الباشمينا في الهند... كنز تتوارثه الأجيال

قيمته بقيمة الماس... وبعضه دخل المتاحف العالمية

الباشمينا في الهند... كنز تتوارثه الأجيال
TT

الباشمينا في الهند... كنز تتوارثه الأجيال

الباشمينا في الهند... كنز تتوارثه الأجيال

تعيش راهيلا بيغوم هنا برفقة شقيقتيها المراهقتين في واهي غاغريبال، خلف بحيرة دال. وتعد راهيلا واحدة من أبرع العاملين بمجال نسج وشاح الباشمينا بالمنطقة، حيث ارتبط اسمها بهذا الفن على امتداد عقدين حتى الآن. في طفولتها، تعلمت راهيلا نسج الباشمينا على يد والدها، الذي كان يعمل هو الآخر نساجاً وأعطاها أول دروسها في التطريز. وعند زواجها، أهداها والدها عجلة غزل (تعرف باسم «يندر») بمناسبة الزفاف، كي تحملها معها إلى منزل زوجها.

راهيلا بيغوم هي واحدة من أبرع العاملين بمجال نسج وشاح الباشمينا تعلمت على يد والدها ولا تزال تعمل بها حتى بعد زواجها (طارق باشماكار)

وبالفعل استمرت راهيلا في نسج الكشمير لمساعدة زوجها وتوفير مصدر دخل جيد للأسرة.

بوجه عام، يجري نسج وشاح من كشمير الباشمينا بالاعتماد على عمليات وأساليب يعود عمرها إلى قرون، دائماً على يد حرفيّ يطلَق عليه داخل كشمير «ووفر»، بينما يطلق على العملية «وونن». ويمتهن الآلاف من أبناء كشمير هذه الصناعة. وفي الغالب، تضطلع النساء بمهمة الغزل، بينما يتولى الرجال نسج الخيوط الدقيقة وتحويلها إلى أوشحة وشالات ناعمة مزدانة بتطريز.

ويُتعامل مع هذه المنسوجات بتقدير بالغ يضعها في مرتبة الماس، ودخل بعضها متاحف عالمية، مثل متحف الفن الحديث في نيويورك واللوفر بباريس.

يُتعامل مع هذه المنسوجات بتقدير بالغ يضعها في مرتبة الماس كما دخل بعضها متاحف عالمية (باشماكار)

من جهتها، تعد شاكيلا، وهي ربة منزل عادية، عملها في مجال نسج كشمير الباشمينا لدى شركة «باشماكار»، فناً يوفر لها الاستقلال المادي. جدير بالذكر أن «باشماكار» هي واحدة من العلامات التجارية الرائدة في إنتاج الباشمينا في المنطقة ولا تزال صامدة في وقت تواجه فيه الصناعة تهديداً خطيراً من جانب منتجات مقلدة وغير أصلية. وينحدر طارق أحمد دار، مؤسس «باشماكار»، من عائلة توارثت هذه الحرفة أباً عن جد. والده، غلام نابي دار، لا يزال يمتهن الغزل حتى يومنا هذا، إلى جانب الكثير من أبناء عمومته. تلقّى طارق تعليماً أساسياً في النسج وجوانب أخرى من صناعة الباشمينا، وبعد ذلك أسس استوديو خاصاً به، ويعمل اليوم بصورة أساسية على الجوانب المرتبطة بالتصميم.

تحرص «باشماكار» على أن تحمل علامة «جي آي» ليتأكد الزبون من أن القطعة أصلية (باشماكار)

يشرح طارق أن «اسم باشماكار يعني الطهارة. ومن جانبي، أعمل على تسليط الضوء على الحرفيين بوصفهم فنانين في هذه الصناعة». ويتابع: «لكي يتأكد الزبون من أن القطعة أصلية، فإننا نحرص على أن تحمل علامة «جي آي»، التي تحدد الموقع الجغرافي الذي صدرت منه، وتُعرف باسم علامة الفهرس الجغرافي. أنا لا أنظر إلى (باشماكار) بوصفها مجرد مشروع تجاري، وإنما على أنها شغف بداخلي نحو إرساء فن كشميري هندي على الساحة العالمية».

أصبح طارق الآن يتعامل مع الكثير من مصممي الأزياء المعروفين في الهند خصوصاً بعد الإقبال الكبير الذي تشهده العلامة من نجوم «بوليوود» وسياسيين وزبائن مهمين من الخليج العربي، وتحديداً الكويت. يُذكر أن ورشة «باشماكار» في كشمير يعمل بها أكثر من 60 سيدة. وأكد طارق أنه يتعمّد تشغيل النساء الكشميريات لكي يمنحهن الاستقلالية المادية ويُحسّنّ ظروف حياتهن.

يضطلع النساء عادةً بمهمة الغزل والتطريز بينما يتولى الرجال نسج الخيوط الدقيقة وتحويلها إلى أوشحة وشالات (باشماكار)

ما هو الباشمينا؟

يشتهر نسيج الباشمينا الأصلي بالنعومة والدفء، ويأتي هذا النسيج من سلالة من ماعز الكشمير وموطنها الأصلي منطقة تشانغتانغ الجبلية في لداخ، في أقصى شمال الهند. تتسم هذه السلالة من الماعز بأن تربيتها لا تجري إلا على ارتفاع 13000 قدم فوق مستوى سطح البحر، حيث تعد الظروف المناخية في هذه المناطق شديدة القسوة، والشتاء قارساً بشكل خاص. على خلاف الحال مع الصوف، لا يجري تقطيع ألياف الباشمينا، وإنما تنظيفها باستخدام أمشاط خشبية قبل تخزينها على شكل رغيف يشبه خيط الحلوى، ثم غزلها.

اشتهر نسيج الباشمينا الأصلي بالنعومة والدفء... ويأتي هذا النسيج من سلالة من ماعز الكشمير وموطنها الأصلي منطقة تشانغتانغ الجبلية (باشماكار)

ظلت هذه العملية جزءاً من ثقافة المنطقة لعدة قرون. في القرنين السادس عشر والسابع عشر، سلب قلوب المغول. وفي وقت لاحق، انتشر الاهتمام به على نطاق أوسع. ويقال إن نابليون بونابرت أهدى زوجته جوزفين شالاً من هذا النسيج في عام 1804 انبهرت به الإمبراطورة لدرجة أنها أنفقت نحو 20000 قطعة ذهبية لشراء شالات كل عام، وصلت في الأخير إلى 400 شال. ونظراً لكون فرنسا مركزاً ثقافياً عالمياً في ذلك الوقت، أصبح الشال الكشميري جزءاً من هدية العريس لعروسه.

سرعان ما انتقل هذا الاهتمام من فرنسا إلى إنجلترا. ويقال إنه بعد توقيع مهراجا دوغرا آنذاك، غلاب سينغ، على معاهدة أمريتسار مع التاج البريطاني، طُلب منه تسليم 3 شالات باشمينا و12 من ماعز الباشميان (6 ذكور و6 إناث) كهدية سنوية للتاج البريطاني.

حاول الإنجليز الذين أطلقوا على الشال الكشميري اسم «الكشمير»، بكل طريقة ممكنة، تقليد صناعته من دون جدوى. في المقابل تمكنوا من إنتاج نسخة غير أصلية أصبحت تُعرف باسم «بيزلي شول»، وجرى إنتاجها آلياً بكميات كبيرة في أسكوتلندا.

عملية صنع خيوط الباشمينا

تقوم عملية صنع وشاح أو شال الباشمينا على جمع شعر الماعز الناعم، وتمشيط الألياف يدوياً للحفاظ على جودتها الرائعة. بعد ذلك، يجري غزل هذه الألياف الدقيقة باستخدام مغزل، ثم يجري نسجها يدوياً على نول. وبعد ذلك تُصبغ بعناية ثم تُطرَز وتُغسل في نهر جيلم.

قد يستغرق صُنع شال واحد على اليد نحو 3 أشهر وهو ما يبرر سعره (باشماكار)

عادةً تقوم بعملية الغزل نساء محليات من منازلهن، تكون لهن مهارة عالية كون الألياف الخام شديدة الحساسية. لتقويتها وإضافة لمعان طبيعي ونعومة عليها توضع في وعاء مملوء بالأرز المسحوق وتترك لمدة يومين أو ثلاثة أيام. وتسمى هذه العملية باللصق. بعدها يجري تمشيط الألياف مرة أخرى للتخلص من جزيئات الأرز وتحضيرها لعملية الغزل.

من ناحيتها، تتولى شاميما تدوير خيوط الكشمير على عجلة خشبية دوارة تسمى محلياً «يندر». تبدو العملية برمّتها ساحرة وهي تمسك خصلات الكشمير بين إبهامها الخفيف والسبابة والإصبع الأوسط من يدها اليسرى، وفي الوقت نفسه، تقوم يدها اليمنى بتدوير العجلة في انسجام تام مع حركات اليد اليسرى (لأعلى ولأسفل). وتعلمت شاميما هذه المهارة من والدتها.

في هذا الصدد، أوضحت شاميما: «يستغرق الأمر قرابة ثلاثة أسابيع لتسليم 110 غرامات من خيوط الكشمير جرى نسجها على عجلة تقليدية في أثناء العمل لـ7 ساعات يومياً».

بين الأصلي والمُقلّد

في التسعينات، عانى العاملون في نسج شالات الباشمينا والحرفيون في كشمير من ضربة مزدوجة؛ الأولى صعود جماعات مسلحة، والأخرى دخول الماكينات إلى هذه الصناعة، ليُروِّج التجار شالات مصنوعة آلياً في وقت وجيز جداً على أنها مصنوعة يدوياً واستغرقت أشهراً. قليل من الناس يعرف أن خيوط الكشمير حساسة ولا يمكنها تحمل قوة الآلة. لتجاوز هذا العائق يعمل التجار على خلط الكشمير الخالص بصوف الأغنام أو النايلون أو خيوط الحرير، وهو ما هدد هذه الصناعة وحياة الحرفيين.

وسعياً من جانبها للحفاظ على هذا الفن التراثي من الانقراض، أقرّت حكومة الهند (تحت مظلة منظمة التجارة العالمية) علامة الجودة للباشمينا الأصلي، وتسمى علامة الفهرس الجغرافي، وتوجد على أوشحة أو الشالات الأصلية. ويوجد حالياً مختبر في سرينغار معنيّ بوضع علامة «جي آي»، أو الفهرس الجغرافي، على منسوجات كشمير لداخ الأصلية.

في هذا الصدد يقول مشتاق أحمد: «يسعدني أنه في اجتماع مجموعة العشرين الذي انعقد في وقت قريب في سريناغار، أبدى الكثير من الأجانب إعجابهم بجودة شالات الباشمينا. لقد أنقذت علامة (جي آي) هذا الفن بحق من الانقراض، وأنقذت المشترين كذلك من السقوط في فخ المنتجات الزائفة».

ويعد مشتاق أحمد وزوجته غولشانا، وكلاهما في الستينات، من أقدم النساجين اليدويين، إلى جانب اضطلاعهما بتدريب جيل من الشباب في هذه الصناعة. ويقضي كل منهما من 5 إلى 6 ساعات يومياً في العمل على نولهما الخشبي. وبينما يتولى الزوجان نسج الأوشحة، يتولى بناتهما وحفيداتهما تطريزها.


مقالات ذات صلة

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.