«سيلين» تأتي لأول مرة بعطورها إلى لندن

مصممها هادي سليمان يختزل في كل عطر فصلا من حياته الخاصة

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
TT

«سيلين» تأتي لأول مرة بعطورها إلى لندن

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، سينجذب من دون شعور نحو أقصى ركن في طابقه الأرضي. رائحة عذبة ستشُده إليه ليجد نفسه أمام جديد «سيلين» من العطور، أو بالأحرى أول مركز عطور لها في لندن بعد باريس. ركن غني بألوان الذهب وفخامة المرمر، تتراص من كل جوانبه قارورات عطور وإكسسوارات جلدية صغيرة ونظارات شمسية وأدوات صغيرة تحتاج لمن يشرح لك أنها تأتي مع شمعة أو أوراق معطرة لتغليف الأدراج وما شابه ذلك. بريق المرايا الذي يُغطي الخلفيات يزيدها إغراء، فيما تتغلغل روائح زكية تنبعث من قارورات تحمل أسماء مختلفة لتشي بإيحاءات متنوعة. تقول دار «سيلين» إنها إلى جانب أنها كلها تحكي فصلا من فصول حياة مصممها هادي سليمان، فهي بخلاصات مترفة تم انتقاؤها بعناية، بعضها دافئ يعبق بروح الشرق وبعضها مُشكل من باقات ورد تستحضر لحظة صيف سعيدة.

لم يكتف هادي سليمان بالعطور وطرح مجموعة شموع لتعطير البيوت أيضا (سيلين)

ليس غريبا أن تختار «سيلين» هذا الركن البعيد عن زحمة البوابة الرئيسية للمحل. فهنا الهدوء، وهنا أيضا تستقر جنب جارة لا تقل عنها مكانة ورقيا هي «هيرميس». تجدر الإشارة هنا إلى أن «سيلين» لم تقتحم مجال العطور بهذه القوة إلا منذ سنوات قليلة، في عام 2019 تحديدا.

كانت 1964، آخر سنة طرحت فيها الدار عطرها الذي يحمل اسم Vent Fou «رياح مجنونة». توقفت لأنها لم تر حاجة إلى تعزيز اسمها ومكانتها بعطور أخرى. كرت السنوات وظل الاهتمام مُركَّزا على الأزياء والإكسسوارات الجلدية، إلى أن قرَّر مصممها الحالي هادي سليمان أن يخوض هذا المجال في عام 2019. لم يكتف بطرح عطر واحد أو يُجدد القديم، بل ابتكر مجموعة من عدة عطور أشرف عليها بنفسه، بحيث جاء كل واحد منها يستحضر لحظات من العمر، سواء كانت تجارب أو أماكن أو أشخاص كانت لهم مكانة في نفسه وتأثير على مسيرته. الآن بلغ عدد المجموعة 11 عطرا، 8 منها موجهة للنهار و3 للمساء.

وصل عدد العطور التي طرحتها الدار إلى 11 عطرا (سيلين)

وبما أن العملية كانت شخصية بحيث أشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها بنفسه، فإننا إذا غصنا في قراءة أي من هذه العطور، أو بالأحرى تجرأنا على التعامل معها على أنها سيرة ذاتية للمصمم، فإننا نكتشف كم هي حياته غنية ومثيرة في الوقت ذاته سواء كانت في باريس أو في لوس أنجليس ولندن أو ذكريات سعيدة مثل تلك التي يختزلها عطر «نايت كلابينغ» Night Clubbing. فهو يستحضر فيه حياة الليل في كاليفورنيا ومزج فيه التبغ بالفانيلا، بينما يختزل صورا تتخايل فيها العارضات والعارضين وكأنهم يقومون برقصة باليه على ضوء القمر في عطر «بارايد» Parade الذي استعمل فيه خلاصات النيرولي والبرغموت والفيتفر.

BOIS DORMANT مثلا يستلهم تفاصيله من ذكريات سليمان الخاصة. فعندما كان شابا في التاسعة عشرة من عمره، كان يعشق كل ما يُفصله خياطو شارع «سافيل رو» في لندن

أما عطر «بوا دورمون» BOIS DORMANT فاستلهم تفاصيله من ذكريات تعود إلى بداية الشباب، عندما كان لا يتعدى عمره التاسعة عشرة. كان يعشق الموضة وتحديدا كل ما يُفصّله خياطو شارع «سافيل رو» في لندن. كان يبحث عن بدلات تحمل توقيعهم في كل مكان، وينبهر بما تتضمنه من تفصيل محسوب بالمسطرة وخياطة رفيعة. هذه التجربة واحدة من التجارب التي قادته ليصبح مصمم أزياء وخياطا في الوقت نفسه. ذكريات أخرى حددت مساره وأسلوبه كما أثرت على ملامح العطور وهويتها. لا يُخفي هادي سليمان أن عمليتي ابتكار العطور وتصميم الأزياء تتقاربان في الكثير من الرؤى الفنية والتقنية. العملية بالنسبة له عبارة عن حوار ممتع بين مشغل الخياطة واستديو الإبداع «نفس الصرامة ونفس الطموح لتحقيق الشكل الصحيح بتزويج الحداثة مع الأناقة النيوكلاسيكية. سترة ذات هيكل مثالي، مزدوجة الصدر لا تعوق الحركة؛ تركيبة تؤسس وجودها عبر أثر عطري أنيق، لا يحده زمن ومريح».

يساهم عطر RIMBAUD، وهو من ابتكار هادي سليمان، في إثراء مجموعة عطورCELINE . ويكمّل هذا الإصدار الجديد العطور التسعة التي تم إطلاقها في العام 2019 (سيلين)

هكذا تشير دار «سيلين» إلى أن ابتكار الأزياء لا يختلف عن ابتكار العطور. كلاهما يتطلب إتقاناً ومعرفة تقنية وتقليدية. في مجال العطور هناك بحث دائم عن أساليب تجعل أثر العطر يبقى طويلا، وكيف يكون «نفاذا» وقويا وفي الوقت ذاته يتنفس ويتفاعل مع صاحبه ومحيطه بشكل مريح ومنعش.

الجميل في المجموعة بالكامل أنها لا تفرِق بين الرجل أو المرأة، ويمكن للجنسين أن يختارا ما يناسبهما منها من دون قيد أو شرط. الشخصية الفرنسية وميلها إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي النكهة الغالبة. وهذا يعني حياة متحررة تقودها رغبة في معانقة الحياة والاستمتاع بكل لحظاتها.

عطر «نايت كلابينغ» Night Clubbing يستحضر فيه المصمم حياة الليل في كاليفورنيا ومزج فيه التبغ بالفانيلا (سيلين)

قد يتساءل البعض عن نجاح هذه الخطوة في وقت يعُج فيه السوق بكل أنواع العطور، ليأتي الجواب بسيطا، وهو أن هذا الازدحام تحديدا هو الذي ولّد رغبة في عطور فاخرة ومتخصصة. فقطاع العطور واسع ويقدر بأكثر من 80 مليار دولار أميركي حسب بعض الدراسات ومن المتوقع أن يزيد بكثير. وهذا ما سيجعل المُتفرِد منها يُصبح عملة ذهبية لعشاق العطور المتخصصة أو الـ«هوت كوتور» كما يسميها البعض.


مقالات ذات صلة

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)

«باتيك فيليب» تكشف عن إصدارها الجديد منذ 25 عاماً

ردود الفعل «المتسرعة» التي أثارتها المجموعة بعد الكشف عنها مباشرة، لا تترك أدنى شك في أن سببها يعود إلى عنصر المفاجأة بشكلها المربع لا أقل ولا أكثر.

جميلة حلفيشي (ميونيخ)

أشهرهم جوبز وزوكربيرغ... لماذا يفضل مشاهير ارتداء الزي نفسه يومياً؟

على اليمين ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» أثناء استقباله تصفيقاً حاراً خلال حدث للشركة في سان فرنسيسكو الأربعاء 9 سبتمبر 2009... ومارك زوكربيرغ خلال مؤتمر صحافي في المدينة نفسها يوم 15 نوفمبر 2010 (أرشيفية- أ.ب- رويترز)
على اليمين ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» أثناء استقباله تصفيقاً حاراً خلال حدث للشركة في سان فرنسيسكو الأربعاء 9 سبتمبر 2009... ومارك زوكربيرغ خلال مؤتمر صحافي في المدينة نفسها يوم 15 نوفمبر 2010 (أرشيفية- أ.ب- رويترز)
TT

أشهرهم جوبز وزوكربيرغ... لماذا يفضل مشاهير ارتداء الزي نفسه يومياً؟

على اليمين ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» أثناء استقباله تصفيقاً حاراً خلال حدث للشركة في سان فرنسيسكو الأربعاء 9 سبتمبر 2009... ومارك زوكربيرغ خلال مؤتمر صحافي في المدينة نفسها يوم 15 نوفمبر 2010 (أرشيفية- أ.ب- رويترز)
على اليمين ستيف جوبز الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» أثناء استقباله تصفيقاً حاراً خلال حدث للشركة في سان فرنسيسكو الأربعاء 9 سبتمبر 2009... ومارك زوكربيرغ خلال مؤتمر صحافي في المدينة نفسها يوم 15 نوفمبر 2010 (أرشيفية- أ.ب- رويترز)

يختار بعض المشاهير وعدد من رواد الأعمال والسياسيين الظهور بالملابس نفسها تقريباً يومياً، في اتجاه بدأ ينتشر مؤخراً، ويثير التساؤل عن سببه.

وعدَّت محررة صحيفة «إندبندنت» البريطانية هيلين كوفي، أن ارتداء الزي نفسه تقريباً يومياً قد يخلق الملل، ضاربة المثل بتريني وودال، وهي ناقدة أزياء بريطانية ومستشارة لتحسين المظهر ومصممة ومذيعة تلفزيونية، وهي ترتدي ملابس متواضعة واحدة وتلتزم بها.

وتقول وودال إننا ربما نحتاج جميعاً إلى خلق تجربة ارتداء ملابس خالية من التوتر، من خلال تقليص خياراتنا إلى مجموعة محدودة، ولكن قابلة للإدارة.

تريني وودال ناقدة أزياء بريطانية ومستشارة لتحسين المظهر (إنستغرام)

وأحد أبرز الرواد في هذا الاتجاه هو ستيف جوبز، مؤسس شركة «أبل»؛ إذ كان يفضل ارتداء سترة سوداء وبنطال من الجينز الأزرق، وحذاء رياضي، حتى وفاته في عام 2011.

ودونالد ترمب أيضاً يفضل ارتداء بذلة ورابطة عنق حمراء، سواء أثناء الحملة الانتخابية أو خارجها.

وتشير الصحيفة إلى أن الملكة إليزابيث الثانية الراحلة هي أشهر من التزموا بجماليات الزي الرسمي. وخصوصاً في العقدين الأخيرين من حياتها. اختارت الملكة بشكل شبه حصري المعاطف والفساتين بألوان جريئة وموحدة، مع قبعات متطابقة وحقائب يد سوداء.

وسخرت الملكة ذات مرة، وقالت: «إذا ارتديتُ اللون البيج، فلن يعرف أحد من أنا»، مشيرة إلى أن جزءاً من الدافع وراء اختياراتها الأسلوبية كان الرؤية والتعرف.

وتؤكد كوفي في مقالها أنه لا شك في أن النهج الموحد يمكن أن يساعد في بناء «العلامة التجارية»، وربما كان الدافع وراء الاستقرار على أسلوب ثابت بالنسبة لعدد أكبر من المشاهير، يتلخص في تجنب «إرهاق اتخاذ القرار».

وعن «إرهاق اتخاذ القرار»، يُنسب إلى جوبز قوله في سيرته الذاتية التي تحمل اسمه، والتي كتبها والتر إيزاكسون: «لا أريد أن أتخذ قرارات بشأن ما أرتديه. لدي كثير من الجينز نفسه والسترات السوداء ذات الياقات العالية».

ويُنظر إلى هذا الاتجاه بنوع من «التقدير»، واعتباره «اختراقاً»؛ بل وارتبط الزي الموحد تقريباً بزيادة الإنتاجية، وتبع جوبز في ذلك كثير من خبراء التكنولوجيا الآخرين الذين كانوا معجبين بما يقدمه مؤسس «أبل».

فعلى سبيل المثال، كان مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» ومؤسس «فيسبوك» معروفاً بخزانة ملابسه المحدودة للغاية من الملابس الكاجوال. وقال زوكربيرغ لمضيف برنامج «توداي» على قناة «إن بي سي» مات لور، في عام 2012: «أرتدي الشيء نفسه كل يوم».

وتم الكشف عن أن خزانة زوكربيرغ كانت مليئة بـ«ربما نحو 20» قميصاً رمادياً متطابقاً، عندما شارك مؤسس «فيسبوك» صورة لصف من السترات الرمادية المتطابقة من الخزانة.

في عام 2014، أعرب باراك أوباما، عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، عن مشاعر مماثلة: «سترون أنني أرتدي بدلات رمادية أو زرقاء فقط»، كما قال لمجلة «فانيتي فير»، وتابع: «أحاول تقليص القرارات. لا أريد اتخاذ قرارات بشأن ما أتناوله أو أرتديه؛ لأن لدي كثيراً من القرارات الأخرى التي يتعين عليَّ اتخاذها».

ويعد «إرهاق اتخاذ القرار» حالة من «الإرهاق العقلي والعاطفي تحدث بعد اتخاذ كثير من القرارات، ويعني تراجع القدرة على اتخاذ مزيد من القرارات على مدار اليوم». فبعد كثير من الخيارات -ونحن غالباً ما نكون غير قادرين على اختيار أي شيء على الإطلاق- نجد أن إلغاء القرارات اليومية غير الضرورية في الحياة، يمكن أن يوفر مساحة في الدماغ للقرارات الأكثر أهمية.

ووفقاً لتجربة علم نفس المستهلك التي يتم الاستشهاد بها كثيراً، وهي «دراسة المربى»، اشترى 30 في المائة من المتسوقين المربى عندما عُرضت عليهم 6 نكهات مختلفة. واشترى 3 في المائة فقط المربى عندما أتيحت لهم مجموعة مختارة من 24 نكهة. أُطلق على هذه الظاهرة «مفارقة الاختيار»، أو «الإفراط في الاختيار»؛ فإن المزيد لا يعني الأفضل دائماً.