسمارا» و«شانيل» و«كلوي» و«هيرميس» وهلمَّ جراً. بالنسبة للمصمم بيكيولي، فهمنا فيما بعد أن الدافع وراء هذه السوداوية قد يكون شخصياً. فبعد فترة قصيرة من العرض، أُعلن خبر استغناء دار «فالنتينو» عنه، أو خروجه منها بعد 25 عاماً من العطاء والتفاني. ولأن الأرجح أنه كان على علم بهذا القرار من قبل، فإن الشكوك تدور حول أنه اختار الأسود رمزاً لنهاية فصل مهم من مشواره المهني. وليس ببعيد أنه فصَّل العرض حداداً على ربع قرن من عمره.

ساد الأسود في تشكيلة «ماكسمارا» مُكسِّراً الصورة التي ارتبطت في الأذهان بألوان الكاراميل والعسل والشوكولاتة (ماكسمارا)

عرض «ماكسمارا» في المقابل كان بكل سواده احتفالياً. فالدار الإيطالية التي ارتبط اسمها في الأذهان بألوان تتباين عادة بين درجات العسل والكاراميل والبسكويت والسكر، مع نفحات من الرمادي والأزرق، فاجأت في تشكيلتها لخريف وشتاء 2024- 2025 الجميع، بإسناد دور البطولة للأسود.

وكما هي الحال في كل القصص السردية التي باتت ترافق عروض الأزياء -مثلها مثل الموسيقى والإضاءة- صرَّح مصممها البريطاني إيان غريفيث، بأن السبب يعود إلى الكاتبة والصحافية والممثلة الفرنسية كوليت: «كانت تلبس هذا اللون ولا تتخلى عنه، حتى أنه أصبح لونها الرسمي، وهذا ما أبهرني وأنا أتطلَّع إلى صورها». اكتشف أيضاً المساحات الكبيرة التي يتيحها للإبداع: «هذه المساحات تساعد على إبراز صورة ظلية أنيقة بخطوط سلسة» وفق قوله.

كانت كوليت الكاتبة والصحافية بتمردها على الأعراف وجرأتها ملهمة المصمم إيان غريفيث (ماكسمارا)

تغيير توجه الدار بهذه الدرجة كان جريئاً بالنسبة لدار أزياء، تكمن قوتها في معاطفها ذات الألوان الشهية؛ لكنه تغيير محسوب، تشعر فيه بأن الأسود هنا يحتفل بعلاقته المثيرة بالمرأة والممتدة على مدى قرن، وتحديداً تلك العلاقة الجريئة التي زرعتها فيه كوكو شانيل وتميَّزت بها كوليت. امرأتان خضَّتا المتعارف عليه في عصرهما، بذكائهما وثقافتهما الواسعة، وتعدد مواهبهما. كانت كوليت صحافية وكاتبة سيناريو، وفي بعض الأحيان خبيرة تجميل، وموسيقية. كانت أيضاً متمرِّدة لا تتقيد بإملاءات المجتمع والتقاليد، كما صرَّح غريفيث: «كانت تتمتع بروح متوثبة ومشاعر إنسانية تلامس القلب، وهذا ما أطمح إلى تحقيقه في (ماكسمارا) بوصفي مصمماً».

ظهر في المعاطف كما في القطع المنفصلة وفساتين السهرة والمساء (ماكسمارا)

لم يكن تبنِّي كوليت الأسود لوناً رسمياً هو وحده ما يُميِّزها. كانت أيضاً تميل إلى الملابس ذات اللمسات الذكورية، وهذا ما ترجمه المصمم في معاطف مستوحاة من التصاميم العسكرية وأخرى بأحجام سخية، كما في بنطلونات واسعة بخصور عالية. ربما يكون الماكياج وظهورها بأزياء محددة في بعض الأحيان ما يُذكِّرنا بأنوثتها. أمر ترجمه غريفيث من خلال تنورات بأطوال مختلفة، وقطع منفصلة أخرى أضفى عليها حداثة وعملية باعتماده أسلوب الطبقات المتعددة.

تبقى «شانيل» وفية لمؤسستها في كل المواسم بحضور اللون الأسود بشكله الأنيق في كل تشكيلاتها (شانيل)

غني عن القول، إن الأسود هو الحاضر الدائم في عروض «شانيل». مثله مثل الأبيض، لصيق بها. تستعملهما الدار في ديكورات محالِّها، وفي تغليف مستحضراتها، كما في أزيائها وإكسسواراتها. هما الآن ماركتها المسجلة، مثلما اللون البرتقالي لدار «هيرميس»، والأحمر الغامق لـ«كارتييه»، والفيروزي لـ«تيفاني أند كو»، والرمادي لـ«ديور». كانت القطع التي تلوَّنت به هذا الموسم لافتة وراقية كما العادة. استعملت فيها المصممة فيرجيني فيارد خامات متنوعة، تم تنسيق بعضها مع بعض، ليتحول الممتنع إلى سهل، والتضارب إلى تناغم.

لم يغِبْ أيضاً في عرض «برادا». برز في كنزات بياقات عالية وتنورات مستقيمة تغطي الركبة، وتايورات مستوحاة من بدلات رجالية مصنوعة من الصوف من الأمام، ومن الحرير والدانتيل من الخلف. قالت ميوتشا إنها «بمثابة عودة إلى الرومانسية التي ربما أصبحت من التابوهات». الفرق في عرض «برادا» أنه كان الأرضية التي أسندت ألواناً أخرى، وتناغمت معها لتخلق بالنتيجة صورة متنوعة تخاطب كل الأذواق.

الحركة اليابانية

هذه الموجة القوية للأسود، تعود بنا إلى حقبة الثمانينات، مع استقواء حركة يابانية قادها كل من إيسي مياكي، وراي كاواكوبو، مصممة «كوم دي غارسون»، ويوجي ياماموتو، وآخرون. هذه الحركة حوَّلته من مجرد لون تُقبل عليه المرأة للحصول على أنوثة ونحافة، إلى مفهوم قائم بذاته وأسلوب حياة. يكفي بخطوطه البسيطة الخالية من أي بهرجة للارتقاء بإطلالة أي امرأة، لا سيما في حقبة كانت تتسم بالمبالغات والبهرجة التي فرضها أسلوب «الماكسيماليزم»، مثل الأكتاف العريضة والعالية وألوان النيون والألوان المعدنية والزخرفات، وغيرها. كانت الحركة اليابانية مضادة، لعب فيها الأسود دوراً حيوياً.

لم يغب عن عرض دار «هيرميس» التي طرحته من الجلد وخامات ناعمة أخرى (هيرميس)

المصمم ياماموتو وصفه حينذاك باللون «المتواضع والمتغطرس، الكسول والسهل. إنه غامض؛ لكن قبل كل شيء هو لون يقول: أنا لا أزعجك فلا تزعجني». هذا القول تُرجم في أرض الواقع بأنه مضمون لا يثير الجدل السلبي أياً كان تصميمه، وبالتالي وظَّفه كل مصمم برؤيته الخاصة لرسم اللوحة التي يريد بيعها لنا.

جوليان دوسينا، مصمم دار «باكو رابانا» عبَّر عن هذه الرؤية قائلاً: «عندما أشاهد شخصاً يرتدي اللون الأسود في الشارع، أشعر وكأنني أرى لوحة من الفن التجريدي. تجعلني أركز أكثر على الحركة والشخصية».

تحوله إلى ظاهرة هذا الموسم يجعلنا نتوقف ونتساءل عند أسباب أخرى، حسب رأي أندرو بولتون، أمين قسم الأزياء في «متحف متروبوليتان للفنون» بنيويورك، قائلاً إن «عودته بهذه القوة يمكن أن تُعزى إلى الاضطرابات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نعيشها حالياً». فهو لون قوي يضمن الجاذبية، كما يمنح الثقة في كل الظروف.


مقالات ذات صلة

أنجلينا جولي... بين الأسود والألوان الترابية

لمسات الموضة صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)

أنجلينا جولي... بين الأسود والألوان الترابية

المرات التي ظهرت فيها أنجلينا جولي بألوان الطبيعة المتفتحة أقل بكثير من أن تُذكر، وغالباً ما تنسقها مع الأسود للتخفيف من «صراخها».

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اختلافات كثيرة وجرية تُفرِّق بين شخصيتَي كل من كاثرين ميدلتون وميغان ماركل وطموحاتهما

في عام 2019، تغيّر المشهد تماماً بعد زواج ميغان ماركل من الأمير هاري. فجأة، اشتدّت المقارنات بين «السلفتين»، وصبّت كلها في صالح السمراء القادمة من أميركا.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

«باجر»... ساعات سويسرية بجنسية كردية

ليلى يوسال، اسم يستوقفك لعدة أسباب، الأول أنها امرأة تنافس الرجال في صناعة الساعات الفاخرة، وثانياً أنها تتعامل مع إرثها الكردي كقضية وجودية لتمكين المرأة.

لمسات الموضة الزائر إلى المعرض سيستمتع بساعات تاريخية مكتوبة بالأحجار الكريمة والمعادن النفيسة (أ.ف.ب)

معرض «كارتييه» في متحف «فيكتوريا وألبرت» يفتح أبوابه للتاريخ

يتتبع المعرض العلاقة الخاصة والتاريخية التي تربط الدار بالعائلة الملكية البريطانية، منذ أن وصفها الملك إدوارد السابع بـ«صائغ الملوك وملك الصاغة».

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق الملك تشارلز وزوجته كاميلا يتجولان في روما (أ.ب)

بالذكرى العشرين لزواجها... الملكة البريطانية تعيد ارتداء فستان زفافها

وصلت الملكة البريطانية كاميلا إلى البرلمان الإيطالي مرتدية فستان زفافها الذي أقيم عام 2005، حيث احتفلت هي والملك تشارلز بالذكرى العشرين لزواجهما في روما.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أنجلينا جولي... بين الأسود والألوان الترابية

صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)
صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)
TT

أنجلينا جولي... بين الأسود والألوان الترابية

صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)
صورة أرشيفية تعود إلى عام 2021 تظهر فيها جولي بالأسود والأبيض (أ.ب)

أي متابع لتحركات أو مهتم بإطلالات أنجلينا جولي، سيتفق على أنها سيدة الألوان الحيادية والأناقة الهادئة بلا منازع. فلا أحد مثلها ظل وفياً للألوان الترابية أو الأسود، من دون التأثر بتغير موجات الموضة أو الخضوع لإملاءاتها الموسمية. كل الصور تُشير إلى أنها ألوانها المفضلة منذ أكثر من عقدين من الزمن أو أكثر. أي منذ بداياتها وحتى قبل أن تصبح «البُنيات» بما في ذلك لون هذا العام «موكا موس» موضة رائجة مضادة لألوان الدوبامين المتوهجة. المرات التي ظهرت فيها بألوان الطبيعة المتفتحة أقل بكثير من أن تُذكر، وغالباً ما تنسقها مع الأسود للتخفيف من «صراخها».

الأسود وموكا موس... لوحة هادئة وراقية (إ.ب.أ)

من هذا المنظور، يُحسب لجولي أنها على الرغم من أن هذه الدرجات الترابية كانت متجاهلة بوصفها مملة، تمسَكت بها. ليس هذا فحسب، بل أضفت عليها عملية راقية يمكن استشفافها في كل مرة تُطل علينا، سواء كانت متوجهة إلى المطار أو خارجة من «سوبر ماركت» أو تحضر مهرجاناً سينمائياً عالمياً لافتتاح فيلم من أفلامها أو إخراجها. تعتمده تارة في فستان سهرة من الموسلين يستحضر أميرات الأساطير، وغالباً مع بنطلون أو قميص أو فستان أسود.

فستان سهرة بني من الموسلين تصميم أنطوني فاكاريلو مصمم دار «سان لوران» في مهرجان البندقية السينمائي (إ.ب.أ)

كل هذه الإطلالات تخلَف الانطباع بأن فضلاً كبيراً في الترويج للدرجات الترابية، بل وربما إرساء أسلوب الفخامة الهادئة، يعود إليها. ففي كل قطعة بالبيج أو البني الغامق، ترسم لوحة تثير الإعجاب وفي الوقت ذاته تذوب أي شكوك قد تخامرنا حولها. تُقنعنا بأن تنسيقها لا يحتاج إلى جهد كبير، يكفي أحمر شفاه فاقع أو أقراط أذن من الماس أو الزمرد المتوهج تتدلى لتعزز لون عيونها أو حقيبة وحذاء بألوان صارخة تخلق تناقضاً متناغماً. فهذه التفاصيل البسيطة تضمن دائماً إخراج هذه الألوان من هدوئها وتحقنها بالديناميكية. هذه القدرة على رسم هذه اللوحة الهادئة والمؤثرة في الوقت ذاته، تُذكرنا بمقولة الراحلة كوكو شانيل إن «الموضة تتغير والأسلوب الخاص يبقى». وهذا ما تتمتع به جولي: الأسلوب الخاص.

تآمر النجمات وصناع الموضة

المتعارف عليه في العقود الأخيرة، توطد علاقة مصلحة بين صناع الموضة ونجمات من الصف الأول وحتى الثالث. علاقة أشبه بعملية مقايضة بينهما يُقدم صناع الموضة بموجبها آخر الصيحات من أزياء وإكسسوارات هدايا، غالباً قبل طرحها في الأسواق، وتظهر بها النجمات في صور يتم التقاطها في أماكن معينة، باتفاق مسبق. الفكرة أن تظهرن وكأنهن من اخترنها ودفعن ثمنها، في عملية ترويجية كانت ولا تزال الأسهل والأكثر شيوعاً.

فستان طويل من الكشمير بلون موكا موس نسقته مع حذاء بني (روجيه فيفييه)

أنجيلينا جولي، في المقابل، ظلت خارج هذه المنظومة تُغرِد خارج السرب. هذا لا يعني أن المصممين وبيوت الأزياء العالمية لا يتوددون إليها أملاً في نيل رضاها، أو أن ترفض الأمر رفضاً تاماً. فقد ظهرت بحقائب من «سيلين»، و«سان لوران»، وغيرها في مناسبات عدة، إلا أن ما يشفع لها أنها قليلة ومتفرقة مقارنة مع غيرها، والأهم من هذا تخضع للمعايير نفسها التي تؤمن بها.

إطلالة بالأسود مع حذاء بدرجة بيج المُطعّم بالوردي وحقيبة عملية تعكس أسلوبها من «سيلين» (سيلين)

فغالباً ما تختار تصاميم عملية وحقائب كلاسيكية بعيدة عن الصرعات الموسمية، كونها تعكس شخصيتها وتعبِر عن ميولها ومبادئها. فإلى جانب أن أنجلينا نجمة وأيقونة جمال، هي أيضاً ناشطة حقوقية ورافعة لشعار الاستدامة وحقوق العمال أينما كانوا، وهو ما يظهر جلياً في تجنبها كثرة التفاصيل، ويُفسِر ميلها إلى الألوان الترابية والهادئة، باعتبارها مستدامة لسهولة دمجها مع ألوان أخرى، بما في ذلك الأسود. فبمجرد إدخال لون آخر أو اعتماد ماكياج جريء أو إكسسوار، حقيبة أو قطعة مجوهرات، تتجدد الإطلالة لتواكب الزمان والمكان.

فستان بيج مع وشاح من الفرو باللون نفسه من دار «تمارا رالف» (إ.ب.أ)

قهوة سوداء وأخرى بالكريمة

العام الماضي وحده يؤكد مدى استحقاقها للقب سيدة الموضة الحيادية. كان من الصعب إحصاء عدد المرات التي اعتمدت فيها على ألوان ترابية، من درجة الكريم إلى درجة القهوة والشوكولاته مروراً بدرجات الجملي والعسلي وطبعاً لون العام الحالي «موكا موس» الذي ظهرت به منذ زمن، وقبل أن يختاره معهد «بانتون» لوناً لعام 2025.

في كل إطلالة ظهرت بها للترويج لفيلمها الأخير «ماريا» الذي جسدت فيه جانباً من حياة السوبرانو ماريا كالاس الشخصية، كان البني بكل درجاته، إلى جانب الأسود والأبيض، المفضل لديها. في مهرجان «تيلورايد السينمائي» بكولورادو، مثلاً اختارت فستاناً من صوف الكشمير بدرجة تُعرف بـ«غريج»، هي مزيج من الرمادي والبيج، نسقته أيضاً مع حذاء من دون كعب بلون بني من «روجيه فيفييه».

بمعطف ممطر من «سيلين» نسقته مع الأسود (سيلين)

وفي نيويورك وخلال افتتاح الفيلم ذاته، اختارت معطفاً ممطراً من «سيلين» ارتدته فوق فستان أسود. قبل ذلك بأيام قليلة، أطلت علينا من مهرجان «البندقية» بمعطف ممطر آخر، هو أيضاً بلون البيج في النهار، أبدلته في المساء بفستان سهرة طويل مع وشاح من الفرو الصناعي من علامة «تمارا رالف»، أيضاً بالبيج.

فستان أسود ناعم في افتتاح فيلم «Without Blood» في مهرجان تورنتو السينمائي (دولتشي أند غابانا)

ولأن علاقتها بالأسود لا تقل قوة، فإنها في الحالات الأخرى ظهرت بتايورات مفصلة أو فساتين ناعمة ولسان حالها يقول إن خياراتها في الحياة مثل خياراتها للموضة. هي مقننة ومحدودة إلا أنها متينة مبنية على الوفاء.