أهلاً بالخمسين... أهلاً بذهبية العمر

نجمات يكتبن تواريخ ميلادهن بالثقة والتصالح مع الذات

تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
TT

أهلاً بالخمسين... أهلاً بذهبية العمر

تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)
تبدو ديمي مور حالياً أكثر سعادة وشباباً بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (إ.ب.أ)

من يقول إن كايت بلانشيت تبلغ من العمر 55 عاماً، وجينفر لوبيز وسلمى حايك 54، وكارلا بروني 56، وديمي مور 61؟ إطلالاتهن في كل المحافل تضج بالجمال والحيوية. تبدو كل واحدة منهن كأنها تعيش عُمراً جديداً يتحدى الزمن والتجاعيد التي لم تستطع حُقن البوتوكس إخفاءها، وخططت وجوه بعضهن لتحكي تجارب حياتية مهمة.

منتصف العمر بالنسبة لهن ليس أزمة أو يأساً بقدر ما هو أمل واستقبال لمرحلة جديدة عنوانها النُضج والتصالح مع الذات. التاريخ يذكرنا بأنه من الصعب على نجمات ذُقن دفء الأضواء وبريقها في شبابهن الأول، الخروج من دائرته بهدوء ومن دون أي محاولات مستميتة. فالمسألة بالنسبة لكثير منهن تتحول إلى مسألة وجودية. لكن الجميل في الجيل الخمسيني الحالي، أن كل واحدة منهن باتت تكتب تاريخ ميلادها بنفسها. يُطبِقن نصيحة كوكو شانيل القائلة إن «الطبيعة تمنحنا وجوهنا في عمر الصبا، والحياة تشكِلها في الثلاثين، لكننا في الخمسين نحصل على الوجه الذي نرى أننا نستحقه».

كايت بلانشيك في مهرجان «كان» الأخير رغم تعديها الخمسين بسنوات فإنها لا تزال تشعل عدسات الكاميرات وآمال المصممين بأن تظهر بزي بتوقيعهم (رويترز)

كايت بلانشيت مثلاً ظهرت في قمة النضج والحيوية خلال الدورة الأخيرة من مهرجان «كان» السينمائي. كان واضحاً في كل إطلالاتها وحضورها، مدى تهافت المصممين على نيل رضاها. كل واحد يأمل في أن تنتقي أي زي من إبداعه. فهي «الملكة» التي تضمن لهم تغطيات مجانية لما تعكسه من صورة راقية لامرأة قوية ومستقلة لم ينَل الزمن من جمالها ولا من قوتها الإبداعية. حتى تجاعيد وجهها الخفيفة، التي لم تحاول إخفاءها، تقول إن العمر مجرد رقم نختاره ونكتبه بأنفسنا.

إلى جانب تأليف الأغاني... كارلا بروني سفيرة لدور مجوهرات مثل «بولغري» التي تحضر كل مناسباتها تقريباً (غيتي)

كذلك كارلا بروني البالغة من العمر 56 عاماً، هي الأخرى لم تنحسر الأضواء عنها حتى بعد انتهاء ولاية رئاسة زوجها الفرنسي نيكولا ساركوزي، أو ابتعادها عن منصّات الأزياء. تحدَت جور الزمن وأثبتت وجودها من خلال الموسيقى والموضة. فهي تؤلف أغاني مفعمة بالرومانسية وتحيي حفلات بين الفينة والأخرى. والأهم أنها حافظت على علاقات جيدة مع بيوت أزياء ودور مجوهرات عالمية. تعمل معها سفيرة وتحضر مناسباتها ضيفة مكرمة، ودائماً في أجمل حلة وشكل كأنها في الثلاثينات من عمرها، نظراً لمقاييس جسمها المثالية. هذه الرشاقة تحديداً تجعلها شماعة رائعة لبيوت أزياء كثيرة مثل «فرساتشي» و«أليكسي مابيل»، ودور مجوهرات مثل «بولغري» و«شوبارد». أما هي، فتستفيد طبعاً من الأضواء التي تسلط عليها من قبل المجلات، وترسخ وجودها كأيقونة لم يمحُ الزمن ملامح الشباب.

ظلت ديمي مور تستعمل الموضة كوسيلة للبقاء والتواجد لسنوات قبل أن تحقق حلم العودة إلى السينما..بقوة (أ.ف.ب)

لو كانت كوكو شانيل تعيش بيننا الآن، لاستشهدت بهؤلاء وغيرهن كثيرات. لكنها كانت ستتخذ النجمة ديمي مور تحديداً نموذجاً تستشهد به على صحة فلسفتها عن الجمال. ديمي مور، حسب النقاد والنجم دينيس كوايد، كُتب لها عمر ذهبي جديد. كان المتوقع أن تُغلفها ستائر النسيان بعد أن تعدت الستين وكل التذبذبات والانكسارات التي شهدتها على المستويين الفني والشخصي على مدى عقدين تقريباً. لكنها لم تستسلم، إلى أن أعطت جهودها ثمارها هذا العام. فيلمها الأخير «The Substance» تلقى بعد عرضه في مهرجان «كان» 13 دقيقة من التصفيقات الحارة. أما هي فتغنى النقاد بأدائها فيه.

كانت هذه المرة الأولى منذ عام 1997 التي تحضر فيها المهرجان. لم يكن لها مكان فيه سابقاً، بسبب تعرض مسيرتها الفنية للتراجع منذ تسعينات القرن الماضي. قدمت أعمالاً غير ناجحة لم تخدمها أو تُعِد لها بريق ما حققته في فيلم الشبح «Ghost». كان هذا الفيلم نقطة تحول بالنسبة لها، كما أثر على ثقافة جيل كامل من الفتيات ونظرتهن للجمال والأناقة. قلّدن مظهرها واعتمدن قصة شعرها القصيرة وملابسها الصبيانية. ثم قدمت فيلم «عرض غير لائق» (Indecent Proposal) مع مايكل دوغلاس الذي رسخ جماهيريتها في عام 1993 ومكانتها كنجمة شباك. أصبح الكل يطلبها حتى المجلات البراقة. فمن ينسى غلاف «فانيتي فير» الذي تصدرته في عام 1991 عارية تماماً وهي في الأشهر الأخيرة من حملها؟ صورة جريئة أصبحت أيقونية شجعت نجمات أخريات؛ مثل فكتوريا بيكهام والمغنية ريهانا، على الاحتفال واستعراض حملهن على الملأ عوض إخفائه بملابس فضفاضة كما كان الأمر من قبل. بعد منتصف التسعينات بدأ نجمها يأفل. فيلم «ستريبتز» (striptease) مثلاً نجح تجارياً، وفشل فنياً إلى درجة أن النقاد وصفوه بأنه أسوأ فيلم لعام 1996. تلاه «جي آي جاين» في عام 1997، الذي تعرض هو الآخر للانتقادات السلبية ذاتها.

تبدو ديمي مور حالياً أصغر مما كانت عليه وهي في الأربعينات بعد أن تصالحت مع نفسها وجسدها (أ.ب)

ورغم انحسار الأضواء عنها فنياً، بقيت أخبار حياتها الشخصية تتصدر الصحف والمجلات، من عمليات التجميل الفاشلة إلى طلاقها من زوجها نجم الأكشن بروس ويليس، وعلاقتها بالنجم آشتن كوشنر الذي يصغرها بـ15 عاماً. ولأشهر طويلة لم يكن لصفحات أخبار النجوم والنميمة موضوع سوى خيانته لها مع صبية من عُمره، لتصاب بحالة نفسية سيئة، استغرقت زمناً لكي تتعافى منها. خلال سنوات التراجع الفني والانكسارات الشخصية، ظلت مصرة على البقاء والوجود. نشرت سيرتها الذاتية وشاركت محبيها فيديوهات خاصة عن الرياضة والحميات الغذائية، فضلاً عن مغازلتها عالم الموضة. جمالها ورشاقتها كانا المفتاح الذي فتح لها الأبواب على مصراعيها. ظلت تتمسك بهما تمسك غريق بطوق النجاة إلى أن نجحت جهودها في عام 2024 واستعادت البريق السينمائي الذي راوغها لعقود.

ديمي مور في كامل رشاقتها بإطلالة من دار «ماكس مارا» (ماكس مارا)

الطريف أن الفيلم الذي كان وراء عودتها، «ذي سابستانس» (The Substance)، وبالرغم من أنه فيلم رعب، فإنها لعبت على نقطة تكررت في كثير من أفلامها السابقة وحياتها بشكل أو بآخر: الجمال وتلك العلاقة التي تربط المرأة بجسدها؛ كيف تحافظ عليه وكيف توظفه. مخرجة الفيلم كورالي فارغيت، قالت إن هدفها في الفيلم «كان استكشاف علاقة المرأة السامة مع جسدها... كيف يُغرس فيها منذ الصغر أن قيمتها مرتبطة بمظهرها». تضيف: «عالج الفيلم انطلاقاً من تجاربنا كنساء مع أجسادنا... ليس فقط كيف يُنظر إلينا؛ بل أيضاً كيف ننظر إلى أنفسنا». سبقها في تناول هذا الموضوع وتأثير التقدم في العمر على المرأة، كثير من المخرجين؛ منهم ماثيو فوغان في فيلم «ستارداست»، الذي قامت فيه النجمة ميشيل فايفر بدور عجوز شمطاء مهووسة بالجمال والشباب. كلما تقدم بها العمر زادت في بحثها عن إكسير الشباب وبأي ثمن.

بالنظر إلى تكرر هذه التيمة في أفلام ديمي مور سابقاً وملامسته كثيراً من جوانب حياتها، فإن اختيار كورالي فارغيت لها بطلة للفيلم كان مناسباً. مثل بطلة الفيلم، سبق لمور أن خضعت لكثير من عمليات التجميل في فترات سابقة من حياتها بحثاً عن الكمال في استماتة للبقاء تحت الأضواء أو للحفاظ على اهتمام رجل يصغرها سناً.

أجرت عملية لركبتيها عندما كانت في الأربعينات للتخلص من ترهلاتها (فندي)

اعترفت في إحدى المقابلات بأنها صرفت ما لا يقل عن 250 ألف جنيه استرليني على عمليات التجميل، وهي في الأربعين من العمر. اهتمت بكل تفاصيل جسدها بما في ذلك إجراؤها عملية لركبتيها لإخفاء الترهلات الجلدية التي ظهرت عليهما. في هذه المقابلة التي أجرتها معها مجلة «إيل» النسخة الإيطالية وهي في الـ47 من العمر، صرحت كذلك بأنها ندمت لأنها جعلت مظهرها مقياساً لقيمتها كإنسانة، لا سيما أن عمليات التجميل لم تمنحها سوى سعادة مؤقتة. تقول: «فقط عندما تخليت عن رغبتي في التحكم بجسدي، حصلت على ما حلمت به طوال حياتي».

فقط عندما تخلت ديمي مور عن هوسها بالعمر واقتنعت بنفسها حققت ما كانت تحلم به طوال حياتها (أ.ب)

وصولها إلى مرحلة التقبل أو السلام الداخلي، لم يلغِ في ذهنها فكرة أن الجمال ليس أعطية مجانية. فهو يتطلب تضحيات وجُهوداً للحفاظ عليه، وفي حالات أخرى لاكتسابه. لحد الآن تتبع حميات غذائية صحية، صارمة أحياناً، كما تمارس «اليوغا» للحفاظ على لياقتها البدنية. كان ولا يزال ورقتها الرابحة. لكنها أضافت إلى هذه الورقة السلام الداخلي.


مقالات ذات صلة

استخدمت الأموال لجلسات التدليك والفنادق الفخمة... منع ناعومي كامبل من إدارة مؤسسة خيرية

يوميات الشرق عارضة الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل تبكي متأثرة بعد منحها لقباً رفيعاً في باريس (أ.ف.ب)

استخدمت الأموال لجلسات التدليك والفنادق الفخمة... منع ناعومي كامبل من إدارة مؤسسة خيرية

مُنعت عارضت الأزياء البريطانية الشهيرة ناعومي كامبل، من أن تكون أمينة مؤسسة خيرية لمدة 5 سنوات بعد أن وجدت هيئة رقابية سوء إدارة خطيراً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

تشعر أحياناً أن مصمميه يتلذذون بالأزمات ويستمدون منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40 مؤكداً أن الأزمات لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اكتسب الريش هذه المرة مرونة وديناميكية شبابية (آسبري لندن)

الأميرة نورة الفيصل تضخ «آسبري لندن» بالحيوية

تأمل «آسبري» أن تحقق لها هذه المجوهرات نفس النجاح المبهر الذي حققته كبسولة الحقائب في العام الماضي. كانت الأسرع مبيعاً في تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

يجمع الأناقة بروح بوهيمية، لكن للأسف لا يناسب الكل؛ لهذا يحتاج إلى بعض الحيل كي تتمكن صغيرات الحجم تحديداً من الاستمتاع به، مثلهن مثل عارضات الأزياء.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق رائد الفضاء الألماني ماتياس مورر ارتدى بدلة التمارين الأنيقة البيضاء التي كان كاردان قد صممها قبل 7 عقود (رويترز)

الكشف عن زي رائد فضاء بتوقيع بيير كاردان

في الدار التي ما زالت تحمل اسمه في باريس، عرضت للصحافة أمس بدلة للفضاء كان مصمم الأزياء الفرنسي بيير كاردان قد رسم خطوطها في ستينات القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

من تشكيلة دار «كلوي» لخريف 2024 تم تنسيقه مع جاكيت مفصل (كلوي)
من تشكيلة دار «كلوي» لخريف 2024 تم تنسيقه مع جاكيت مفصل (كلوي)
TT

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

من تشكيلة دار «كلوي» لخريف 2024 تم تنسيقه مع جاكيت مفصل (كلوي)
من تشكيلة دار «كلوي» لخريف 2024 تم تنسيقه مع جاكيت مفصل (كلوي)

منذ فترة تعالت أصوات خبراء الأزياء تُردد أن عهد البنطلون الجينز الضيّق ولّى، وحل محله الجينز الواسع. المقصود هنا الواسع بالمعنى الفضفاض المستوحى من حقبة السبعينات. لم يقم المصممون بأي جهد لترويضه، بل بالعكس زادوه انسدالاً وسخاءً، بالعرض والطول.

في المقابل، كان للمرأة رأي آخر. شكَّكت في الأمر، أو على الأقل نظرت إليه بحذر، في حين احتفظت بتصميمه الضيق والمستقيم ولم تستغنِ عنهما حتى الآن. مثل الفستان الأسود الناعم، أو جاكيت التويد المفصل والقميص الأبيض، هذه التصاميم لها حظوة في نفسها، وتتعامل معها بصفتها قطعاً أساسية.

فمنذ أن دخل بنطلون الجينز خزانتها في الخمسينات من القرن الماضي تقريباً، بتصميمه المستقيم والبسيط، وهو يجتهد لكي يُسهِّل حياتها ويمنحها مزيداً من التميز. تارة يُدخل عليه المصممون تقنيات وخامات حديثة تزيد من مرونته وجمالياته، وتارة أخرى يقترحون أفكاراً مبتكرة وأحجاماً جديدة في تصاميمه وطرق تنسيقه؛ كل هذا بهدف منحها الراحة وإطلالة ديناميكية. ولا بأس أيضاً أن يُموِّه عن أي عيوب أو ترهلات تعاني منها. منذ سنوات مثلاً، أدخلت عليه سارة بلايكلي، مبتكرة الـ«سبانكس» التقنيات والمواد نفسها التي تُستخدم في هذه القطعة السحرية، للتخفيف من بروز البطن وخلق مظهر مرتب.

أما فيما يتعلق بالتطريز والترصيع، فحدّث ولا حرج، إلى حد أن الجينز بألوانه الغامقة أصبح مقبولاً في مناسبات السهرة. ولِمَ لا وقد اقتحم منصات عروض الأزياء، بما في ذلك خط الـ«هوت كوتور» بكل ما يتضمنه من رُقي وفخامة؟

شتّان بينه اليوم وبين صورته عندما ابتكره خياط من نيفادا، اسمه جاكوب ديفيس، ومهاجر اسمه ليفايز ستراوس في عام 1873. خرج من كنف البروليتاريا التي ولد فيها، ولم يعد خاصاً بالعمال والمزارعين ورعاة البقر بمجرد أن تبنّاه نجوم هوليوود من أمثال مارلين مونرو وجيمس دين وغيرهما في منتصف القرن الماضي، وضخه المصممون بجرعات برجوازية واضحة. هو الآن من أكثر القطع التي تُوحِّد كل الطبقات والثقافات والأذواق.

بقليل من التنسيق يمكن أن يناسب نزهة أو جولة في الأسواق أو مناسبة خاصة (من موقع ME+EM)

سلبيات وإيجابيات

بيد أنه على الرغم من كل التطويرات والحب الذي تكنّه المرأة للبنطلون الجينز الضيق والمستقيم، فإن ظهور تصميمه الواسع وتصدره الواجهة في المواسم الأخيرة، يثيران بعض التوجس والحذر في نفسها. فهو لا يناسب كل القامات، ويمكن أن يعطي نتيجة عكسية في حال لم تُراعَ فيه فكرة النسبة والتناسب. في الوقت ذاته، أصبح واقعاً لا مفر منه، بعد أن فرضته ظروف جائحة «كورونا»، وما ترتب عنها من إقبال على تصاميم تتسم بروح رياضية، أو مستوحاة من ثقافة الشارع والـ«هيب هوب». ما يشفع له أنه، بالطرق التي يقدمه بها كبار المصممين، يكتسب جاذبية تُغري أكثر مما تُنفر.

وهذا تحديداً الإحساس الذي تُخلفه إطلالات العارضات وهن يتخايلن به على المنصات وفي الحملات الترويجية، وصور النجمات وهن يتجوّلن به في الأسواق أو الشوارع. بكل ما فيه من انسدال، يعبق بحيوية تُعبر عن الانطلاق والانعتاق من أي قيود «تُضيِّق» الحياة. أحياناً تظهر به النساء وهن يمسحن الأرض رغم قاماتهن الممشوقة، الأمر الذي يُعطي الانطباع بأن هذه الصورة مقصودة لتذويب مخاوف من لا يتمتعن بالطول، وتشجيعهن على تبنيه.

لخريف 2024 نسّقته دار «كلوي» مع جاكيت «بوليرو» وإكسسوارات مبتكرة لترتقي به (كلوي)

دار «كلوي» قدمته في تشكيلتها الأخيرة كما في حملتها الترويجية بأسلوبها البوهيمي المعتاد. تميز بالأناقة والعصرية، وقد استعملت فيه مصممة الدار الجديدة، شيمينا كامالا، كل وسائل الإغراء وأدواته، مثل حزام ذهبي مبتكر كُتب عليه اسم الدار، والمتوقع أن يكون عُملتها الرابحة هذا الموسم.

كيف تختارينه؟

يعترف خبراء الموضة بأنه قد لا يناسب الكل، ويحتاج إلى دراية وحذر وثقة، إلا أنه أيضاً عصري يمكن أن يمنح لابسته إطلالة تعكس شخصية تعرف ما تريد، وتُرجح كفة الراحة على أي اعتبارات أخرى. من هذا المنظور، فإن الثقة والذكاء في التنسيق هما كل ما يحتاج إليه هذا التصميم للحصول على التألق المطلوب، حتى في المناسبات الخاصة.

جينيفر لوبيز نسقته مع «تي شيرت» بسيط ومعطف من الفرو وحقيبة «بيكابو» من دار «فندي» (فندي)

الفكرة منه في عام 2024، تتركز على خلق مظهر منطلق، يعكس تطلعات شابة تواقة للحرية والانطلاق، في زمن أصبح مطلوباً من الموضة أن تحقق المعادلة بين الأناقة والراحة. رغم تخوف البعض منه، يمكن القول إنه بقليل من التنسيق، يمكن تجاوز صعوبته والاستفادة من جمالياته:

- ليس من الضروري أن تختاريه واسعاً بشكل مبالغ فيه فقط لأنه موضة. يمكن أن تضربي عصفورين بحجر واحد: أن يكون واسعاً حسب موضة الموسم، لكن بشكل معقول يتماشى مع مقاييس جسمك وطولك.

- لا يختلف اثنان حول أنه كلما كان واسعاً ارتفعت نسبة جُرأته. لكي تبقى الإطلالة ضمن الجرأة الواثقة. يمكن ارتداؤه مع قميص أيضاً واسع وحذاء بكعب عال لخلق بعض التوازن.

- إذا كانت النية مظهراً أنيقاً، فيمكن ارتداؤه مع قميص كلاسيكي أو جاكيت مفصل كما اقترحته دار «كلوي»، بل يمكن أيضاً تحديد الجاكيت بحزام وحذاء عالٍ.

لمظهر «سبور» يمكن الاستعاضة عن الحذاء بـ«سنيكر» رياضي لخلق نوع من التناقض المتناغم بين الـ«سبور» والكلاسيكي.

يمكن تنسيقه مع قطعة أنيقة للتخفيف من عمليته والارتقاء به (موقع زارا)

- تنسيقه مع قميص أبيض يدخله أماكن العمل بسهولة، لأنه ينضوي تحت مفهوم الـ«كاجوال شيك». في المساء، يمكن اعتماده مع قميص أو بلوزة مناسبة، مع إضافة بعض الإكسسوارات لإضفاء بعض البريق. الإكسسوارات والمجوهرات تنجح دائماً في نقل أي إطلالة مهما كانت بسيطة من المكتب إلى دعوة عشاء.

- تنسيقه مع قميص من الحرير أو القطن بتصميم كلاسيكي محدد، يمكن أن يموه على اتساعه، وما يوحي به من رغبة في الراحة والارتخاء. النجمة جينيفر لوبيز مثلاً اختارته بلون باهت، أي درجة مناسبة للنهار أكثر. بمجرد أن نسقته مع حقيبة «بيكابو» الشهيرة من دار «فندي»، ومعطف من الفرو، خلقت تناقضاً متناغماً بين الفخم والعملي.

- إذا كانت النية الحصول على إطلالة قوية، فما عليك سوى تنسيقه مع جاكيت مفصل، إما قصير بتصميم البوليرو وإما طويل يغطي نصف الساق. في هذه الحالة يمكن تنسيق الإطلالة مع حذاء رياضي للنهار لمظهر «سبور» أو بكعب لمظهر «كاجوال شيك».

الرياضية سيرينا ويليامز ببنطلون مستقيم يضيق قليلاً من أسفل مع قميص أبيض (جي دبليو أندرسون)

إذا كان الخوف لا يزال يراودك، فما عليك إلا أن تختاري ما يناسبك ويُشعرك بالراحة والثقة. فمهما قال الخبراء واقترح المصممون، يبقى الخيار الأخير لك، وسواء كان بتصميم ضيق أو مستقيم أو واسع أو فضفاض، فإنه من الكلاسيكيات التي تتعدى كل المواسم.

حقائق

بدأ بروليتارياً وانتهى نخبوياً

من كان يتصور أن يتحول بنطلون ابتكر للعمال والمنقبين عن الذهب إلى عملة ذهبية في يد المصممين؟ ومن كان يتصور أن يصل إعجاب المصمم الراحل إيف سان لوران به إلى حد التصريح بأنه كان يتمنى لو كان من اخترعه؟ كانت هذه شهادة كافية للارتقاء بالجينز إلى مصاف القطع الأيقونية التي لا تعترف بزمن أو مكان.

نظيره ومنافسه الراحل كارل لاغرفيلد ترجم إعجابه الشخصي بإدخاله خط الأزياء الراقية وخط الـ«ميتييه داغ» الذي تستعرض فيه دار «شانيل» خبرات وإمكانات ورشاتها في التطريز والترصيع، وكل ما هو غالٍ ونفيس. قماشه الآن يضاهي أقمشة مترفة مثل الموسلين والحرير والجاكار أهمية في عالم الموضة، لا سيما بعد أن تم دمجه بخامات جديدة وحديثة أضفت عليه مرونة.

تطوره من قطعة عملية وخشنة إلى ما هو عليه حالياً مر بعدة مراحل غيرت تفاصيله وملامحه، لكنها لم تمحُ تماماً صلابته وقوته. في عام 1873، وعندما طرحه ليفي شتراوس بالتعاون مع جاكوب ديفيس، كان موجهاً للمزارعين والعمال، وأيضاً للمنقبين عن الذهب بكاليفورنيا فقط. هؤلاء كانوا يحتاجون إلى قماش صلب وخشن يحميهم من قسوة الطقس والطبيعة. لم يكونا يتوقعان أن يُخلّد اسمهما ويتحول إلى قطعة أيقونية. كل همهما كان جعله يدوم أطول. كانت الفكرة لجاكوب ديفيس، الذي حاول إدخال مسامير معدنية بمناطق معينة في الجينز، لجعله مقاوماً لقسوة الطبيعة. ولأنه كان يفتقد إلى رأس مال، استعان بشتراوس لتنفيذها. رحّب هذا الأخير بالفكرة ودخل شريكاً مع ديفيس.

مع انتعاش صناعة السينما وأفلام الغرب الأميركي ورعاة البقر في ثلاثينات القرن الماضي، أصبح الجينز رفيقاً ملازماً لأبطال السينما. انتقاله إلى جيل شاب كان مسألة وقت فقط. فبمجرد ظهور كل من جيمس دين ومارلين مونرو به، حتى انتشر انتشار النار في الهشيم. أصبح قطعة معتمدة لدى كل شاب وشابة متمردين على التقاليد، قبل أن يتحول إلى قطعة تجمع الأناقة بالراحة.