عندما تصل الحشمة إلى أقصى درجات الجُرأة

كيف غيّرت روضة محمد نظرة الموضة العالمية للحجاب؟

اختارت اللون الأحمر من القبعة إلى الحذاء مما أضفى على مظهرها دراما فنية تستحضر حقبة الخمسينات من القرن الماضي (أ.ف.ب)
اختارت اللون الأحمر من القبعة إلى الحذاء مما أضفى على مظهرها دراما فنية تستحضر حقبة الخمسينات من القرن الماضي (أ.ف.ب)
TT

عندما تصل الحشمة إلى أقصى درجات الجُرأة

اختارت اللون الأحمر من القبعة إلى الحذاء مما أضفى على مظهرها دراما فنية تستحضر حقبة الخمسينات من القرن الماضي (أ.ف.ب)
اختارت اللون الأحمر من القبعة إلى الحذاء مما أضفى على مظهرها دراما فنية تستحضر حقبة الخمسينات من القرن الماضي (أ.ف.ب)

روضة محمد، عارضة ومحررة أزياء صومالية الأصل ونرويجية الجنسية، ألهبت محركات البحث خلال مهرجان «كان» السينمائي الأخير، وانهالت عليها الإطراءات من كل حدب وصوب. السبب؟ حجابها، أو بالأحرى الأسلوب اللافت الذي روَضت به النظرة النمطية التي ارتبطت به طويلاً. ما أكّدته روضة للمرة المليون أن لغة الموضة الصامتة أكثر بلاغة من أي سفسطة أو تبريرات. إطلالة واحدة مدروسة يمكن أن تكشف الكثير عن قوة صاحبتها، وأيضاً قادرة أن تحكي ألف حكاية ورواية عن الأصول والميول. بحجابها تحدَت روضة المألوف وكسَرت كل المفاهيم السلبية المرتبطة بالحجاب. والجميل في الأمر هذه المرة، أن مظهرها لم يفتح أبواب الجدل ونيران الانتقادات بقدر ما فتح العيون على الظّلم الذي لحق به وبالمرأة التي تعتمده خياراً شخصياً.

بحشمتها واختلافها نافست أجمل النجمات وأكثرهن أناقة وإثارة خلال مهرجان «كان» السينمائي الأخير (أ.ف.ب)

إطلالات روضة ردَت على الأقل الاعتبار لبنات جيلها اللواتي يعشن في المهجر، ويعتمدنه عن قناعة في مجتمعات تحاول سلبهن حرية الاختيار بحجة تحريرهن من التبعية والسلطة الذكورية. المتابع لمسيرتها، يكتشف أنها لم ترتدِ الحجاب من باب «خالف تُعرف». فهو جزء من هويتها منذ انتقالها للعيش في النرويج وأحد أهم أسباب سطوع نجمها في ساحة الموضة عام 2018. تدافع عنه وعن حق المرأة المحجبة فيه بشراسة لا تعرف الخوف، بدليل أن شُهرتها ذاعت عالمياً عندما كتبت شعار «ارفعوا أياديكم عن حجابي» على صفحة يدها في عام 2021 كردة فعل على الحملة التي شنتها فرنسا لمنع الحجاب آنذاك. انتشرت الصورة وأكسبتها الكثير من التعاطف والإعجاب.

ظهورها بإطلالات في قمة الأناقة الفنية في مهرجان عالمي مثل «كان» السينمائي وغيره من المحافل، ينجح دائماً في لفت الانتباه إلى أسلوبها المميز. قد تكون روضة مثل العديد من المؤثرات اللواتي يحضرن مناسبات السجاد الأحمر، طمعاً في محتوى يُغني صفحاتهن ويعزز مكانتهن، أو مثل بعض العارضات الطامحات إلى النجومية وعقود مجزية. فالأمل بجذب أنظار مخرج وارد، سبق وحققته كثيرات من قبلهن، كذلك التعاقد مع بيوت أزياء أو مجوهرات كسفيرات.

صممت سيسيلي براتسبورغ ميلي هذه الإطلالة خصيصاً لروضة وعلى مقاسها بإلهام من تصميم قدمه الراحل كريستيان ديور يعود إلى 1954 (إ.ب.أ)

لكنها تختلف عنهن قالباً، من ناحية أنها لا تعتمد على أزياء مكشوفة من النوع السائد، بل على الحشمة من الرأس إلى أخمص القدمين. وهكذا بعد أن كان الحجاب الحلقة الضعيفة في مناسبات السجاد الأحمر، حوَّلته هي إلى ورقتها الرابحة، بفضل قدرتها على تنسيق القطع المنفصلة على شكل طبقات متعددة الألوان بتناغم فني.

خلال المهرجان ظهرت بزي من تصميم سيسيلي براتسبورغ ميلي. مفعم بالأنوثة استلهمته المصممة من زي قدمه الراحل كريستيان ديور باسم «زيمير» في تشكيلته لخريف وشتاء 1954، ويُعرض حالياً في متحف «فكتوريا آند ألبرت» بلندن. فصَّلته سيسيلي على مقاس روضة. جاكيت مشدود عند الخصر، ساهمت تنورة مستديرة تصل إلى الكاحل، في إبراز نحوله. كان من الممكن أن يمر مرور الكرام لو ارتدته أي عارضة أو نجمة أخرى، لكن بمجرد أن أضافت إليه روضة لمستها الخاصة: إيشارب وقبعة مبتكرة من اللون نفسه، حتى ارتقت به من مجرد زي أنيق إلى لوحة فنية لا يخترق توهج لونها سوى عقد من الألماس زين صدرها.

من صفحتها الخاصة على «إنستغرام»

كانت تعرف مدى تأثير هذه الإطلالة وجمالها. نشرت بثقة أقرب إلى الزهو على صفحتها الخاصة على «إنستغرام» تعليقاً جاء فيه: «لو فقط كان السيد كريستيان ديور بيننا لاختارني لأكون ملهمته من دون شك».

فستان من تصميم روبرت وون نسقته مع خمار طويل غطى مجموع وجهها وزادها غموضاً (غيتي)

في العام الماضي أيضاً، شدت الانتباه بزي فني من تصميم روبرت وون. اكتسب هو الآخر أناقة فنية بعد أن استعملت خماراً طويلاً غطى كل وجهها. كان اللمسة الدرامية التي يترقبها المصورون وتُلهب أوساط الموضة. فالتغطيات الإعلامية ساهمت في تسليط الأضواء عليها وعلى مصممه.

هذا العام ظهرت أيضاً بفستان مماثل من الناحية الفنية. كان من تشكيلة المصمم تشيني تشان، لربيع 2024 بلون سماوي، وطيات أوريغامي تتماوج بهندسية جعلت إطلالتها أقرب إلى منحوتة متحركة. لمزيد من الدراما، استبدلت بالخمار نظارات شمسية غطت نصف وجهها وزادتها غموضاً.

فستان من تشكيلة المصمم تشيني تشان لربيع 2024 جعل إطلالتها أقرب إلى منحوتة متحركة (أ.ف.ب)

من هي روضة محمد؟

سيرتها الذاتية تقول إنها مؤثرة موضة ومحررة أزياء مجلة «فوغ» النسخة النرويجية. ولدت في الصومال بمخيم للاجئين، وفي عمر الثمانية حصلت أسرتها على حق اللجوء في النرويج. رغم صغر سنها عندما انتقلت إلى بلد متحرر، ظلت صور نساء بلدها الأم وهن يختلن في أزياء تصرخ بالألوان والنقشات، عالقة بذاكرتها. أحبَّت الموضة كما أحبَّت أصولها وثقافتها، ومع ذلك، لم يكن يخطر ببالها أن تدخل مجالها وتصبح مؤثرة فيها.

في عام 2018 كانت النقلة بالنسبة لها. بعد عدة محاولات، نجحت في الحصول على دعوات لحضور أسابيع الموضة بأوسلو. كانت المنصة التي استخدمتها للتعبير عن هويتها بحرية. أبدعت في تنسيق حجابها بأسلوب أنيق وجريء غير المتعارف عليه.

تعترف أن التوقيت كان في صالحها خلال جائحة «كوفيد» وفترة العزل. لم تحتَج إلى دعوات لحضور عروض الأزياء، فوسائل التواصل الاجتماعي فتحت أبوابها على مصراعيها لكل من يملك الرغبة والحس الفني.

لم تتعمد فكرة «خالف تُعرف» بحكم أن الحجاب كان جزءاً منها، وفق ما تُصرِح به في كل المناسبات، إلا أن اختلافها كان الورقة التي سرَّعت بدخولها مجموعة «كوندي ناست» المالكة لمجلات فوغ بكل نسخها العالمية. كانت المجموعة وعالم الموضة عموماً في أمس الحاجة لضم مثيلاتها إلى مشروعهم الهادف لاحتضان الاختلاف بكل أحجامه وألوانه وثقافاته. لم يكن المشروع خيار. فرضته الظروف في عام 2020، عندما أشعل مصرع الشاب الأميركي جورج فلويد، على يد شرطي أمام الملأ قتيل حركة «حياة السود مهمة». بين عشية وضحاها وجد صناع الموضة أنفسهم في قفص الاتهام، بأنهم يتجاهلون السود ويهمشونهم ويتجاوزونهم في الترقيات. وهكذا بدأت عملية التلميع والتصحيح وإعادة الهيكلة في الكثير من الشركات وبيوت الأزياء. ذهب البعض ببعضهم إلى توظيف مستشارين مهمتهم أن ينأوا بهم عن أي أخطاء قد لا تكون مقصودة، لكنها تؤثر على سمعتهم وأرباحهم. بيد أن روضة لم تشغل نفسها بالتفسير والتحليل. لم تعتبر تعيينها لمنصبها محررةَ أزياء في واحدة من أهم المجلات العالمية، تصحيحاً لوضع معين بقدر ما تراه مستحقاً وفرصة لرد الاعتبار للمحجبة، كامرأة مستقلة، تختار ما تراه مناسباً لها بعيداً عن إملاءات الرجل والمجتمع والموضة.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

لم تستغرق كاترانتزو طويلاً لتتأكد أن حمامات كاراكالا وزهرة الكالا بشكلها العجيب نبعان يمكن أن تنهل منهما.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)
TT

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع لنجوم عرب توافدوا على الرياض لحضور عرض أزياء استثنائي للمصمم اللبناني العالمي إيلي صعب ونشرت صفحة المصمم على «إنستغرام» لقطات من حفل العشاء الذي أقيم الليلة الماضية وحضره العديد من النجوم، منهم النجمة يسرا وكنده علوش وأمينة خليل وسلافة معمار وسيرين عبد النور وهند صبري وماريتا ودانا الحلاني وأندريا طايع، ومن المتوقع أن تغني نانسي عجرم وعمرو دياب وأسماء كبيرة من النجوم العالميين لم تتأكد أسماؤهم بعد، ولكن الجمهور سيشاهد كل التفاصيل عبر البث المباشر للعرض على منصة المصمم على «إنستغرام» وغيرها من المنصات العربية.

ويتوقع الجميع أن يتحول عرض إيلي صعب ضمن موسم الرياض 2024 إلى احتفالية بمسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع الموضة العربية على قائمة الخريطة العالمية فاتحاً الأبواب للعديد من المصممين الشباب. بعنوان «1001 موسم من إيلي صعب» خلال موسم الرياض 2024، سيشمل العرض الضخم، عروضاً ترفيهية وموسيقية حية على الهواء. فمنذ أن تم التوقيع على الشراكة بين المصمم ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبالتنسيق مع وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأزياء، بالتوقيع على مذكرة التعاون، والنية كانت تنظيم حدث يتكلم عنه كل العالم، ويتجاوز كونه مجرد عرض أزياء ضخم إلى ليلة لا تنسى تحتفل بمدينة الرياض بوصفها حاضنة للفنون كما لصناعة الأزياء.

من أحد عروض المصمم العالمي إيلي صعب (رويترز)

من المتوقع أن يبدأ العرض في الساعة 8 مساءً في «ذا ڤينيو»، إحدى المناطق الجديدة في موسم الرياض. وقد تعاون المصمم مع أشهر الخبراء الإبداعيين من جميع أنحاء العالم لتنسيق مجموعة من العروض الفنية وعروض الأداء والموسيقى ليدخل الحضور تجربة غامرة لا مثيل لها. كان واضحاً أنه أراد أن يحتفل العرض بعالم الأزياء، كما برؤية المملكة لتطوير صناعة الأزياء، وتعزيز مكانة الرياض بصفتها وجهة عالمية للفخامة والإبداع واستضافة أكبر الفعاليات التي تجمع بين التراث الأصيل والتوجهات العصرية. كما تساهم الفعالية في تعزيز جهود المملكة في تنويع مصادر الاقتصاد من خلال دعم قطاعي الترفيه والأزياء.

ثم لا ننسى أن لتزامن إطلاق مجموعة إيلي صعب لخريف وشتاء 2025، مع مرور 45 عاماً على بدايته دوراً كبيراً في طريقة تنظيم هذا الحدث، أو بالأحرى تقديمه، وكأنه رحلة عابرة للمواسم، استوحيت تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة، حيث تعيد تقديم الحكايات وقصص الأساطير بلمسة عصرية تبرز براعته في سرد القصص بلغته الخاصة.