«صناعة الموضة» تردّ الاعتبار للهند بوصفها مُلهماً وداعماً

تعاونات وعروض أزياء ضخمة احتفاءً بحرفييها

بعد أن ظل الاعتماد على حرفيّي الهند سراً من أسرار الموضة قررت «ديور» أن تُعلنه على الملأ مؤخراً (دولي ها أورامبام)
بعد أن ظل الاعتماد على حرفيّي الهند سراً من أسرار الموضة قررت «ديور» أن تُعلنه على الملأ مؤخراً (دولي ها أورامبام)
TT

«صناعة الموضة» تردّ الاعتبار للهند بوصفها مُلهماً وداعماً

بعد أن ظل الاعتماد على حرفيّي الهند سراً من أسرار الموضة قررت «ديور» أن تُعلنه على الملأ مؤخراً (دولي ها أورامبام)
بعد أن ظل الاعتماد على حرفيّي الهند سراً من أسرار الموضة قررت «ديور» أن تُعلنه على الملأ مؤخراً (دولي ها أورامبام)

على مدار عقود لعبت الهند دوراً محورياً في عالم الموضة، وتحديداً في مجال التطريز. بيوت أزياء كبيرة، منها «ديور» و«سان لوران» و«كلوي» و«هيرميس» و«بالمان» و«ألبرتا فيريتي» و«جيامباتيستا فالي» و«برادا» و«فالنتينو» و«غوتشي» وغيرها، استعانت بأنامل هندية لإضفاء البريق على تصاميمها. السبب الأول يعود إلى مهارتهم، وثانياً لانخفاض أجورهم. في هذا الصدد، أعرب ماكسيميليانو موديستي، مؤسس «ليز أتيليه 2 إم» في مومباي، عن اعتقاده أنه «باستثناء (شانيل) و(هيرميس)، يبدو أنه لا توجد أي علامات تجارية تُنتج أعمالاً مطرزة في فرنسا».

مصمم دار «غوتشي» السابق، أليساندرو ميكيلي مثلاً نفّذ تصاميمه المطرزة بالنمور والفراشات في الهند. وفي وقت قريب، تحدث المصمم البلجيكي دريز فان نوتن عن أهمية المطرزين الهنود من قرى ريفية على أطراف كولكاتا يتعاون معهم منذ عقود، إذ إنه يملك ورشة تطريز في كولكاتا منذ عام 1987.

كان عرض «ديور» الأخير في مومباي أول عرض ضخم يقام في الهند (ديور)

في الإطار ذاته، أقامت دار «ديور» عرضاً ضخماً لخريف 2023 في مومباي. غنيٌّ عن القول إنه نجح في إثارة الإعجاب على أكثر من صعيد، لا سيما أنه لم يسبق لأي دار أزياء كبيرة أن نظمت عرضاً داخل الهند بمثل هذا المستوى والحجم. جاء العرض أيضاً بمثابة احتفاء بالحرفيين الهنود الذين نالوا الفرصة أخيراً لاستعراض إمكاناتهم ومهاراتهم.

وغالباً ما يتم التعامل بين العلامات التجارية والحرفيين من خلال شركات وأصحاب مشاغل يلعبون دور الوسيط، ويضيفون أحياناً خدمات أخرى مثل التصميم وأخذ العينات وإنتاج الملابس.

تعد دار التصدير الصناعية «فنتشرز»، التي تتخذ من كولكاتا مقراً لها، واحدة من هذه الشركات، وكانت الدار التي يعمل بها نحو 3000 موظف متخصص في إنتاج منسوجات رفيعة المستوى وأعمال تطريز لحساب بعض أشهر دور الأزياء عالمياً، أول شركة منسوجات هندية تفوز بجائزة «غراند جوري برايز أوورد» في «بريميير فيجن» بباريس لعامي 2016 و2017.

لكل منطقة في الهند أسلوبها في التطريز (أ.ف.ب)

أشكال التطريز لا تعد ولا تُحصى، إلى حد أن كل ولاية تتباهى بأسلوبها المتميز في التطريز وإمكاناتها في جعل خيوط الأقمشة والمنسوجات تتشابك مع قصص المجتمع، فتعكس المحيط الطبيعي كما الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

هناك مثلا الشكينكاري الرقيق (وتعني الكلمة الخيط أو السلك)، الذي تشتهر به مدينة لكنو، عاصمة ولاية أوتار براديش. وبيبلي المتوهج الذي تشتهر به ولاية أوديشا، من دون أن ننسى الأسلوب الأنيق الذي يطبع تطريزات كاودي، وهو مزيج من الترقيع والتطريز، تتميز بها كارناتاكا. كل هذه المناطق تعتمد على حرفيين مهرة توارث بعضهم المهنة أباً عن جد. يعكفون على تطريز قطعاً قد تجد طريقها إلى منصات العروض العالمية، بدأب ولساعات إن لم نقل أياماً.

يعكف الحرفيون على قطعة واحدة لساعات طويلة بدأت لتخرج بالشكل المطلوب (أ.ف.ب)

جدير بالذكر هنا أن ثمة أساليب مختلفة للتطريز تشتهر بها الهند، منها «إك تار»، وتعني «السلك الواحد»، ويقوم هذا الأسلوب على الاستعانة بسلك واحد رفيع من معدن مثل الذهب أو الفضة، وغالباً ما تجري الاستعانة كذلك بقطع من الكريستال أو الخرز. ثمة أسلوب تطريز آخر يطلق عليه «كالاش» أو «بانشداتو»، ويقوم على الاستعانة بخيوط من خمسة معادن مختلفة، بينما يعمد أسلوب «أومبري» على استعراض خمسة ظِلال من اللون ذاته عبر النسيج أو قطع التزيين.

لكل منطقة في الهند أسلوبها في التطريز (أ.ف.ب)

 

بوجه عام، تعد الصور الزخرفية المستوحاة من الأزهار والنباتات أو الطاووس أو الراقصين في صحاري الهند أكثر الصور شيوعاً على مستوى أعمال التطريز. ومن بين أساليب التطريز الشهيرة كذلك أسلوب يدعى «كوتش» الذي يقوم على أنماط هندسية وصور حيوانات وطيور. وعلى ما يبدو، تعكس حرفية الهند إرثاً ملكياً ونزعة فطرية تجاه الإبداع الحرفي عجز العالم الغربي حتى اليوم عن إنتاج نظير لهما. وبالفعل، تتعاون الأتيليهات الهندية مع بعض أكبر دور الأزياء عالمياً. من أشهرها:

 

أتيليه «تشاناكيا»

تأسس على يد مونيكا شاه وكاريشما سوالي اللتين تربطهما علاقة مصاهرة وتعملان لحساب أسماء عالمية، مثل «فندي» و«غوتشي» و«فالنتينو» و«لانفان» و«برادا» منذ الثمانينات.

في مدرسة «تشاناكيا» الحرفية تحصل الحرفيات على استقلاليتهن من خلال تعليمهن التطريز (ساهيبا شوداري)

وتعد مدرسة تشاناكيا الحرفية، التي شاركت سوالي في تأسيسها عام 2017، معهداً تعليمياً غير ربحي، يسعى لتمكين الحرفيات وتعزيز استقلاليتهن. على مدى 25 عاماً ربطت صداقة بين سوالي وماريا غرازيا تشيوري، مصممة الأزياء الإيطالية، التي تتولى حالياً منصب مصممة فنية في دار «ديور»، كانت الأساس الذي قامت عليه مدرسة تشاناكيا الحرفية.

 

«ساكس إنديا»

في الثمانينات والتسعينات، وعندما بدأ الحديث عن التطريز علانية من جانب مصممين عالميين، أسّس ساجد خان مصنع «ساكس إنديا». وكان خان الذي تنقل بين عواصم العالم، قد تلقى تدريباً شخصياً على يد عدد من كبار صناع الموضة في منتصف الثمانينات، مثل فالنتينو وأرماني إلى جيانفرانكو فيري، أصبحوا يتعاملون مع «ساكس إنديا» إلى جانب غيرهم.

أصبح اليوم لـ«ساكس إنديا» مكاتب في مومباي ونيودلهي وميلانو ونيويورك، حيث يجري التعاون مباشرةً مع دور الأزياء الرائدة في العالم مثل: إميليو بوتشي، وروبرتو كافالي، ورالف لورين، وفيرا وانغ، ومارك جاكوبس، وبادجلي ميشكا، وكريستيان ديور، وآوبالمان، ورالف آند روسو، وغيرها.

كان عرض «ديور» الأخير في مومباي أول عرض ضخم يقام في الهند (ديور)

«عامر للتطريز»

عام 2019، زارت مصممة الأزياء اليونانية المقيمة بلندن، ماري كاترانتزو، مؤسسة «عامر للتطريز»، استعداداً لعرض استثنائي بمناسبة الذكرى الـ30 لإنشاء «إلبيدا»، اتحاد أصدقاء الأطفال مرضى السرطان. كانت «مؤسسة عامر» مثالية بالنسبة إليها لما تتميز به من طابع عائلي وتوالي ستة أجيال من الحرفيين العاملين في مجال التطريز عليها.

 

«ملايا للتطريز»

تتعاون مؤسسة «ملايا للتطريز» مع عدد كبير من دور الموضة في الولايات المتحدة وأوروبا. وتتخصص في أسلوب «زارزودي»، الذي يعتمد على إبرة يدوية بسيطة، و«آري»، أسلوب آخر يعتمد على إبرة ثابتة. أما المؤسس، فهي غاياتري خانا، خريجة «بابسون كوليدج»، ماساتشوستس، التي تعاونت مع مجموعة كبيرة من بيوت الأزياء في نيويورك. عام 2000 أطلقت «ملايا للتطريز»، من أجل تحقيق حلمها بتعريف العالم بالتطريز الهندي. وتمتلك غاياتري حالياً مصنعاً على مساحة 18000 قدم مربعة في مومباي، يضم فريقاً كاملاً يُعنى بالتصميم وتجهيز العينات، وأتيليه للحياكة وآخر للتطريز وقسم للسيطرة على الجودة وجهود شحن وتعبئة ومخزن للمواد الخام.

 

وبعد 23 عاماً من بنائها شركة في مومباي في مجال التطريز، تفرَّعت إلى 4 عواصم كبرى هي: نيويورك ومومباي وميلانو وباريس. وتوفر «ملايا للتطريز» حزماً كاملة من خدمات التطريز والزينة والتعديل والتعبئة والتغليف لعلامات تجارية عالمية، مثل: ماكس مارا، وبينكو، وفيرساتشي، ورالف آند روسو، ودولتشي آند غابانا، وروبرتو كافالي، وغوتشي، ومارني، وسانت لوران، وجيفنشي، وجوليان مكدونالد وغيرها.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

لم تستغرق كاترانتزو طويلاً لتتأكد أن حمامات كاراكالا وزهرة الكالا بشكلها العجيب نبعان يمكن أن تنهل منهما.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)
TT

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع لنجوم عرب توافدوا على الرياض لحضور عرض أزياء استثنائي للمصمم اللبناني العالمي إيلي صعب ونشرت صفحة المصمم على «إنستغرام» لقطات من حفل العشاء الذي أقيم الليلة الماضية وحضره العديد من النجوم، منهم النجمة يسرا وكنده علوش وأمينة خليل وسلافة معمار وسيرين عبد النور وهند صبري وماريتا ودانا الحلاني وأندريا طايع، ومن المتوقع أن تغني نانسي عجرم وعمرو دياب وأسماء كبيرة من النجوم العالميين لم تتأكد أسماؤهم بعد، ولكن الجمهور سيشاهد كل التفاصيل عبر البث المباشر للعرض على منصة المصمم على «إنستغرام» وغيرها من المنصات العربية.

ويتوقع الجميع أن يتحول عرض إيلي صعب ضمن موسم الرياض 2024 إلى احتفالية بمسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع الموضة العربية على قائمة الخريطة العالمية فاتحاً الأبواب للعديد من المصممين الشباب. بعنوان «1001 موسم من إيلي صعب» خلال موسم الرياض 2024، سيشمل العرض الضخم، عروضاً ترفيهية وموسيقية حية على الهواء. فمنذ أن تم التوقيع على الشراكة بين المصمم ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبالتنسيق مع وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأزياء، بالتوقيع على مذكرة التعاون، والنية كانت تنظيم حدث يتكلم عنه كل العالم، ويتجاوز كونه مجرد عرض أزياء ضخم إلى ليلة لا تنسى تحتفل بمدينة الرياض بوصفها حاضنة للفنون كما لصناعة الأزياء.

من أحد عروض المصمم العالمي إيلي صعب (رويترز)

من المتوقع أن يبدأ العرض في الساعة 8 مساءً في «ذا ڤينيو»، إحدى المناطق الجديدة في موسم الرياض. وقد تعاون المصمم مع أشهر الخبراء الإبداعيين من جميع أنحاء العالم لتنسيق مجموعة من العروض الفنية وعروض الأداء والموسيقى ليدخل الحضور تجربة غامرة لا مثيل لها. كان واضحاً أنه أراد أن يحتفل العرض بعالم الأزياء، كما برؤية المملكة لتطوير صناعة الأزياء، وتعزيز مكانة الرياض بصفتها وجهة عالمية للفخامة والإبداع واستضافة أكبر الفعاليات التي تجمع بين التراث الأصيل والتوجهات العصرية. كما تساهم الفعالية في تعزيز جهود المملكة في تنويع مصادر الاقتصاد من خلال دعم قطاعي الترفيه والأزياء.

ثم لا ننسى أن لتزامن إطلاق مجموعة إيلي صعب لخريف وشتاء 2025، مع مرور 45 عاماً على بدايته دوراً كبيراً في طريقة تنظيم هذا الحدث، أو بالأحرى تقديمه، وكأنه رحلة عابرة للمواسم، استوحيت تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة، حيث تعيد تقديم الحكايات وقصص الأساطير بلمسة عصرية تبرز براعته في سرد القصص بلغته الخاصة.