عالم الموضة في مأزق بسبب الأحداث الحالية

بين المطالبة بتحديد المواقف والخوف من المقاطعة

هدى قطان (خاص)
هدى قطان (خاص)
TT

عالم الموضة في مأزق بسبب الأحداث الحالية

هدى قطان (خاص)
هدى قطان (خاص)

من بين صور المأساة الإنسانية في غزة ووسط المظاهرات التي شهدها كثير من عواصم العالم، التقط أحد المتظاهرين صورة لرجل بسيط يبيع العلمين الفلسطيني والإسرائيلي للمارة. تم تداول الفيديو بشيء من الفكاهة على الـ«تيك توك» بتعليق جاء فيه: هذا من يفهم معنى التجارة. لم يكن في التعليق لُوم على رجل بسيط ربما لا يتابع الأخبار أو يبالي بما يجري في العالم بقدر ما يجري وراء لقمة عيشه.

لكن لا هذا الفعل ولا ردة الفعل، يمكن تطبيقهما على صناعة الموضة والجمال. شركات ومجموعات عالمية ومصممون مستقلون كان عليهم أن يأخذوا موقفاً واضحاً «إما معنا أو ضدنا». هذا القرار كان بالنسبة للبعض سهلاً من باب قناعة آيديولوجية سابقة، إلا أنه أحرج البعض الآخر ووضعهم أمام خيار صعب. فالسوق الأميركية مهمة وكذلك السوق العربية، لا سيما فيما يتعلق بمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة والإكسسوارات، ما يجعل الاختباء وراء شعارات فضفاضة صعباً.

ففي بداية الألفية، وعندما صرح الراحل كارل لاغرفيلد في أحد لقاءاته بأن المصمم لا يعيش بمنأى عن مجتمعه ولا يمكن أن ينسلخ عن الأحداث التي يمر بها العالم، كان يقصد ترجمة أحداث العالم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بطريقة فنية وليس الدخول في حرب تتصارع فيها القوى العسكرية لقتل الروح الإنسانية. لم يكن يقصد أو يتوقع أن يكون صناع الموضة جزءاً من الحرب، بالإعلان عن ولاءاتهم وقناعاتهم على الملأ. فمتابعوهم ينتظرون منه إشارة واضحة بغض النظر عن الثمن. ارتأى البعض الدبلوماسية، مثل فكتوريا بيكهام وستيلا ماكارتني ومعهما الممثلة غوينيث بالترو مالكة موقع «غوب» اللواتي نشرت كل واحدة منهن تصريحاً على صفحتها الخاصة تُعبر فيه عن تعاطفها مع الضحايا وحزنها عما يجري حالياً. كلهن كُن مع الإنسانية أياً كان جنسها وانتماؤها. كذلك منظمة الموضة الأميركية، التي كان ردَ فعلها باهتاً يلعب على الحبلين، تقول: «حزينون على من خسروا حياتهم في الهجوم الإرهابي، وندعي أن تنتهي موجة العنف تلك من أجل سلام دائم».

تجدر الإشارة إلى أن تصريحها جاء بعد الانتقادات التي تعرضت لها «الفيدرالية الفرنسية للهوت كوتور والموضة» بنشرها تصريحاً رفضت فيه أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) وهجمات «حماس» على إسرائيل من دون أن تشير إلى ضحايا غزة والحالة الإنسانية التي يعانون منها.

أما مؤسسة «بي في أيتش» المالكة لـ«كالفن كلاين» و«تومي هيلفغر» فارتأت هي الأخرى أن تصوغ رأيها بشكل قابل للتأويل بإعلانها عن تقديمها مساعدات إنسانية للمتضررين من الجهتين، إضافة إلى تقديمها دعماً كاملاً لموظفيها وعائلاتهم في المنطقة.

عبرت هدى قطان عن تضامنها مع فلسطين غير عابئة بنتائج تصريحها على المبيعات (إنستغرام)

آخرون كان لهم رأي أكثر جُرأة ووضوحاً. منهم من ساند إسرائيل من أول هجمة، ومنهم من ندَد بردة فعلها على سكان غزة وما ترتب عنها من مأساة إنسانية، غير عابئين عما سيتكبّدونه من خسارات مادية. هدى قطان، مؤسسة «هدى بيوتي» واحدة من هؤلاء. استنفرت قوتها بوصفها سيدة أعمال ومؤثرة على الـ«إنستغرام» وعبَرت عن تنديدها بما تقوم به القوات المحتلة في غزة من تقتيل للأطفال منذ الأيام الأولى. جاءها تهديد مُغلف بالعتاب من متابعة موالية لإسرائيل كتبت فيه: «لا أعرف إذا كنت على علم بأن الإسرائيليين حول العالم يحبون منتجاتك، ورغم ذلك، اخترت غزة. هذا عار عليك لأننا نشتري من منتجاتك كثيراً، فتذكري هذا حين يقاطعك الإسرائيليون وتنخفض أسهم شركتك... فدعم القتل ليس أمراً عادياً». فردّت عليها هدى في منشور لها عبر صفحتها الرسمية، بموقع «إنستغرام»: «لا أريد أموالاً ملطخة بالدم».

ردة فعل متابعة إسرائيلية على تضامن هدى قطان مع سكان غزة (إنستغرام)

شركة «لاش» للمنتجات الطبيعية والعضوية بدورها عبَرت عن موقفها بصراحة. علَق أحد موظفيها على واجهة فرعها بدبلن لافتة تقول فيها «قاطعوا إسرائيل»، تم سحبها بعد التنديد بها. أما التفسير الرسمي للشركة فكان أن موقفها كان ولا يزال دائماً مع الإنسانية «فلاش ترفض رفضاً قاطعاً كل أشكال العنف والظلم. هدفنا هو بناء عالم مسالم وعادل للكل بغض النظر عن الجنسية والهوية، فنحن نفخر بأننا شركة مبنية على الاختلاف، وموظفونا ينتمون إلى أعراق وجنسيات وألوان مختلفة. نحترم أن أفكارهم وآراءهم تختلف، وهذا هو الموقف الرسمي لشركتنا».

هذا التصريح يُلخَص حالة شركات كثيرة في عالم الموضة والجمال، ينحدر العديد من موظفيها من أصول مختلفة، فضلاً أن فروعها متناثرة في العالم العربي وغيره. في السابق كان بالإمكان السيطرة على مواقفهم، لكن الأمر خرج عن سيطرتهم حالياً لأن أي مطالبة بضبط النفس والتحفظ على الرأي أصبحت ترادف القمع والرفض لحريات التعبير.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
TT

برنامج هارودز «ذا هايف» يعود إلى الرياض حاضناً المواهب الشابة

جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)
جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع الحالية، وإدخال أخرى تقرأ نبض الشارع وثقافة جيل صاعد يُعوِلون عليه ويريدون كسب ولائه بربط علاقة مستدامة معه.

وهذا تحديداً ما تقوم به بيوت أزياء عالمية حوَلت متاجرها إلى فضاءات ممتعة يمكن للزبون أن يقضي فيها يوماً كاملاً ما بين التسوق وتناول الطعام أو فقط الراحة وتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء في جو مريح لا يشوبه أي تساؤل.

جانب من الحوارات في النسخة الأولى أظهرت تشبث الشباب السعودي بإرثه وموروثاته (هارودز)

محلات «هارودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك. ففي أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، أطلقت ما أصبح يُعرف بـ«هارودز هايف». برنامج قائم على حوارات ونقاشات مُلهمة يستهدف احتضان المواهب المحلية الصاعدة ودعمها أينما كانت، وذلك بجمعها مع رواد الترف والمختصين في مجالات إبداعية بشباب صاعد متعطش للمعرفة واختراق العالمية.

كانت التجربة الأولى في شنغهاي، ومنها انتقلت إلى بكين ثم دبي وأخيراً وليس آخراً الرياض.

ففي يناير (كانون الثاني) 2024، وتحت عنوان «الغوص في مفهوم الفخامة»، كانت النسخة الأولى.

الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود في حوار جانبي مع الحضور (هارودز)

نجحت «هارودز» في إظهار مدى حماس شباب المنطقة لمعرفة المزيد عن مفهوم الفخامة الحصرية وطرق مزجها بثقافتهم وإرثهم. ما كان لافتاً في التجربة السعودية تحديداً تمسك الشباب بالتقاليد والتراث رغم انفتاحهم على العالم.

وهذا ما ترجمته الأميرة الجوهرة بنت طلال بن عبد العزيز آل سعود، سيّدة الأعمال والناشطة في الأعمال الخيرية التي شاركت في النسخة الأولى بقولها: «لم أُرِد يوماً أن أغيّر أي شيء في تقاليدنا، لأنّنا نملك الكثير من الفنون والإبداع. نحن نعتبر تقاليدنا من المسلّمات، لكن العالم توّاق لما هو جديد –وينبذ الرتابة– فقد ملّ من العلامات التجارية نفسها والتصاميم ذاتها».

سارة مايلر مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» (هارودز)

كان توجه «هارودز هايف» إلى الرياض مسألة بديهية، حسب قول سارة مايلر، مدير تطوير الأعمال الدولية والاتصالات بـ«هارودز» في لقاء خاص، «لقد جاء تماشياً مع رؤية المملكة 2030 والطفرة التي تشهدها حالياً... أردنا من خلال البرنامج التركيز على القدرات الثقافية والإبداعية التي تكتنزها هذه المنطقة لا سيما أن لدينا فيها زبائن مهمين تربطنا بهم علاقة سنين».

محلات «هارودز» مثل غيرها من العلامات الكبيرة، ليست مُغيَبة عن الواقع. هي الأخرى بدأت تلمس التغييرات التي يمر بها العالم وتؤثر على صناعة الترف بشكل مباشر.

من بين الاستراتيجيات التي اتخذها العديد من صناع الموضة والترف، كان التوجه إلى جيل «زي» الذي لم يعد يقبل بأي شيء ويناقش كل شيء. الترف بالنسبة له لم يعد يقتصر على استهلاك أزياء وإكسسوارات موسمية. بل أصبح يميل إلى أسلوب حياة قائم على معايير أخلاقية تراعي مفهوم الاستدامة من بين معايير أخرى. الموضة ترجمت هذه المطالب في منتجات مصنوعة بحرفية عالية، تبقى معه طويلاً، إضافة إلى تجارب ممتعة.

معانقة الاستدامة

متجر «هارودز» مثل غيره من العلامات الكبيرة، أعاد تشكيل تجربة التسوق بأن جعلها أكثر متعة وتنوعاً، كما تعزز الاستدامة والتواصل الثقافي. وهذا تحديداً ما تستهدفه مبادرة «ذا هايف» وفق قول سارة «فهذا النهج ليس منصة للحوارات فحسب، بل يتيح لنا التواصل مع الجمهور بشكل أفضل لكي نتمكن من فهمه ومن ثم تلبية احتياجاته وتوقعاته. كما يسمح لنا ببناء علاقة مستدامة مبنية على الاحترام وفهم احتياجات السوق المحلي. وليس هناك أفضل من الإبداع بكل فنونه قدرة على فتح حوار إنساني وثقافي».

إطلاق النسخة الثانية

قريباً وفي الـ11 من هذا الشهر، ستنطلق في الدرعية بالرياض الدورة الثانية تحت عنوان «إلهام الإبداع من خلال التجربات». عنوان واضح في نيته التركيز على القصص الشخصية والجماعية الملهمة. كل من تابع النقاشات التي شاركت فيها باقة من المؤثرين والمؤثرات في العام الماضي سيُدرك بأن فكرته وُلدت حينها. فالتمسك السعودي بالهوية والإرث لم يضاهه سوى ميل فطري للسرد القصصي.

سمة بوظو أكدت في نسخة 2024 أن فنّ رواية القصص جزء من التركيبة السعودية (هارودز)

أمر أوضحته بسمة بوظو، أحد مؤسّسي الأسبوع السعودي للتصميم والتي شاركت في نسخة 2024 بقولها: «بالنسبة لنا كمبدعين، فإن ولعنا بالفنون والحرف التقليدية ينبع من ولعنا بفنّ رواية القصص، لدرجة أنه يُشكّل محور كل أعمالنا». وتتابع مؤكدة: «حتى توفّر التكنولوجيا الحديثة واكتساحها مجالات كثيرة، يُلهمنا للارتقاء بفنّ رواية القصص».

من هذا المنظور، تعد سارة مايلر أن برنامج هذا العام لن يقل حماسًا وإلهاماً عن سابقه، خصوصاً أن الحلقات النقاشية ستستمد نكهة إنسانية من هذه القصص والتجارب الشخصية، بعناوين متنوعة مثل «إلهام الإبداع» و«الرابط»، و«تنمية المجتمع الإبداعي» و«القصص المهمة» وغيرها.