داميان برتراند لـ«الشرق الأوسط»: أفضّل أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً

الرئيس التنفيذي لدار «لورو بيانا» عازم على قيادتها بحسه التجاري وحواسه الخمس

واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
TT

داميان برتراند لـ«الشرق الأوسط»: أفضّل أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً

واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)

لن نبالغ إن قلنا إن دايمون برتراند، هو رجل الساعة في عالم الترف والفخامة، ليس لأن اسم «لورو بيانا» يرتبط بالنخبة من العاشقين لصوفها الناعم المعروف بـ«صوف الملوك»، ولا لأنه مرادف للأناقة الرفيعة والعملية على حد سواء، بل لأنه ومنذ التحاقه بالدار الإيطالية رئيساً تنفيذياً وهو لا يكف عن ضخِها بجرعات حيوية وديناميكية تناسب تطورات العصر.

كل هذا من دون أن يمس بأساساتها. بالعكس فتاريخها القائم على الألياف النادرة مثل الكشمير والفيكونا، خط أحمر بالنسبة له. في لقاء خص به «الشرق الأوسط» قال: «أعد نفسي حارساً أميناً على تقاليدها الحرفية؛ فـ«لورو بيانا» بالنسبة لي مصدر إلهام علَمتني أنك يمكن أن تخترق أقصى حدود الابتكار ما دامت جذورك راسخة وعميقة».

داميان برتراند الرئيس التنفيذي (لورو بيانا)

لم يكن الاتفاق على موعد للقائه سهلاً؛ فبحكم أسفاره الكثيرة تغير الموعد مرات عدة. كثرة أسفاره ما بين أقاصي جبال البيرو ومزارع منغوليا ونيوزيلندا وأستراليا جعلت منه عُملة نادرة في أوساط الموضة ووسائل الإعلام، فحتى الآن لم يُجر سوى عدد قليل من اللقاءات الصحافية التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة.

كان من المفترض أن يحدث لقاؤنا في ميلانو بعد زيارة لمعامل الدار الواقعة شمال إيطاليا، لكن تحقق أخيراً في محلها الفخم الواقع بـ«أفينو مونتين» بباريس. بمجرد أن تصافحه وتتبادل معه المجاملات الأولية التي عادة ما تسبق أي حوار لإذابة الجليد، تشعر بأنك أمام رئيس تنفيذي غير عادي. يكشف لي أنه يعشق السفر والترحال والانغماس في ثقافات الآخرين. تلمع عيناه أكثر وهو يضيف أنه متعطش للتعرف على المملكة العربية السعودية من قُرب، «فقد سمعت عنها الكثير ومشروعاتنا فيها مهمة».

واجهة محل «لورو بيانا» في «دبي مول» بعد التجديدات (لورو بيانا)

وُلد داميان برتراند في مرسيليا، لكنه عاش أكثر سنوات حياته خارجها متنقلاً بين أستراليا وكندا ولندن والبرازيل ونيويورك، والآن يوزع وقته بين فرنسا وإيطاليا. ربما هذا ما يجعل شخصيته تفوح بنكهة عالمية، «فكل مكان وكل تجربة أضافا إليَّ أشياء غيَّرتني على المستويين الشخصي والمهني على حد سواء» وفق قوله، مضيفاً: «من أهم عناصر النجاح في صناعة الترف فهْم ثقافات الآخرين واحترامها. إذا لم يتمتع الواحد منا بهذا فإنه في الوظيفة الخطأ».

من تصاميم الدار لربيع وصيف 2024 حيث تظهر بصمات داميان برتراند الحيوية عليها (لورو بيانا)

كان شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021 هو تاريخ تسلمه مقاليد الدار، أي في أوجّ جائحة «كورونا»، ومع ذلك حوَّل كل تبعاتها وسلبياتها إلى مكاسب. خلال عامين فقط تجلّت بصمته ورؤيته في خطوط محددة وإطلالات متكاملة تتراقص على كلاسيكية معاصرة لا تعترف بزمن.

يشرح: «كانت الدار تحوي مساحة كبيرة للإبداع. كان عليّ فقط التسلح ببعض الشجاعة لأقودها إلى المرحلة التالية». أسأله عما إذا خامره أي شعور بالقلق بحكم أن إرث «لورو بيانا» غني، ومن شأنه أن يثقل كاهل أي قادم جديد، فيرد سريعاً: «أفضّل بطبعي أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً». من حسن حظ الدار أنه جرَب ونجح.

من تصاميم الدار لربيع وصيف 2024 التي جسدت رؤية داميان برتراند للدار (لورو بيانا)

استغل داميان الجائحة لقراءة تحولات السوق. وقد أدرك مثلاً أنه من الصعب على المرأة أن تعود إلى الحذاء ذي الكعب المدبب والعالي بعد أن ذاقت واستحلت طعم الراحة. وفي الوقت نفسه لا تريد التنازل عن مظهر أنيق وراقٍ يحقق المعادلة الصعبة بين الاثنتين. عمل مع استوديو التصميم على طرح أزياء وإكسسوارات تعكس هذه المطالب، وهو ما تجسد في أحذية مبتكرة ومريحة من دون كعب، وقطع أزياء اشتهرت باسم «كوكونينغ» نفدت من الأسواق في غضون أسابيع قليلة لنعومة الكشمير الذي استُعمل فيها.

كانت الغرفة التي أجري فيها اللقاء في محل «لورو بيانا» بـ«أفينو مونتين» الباريسي، خاصة بالشخصيات المهمة. تناثرت على جوانبها دمى في إطلالات متناسقة من الرأس إلى أخمص القدمين، بما في ذلك الأحذية وحقائب اليد. كان هذا التنسيق مقصوداً؛ فهو يوضح الصورة التي سيكون عليها مستقبل الدار الإيطالية من وجهة نظره. كانت صورة مفعمة بالحيوية تتحدى سنوات عمرها التي ستُكمل المائة في 2024. يقول بتواضع إنه لم يحتج إلا لتغييرات بسيطة ارتقت بها إلى مستواها الديناميكي الحالي، سواء تعلق الأمر بالأزياء الرجالية أم النسائية. كلما أسهب في شرح رؤيته وتفاصيلها، تستنتج أن الرسالة التي يُريد إيصالها هي أنه لم يقم بعملية تجميل جذرية، ولا قدَّم لها قُبلة حياة، فـ«لورو بيانا» كانت دائماً متحركة تُطوِر من تقنياتها، لكن بأسلوب كلاسيكي إن لم نقل «ذكوري» من ناحية أن الأزياء النسائية لم تكن تحظى بنفس الأهمية، وهو ما عمل على تغييره.

من يعرفون داميان برتراند توقعوا منه هذه النقلة؛ فهو ليس غريباً على عالم الجمال والأناقة. مسيرته بدأت في شركة «لوريال» التي قضى فيها نحو 18 عاماً قبل أن ينضم إلى «ديور كوتور» في عام 2016 مديراً عاماً لجميع الأقسام. وربما هنا تكمن قوته رئيساً تنفيذياً؛ فهو هنا يعتمد على كل حواسه وليس على حسه التجاري والإداري فحسب.

هناك حركة دائماً لاكتساب مهارات جديدة تُثمر عن تقنيات متطورة في معامل الدار (لورو بيانا)

يتذكر أنه عندما رُشِّح رئيساً تنفيذياً لـ«لورو بيانا» الإيطالية لم يتردد، رغم اختلاف ثقافتها تماماً مع ما تَعَوَّدَ عليه في «ديور» الفرنسية. توقَع كل شيء إلا أن يقع في حبِها من أول زيارة إلى معاملها الواقعة في شمال إيطاليا. يقول: «أصابني الذهول. كانت عبارة عن خلية نحل يعمل فيها أكثر من 1000 حرفي بأعمار متفاوتة. بعضهم بدأ حياته في المعمل منذ 50 عاماً أو أكثر، ولا يزال يتمتع بحماس الشباب والاندفاع لاكتشاف تقنيات جديدة تزيد من رقة الألياف ونعومتها مع الحفاظ على عنصري الدفء والانتعاش».

كلما زادت ألياف الصوف نعومة ورقّة كان الأمر سبقاً لكن من دون التأثير على عنصريْ الدفء والانتعاش (لورو بيانا)

يتذكر أيضاً كيف أنهم، وبقدر ما كانوا مُتلقين متلهفين على اكتساب الخبرات، كانوا سعداء وهم يشرحون له كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتخصص كل واحد منهم. «بين ليلة وضحاها شكَلنا فريقاً متناغماً بأهداف واحدة». من بين الابتكارات التي يفخر بها داميان وتمخَّض عن هذه النقاشات نوع من الدنيم تعاونت فيه «لورو بيانا» مع شركة يابانية متخصصة في هذا القماش، مُزِج بـ40 في المائة من الكشمير، الأمر الذي أكسبه مرونة ودفئاً لا يتوفران في الدنيم العادي. أطلق عليه اسم «كاش دينم (Cash Denim)»، ولم يُنْتَج سوى نحو 70 قطعة منه، لما يتطلبه من جُهد ودقة؛ فإنتاج 50 متراً منه فقط يستغرق يوماً كاملاً لإنتاجه. مجموعات كثيرة أخرى مثل «Cashmere Storm System®» حُرِصَ فيها على أن تتوافر على كل عناصر الترف والعملية، من مقاومة الماء ومنح الدفء إلى إضافة جيوب داخلية بوظائف متعددة، وغُلِّف بعضها بطبقة خاصة تقي من إشعاعات الهاتف. أما القاسم المشترك بينها حالياً، فهي التصاميم المُلتفة على الجسم بنعومة معاصرة.

نجح داميان في رسم صورة أنيقة لامرأة «لورو بيانا» من دون حاجة إلى «لوغو» (لورو بيانا)

لا يُخفي داميان أنه من بين الأشياء التي جعلته يتحمس لقيادة الدار الإيطالية، إلى جانب تاريخها الراسخ في أفخم أنواع الصوف بأنواعه، أنها كانت بمثابة صفحة بيضاء في مجال التصميم، ما يُتيح له أن يرسم عليها رؤيته بحرّية مطلقة بعيداً عن إملاءات الموضة الموسمية. الصورة التي رسمها يمكن أن يتعرف عليها الناظر بسرعة من خلال خطوطها وملمسها وألوانها الهادئة. يقول بنبرة يقين: «مستحيل مثلاً أن نضع أي (لوغو) على قطعة تخرج من معاملنا. وحتى في الحالات التي نضع فيها توقيعنا، فنحن نضعه بالداخل، وتحديداً في جهة القلب، بحيث لا يراه أو يشعر به سوى صاحب القطعة».

خطوط رشيقة وأنيقة في تشكيلة الدار لربيع وصيف 2024 (لورو بيانا)

يُكرر داميان مرات عدة أن «لورو بيانا» ليست دار أزياء، وبالتالي ليس مفروضاً عليها أن تواكب توجهات الموضة؛ فالأولوية تبقى دائماً للخامات والمواد، تليها التصاميم، وليس العكس: «نريدها أن تبقى في القمة كما عهدناها، تتوجه بصوفها النادر للعارفين وأصحاب الذوق الرفيع؛ فنحن لا ننسى في أي مرحلة من مراحل التصميم والإنتاج أن صوفنا هو (هدية للملوك)».

عندما أشير إلى أن التوقيت كان في صالحه بحكم أن الموضة الحالية ترفع شعار الفخامة الهادئة الخالية من أي «لوغو» أو زخارف، يرد بسرعة: «هذا الأمر لا ينطبق على (لورو بيانا) على الإطلاق، لأنها لم تركب أي موجة طوال تاريخها، وما يطلق عليه حالياً الفخامة الهادئة هو موجة مثلها مثل غيرها، تأتي وتذهب، بينما يبقى أسلوبنا نفسه... راقياً وحيوياً مهما تغيرت المواسم والفصول».

هناك شغف يُحرك كل العاملين في معامل الدار بإيطاليا لإكساب ألياف الصوف مزيداً من الفخامة والنعومة (لورو بيانا)

كان داميان طوال الحديث حريصاً أن يُذكرني بأنه حارس لتقاليد وحرفية الدار وليس ثورياً يرغب في التغيير. 3 خطوات يستند إليها لتحقيق معادلة مبنية على احترام شخصيتها وجيناتها الوراثية وقيادتها نحو المستقبل؛ أولاها التحفيز على مزيد من البحوث والابتكارات، وثانيتها الاهتمام بجانب الإكسسوارات لترسيخ تلك الإطلالة المتكاملة التي رسمها للدار. وأخيراً وليس آخرًا الإشراف شخصياً على ديكورات كل محلات الدار العالمية؛ فـ«لورو بيانا» قبل عامين ليست هي «لورو بيانا» الآن، وفق قوله: «أصبح لها الآن أقسام جديدة كالإكسسوارات، من حقها نيْل مساحة تليق بها».

منطقة الشرق الأوسط على رأس أولوياته. جدَّد محلات قديمة فيها، وينوي افتتاح أخرى. في دبي مثلاً قام بعمل تجديدات شاملة في محلي الدار في «دبي مول» و«مول أوف إمارات» استغرقت أكثر من عام لتأتي بشكل يتماهى مع البيئة المحيطة وثقافة المنطقة. من بعيد تتراءى واجهاتها كأنها مغطاة بأنسجة متماوجة بلون التراكوتا. تقترب أكثر فتكتشف أنه سيراميك صِيغَ بشكل إبداعي في مشغل متخصص في توسكاني وليس من الصوف، أو ما شابه من ألياف يسهل تطويعها بهذا الشكل. يلفت داميان نظري إلى أنه بقدر ما كان الملمس الناعم مهماً، كان عنصر الدفء في الأهمية نفسها حتى يناسب البيئة المحيطة». الاعتبارات نفسها أُخذت في تصميم المتجر الجديد في الكويت الواقع بمجمّع «أفينو مول». وطبعاً القادم في السعودية لن يقل قوة وفق قوله: «فهناك علاقة عابرة للأجيال تربطنا بها منذ زمن. وبتنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن الإقبال بات يشمل الأبناء والأحفاد أيضاً»؛ فالتصاميم الحيوية الآن انضمت إلى الألياف النادرة لتُعزز عنصر الفخامة المستدامة. وربما يكون هذا هو الإرث، أو بالأحرى البصمة التي يريد داميان أن يُخلَّفها في دار عمرها 100 عام.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.