ستيفان رولان لـ«الشرق الأوسط»: الفن قوتي وزادي ومن الشرق أستمد قوَّتي

في تشكيلته الأخيرة يستحضر ماريا كالاس بالصوت والصورة

ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
TT

ستيفان رولان لـ«الشرق الأوسط»: الفن قوتي وزادي ومن الشرق أستمد قوَّتي

ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)
ستيفان رولان يحيِّي ضيوفه في نهاية العرض (رويترز)

في أحد أيام شهر يناير (كانون الثاني) الماضي الباردة، شهد قصر غارنييه بباريس حركة مثيرة للغاية. كان يتراءى من بعيد كعادته، شامخاً ومتأنقاً بمعماره الباروكي، وواجهاته المزينة بمنحوتات فنية، تجسد أبطالاً من الأساطير اليونانية، لكن مكتظاً بشريحة شابة من السياح والفضوليين تجمهروا حوله. كانوا يلتقطون صوراً لأنيقات ينزلن من سيارات فارهة، في فساتين فخمة. لم تكن المناسبة حفل أوبرا، بل عرض أزياء قدمه المصمم الفرنسي ستيفان رولان ضمن «أسبوع باريس» لخريف وشتاء 2024. طوابير من الأنيقات في فساتين تناسب الأعراس، أو حفلات الأوبرا، كما صورتها لنا الأفلام السينمائية القديمة.

صانعة المحتوى والإنفلونسر المعروفة بساناناس في فستان من تصميمه (ستيفان رولان)

تقف الواحدة تلو الأخرى للحظات أمام عدسات المصورين، ثم تدخل البوابة الكبيرة تحت حراسة مشدّدة لترتقي درجات السُّلم بخطوات متباطئة. فهي هنا تجر ذيلاً طويلاً من عدة أمتار من قماش الحرير أو الغازار، أو تحمل على صدرها إكسسواراً على شكل منحوتة مصوغة من الذهب.

النجمة يسرا لدى وصولها العرض (ستيفان رولان)

تقترب أكثر وتنتبه إلى أن ضيفات عرضه يختلطن مع نجمات من كل أنحاء العالم، من بينهن يُسرا، وغادة عبد الرازق، ومغنية الأوبرا البريطانية بريتي ياندي، وغيرهن. طبعاً لا يمكننا تجاهل حضور السوبرانو ماريا كالاس، التي لم تستطع أي واحدة من النجمات أن تسرق الأضواء منها، رغم وفاتها منذ عقود. كانت الحاضرة الغائبة في هذه المناسبة. روحها وعبقها وكُحل عينيها الدرامي يسكن المكان، بينما يتردد صوتها الذي بلغ 6.7 أوكتافات في جوانبه، فتسري في الأوصال قشعريرة من إعجازه.

المصمم ستيفان رولان في نهاية عرضه لخريف وشتاء 2024 (رويترز)

من يتابع ستيفان رولان يعرف أنه يعشق الفن بكل أشكاله، والموسيقى تحديداً. ومن يعرفه على المستوى الشخصي، يعرف أنه يملك صوتاً عذباً يُطرب سامعيه. لحسن الحظ فإن عالم الموضة سرقه، وكسبته أنيقات العالم. فهو ما فتئ يُمتِعنا بتصاميمه الفنية التي تخفي بين دراميتها المسرحية كثيراً من الإبهار والأناقة.

على الرغم من نفيه أنه يعيش في الماضي، وتأكيده أنه ابن عصره، فإن هناك نوعاً من النوستالجيا، دائماً ما يشده للزمن الجميل، وندين له بإدخالنا عالمه الخاص.

الأبيض والأسود كانا الغالبين باستثناء فستانين باللون الأحمر (أ.ف.ب)

يقول في مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط» بعد تقديمه تشكيلته الأخيرة من خط الـ«هوت كوتور»: «الفن قوتي وزادي. لا يمكنني الإبداع من دون الاستناد إلى تعبير فني يُشعل مخيلتي، ويحرك وجداني». أحياناً يستلهم من فنان، وأحياناً من مهندس معماري وهكذا.

«خريف وشتاء 2024» أحيا ذكرى السوبرانو ماريا كالاس التي يحتفل العالم بـ100 عام على مولدها، من خلال عرضٍ استعاد عظمتها، ووظّف فيه كل عناصر الإبهار، من مكان العرض إلى الموسيقى، مروراً بالأزياء. تصاميمها وموادها وزخرفاتها، وكل خيط من خيوطها لا يعترف بزمان، تماماً مثل صوت الأسطورة التي ألهمته ولن تتكرر.

استهلَّت العرض الإسبانية نيفيس ألفاريز في فستان أسود (أ.ف.ب)

كلما أطلَّت علينا عارضة بفستان جديد حضرت صورتها، وكأن روحها تحوم في قصر غارنييه الذي غنت فيه ثلاث مرات. أول مرة في عام 1958، وآخر مرة في عام 1964. في كل إطلالة كانت تتجلى لنا، إما في شخصية نورما، وإما في شخصية كارمن، أو مدام باترفلاي، أو ميدِيا... وهلم جراً من الشخصيات التي جسدتها عبر مسيرتها الغنية. كل ما فيها كان مُبهراً رغم غياب الألوان المتوهجة التي يميل إليها المصمم عادة. حل محلها الأبيض والأسود باستثناء فستانين باللون الأحمر. تبريره أن استخدام ألوان متوهجة لم يكن ليتناغم مع أجواء المكان، وسحر صاحبة الصوت.

هذه الدراما خدمت كثيراً المخرج الفرنسي كلود لولوش الذي كان قد اتفق مع ستيفان رولان على تصوير عرضه ليُضمّنه فيلمه الروائي المقبل Finalement (أخيراً). لم يكن يتوقع أن تكون التشكيلة بهذا الإبهار والحبكة، وهو ما سيُضفي على عمله كثيراً من الجمال والعُمق. عدَّها المخرج «هدية من السماء» حسب قول ستيفان رولان.

أنهت العرض الإسبانية نيفيس ألفاريز في فستان زفاف أبيض (إ.ب.أ)

افتتحت العرض عارضته المفضلة الإسبانية نيفيس ألفاريز بفستان أسود من حرير الغازار، واختتمته هي أيضاً بفستان زفاف مكسوّ بالشاش الأبيض. أسأله إن كان يشعر بالنوستالجيا لزمن مضى، فيرد نافياً بأنه لا ينسى أبداً أنه ابن عصره. ويتابع: «ربما ينتابني الحنين بين فينة وأخرى إلى حقبتَي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لا سيما عندما أتذكر مساحة الحرية التي كانت متاحة لنا من ناحية التعبير عن الذات. كنا نعيش الحياة من دون توجّس أو خوف من اقتحام وسائل التواصل الاجتماعي، كل تفصيل في حياتنا من دون إذن أو رقيب». ويتابع: «هذا لا يعني أن هذه الوسائل غير مهمة... بل العكس، أدرك تماماً أنها لغة العصر، لكنها مع الأسف وضعت قيوداً، وفرضت نمط عيش قاسياً تسوده العزلة بالمقارنة مع نمط حياة أسلافنا. أنا مع تقدم التكنولوجيا، ولا أمانعها على شرط أن تستعمل بشكل صحيح. أما على المستوى الشخصي، فإني أراها قضت على عفوية العيش التي كنا ننعم بها قبل انتشارها».

عشق المصمم للموسيقى لم يضاهه سوى عشقه لفنون العمارة الهندسية (أ.ف.ب)

لسنوات طويلة ظل اسم ستيفان رولان يرتبط بمنطقة الشرق الأوسط. كلما طُرح اسمه في حديث عابر أو نقاش طويل، كان أول مأخذ عليه أو إشادة به أنه «مصمم الشرق». والمقصود هنا تلك العلاقة الوطيدة التي تربطه بزبونات الشرق الأوسط، وحجم إقبالهن على تصاميمه، الأمر الذي وضعه في خانة معينة. يُعلّق بأن سماع هذا النوع من التعليقات يُسعده أكثر مما يُزعجه، «فهناك فعلاً علاقة حميمة وطويلة تربطني بالمنطقة. فهي تُقدر الجمال والفن، ومن غموض الشرق ورومانسيته أستمد كثيراً من أفكاري» حسب تعليقه.

ويضيف: «أنا مدين لزبوناتي في فهم ثقافتها عن قُرب في عهد كان يلفُّها الغموض، وصور نمطية كثيرة. منذ أول يوم زُرتها فيها، عشقتها ورغبت في سبر أغوارها، لأكتشف سريعاً مكامن جمالها وقوتها».

ثم يُعلِّق بصوت خافت، وكأنه يبوح بسرٍّ كبير: «لا أخفيك أن إحساساً رائعاً بالتميز والنشوة كان يتملكني، وأنا أرى أن الأبواب الموصدة أمام غيري كانت مفتوحة أمامي». ويتابع سريعاً: «أتمنى ألَّا يفهمني أحد خطأً عندما أقول: إن انفتاح السعودية أزعجني قليلاً في البداية، لسبب أناني محض. فهي بيتي الثاني الذي كنت فيه الطفل المدلل. من هذا المنظور فقط، استخسرت أن يشاركني فيها غيري. لكني، وبكل صدق، وبعيداً عن مشاعر الأنانية؛ مبهور بالتغييرات الإيجابية التي تشهدها المملكة، وسعيد بها للغاية؛ خصوصاً وأنا أرى حماس شبابها وتفجّر قدراتهم الإبداعية. أكثر ما لفتني وأثلج صدري أن تطورها السريع لم يُؤثر على احترامهم للتقاليد واعتزازهم بهويتهم».

جموح المصمم الفني تجلى في أشكال مبتكرة شكَّلها من أقمشة متنوعة (أ.ف.ب)

هذه العلاقة بين ستيفان رولان والمنطقة لا تزال مستمرة، لكنها توسَّعت في السنوات القليلة الأخيرة إلى أسواق أخرى، زادت شعبيته فيها. يعترف بأنه تعلم من أخطاء الماضي، وأصبح قارئاً جيداً لنبض العصر وتغيراته. بات أيضاً يُدرك أهمية أن يبقى المصمم في دائرة الضوء، بالاعتماد على تقديم إبداعات مميزة لا تخطئ العين بصمتها، التي يجب أن تُميزه كما تُميز لابستها من دون تجاهل الجانب التجاري. بيد أنه، رغم النُّضج، لم يُغير جلده فيما يتعلق بأسلوبه. نعم لم يتوقف عن تطويره، وإضافة بهارات مثيرة عليه من خلال التفاصيل الفنية، بينما تحترم الأساسيات ثقافة المرأة، وما تفرضه من تضاريس جسدية. فكما أن الموضة، حسب رأيه، تقوم على الجمال والرقي، فإنها مثل كل شيء في الحياة «تحتاج إلى بعض الجنون» لتحريك المياه الراكدة، وإدخال السعادة على النفس.


مقالات ذات صلة

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حتى عندما تكون الأزياء مفصلة بالمليمتر تتمتع بعنصر الراحة والحشمة (لورو بيانا)

مجموعة «لورو بيانا» الرمضانية تفوح بنكهة استشراق لذيذة

تشكيلة «لورو بيانا» الرمضانية تبذل جهداً في إرساء مفهوم معاصر لهذا الاستشراق مبني على دراسة السوق لا على المخيلة وحدها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة المغنية بلقيس سفيرة «ميسيكا» تتألق بمجوهرات في حملتها الرمضانية لعام 2025 (تصوير: موكس سانتوس)

بلقيس نجمة «ميسيكا» لرمضان 2025

من يتابع الفنانة بلقيس، يعرف أن بينها وبين الموضة علاقة وطيدة. تعشقها ولا تفوّت أي فرصة لحضور عروضها أو فعالياتها المختلفة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)

«بالحب من ميغان»... رسالة حب وسلام من ميغان ماركل أم انفصام عن الواقع؟

تراجيديا ميغان ماركل أنها «عدوة نفسها»، بسبب جموحها للظهور والأضواء بأي ثمن. هذا الثمن تعكسه أيضًا أزياؤها ومجوهراتها التي لا تتماشى مع الزمان أو المكان.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توفق الحملة الرمضانية بين شخصية إليانا وبين تصاميم «كوتش» الأيقونية (كوتش)

الفنانة إليانا تراقص الجلود في حملة «كوتش» الرمضانية

أطلقت علامة «كوتش» حديثاً حملةً رمضانيةً تدعو فيها إلى التحلّي بالشجاعة وعدم التردد في التعبير عما يجول في الخاطر والذهن.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«بالحب من ميغان»... رسالة حب وسلام من ميغان ماركل أم انفصام عن الواقع؟

ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)
ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)
TT

«بالحب من ميغان»... رسالة حب وسلام من ميغان ماركل أم انفصام عن الواقع؟

ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)
ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)

لا تعرف ما إذا كنت تستطيع أن تتعاطف مع ميغان ماركل، دوقة ساسكس أم لا. ما إن تخرج من مأزق حتى تدخل آخر. وفي كل مرة، تظهر أمام الكاميرات بابتسامة عريضة وكأنها تتحدى المنتقدين. اليوم سيُعرَض برنامجها الجديد «With love, Megan (بالحب من ميغان)» على منصة «نتفليكس» بعد أن تأجَّل بسبب حرائق لوس أنجليس. ردود الفعل التي تتعرَّض لها في بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي بعد بث «البرومو» الترويجي له، لا تُبشِّر بالخير.

تم الحكم عليه بالفشل قبل بثه، على أساس أنه لن يختلف عن مغامراتها التجارية الأخرى التي لم تتكلل بالنجاح، بدءاً من «بودكاست» لم يستمر سوى موسم واحد، إلى آخر مشاريعها، «As Ever» الذي صرَّحت بكل اعتزاز وفخر في فيديو نشرته حديثاً، بأنها حجزت اسمه في عام 2022، ليتبيَّن أنه مستعمل قبل ذلك بكثير من قبل علامة أزياء في نيويورك.

اللافت أنها ليست المرة الأولى التي تختار فيه اسماً تضطر لسحبه. في العام الماضي أعلنت «American Riviera Orchard» اسماً لعلامتها التجارية. رُفض بسبب قانون يمنع استعمال أسماء أماكن جغرافية لمشاريع تجارية. وهذا ما يثير العجب والاستغراب، إذ إنه من المفترض أن يكون وراء مشاريعها فريق من الباحثين والقانونيين والمستشارين الملمين بمثل هذه الأمور.

ترافق ميغان زوجها الأمير هاري في كل المناسبات فيما يراه البعض محاولات لسرقة الأضواء منه (أ.ب)

تراجيديا ميغان ماركل أنها «عدوة نفسها». تُفرّق أكثر ما تجمع؛ بسبب جموحها للظهور والأضواء بأي ثمن. هذا الثمن المبالغ فيه أحياناً، تعكسه أيضاً أزياؤها ومجوهراتها الغالية التي لا تتماشى مع المكان أو الزمان. المتحاملون الذين تزيد أسلحتهم قوة في كل مرة، يُبرِّرون أن البادئ أظلم. فهي مَن فتحت النيران في ذلك اللقاء الشهير مع أوبرا وينفري، حين أفشت أسراراً عائلية وزادت عليها بهارات أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التي تفنَّنت في تفنيدها. منذ ذلك الحين وهناك حالة من التوثب تُشخِّص أي حركة تقوم بها، وتُحلِّل أي كلمة تتفوه بها.

ما إن تحضر مع زوجها الأمير هاري أي نشاط، حتى تنهال عليها الاتهامات بأنها تُهمِّشه وتسرق منه الأضواء عن قصد. ثم تعانق أحد المتضررين من حرائق لون أنجليس للتعبير عن تعاطفها، فتُتهم بأنها تستغل مآسي الغير لتلميع صورتها، وهكذا.

ظهرت ميغان في لقطات عدة بالأبيض الكريمي (نتفليكس)

برنامجها الذي ستبدأ منصة «نتفليكس» بثه اليوم، لم يسلم من الانتقادات، ولم يشفع له عنوانه «With love, Megan (بالحب من ميغان)». كان من المفترض أن تعرضه منصة «نتفليكس» في منتصف شهر يناير الماضي، لكنه تأجَّل لأن الظروف لم تكن مواتية.

«نتفليكس» قدمته على أنه رسالة حب من دوقة ساسكس. تُعبِّر فيه عن مدى شغفها بالطهي، وتم تصويره في أجواء تعكس أسلوب حياتها الخاصة وعلاقاتها مع «أصدقاء قدامى وجدد». وهو ما أضافت عليه هذه الأخيرة قولها، إن الحب الذي يشير إليه العنوان «يكمن في التفاصيل الصغيرة، وتلك اللحظات الشخصية التي تبث السعادة في نفس مَن نحب»، مضيفة أن هدفها «ليس الكمال، بل خلق الفرح والسعادة».

«برومو» قصير لا يتعدى نحو 30 ثانية أدخلنا هذه الأجواء، وكان كافياً للحكم عليه بالفشل. تداولت مواقع التواصل الاجتماعي لقطاته وتلذذت بانتقاد كل صغيرة وكبيرة، بدءاً من ظهورها وهي تُزيِّن أطباقاً ببتلات ورد جافة، أو تضع الفراولة بعناية فوق كعكة، أو تجمع العسل من خلية نحل، أو تقطف الورود من حديقة بيتها. كل هذا وهي في كامل أناقتها.

أرادته أن يكون رسالة حب تجمعها بالأصدقاء حول مائدة تسر العين قبل المعدة (نتفليكس)

غموض الرؤية

كان هناك إجماع على مآخذ وثغرات لا يمكن تجاوزها، على رأسها أن البرنامج لم يُصوَّر في بيتها الخاص ولا حديقته، مع أنه يبيع أسلوب حياتها. مشكلة أساسية أخرى تكمن في عدم وضوح إلى مَن تتوجه ميغان بهذه الوصفات، أو بالأحرى أي فئة من المجتمع تخاطب. الظاهر من فخامة المكان وطريقة التصوير السينمائي والأزياء والمجوهرات ونوعية الضيوف أنها تخاطب طبقةً غنيةً، بينما الواقع يقول غير ذلك. فأغلب المتأثرات والمعجبات بها، من طبقات عادية جداً ومن ذوي الدخل المحدود. وهذا يعني أنهن لا يمتلكن حديقة يزرعن فيها منتجات عضوية أو يقطفن منها أزهاراً ملونة، فما البال بامتلاك خلية نحل يستخرجن منها عسلاً.

المتحاملون يقولون إن فكرة البرنامج مكررة لم تقدم أي جديد (نتفليكس)

الأناقة راقية... لكن

وطبعاً لا يمكن الحديث عن ميغان ماركل من دون التطرق إلى إطلالاتها. كل ما فيها يشي بأناقة مريحة للعين، لكنها غير مناسبة لموضوع البرنامج. «مَن يلبس الأبيض وهو في المطبخ؟» وفق تعليق الإعلامي المثير للجدل بيرس مورغان، الذي لا يُفوِّت أي مناسبة للتصريح بأن الود بينه وبين ماركل مفقود. هناك أيضاً مَن رأى أن صورتها المنمقة، وحتى فكرة البرنامج، تتناقضان مع شعاراتها النسوية التي روَّجت لها طويلاً. ففي كل فرصة، تذكرنا بأنها تحمل على عاتقها القضية النسوية منذ أن كانت طفلةً. تُكرر حكاية قديمة بأن دعاية تظهر فيها المرأة وهي تغسل الأطباق أثارت حفيظتها وجعلتها تنتفض لهذه المرأة. تحكي كيف سارعت بكتابة رسالة إلى المسؤولين عن هذه الدعاية تسائلهم فيها كيف سوَّلت لهم أنفسهم وضع المرأة في خانة التابعة، التي يجب أن تغسل الأطباق من دون الرجل؟. حسب روايتها، فإنهم تجاوبوا معها وسحبوا الدعاية.

استضافت ماركل في البرنامج أصدقاء وطباخين معروفين (نتفليكس)

بشعرها الطويل وأزيائها الأنيقة ومجوهراتها الغالية، لم تعكس هذه القناعة، كما لم تعكس واقع المرأة المعاصرة. استحضرت في المقابل، فيلم «زوجات ستيبفورد»، المأخوذ من رواية هزلية من تأليف إيرا ليفين، تحوَّلت إلى فيلم سينمائي فيما بعد، وتتناول أسلوب حياة ربات بيوت لا هَمَّ لهن سوى الاهتمام بمظهرهن وتحضير أطباق شهية تُرضي أزواجهن، إلى حدٍّ يعطي الانطباع بأنهن روبوتات يحركها الأزواج بـ«الريموت»؛ لإرضاء نزواتهم واحتياجاتهم.

هذه المرأة ليس لها وجود في الواقع، لا سيما في الوقت الحالي؛ فتسارع إيقاع الحياة ودخولها معترك الحياة جنباً إلى جنب الرجل، يجعلاها تعود إلى البيت منهكةً، لا تحتاج سوى إلى وصفات بسيطة وسريعة، وأجواء مريحة بعيدة عن أي تكلف.

بين الغالي والرخيص

لكنها ميغان. تعشق الموضة وتهتم بكل تفاصيلها، وطبعاً كل ما غلا ثمنه. ظهرت في البرنامج بمجموعة من الأزياء بتوقيعات عالمية، نسقتها أحياناً مع قطع من ماركات شعبية، بنية أن تُدخل متابعاتها على «إنستغرام» عالمها الخاص وتبيعهن الحلم.

ظهرت مثلاً بكنزة من الكشمير من «جي كرو» بسعر 138 دولاراً، وكنزة أخرى من الماركة نفسها لا تتعدى 80 دولاراً. المصممة أنين بينغ أيضاً كان لها دور في التخفيف من غلاء الأسعار، حيث ظهرت الدوقة بتنورة من الكتان بتوقيعها، سعرها لا يتعدى 250 دولاراً. في لقطة أخرى تظهر بفستان من الكتان بلون القرفة معقود عند الكتف من «زارا». للأسف لم يعد متوفراً لأنه من موسم ماضٍ. ما عدا ذلك كانت بقية الأزياء والمجوهرات منتقاة بعناية تعكس رقياً ينضوي تحت أسلوب الفخامة الهادئة، سواء كان ذلك من ناحية الألوان أو التصاميم والخامات.

هذه الفخامة ظهرت مثلاً في كنزة من الكشمير من «لورو بيانا» المعروفة بصوف تصفه الدار بأنه «هدية ملوك» لندرته وجودته، يقدر سعرها بـ1325 دولاراً. اختارتها بلون كريمي أضفى على بشرتها نضارة وألقاً.

في لقطة أخرى تظهر فيها، وهي تجمع الورود من الحديقة، ارتدت «شورت» من علامة «زيمرمان» يقدر سعره بـ395 دولاراً نسقته مع قلادة من «كارتييه» من مجموعة «كارتييه جيست أن كلو» يقدر سعرها بـ13.400 دولار.

ظهرت أيضاً في لمحة عين بفستان من «إميليا ويكستيد» نسقته مع عقد مرصع بالزمرد، يقدر سعره بـ 4795 دولاراً.

كان واضحاً أنها اختارت كل شيء بدقة عسكرية، ولم تترك أي شيء للصدف، من تسريحة شعرها المسترسل في كل اللقطات، إلى أظافرها ولون المانيكير ومجوهراتها الذهبية. ورغم أنها قضت فترة قصيرة مع العائلة المالكة البريطانية، فإنها تعلمت أن الأزياء والأكسسوارات تحمل رسائل بليغة يمكن من خلالها أن تكسب القلوب والعقول في الوقت ذاته. وحتى إذا فشلت في كسب العقول، فإنها تعتمد على ذكرى الأميرة الراحلة ديانا لتقرِّبها من محبيها. تظهر في كل اللقطات تقريباً بساعة «تانك» من كارتييه التي ورثها الأمير هاري عن والدته وأهداها لها.

كما أنها لم تختر فستاناً طويلاً من «أولا جونسون» بالأزرق السماوي اعتباطاً. فهي أولاً مصممة تراعي مفهوم الاستدامة، بينما لونه الأزرق تناغم مع أزهار الفاوانيا التي كانت تنسقها في مزهرية، ليعكس سكينةً ورغبةً في السلام النفسي.

اليوم سيحكم المشاهدون على البرنامج بعد متابعة حلقاته كاملة: ما إذا كان منفصلاً عن الواقع... أم أنه فعلاً رسالة حب وسلام.