«الجولة الكبرى» بعيون «فان كليف أند آربلز»

مجوهرات رفيعة تعيد صياغة أمجاد التاريخ

لوحة زيتية للانسلوت - تيودور توربان دو كريسيه، يظهر فيها «بونتي فيكيو» بفلورنسا (فوتو غوس)
لوحة زيتية للانسلوت - تيودور توربان دو كريسيه، يظهر فيها «بونتي فيكيو» بفلورنسا (فوتو غوس)
TT

«الجولة الكبرى» بعيون «فان كليف أند آربلز»

لوحة زيتية للانسلوت - تيودور توربان دو كريسيه، يظهر فيها «بونتي فيكيو» بفلورنسا (فوتو غوس)
لوحة زيتية للانسلوت - تيودور توربان دو كريسيه، يظهر فيها «بونتي فيكيو» بفلورنسا (فوتو غوس)

هل تُصدق أن مفهوم السياحة كما نعرفه الآن وُلد في القرن السادس عشر؟ وهل يمكن أن يخطر ببالك ولو من بعيد أن من زرع بذرة التقاط صور «سيلفي» وأطلق شرارتها هم نخبة من الطبقات الأرستقراطية الإنجليزية في ذلك الوقت؟ هذا ما أكدته لنا دار «فان كليف أند آربلز» بالدليل القاطع في مجموعتها الأخيرة من المجوهرات الرفيعة في باريس. عنوانها «لو غران توغ برواية فان كليف أند آربلز (Le. Grand Tour raconté par Van Cleef & Arpels)» وهي مجموعة تستعير الكثير من الإرث الذي تركه هؤلاء الأرستقراطيون المغامرون، مسجلاً عبر لوحات فنية ووثائق وروايات.

تكتشف سريعاً أن الفرق بين مفهوم «السيلفي» آنذاك واليوم مثل الفرق بين السماء والأرض. هدف هؤلاء حين كانوا يُكلّفون رسامين لتسجيل حضورهم في لوحات تُظهرهم أمام مآثر أو أعمال فنية عظيمة، لم يكن استعراضاً بقدر ما كان توثيقاً لتحولات ثقافية وفنية واجتماعية. كانوا سابقين لأوانهم، وكان لهم الفضل في نشر ثقافات الغير. هم أيضاً من كان وراء بناء متاحف مثل المتحف البريطاني في لندن، عام 1753، و«لو ميزيم» في باريس عام 1793، الذي أعيدت تسميته لاحقاً بـ«متحف اللوفر»، وفتحها للعموم في وقت كانت فيه الأعمال الفنية الأوروبية سجينة القصور وبيوت الأثرياء.

دار «فان كليف أند آربلز» انطلقت من هذه الظاهرة التي اشتهرت بـ«الجولة الكبرى» وأصبحت تقليداً تمارسه الطبقات المخملية بشغف. كانت تنطلق من لندن باتجاه إيطاليا مروراً بباريس وألمانيا وجبال الألب.

في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حظيت هذه الجولات بشعبية أكبر، بحيث جذبت عدداً أكبر من الشباب الأرستقراطي بدأوا يعدونها جزءاً من تكوينهم الشخصي والاجتماعي على حد سواء. فمن جانب تصقل شخصيتهم وتوسع عقولهم، ومن جانب آخر تضمن دخولهم إلى المجتمع الراقي بخطى واثقة. كانت تستغرق ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام وتتطلب المرور بجبال الألب بكل ما تعنيه من وعورة وخطورة. فوسائل النقل لم تكن قد تطورت بعد. ومع ذلك عدُّوها مغامرة حضارية وملحمةً شخصيةً في الوقت ذاته. كانوا يعودون بلوحات يظهرون فيها بأزياء أنيقة تعكس ثقافة البلد الذي رسمت فيه اللوحة، أو أمام معالم مروا منها لإثبات قيامهم بهذه الجولة. مع الوقت لم تعد قصراً على النخبة. دخل غمارها فنانون ومثقفون رغم تكلفتها العالية، ومع تطوّر وسائل النقل والاتصالات تطور مفهومها السياحي إلى ما هو عليه اليوم.

لوحة زيتية لنيكولا جان باتيست راغنيه تجسد مشهداً لبون نوف ومضخة ساماريتين 2023© فوتو سكالا، فلورنسا (فان كليف أند آربلز)

بالنسبة لـ«فان كليف أند آربلز» فإن Le Grand Tour أو الجولة الكبرى، وضع أسس ثقافة جديدة ساهمت من بين أشياء كثيرة، في نشر الذوق الرفيع، أو ما يعرف بـ«Grand Goût (2)» في مختلف أرجاء أوروبا، كما في نشوء الكلاسيكية الجديدة على حساب أسلوب الروكوكو الذي كان سائداً حينذاك. روعة الطبيعة وتنوعها كما ساهم هؤلاء في تصويرها ساهما أيضاً في تطوير نظرياتٍ وحركات فنية جديدة منها السامية Sublime، ثم الحركة الرومانسية.

من كل هذا استلهمت دار «فان كليف أند آربلز» مجموعتها الجديدة. وظَفت فيها كل الأساليب الفنية، من «النيو كلاسيكية» والروكوكو والرومانسية إلى تقنيات الفسيفساء وغيرها. حتى اختيارها لعنوان «لو غران توغ برواية فان كليف أند آربلز» (Le Grand Tour raconté par Van Cleef & Arpels) كان لتكريم الإرث الحضاري والإنساني، الذي خلَفته هذه الجولات.

لوحة لكاناليتو (أنطونيو كانال)، المولو، كما يمكن مشاهدته من باشينو دي سان ماركو بالبندقية (فان كليف أند آربلز)

تعرفت الدار الفرنسية على هذه الظاهرة أول مرة، بعد أربع سنوات من تأسيسها في عام 1910، عندما نشر الشاعر والكاتب الفرنسي أندريه سواريز رواية بعنوان Le Voyage du Condottière وصف فيها رحلته عبر المراكز الثقافية في البندقية وفلورنسا ونابولي، وخرج منها ببحث استطلاعيّ عن عظماء النهضة مثل ليوناردو دافنشي وبوتيتشيلي ومايكل أنجلو، وغيرهم. لخَص سواريز «الجولة الكبرى» بأنها عمل فني قائم بذاته، وهو ما فتح شهية الدار على المزيد من الاستكشاف، ليصل أوجه هذا العام. قلادات تحاكي المنحوتات وأقراط أذن تجسد لوحات من عصر النهضة؛ في حين أعادت أساور عريضة تفسير مشاهد لمواقع معروفة في روما القديمة، بأسلوب الفسيفساء العتيقة.

سوار إسكال ساكريه (فان كليف أند آربلز)

سبعون إبداعاً تُمثِل فيه كل قطعة دعوةً لاكتشاف قدرة الدار على الابتكار ومدى ارتباطها بالفنون. لا تخفي «فان كليف أند آربلز» أن المجموعة تتكئ على إرث خلفه هؤلاء الأرستقراطيون، بل تُعلن ذلك بصوت عالٍ، مؤكدةً أن له فضلاً كبيراً في تحفيز حرفييها على الخوض في تقنيات جديدة. وتضيف أن أقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها أتاحت لهم الفرصة للسفر عبر الخيال والتاريخ لصياغة قطع تحاكي بتفاصيلها وألوانها ودقتها أعمال الفنانين الكبار.

فوياج ميستيك: بروش من الأوبال تختتم به الرحلة إلى وسط مدينة بادن بادن (فان كليف أند آربلز)

تشعر وأنت تتجول بين هذه القطع أنك تقرأ صفحات من التاريخ والجغرافيا يلتقي فيها الماضي بالحاضر. قطع تشهد على عهد الملك لويس الرابع عشر، وأخرى على كلاسيكية تستمدّ إلهامها من العصور القديمة، أو من عصر النهضة، وأخرى عادت إلى المنبع، مدينتيْ هيركولانيوم وبومبي، اللتين دفنهما ثوران بركان جبل فيزوف، لتغرف منها أفكاراً وزخرفات.

قسمتها «فان كليف أند آربلز» إلى خمس مجموعات، أو بالأحرى خمس وجهات وأزمنة. تبدأ من لندن التي كان ينطلق منها هؤلاء المستكشفون متجهة نحو باريس ومنها إلى إيطاليا مروراً ببادن بادن وجبال الألب.

عقد جوزياه: مكون من عقد وأقراط مع قلادات قابلة للفصل (تصوير غويدو فوس)

كانت الجولة الكبرى تبدأ دائماً من لندن. وبما أنها اشتهرت بصناعة خزف ويدجوود، غلب على عقد «جوزياه» اللونان الأزرق والأبيض. يتكوّن العقد من دورين من الماس، أحدهما بماسات مستديرة والآخر بماساتٍ بقطع الباغيت، يفصل بينهما صفّ من الماس بقطع الباغيت. تمّ تنفيذ صفوف الماس لتعانق منحنى خط العنق تتدلى منه كشرائط من الحرير بالنظر إلى اهتمام الدار بالموضة. بعدها تتشابك خطوط الماس لتحضن حجريَّ سافير بيضاويين يزنان 25.10 و21.78 قيراط. ما يزيد من قيمة العقد أن حجريَّ السافير قابلان للفصل ليتسنّى لصاحبته أن تزيّن بهما الأقراط

إيتوال دي غلاسييه ذهب أبيض وذهب أصفر وسافير وماسات بيضاء وصفراء (فان كليف أند آربلز)

من مشهد تغنت فيه جورج ساند في عام 1881 بجمال جبال الألب استلهم هذا البروش. فمع رحيل فصل الشتاء، تتفتح أشجار الصنوبر والبنفسج مؤذنةً بموعد تجدّد الطبيعة. في تلك اللحظات، تستفيق زهرة الذنيان الجبلية برقة في أولى الأيام الدافئة الجميلة. من هذه الصورة يأتي بروش «إيتوال دي غلاسييه» ليتغنى بجمال هذه النبتة البرية النادرة التي تتفتح براعمها في المرتفعات العالية، وتزهر كلّ سنة بشكل بتلات بيضاء مخملية جسدها حجر الماس. شُغل كلّ عنصر من عناصر هذه القطعة بدقة وعناية بالاعتماد على الماس الأبيض والأصفر والسافير الأزرق، مما زاد من بريق الانعكاسات الضوئية.

ريجينا مونتيوم: قلادة قابلة للفصل بالذهب الأبيض وحجر التورمالين الأزرق المائل للأخضر (ماركو دي غروت وغويدو فوس)

من وحي جبال الألب، يتألّق عقد «ريجينا مونتيوم» بحجرين في وسطه. الأول عبارة عن حجر تورمالين بقطع الوسادة، يتخذ موقعه في قلب عقد التشوكر، فوق حجر تورمالين آخر بالقصة البيضاوية، ويستكمل قلادةً قابلة للفصل. يتلاعب الحجران على اللونين الأخضر والأزرق، يعزّزهما بريق الماس ودرجات من الأزرق والبنفسجي لأحجار السافير والأكوامارين والتنزانيت. يستحضر الطقم كاملاً الشاعرية التي تصحب المناظر الطبيعية الجبلية الثلجية - مثل تلك الموجودة في بحيرة لاك دي كاتر كانتون التي يمكن مشاهدتها من مون ريجي في سويسرا، التي وصفها ليو تولستوي على النحو التالي في قصته القصيرة لوسرن (1857):

«عندما صعدت إلى غرفتي، وفتحت النافذة المواجهة للبحيرة، أبهرني جمال مياهها والجبال والسماء منذ اللحظة الأولى وُذهلت لما رأيت... تمتدّ البحيرة بين السواحل التي تتميّز بدرجات متفاوتة من اللون الأخضر... وفي الخلفية، بدت مرتفعاتها المبنية من الصخور وقممها الشاحبة المغطاة بالثلوج. وبدا المشهد غارقاً في أجواء زرقاء سماوية منعشة وشفافة... ».

سوار إسكال أو باليه (فان كليف أند آربلز)

بعد عبور جبال الألب، تصل «فان كليف أند آربلز» إلى إيطاليا. تزور البندقية وروما وفلورنسا ونابولي، ومن كل واحدة تستمد الخطوط الهندسية والألوان البراقة التي ظهرت في أربعة أساور، يحتفل كلّ منها بمعالم مدينة. تضيف الدار أنها استلهمتها من أساور الرباط أو bandeaux التي كانت رائجةً في العشرينات من القرن الماضي. هنا يستعيد شكلها الخارجي تركيبات على طراز الفسيفساء، تُجسِد معالم إيطالية شهيرة أو مناظر استعمل في تزيينها وتجسيدها الياقوت والزمرّد وأحجار السافير الملون والإسبنيل والعقيق والتورمالين. وتكشف الأقسام الخلفية منها هياكل مخرَمة تتيح انعكاسات الضوء عليها.

كابريتشيو: مكون من عقد وأقراط ذات قلادات قابلة للفصل (فان كليف أند آربلز)

من روما القديمة وآثارها التاريخية يستمد عقد «كابريتشيو» بأقراطه توهجه وتصميمه. يتميز بدورين من الماس، يستعيدان قبب الماضي المعماري العريق للمدينة، ويعزّزهما صفّ من الذهب الأصفر، وخمسة أحجار من الزمرّد من زامبيا صممت على شكل البندلوك. وتماشياً مع تقليد الدار في ابتكارها للمجوهرات القابلة للتحويل، يمكن إزالة أحجار الزمرد لتزيين زوج من الأقراط المطابقة، أو ارتداؤها على سلسلة مرصّعة بالماس تعرف باسم ميروار دو. لا يختلف القسم الخلفي للعقد عن الخارجي. فهو أيضاً يتميز بوفرة من الأحجار ذات أحجام مختلفة صاغها الحرفيون على شكل أوراق شجر غنية

بياتزا ديفينا: عقد مع قلادات قابلة للتعديل (تصوير مارك دي غروت)

يمثّل عقد «بياتزا ديفينا» دعوةً للسفر إلى بوابات روما، وتحديداً ساحة القديس بطرس، التي تشتهر بمعمارها الباروكي. منها يستعير هذا العقد شكله ومنحنياته، حيث تجتمع حلقات من الذهب الأبيض المرصعة بالماس، والمزينة بأحجار الزمرّد والسافير، لتتشكّل بنيته بانسيابية تامّة. وتتخلّل هذه البنية المتشابكة أربع عشرة حلية بشكل بندلوك من الذهب الوردي والماس، بالتناوب مع الزخارف التي يجمع كل منها بين ماسة بقطع الإجاصة وحجر زمرّد. وفي وسط العقد، تستعرض الميدالية حجر زمرد بيضاوي من إثيوبيا محاط بماسات مستديرة. ويتيح الهيكل الرقيق للإطار الذهبي معاينة اللون الأخضر المتوهج، مع العلم أنه يمكن استبدال بالميدالية، وفق مزاج من ترتديها، ميدالية ثانية مرصّعة بالماس في وسطها، تتناغم مع الأقراط.


مقالات ذات صلة

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

لمسات الموضة الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

على الرغم من عدم فوز أي مغربي أو مغربية بأي جائزة هذا العام، فإن مراكش كانت على رأس الفائزين.

جميلة حلفيشي (مراكش)
لمسات الموضة ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

احتفلت «بولغري» مؤخراً بطرح نسخ جديدة من مجموعة «توبوغاس» عادت فيها إلى البدايات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)

«باتيك فيليب» تكشف عن إصدارها الجديد منذ 25 عاماً

ردود الفعل «المتسرعة» التي أثارتها المجموعة بعد الكشف عنها مباشرة، لا تترك أدنى شك في أن سببها يعود إلى عنصر المفاجأة بشكلها المربع لا أقل ولا أكثر.

جميلة حلفيشي (ميونيخ)
لمسات الموضة هنيدة الصيرفي مع العارضة العالمية حليمة بتصميم من مجموعة «كوزمو»... (خاص)

سعودية تنسج التاريخ بخيوط التراث

هناك نقاط تحول في مسيرة كل مصمم... نقاط تسلط الضوء على مكامن قوته، ومن ثم تأخذه إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور والانتشار. بالنسبة إلى المصممة السعودية، هنيدة…

أسماء الغابري (جدة)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
TT

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)
حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها. بيوت الأزياء الكبيرة هي الأخرى تتسابق على حجز مكان رئيسي لها على هذه الواجهات لتسليط الضوء عليها وعلى إبداعاتها. فما لا يختلف عليه اثنان أن هذه الواجهات والزينة، بما في ذلك الأنوار التي تُزين الشوارع والساحات، تعد نقطة جذب سياحي تعتمد عليه لندن كل سنة. عادةً ما تبدأ الحجوزات قبل فترة طويلة.

وبما أن محلات «هارودز» معلمة ووجهة سياحية، فإن فرصة العرض فيها لا تقدر بثمن، وبالتالي فهي لا تمنح الفرصة لأيٍّ كان لاحتلال واجهاتها. لكنَّ «لورو بيانا» ليست أياً كان؛ فهي من أهم بيوت الأزياء العالمية حالياً. تصاميمها المترفة تجذب النظر وتحفز حركة البيع في الوقت ذاته، بدليل أنها من بين بيوت أزياء تعد على أصابع اليد الواحدة لا تزال تحقق الأرباح رغم الأزمة التي ألمَت بكثير من الأسماء الشهيرة.

احتلت «لورو بيانا» كل واجهات محلات «هارودز» بمناسبة الأعياد والاحتفالات (لورو بيانا)

هذا العام، أُتيحت لها الفرصة لتجعل 36 نافذة عرض في «هارودز» ملكها الخاص. لم يكن الأمر سهلاً. بدأت العمل عليه منذ أكثر من عام تقريباً ليأتي بصورة تسلط الضوء على تاريخها وإرثها وأيضاً مهارات حرفييها بشكل جيد، وهو ما مثَّلته «ورشة العجائب» Workshop of Wonders. فكرتُها استعراضُ خبراتهم في غزْل الصوف وأساليبهن الخاصة في المزج بين الحرفية والفن. هنا سيستمتع الناظر بقصة تُسرد من زاوية مدهشة تتبع رحلتهم، من المراعي و طرق عيش الخرفان والغزلان الخرفان وكيفية الحصول على المواد الخام وصولاً إلى المنتج النهائي.

ورشة العجائب

تتميز بديكورات متحرّكة ميكانيكية تُجسّد فكرة مسرح الدمى من خلال الآليات التي تحركها وراء الكواليس. أغلبها من الخشب لتعزيز الطابع اليدوي التقليدي. فهذه الورشة تعكس فكرة مفادها أنّ الطبيعة نفسها ورشة من الجمال والتفرد والكمال.

الجنود المجهولون أو الحرفيون أخذوا نصيبهم من الاحتفال باستعراض مهاراتهم أمام الضيوف (لورو بيانا)

تأتي التصاميم هنا مستوحاة من روح عشرينات القرن الماضي، وهي الحقبة التي أبصرت فيها الدار النور، ممّا يعزز الشعور بالعراقة من خلال استخدام القوام الخشبي والألوان الدافئة الممزوجة بلمسات من الذهب المطفي. تملأ المشهد، دمى مرسومة ومحاطة بسحب من الصوف المنسوج يدوياً. هنا أيضاً يُكشف الستار عن مجتمعات الحرفيين الماهرين Masters of Fibers والأماكن الساحرة حول العالم، حيث يعيش الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال. هنا كل شيء يتأرجح بين الواقع والخيال،

وخلال هذه الفترة، ستفتتح الدار متجرَين جديدَين في «هارودز»؛ الأوّل مخصّص لأزياء الصغار، والآخر للديكور المنزلي، إلى جانب منتجات وتصاميم حصرية تحتفي بتاريخ الدار وبموسم الأعياد.

الواجهة والنوافذ

الجميل في تصميم الواجهات أن التركيز لم يقتصر على عرض تصاميمها بشكل يُغري المتسوقين، بقدر ما جرى التركيز على أخذهم في رحلة ممتعة إلى أماكن بعيدة، لتُعرفهم من أين تُستورد الألياف النادرة قبل أن تتحول إلى رزمٍ قطنية ثم إلى أقمشة فاخرة، يُزيِن بعضها شجرة عيد ميلاد بارتفاع 17 متراً .

... وطبعاً لا تكتمل الإطلالات من دون حقائب تعكس اهتمام الدار بالتفاصيل (لورو بيانا)

صُممت كل نافذة بدقة لتحاكي تحفة فنية تروي مرحلة من تاريخ «لورو بيانا» وقصةً نجمُها الرئيسي أليافٌ وأنسجة خفيفة على شكل رزم تتحرك على حزام ناقل، لتتحوّل إلى قماش من خلال آلية مذهلة، وفي النهاية تتّخذ شكل شجرة عيد ميلاد بطول 17 متراً مزينة بالأقمشة وحلة العيد الفريدة.

نوافذ أخرى، تسرد فصولاً تتناول مواقع ومجتمعات «الحرفيين الماهرين» Masters of Fibers من منغوليا وأستراليا وجبال الأنديز وما بعدها، وصولاً إلى إيطاليا حيث يتم تحويل الألياف والمواد الخام إلى قطع لا تقدر بثمن.

منها ما يحكي قصص صوف الفيكونيا، ونسيج بيبي كشمير، وصوف الملوك وقماش «بيكورا نيراPecora Nera® وغيرها. النوافذ المخصّصة لـصوف الملوك مثلا تركز على عملية البحث عن أفضل المراعي الخضراء لخراف المارينو، وهي عملية تعود بنا إلى أواخر القرن الثامن عشر، حين وصل القبطان جيمز كوك إلى نيوزيلندا وأستراليا، حاملاً معه خراف المارينو لأول مرة. لدهشة الجميع، وجدت هذه الخراف مكانها المثالي، حيث حظيت بعناية مكثفة على يد المربّين المحليين ومنحتهم هذه الخراف بدورها أجود أنواع الصوف في العالم. أمّا نافذة Pecora Nera® فتروي رؤية وإبداع المزارعة النيوزيلندية فيونا غاردنر التي ركّزت على الخراف ذات اللون الداكن تحديداً. صوفها الثمين يتحوّل إلى ألياف طبيعية لا تحتاج إلى صبغات.

قطع حصرية لـ«هارودز»

احتفالاً بالذكرى المئوية للدار وأسلوبها المتميز بالفخامة الهادئة، تم طرح مجموعة جاهزة للرجال والنساء، حصرياً في «هارودز». كان من الطبيعي أن تستمد إيحاءاتها من الأناقة البريطانية الكلاسيكية مطعَّمة بلمسات مستوحاة من الفروسية وأنماط المربعات، إضافةً إلى اللون الأخضر الأيقوني الخاص بـ«هارودز» و ألوان أخرى مستوحاة من أجواء العيد، مثل الأحمر والأبيض.

لم تستسهل «لورو بيانا» عملية تزيين 36 نافذة وكانت النتيجة مرآة لتاريخها وإرثها (لورو بيانا)

الإطلالات المسائية للمرأة في المقابل تتميز بفساتين طويلة من الحرير المطرّز يدوياً وفساتين محبوكة بقصات عمودية، إلى جانب قمصان ناعمة مصنوعة هي الأخرى من الحرير تم تنسيقها مع سراويل واسعة بسيطة بعيدة عن التكلّف. تضيف أحذية الباليه المسطحة المصنوعة من المخمل الأسود، والصنادل ذات الكعب العالي المطرزة بزهور الشوك الذهبية، لمسة نهائية راقية.

من جهته يتألق رجل «لورو بيانا» في كل المناسبات الرسمية والاحتفالات الموسمية، بفضل التشكيلة الواسعة من البدلات الرسمية.

متجران مؤقتان

سيجد زائر «هارودز» كل ما يطمح إليه من أزياء أو إكسسوارات مصنوعة من أجود أنواع الألياف (لورو بيانا)

بهذه المناسبة خصصت الدار متجرَين مؤقّتَين من وحي الأعياد. الأول في الباب 6، ويشمل عناصر مستوحاة من ورش العمل والأقمشة المطرّزة. تتوسطه طاولة عمل من الجلد مضاءة بمصباح علوي، بالإضافة إلى عجلة صناعية كبيرة تعرض المنتجات الجلدية والإكسسوارات. يمكن للزوّار هنا العثور على تشكيلة حصرية من ربطات العنق والقبّعات المصنوعة من الكشمير الفاخر للأطفال، والصوف، وقماش التويل الحريري بألوان هادئة أو مزيّنة بزخارف تحمل رموز الدب وزهرة الشوك وغيرها. أما للمنزل، فتتوفر تماثيل خشبية للماعز والألباكا، بالإضافة إلى نسخ محشوة منها على قواعد خشبية. وقد جرى تخصيص زاوية خاصة لإدخال اللمسات الشخصية على وشاح Grande Unita الأيقوني، حيث يمكن للعملاء تطريز الأحرف الأولى من أسمائهم.

استلهمت الدار الإيطالية كثيراً من التصاميم من الأجواء البريطانية العريقة... من الأشكال والقطع إلى الألوان (لورو بيانا)

أما المتجر الثاني بباب 9، فخُصّص لفنّ تقديم الهدايا وتجربة حصرية يمكن حجزها لمزيد من المتعة. تبدأ بتعريف الضيوف بعالم الحرف اليدوية، من خلال أشجار الأعياد المغلّفة بالصوف والكشمير، وحيوانات محشوة على شكل الماعز، والألباكا، وحيوان الأيل، والغزال، بالإضافة إلى رؤوس أقلام على شكل حيوانات. وتتجلّى بهجة موسم الأعياد في كرة الثلج المصنوعة من الخشب والزجاج التي تضم ماعز الكشمير محاطاً بحبّات الثلج المتطايرة. يستضيف هذا المتجر أيضاً ورشة عمل تُتيح للضيوف اختبار مهاراتهم في الحرف اليدوية أو تعلّم كيفية صنع زينة العيد وتغليف نماذج خشبية بالصوف.

تستمر فعاليّات Workshop of Wonders حتّى الثاني من يناير (كانون الثاني) 2025، وتُشكّل جزءاً مهماً وأساسياً من احتفالات الدار بعيدها المئة حول العالم، وبذكرى تأسيسها عام 1924 على يد بييترو لورو بيانا.