المصممون الهنود يحيون تقاليد النسج بالنول

تُشكِّل الحرف اليدوية ثاني أكبر قطاع توظيف في الهند بعد الزراعة

تسللت الأنسجة المصنوعة من النول إلى عروض أزياء عالمية ومحلية على حد سواء (إف دي سي آي)
تسللت الأنسجة المصنوعة من النول إلى عروض أزياء عالمية ومحلية على حد سواء (إف دي سي آي)
TT

المصممون الهنود يحيون تقاليد النسج بالنول

تسللت الأنسجة المصنوعة من النول إلى عروض أزياء عالمية ومحلية على حد سواء (إف دي سي آي)
تسللت الأنسجة المصنوعة من النول إلى عروض أزياء عالمية ومحلية على حد سواء (إف دي سي آي)

شهد أسبوع موسكو للموضة، المنعقد في مارس (آذار) الماضي، مشاركة علامتين تجاريتين من الهند: «إن بي سي» و«غيشا ديزاينز». تركّزت مشاركتهما على إبداعات منسوجة بالنول اليدوي. قبل ذلك وتحديداً في ديسمبر (كانون الأول) 2023، كان النول اليدوي أيضاً محور الاهتمام في قمة «بريكس» للموضة التي انعقدت في موسكو. شارك فيها أربعة مصممين هنود: ريتيش كومار ونوشاد علي وغوراف خانيجو وشروتي سانشيت. عن هذه المشاركات، علق سونيل سيثي، رئيس مجلس تصميم الأزياء بالهند، بأن مناسبات مثل أسبوع موسكو للموضة «مهمة للموضة الهندية عموماً، وللنول اليدوي خصوصاً، بوصفه إرثاً غنياً تتوارثه الأجيال».

علاقة الهند بأساليب النسيج والنول اليدوي مشهود به على المستوى المحلي والعالمي. تضرب جذورها إلى العصور القديمة، حيث تشير أدلة تاريخية إلى أن سكان شبه القارة الهندية تميزوا بالمهارة في الغزل والنسيج منذ عهد حضارة وادي السند (3300 - 1300 قبل الميلاد). حالياً يشكل النول اليدوي ثاني أكبر قطاع توظيف في البلاد، بعد الزراعة. بالطبع، أساليبه تختلف باختلاف مناطق البلاد. هناك مثلا نسيج «جامافار» الرقيق في كشمير وحرير «كانجيفارام» في تاميل نادو، و«جامداني» البنغالي الكلاسيكي و«باندهاني» في ولاية غوجارات، فضلاً عن الأقمشة المطرزة في باناراس والمصبوغة في راجاستان.

تمزج إيبا مالاي حبها للطبيعة بالتراث في علامتها التجارية «كينيهو»

وهنا، يتجلى مدى اتساع وتنوع عالم الخيوط الهندية، ما جعل بعض المصممين الهنود يحملون على عاتقهم مهمة تقديم هذا الإرث إلى العالم بلمسة عصرية. يقدمون تارة الزردوزي والديباج، وتارة نسيج «الإيكات» والتطريز بل حتى «الكادي».

من جهتها، أعلنت الحكومة الهندية، في إطار مبادرتها لإحياء النول اليدوي، السابع من أغسطس (آب) اليوم الوطني للنول اليدوي، تقديراً لجهود النساجين بمختلف أرجاء البلاد.

تقول سمريتي إيراني، وزيرة المنسوجات الهندية السابقة، في إحدى المقابلات: «نحن بحاجة إلى إيجاد طرق لجلب المهندسين لإصلاح أنوال النساجين المكسورة. وهؤلاء النساجون سيصبحون مصممي الأزياء لدينا». في إطار هذه الخطة الشاملة التي أطلقتها الحكومة، انضم عدد من المصممين الهنود إلى مجموعات ترمي إلى «تطوير المنتجات»، بتدريب النساجين؛ حتى يرقى مستوى مهاراتهم ويتناسب مع أذواق المشترين في القرن الحادي والعشرين.

على سبيل المثال، عمدت المصممة الهندية ريتو كومار، وهي واحدة من أكثر المهتمين بإحياء المنسوجات التقليدية، إلى الترويج لنسيج «باناراسي» منذ فترة. وبفضل جهودها في أواخر الستينات وأوائل السبعينات في سيرامبور ومرشد آباد في ولاية غرب البنغال، سجلت كومار اسمها في سجلات الموضة بوصفها أول مصممة تستعين بالنول اليدوي في الأزياء الهندية. استعانت كومار بأساليب الطباعة والحرف اليدوية، بالإضافة إلى حرير «أهيمسا» (يعرف كذلك باسم حرير ماتكا) وأقمشة بهاجالبور المنسوجة يدوياً في تصميم الملابس، خاصة الساري. جذبت تصاميمها شخصيات مثل الأميرة الراحلة ديانا، والممثلة ميشا بارتون، وغيرهما.

ديفيد إبراهام وراكيش ثاكوري، اسمان آخران تألقا في منسوجات «إيكات» وقطن «مانغالغيري» والحرير على امتداد عشرين عاماً. يعود لهما الفضل في ابتكار الخيوط وتغيير الأنماط والمنسوجات للتماشي مع أسواق جديدة. ويعدّ إبراهام وثاكوري، وهما مؤسسا علامة «إبراهام آند ثاكوري» (إيه آند تي) التجارية، من بين كبار الأسماء بصناعة النول اليدوي، خاصة أن منتجاتهما تتوفر بمتاجر فاخرة كبرى، مثل «سيلفريدجز» و«هارودز» و«ليبرتي» و«براونز» في لندن، و«لو بون مارشيه» في باريس منذ تسعينات القرن الماضي. كان عشقهما للنول اليدوي وإحيائهما لـ«إيكات» (عملية صباغة تقليدية)، العنصر الذي جمعهما معاً. فتح لهما الـ«إيكات» أبواب الإبداع والشهرة على مصراعيهما، لدرجة أن ساري من مجموعة خريف وشتاء 2010/2011 شق طريقه إلى المجموعة الدائمة داخل متحف فيكتوريا وألبرت.

وعن ذلك، قال إبراهام: «وسط المنافسة والكم الهائل من المنسوجات الرخيصة المنتجة بكميات كبيرة، أصبحت الأقمشة المنسوجة يدوياً تحظى بقيمة أكبر بين العارفين».

غوران شاه يحيي الضيوف في نهاية العرض (غوران شاه)

الملاحظ أنه على مدار سنوات، نجح مصممون هنود في إضفاء طابع حضري على الأنوال اليدوية، وحولوها إلى مصدر لمنتجات فاخرة بأسعار معقولة للعملاء المميزين، وهذا ما أكده غورانغ شاه، المعروف باسم صانع إحياء المنسوجات، وأحد المصممين الذين يعود إليهم الفضل في دفع النول اليدوي الهندي إلى واجهة الموضة. بدأت قصته في متجر والده الصغير لإنتاج الساري. وقع في سن صغيرة في حب فن النسيج، واتخذ قراراً بصنع سارٍ منسوج يدوياً من «الكادي» والحرير والقطن. في عام 2001، عندما كان النول اليدوي التقليدي يلفظ أنفاسه الأخيرة، خاض شاه تحدياً كبيراً بسعيه لإنعاشه، والدفع بنسيج «الكادي» إلى واجهة الموضة. كان ذلك في معرض «إيكو ديزاينرز لافيرا شوفلاور» في برلين. مزجه مع نسيج «جمداني» وعدد من الأصباغ الطبيعية. وسرعان ما وصل الاهتمام إلى الولايات المتحدة ليبدأ تعاونه مع متجر «مول آت أوك تري»، ومقره في نيو جيرسي.

وهكذا أقبل الكثير من نجمات هوليوود على ارتداء الساري المنسوج بالنول اليدوي، مثل أنجلينا جولي وجوليا روبرتس وباريس هيلتون وناعومي كامبل؛ ما أسهم في تحطيم الحواجز وخلق لحظات لا تنسى بعالم الموضة.

وفي سياق متصل، وعبر متجرها الرئيس في نيويورك، تولت أنيتا دونغري تصميم ملابس لأسماء لامعة، مثل كيت ميدلتون وبيونسيه وهيلاري كلينتون وأريانا هفنغتون، ونجحت في أن تثبت للجميع كيف يمكن للنول اليدوي إنتاج منسوجات ساحرة تجمع التقاليد والحداثة. ولاقت العلامة التجارية الفاخرة التي أطلقتها عام 1995، «غراسروت»، إشادة واسعة بوصفها بدّلت وجه عالم الموضة، لا سيما أنها أيضاً واحدة من أول الأسماء التي تزعمت تيار الموضة المستدامة، وإلى جانب إحياء النول اليدوي، وتمكين الحرفيين المحليين والنساء القبليات.

المصممة أنيتا دونغري تفخر بدورها في تمكين المرأة القروية (أنيتا دونغري)

وبالمثل، نجد تصميمات سابياساتشي موخيرجي تباع مثل الكعك الساخن في الهند، وقد نجح في بناء اسم يحسب له حساب داخل دوائر الموضة العالمية. وفي الوقت الذي تتاح تصاميمه في المتاجر الفاخرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فإنه حرص على مدار السنوات القليلة الماضية على الاضطلاع بدور مهم في جهود إحياء النول اليدوي؛ فهو يستعين دائماً بالقطن والكادي ونسيج ألباناراسي والأقمشة المنسوجة يدوياً في تصميم أزيائه، وتتضمن لائحة عملائه الكثير من نجوم بوليوود، بل بعض المشاهير العالميين.

ويعتقد موخيرجي أن النول اليدوي سيصبح من أعمدة الرفاهية مستقبلاً؛ لأن منتجات الرفاهية ستنحصر في إنتاج واستعمال كل ما هو عضوي ومستدام، مصرحاً: «لن يبقى أي شيء يعادل الرفاهية سوى الأنوال اليدوية».

ومن الأسماء الرائدة كذلك على صعيد إحياء النول اليدوي، نذكر أنيث أرورا التي تستعين هي الأخرى بالنسيج اليدوي وأقمشة أخرى عضوية تجلبها من مختلف أرجاء البلاد، مثل ولايات البنغال الغربية وأندرا براديش وغوجارات وماديا براديش وراجستان وفاراناسي. تُعدّ تصاميمها مصدر إلهام للكثيرين، وتتعرض للتقليد بشكل صارخ.

من ناحية أخرى، حرصت إيبا مالاي على المزج بين حبها للطبيعة وفخرها بالتراث ضمن جهودها لبناء علامتها التجارية «كينيهو». وتستعين المصممة بحرير يعرف بـ«حرير السلام؛ لأنه لا يتطلب قتل دودة القز في أثناء الحصول على الألياف المنتجة للحرير. وتحرص مالاي على الاستعانة بنساجين محليين في إنتاج المنسوجات التي تستخدم في إبداع قطع «كينيهو» مستدامة. كما أنها تعتمد على الأصباغ الطبيعية حصراً؛ ما يجعل الملابس لطيفة على الجلد وصديقة للبيئة.



5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.