أحداث غزة تؤخر عودة جون غاليانو إلى ساحة الموضة

حساسية الوضع وراء إلغاء ترشيح اسمه لحفل الميتروبوليتان

استلهم غاليانو في تشكيلته لربيع وصيف 2024 من الروايات المتناقلة وصيحات الموضة الرائجة خلال فترة زمنية ماضية (ميزون مارتن مارجيلا)
استلهم غاليانو في تشكيلته لربيع وصيف 2024 من الروايات المتناقلة وصيحات الموضة الرائجة خلال فترة زمنية ماضية (ميزون مارتن مارجيلا)
TT

أحداث غزة تؤخر عودة جون غاليانو إلى ساحة الموضة

استلهم غاليانو في تشكيلته لربيع وصيف 2024 من الروايات المتناقلة وصيحات الموضة الرائجة خلال فترة زمنية ماضية (ميزون مارتن مارجيلا)
استلهم غاليانو في تشكيلته لربيع وصيف 2024 من الروايات المتناقلة وصيحات الموضة الرائجة خلال فترة زمنية ماضية (ميزون مارتن مارجيلا)

هل يمكن أن يعود جون غاليانو إلى حضن مجموعة «إل.في.إم.آش (LVMH)»، بعد أن طُرد منها شرَّ طردة في عام 2011؟ هل سيمشي برنار أرنو، مالك المجموعة وثاني أغنى رجل في فرنسا، على مبدأ «عفا الله عما سلف»؟ والأهم من هذا هل استسلمت بعض الأوساط التي نادت بمقاطعته، وإلغائه واكتفت بما دفعه من ثمن باهظ حتى الآن؟

جون غاليانو وأنا وينتور في حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية عام 2021 (غيتي)

هذه وأسئلة أخرى كثيرة تدور في الكواليس، هذه الأيام، بعد تردد أقوال عن إمكانية عودة جون غاليانو؛ الابن الضال بالنسبة للبعض، والعبقري بالنسبة للبعض الآخر، إلى ساحة الموضة. مؤشرات كثيرة تقول إن عملية التقبل والاستقبال بدأت منذ فترة، وأن الحملة الشرسة لإلغائه انتهت، أو على الأقل خفّت حدّتها. عرضه الأخير لدار «ميزون مارجيلا» خلق نوعاً من النوستالجيا لاستعراضاته الفنية ومهاراته الإبداعية. حصد العرض أعلى نسبة من التغطيات الإعلامية، وعدَّه النقاد الأفضل على الإطلاق، خلال أسبوع باريس لموسم الـ«هوت كوتور»، في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. ووفق برنامج قراءة البيانات على المواقع، «لونشمتريكس»، كان اسمه أيضاً الأكثر تداولاً في حفل متحف الميتروبوليتان الأخير؛ بفضل ظهور النجمة زيندايا بفستان من توقيعه لـ«ميزون مارتن مارجيلا» التي يعمل فيها منذ 10 سنوات، بهدوء شديد ومختلف عما عوّدَنا عليه في الماضي، وكأنه يخاف أن يُذكِّر العالم بوجوده فيحرموه مُتعة التصميم مرة أخرى.

زيندايا بفستان من تصميم جون غاليانو لدار «ميزون مارجيلا» في حفل متحف الميتروبوليتان الأخير (أ.ف.ب)

بوادر التصالح بينه وبين المجموعة الفرنسية ظهرت منذ نحو عامين تقريباً عندما حضر افتتاح معرض «مونيه _ ميتشيل» في مؤسسة «لوي فويتون» بباريس. كان في الحفل بطبيعة الحال أنا وينتور، عرَّابة الموضة المسؤولة عن كل مجلات «فوغ» ومحتوياتها، وبرنار أرنو، وسيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي السابق في «ديور». كان هو مَن أُنيطت به مهمة إبلاغ قرار الطرد في مارس (آذار) من عام 2011، لكنه ظهر مؤخراً في وثائقي عن غاليانو قائلاً إنه غفر له زلته واعترف بقدراته الهائلة على الابتكار والإبداع.

الوثائقي، الذي صدر في شهر أبريل (نيسان) الماضي، كان بعنوان High & Low—John Galliano، (جون غاليانو... الانتصار والانكسار)، تتبَّع فيه المخرج كيفن ماكدونالد حياة المصمم، مسلِّطاً الضوء على تلك الليلة المشؤومة من عام 2011، التي سقط فيها من القمة إلى الحضيض. بدأت كأي ليلة عادية كان يتوجه فيها غاليانو إلى مطعمه المفضل والقريب من بيته لتناول وجبة العشاء، وانتهت نهاية غيَّرت مجرى حياته تماماً. السبب كان مُلاسنة جرت بينه وبين مجموعة من رواد المطعم، التقطوا له صوراً وفيديوهات متلبساً بجُرم القذف بعبارات مُعادية للسامية.

عُوقب أشد عقاب، وشُنَّت حملات كثيرة تطالب بإلغائه حتى يكون عبرة لغيره. النجمة ناتالي بورتمان انضمت إلى هذه الحملات، وهدّدت بفسخ عقدها بصفتها سفيرة «ديور»، في حال لم تتخذ هذه الأخيرة إجراءات صارمه ضده. وهذا ما حدث. خرج مطروداً بعد 15 عاماً، كما حُرِم من الدار التي أسسها بعد التخرج وكانت تحمل اسمه. كانت مجموعة «إل.في.إم.إتش» من تُموّلها. ظلّ لمدة عامين دون عمل يتنقل بين المصحات والحاخامات ليُكفّر عن ذنبه، إلى أن مدَّت له دار «أوسكار دي لارونتا» طوق النجاة بفتحها أبواب التعاون معه، ثم جاءته الفرصة الذهبية من «ميزون مارتن مارجيلا» التي احتفلت مؤخراً بمرور 10 سنوات على التحاقه بها.

ترجم غاليانو الرومانسية ومفهوم الأنوثة بأسلوبه الخاص وبجمالية علينا تجاوز أحجامها الكاريكاتورية (ميزون مارجيلا)

ولحسن حظه أن قوى أخرى مؤمنة بعبقريته، عملت بهدوء، وأحياناً في الخفاء لصالحه. راهنت على الوقت وعلى محاولاته الجادة في التغلب على مشاكله الشخصية. أنا وينتور واحدة من هؤلاء. لم تتخلّ عنه في أي لحظة من اللحظات. كان بالنسبة لها مبدعاً وصديقاً في الوقت نفسه. صحيح أنها لم توافق على ما تَفوَّه به، لكنها مثل الملايين من عشاقه شعرت بأن العقاب كان قاسياً؛ ليس عليه وحده، بل على صناعة الموضة ككل، فهذه في أمسّ الحاجة إلى مبدعين من أمثاله يرتقون بها في زمن غلب فيه المفهوم التجاري على الفني. ما يذكره الجميع أنه في زمنه كان عاصفة من الابتكار والدراما الفنية. يستمدها من كتب التاريخ فتُحرك المشاعر والعقل وتستحضر عظماء النهضة. كانت أنا وينتور شُجاعة إلى حد كبير؛ لأنها وقفت في وجه الحملة ضده، وكانت تردد كلما سنحت لها الفرصة أنه واحد من أهم المصممين الذين جادَ بهم هذا العصر. وفي أحد لقاءاتها النادرة صرحت بأن العرض المفضل لديها حتى الآن هو التشكيلة التي قدّمها لـ«ديور» في مارس من عام 1994، وهو ما يُعد شهادة لا يستهان بها. حتى الوثائقي الذي صدر مؤخراً عن انتصاراته وانكساراته كان بإنتاج مشترك بين منصة البث «موبي» ومجموعة «كوندي ناست»، المالكة لمجلات «فوغ» وغيرها من المطبوعات.

من تشكيلة Co-Ed لموسم ربيع وصيف 2024 استوحاها غاليانو من فكرة توارث الأزياء عبر الأجيال (ميزون مارتن مارجيلا)

يتردد أيضاً في كثير من الأوساط أنها رشّحته ليكون تيمة حفل ومعرض متحف الميتروبوليتان، لهذا العام، أسوة بألكسندر ماكوين وكارل لاغرفيد وتشارلز جيمس وغيرهم، إلا أن أحداث غزة غيّرت كل الموازين؛ لما أثارته من ردود أفعال عالمية متضاربة. كان لا بد من التراجع عن الفكرة؛ لتجنب أي جدل سياسي. وهكذا جرى اختيار تيمة مضمونة في المقابل هي «الجميلات النائمات: نهضة الموضة». ومع ذلك فإن مجرد تردد اسمه كاحتمال لهذا الحدث العالمي هو إعادة اعتبار له وبداية مُبشرة.

كيف يمكن أن تبدأ العودة؟

- الشائعات تردد أن البداية ستكون تدريجية لتجسَّ النبض، باستعادته دار «جون غاليانو»، التي أسسها في الثمانينات، واستحوذت عليها المجموعة الفرنسية الضخمة في التسعينات، لكنها أُغلقت بعد طرده من «ديور».

- هناك أيضاً من يقول إنه ربما يتسلم إدارة «جيفنشي» الفنية، التي عمل فيها لفترة بعد تخرجه. هؤلاء يبنون هذه النظرية على افتقادها مديراً إبداعياً، بعد خروج الأميركي ماثيو ويليامسون في بداية العام الحالي.

- فئة أخرى تُرجح كفة دار «سيلين»، فهناك شائعات بأن المصمم هادي سليمان قد يغادرها قريباً، لكن تبقى كل هذه مجرد شائعات، ربما تكون نسبة كبيرة منها من باب التمني والنوستالجيا في غياب مصممين؛ لهم الجُرأة والجموح الإبداعي نفسهما.


مقالات ذات صلة

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

لمسات الموضة عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

تشعر أحياناً أن مصمميه يتلذذون بالأزمات ويستمدون منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40 مؤكداً أن الأزمات لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اكتسب الريش هذه المرة مرونة وديناميكية شبابية (آسبري لندن)

الأميرة نورة الفيصل تضخ «آسبري لندن» بالحيوية

تأمل «آسبري» أن تحقق لها هذه المجوهرات نفس النجاح المبهر الذي حققته كبسولة الحقائب في العام الماضي. كانت الأسرع مبيعاً في تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

يجمع الأناقة بروح بوهيمية، لكن للأسف لا يناسب الكل؛ لهذا يحتاج إلى بعض الحيل كي تتمكن صغيرات الحجم تحديداً من الاستمتاع به، مثلهن مثل عارضات الأزياء.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة عارضات عالميات من أعمار مختلفة من بينهن المخضرمة جيري هول في عرض «كلوي» (كلوي)

5 خطوات لأناقة لا تعترف بمرور العمر

بالعمر تزداد الخبرة، وتصل المرأة إلى مرحلة من النضج والثقة، تنعكس على إطلالات متميزة تعبّر عنها بعيداً عن إملاءات الغير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم بيتر نيغارد الرجل الثمانيني مسجون منذ ديسمبر 2020 وهو متهم بعشرات جرائم الاغتصاب والاعتداءات الجنسية في كندا والولايات المتحدة على مدى عقود (رويترز)

السجن 11 عاماً لقطب الموضة بيتر نيغارد بتهمة الاعتداء الجنسي

حُكم على قطب الموضة السابق بيتر نيغارد، الاثنين، في تورونتو بالسجن 11 عاماً لإدانته بالاعتداء الجنسي على 4 نساء.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

تشكيلة نجا سعادة لخريف وشتاء 2025... بين الهمس والصخب

المصمم نجا سعادة يتوسط عارضات في مجموعة باللون الأحمر (نجا سعادة)
المصمم نجا سعادة يتوسط عارضات في مجموعة باللون الأحمر (نجا سعادة)
TT

تشكيلة نجا سعادة لخريف وشتاء 2025... بين الهمس والصخب

المصمم نجا سعادة يتوسط عارضات في مجموعة باللون الأحمر (نجا سعادة)
المصمم نجا سعادة يتوسط عارضات في مجموعة باللون الأحمر (نجا سعادة)

اختار المُصمّم نجا سعادة لمجموعته الجديدة من خط «الهوت الكوتور» لخريف وشتاء 2025 عنوان «أصوات هامسة» (Whispering Voices). قال إنه يُجسّد من خلالها أهميّة الأصوات وكيف يمكن أن تكون مصدر إلهام، لما لها من قوة على خلق تواصل إنساني بين الأفراد وتوطيد العلاقات الإنسانيّة. هذا التفاعل الإنساني هو الذي شكَّل رؤيته الفنيّة لتشكيلة مرنة كأنها تتحرك على وقع ذبذبات صوتية خافتة، وتتألّف من ثلاثين تصميماً من ضمنها فستان زفاف.

جاءت التصاميم مرنة كأنها ترقص على تذبذبات صوتية (نجا سعادة)

يشرح نجا سعادة: «ترجمت من خلال كلّ تصميم الأصوات والأصداء التي أثّرت في حياتي، بدءاً من ذلك الصوت الداخلي الذي يؤثر فيَّ وفي نفسيتي، إلى أصوات الطبيعة مثل خشخشات الشجر وخرير المياه، فضلاً عن أصوات أشخاص يلعبون دوراً مُهماً في حياتي ورحلتي. هؤلاء أصواتهم محفورة في عقلي ووجداني». هذا المزيج المُتنوّع من الأصوات والأصداء الداخليّة والخارجية حوّل كلّ قطعة رواية تحكي قصة رومانسية «تتخطّى حدود التصاميم والقماش»، وفق قوله.

من بين الألوان المتنوعة كان الأسود حاضراً... وبقوة (نجا سعادة)

تلونت التشكيلة بباقة مُنوّعة من الدرجات الأساسيّة، مثل الأحمر والأسود والأبيض والذهبيّ والفضيّ إلى جانب الأزرق بدرجاته المختلفة والزهريّ والبيج الورديّ والخوخي الناعم. بعضها يمثل القوة والصخب، وبعضها الآخر الهدوء والسكينة.

أما بالنسبة للأقمشة، فاستخدم المصمم كل ما هو فاخر ومترف، مثل التافتا والدانتيل والرازمير واللوريكس والكريب دو شين والكريب المغربي والساتان الذي مزجه بشكل ناعم مع الدانتيل والتول المُطرّز يدويّاً.

تميزت التشكيلة بتطريزات غنية (نجا سعادة)

حتى التطريزات لم تَسلم من الأصوات وتردداتها. لم يبخل عليها ببريق الذهب، ولا بالأسلاك المعدنية إضافةً إلى تطريزات تجسد الزهور وأوراق الشجر. أمّا فستان الزفاف، المصنوع من حرير الميكادو، فجمع بين البساطة والفخامة، بحيث طرَّزه نجا سعادة باستخدام تقنية دقيقة وثلاثية الأبعاد جعلت هذه الورود والأزهار تبرز بشكل طبيعيّ.

فستان العروس كان راقياً بهدوئه وتفاصيله (نجا سعادة)

فقد كان مهماً للمصمم أن تربط هذه الأصوات والهمسات علاقة عاطفية مع المرأة. فكم علاقة حب بدأت بالصوت قبل الصورة في الواقع. بيد أنها عندما تتعلق بالأزياء، فإنها تُصبح علاقة حب تجمع المرأة بفساتينها كأنها تفتح معها حواراً رومانسياً عذباً.