«سيلين» تأتي لأول مرة بعطورها إلى لندن

مصممها هادي سليمان يختزل في كل عطر فصلا من حياته الخاصة

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
TT

«سيلين» تأتي لأول مرة بعطورها إلى لندن

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)
الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، ستجذبه روائح عطرة تنبعث من قسم في ركن هادئ مصمم بالذهب والمرمر (سيلين)

الزائر إلى محلات «هارودز» هذه الأيام، سينجذب من دون شعور نحو أقصى ركن في طابقه الأرضي. رائحة عذبة ستشُده إليه ليجد نفسه أمام جديد «سيلين» من العطور، أو بالأحرى أول مركز عطور لها في لندن بعد باريس. ركن غني بألوان الذهب وفخامة المرمر، تتراص من كل جوانبه قارورات عطور وإكسسوارات جلدية صغيرة ونظارات شمسية وأدوات صغيرة تحتاج لمن يشرح لك أنها تأتي مع شمعة أو أوراق معطرة لتغليف الأدراج وما شابه ذلك. بريق المرايا الذي يُغطي الخلفيات يزيدها إغراء، فيما تتغلغل روائح زكية تنبعث من قارورات تحمل أسماء مختلفة لتشي بإيحاءات متنوعة. تقول دار «سيلين» إنها إلى جانب أنها كلها تحكي فصلا من فصول حياة مصممها هادي سليمان، فهي بخلاصات مترفة تم انتقاؤها بعناية، بعضها دافئ يعبق بروح الشرق وبعضها مُشكل من باقات ورد تستحضر لحظة صيف سعيدة.

لم يكتف هادي سليمان بالعطور وطرح مجموعة شموع لتعطير البيوت أيضا (سيلين)

ليس غريبا أن تختار «سيلين» هذا الركن البعيد عن زحمة البوابة الرئيسية للمحل. فهنا الهدوء، وهنا أيضا تستقر جنب جارة لا تقل عنها مكانة ورقيا هي «هيرميس». تجدر الإشارة هنا إلى أن «سيلين» لم تقتحم مجال العطور بهذه القوة إلا منذ سنوات قليلة، في عام 2019 تحديدا.

كانت 1964، آخر سنة طرحت فيها الدار عطرها الذي يحمل اسم Vent Fou «رياح مجنونة». توقفت لأنها لم تر حاجة إلى تعزيز اسمها ومكانتها بعطور أخرى. كرت السنوات وظل الاهتمام مُركَّزا على الأزياء والإكسسوارات الجلدية، إلى أن قرَّر مصممها الحالي هادي سليمان أن يخوض هذا المجال في عام 2019. لم يكتف بطرح عطر واحد أو يُجدد القديم، بل ابتكر مجموعة من عدة عطور أشرف عليها بنفسه، بحيث جاء كل واحد منها يستحضر لحظات من العمر، سواء كانت تجارب أو أماكن أو أشخاص كانت لهم مكانة في نفسه وتأثير على مسيرته. الآن بلغ عدد المجموعة 11 عطرا، 8 منها موجهة للنهار و3 للمساء.

وصل عدد العطور التي طرحتها الدار إلى 11 عطرا (سيلين)

وبما أن العملية كانت شخصية بحيث أشرف على كل صغيرة وكبيرة فيها بنفسه، فإننا إذا غصنا في قراءة أي من هذه العطور، أو بالأحرى تجرأنا على التعامل معها على أنها سيرة ذاتية للمصمم، فإننا نكتشف كم هي حياته غنية ومثيرة في الوقت ذاته سواء كانت في باريس أو في لوس أنجليس ولندن أو ذكريات سعيدة مثل تلك التي يختزلها عطر «نايت كلابينغ» Night Clubbing. فهو يستحضر فيه حياة الليل في كاليفورنيا ومزج فيه التبغ بالفانيلا، بينما يختزل صورا تتخايل فيها العارضات والعارضين وكأنهم يقومون برقصة باليه على ضوء القمر في عطر «بارايد» Parade الذي استعمل فيه خلاصات النيرولي والبرغموت والفيتفر.

BOIS DORMANT مثلا يستلهم تفاصيله من ذكريات سليمان الخاصة. فعندما كان شابا في التاسعة عشرة من عمره، كان يعشق كل ما يُفصله خياطو شارع «سافيل رو» في لندن

أما عطر «بوا دورمون» BOIS DORMANT فاستلهم تفاصيله من ذكريات تعود إلى بداية الشباب، عندما كان لا يتعدى عمره التاسعة عشرة. كان يعشق الموضة وتحديدا كل ما يُفصّله خياطو شارع «سافيل رو» في لندن. كان يبحث عن بدلات تحمل توقيعهم في كل مكان، وينبهر بما تتضمنه من تفصيل محسوب بالمسطرة وخياطة رفيعة. هذه التجربة واحدة من التجارب التي قادته ليصبح مصمم أزياء وخياطا في الوقت نفسه. ذكريات أخرى حددت مساره وأسلوبه كما أثرت على ملامح العطور وهويتها. لا يُخفي هادي سليمان أن عمليتي ابتكار العطور وتصميم الأزياء تتقاربان في الكثير من الرؤى الفنية والتقنية. العملية بالنسبة له عبارة عن حوار ممتع بين مشغل الخياطة واستديو الإبداع «نفس الصرامة ونفس الطموح لتحقيق الشكل الصحيح بتزويج الحداثة مع الأناقة النيوكلاسيكية. سترة ذات هيكل مثالي، مزدوجة الصدر لا تعوق الحركة؛ تركيبة تؤسس وجودها عبر أثر عطري أنيق، لا يحده زمن ومريح».

يساهم عطر RIMBAUD، وهو من ابتكار هادي سليمان، في إثراء مجموعة عطورCELINE . ويكمّل هذا الإصدار الجديد العطور التسعة التي تم إطلاقها في العام 2019 (سيلين)

هكذا تشير دار «سيلين» إلى أن ابتكار الأزياء لا يختلف عن ابتكار العطور. كلاهما يتطلب إتقاناً ومعرفة تقنية وتقليدية. في مجال العطور هناك بحث دائم عن أساليب تجعل أثر العطر يبقى طويلا، وكيف يكون «نفاذا» وقويا وفي الوقت ذاته يتنفس ويتفاعل مع صاحبه ومحيطه بشكل مريح ومنعش.

الجميل في المجموعة بالكامل أنها لا تفرِق بين الرجل أو المرأة، ويمكن للجنسين أن يختارا ما يناسبهما منها من دون قيد أو شرط. الشخصية الفرنسية وميلها إلى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي هي النكهة الغالبة. وهذا يعني حياة متحررة تقودها رغبة في معانقة الحياة والاستمتاع بكل لحظاتها.

عطر «نايت كلابينغ» Night Clubbing يستحضر فيه المصمم حياة الليل في كاليفورنيا ومزج فيه التبغ بالفانيلا (سيلين)

قد يتساءل البعض عن نجاح هذه الخطوة في وقت يعُج فيه السوق بكل أنواع العطور، ليأتي الجواب بسيطا، وهو أن هذا الازدحام تحديدا هو الذي ولّد رغبة في عطور فاخرة ومتخصصة. فقطاع العطور واسع ويقدر بأكثر من 80 مليار دولار أميركي حسب بعض الدراسات ومن المتوقع أن يزيد بكثير. وهذا ما سيجعل المُتفرِد منها يُصبح عملة ذهبية لعشاق العطور المتخصصة أو الـ«هوت كوتور» كما يسميها البعض.


مقالات ذات صلة

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

لمسات الموضة صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

أعلنت دار «سيلين» اليوم خبر مغادرة مديرها الإبداعي هادي سليمان بعد ست سنوات. لم يفاجئ الخبر أحداً، فإشاعات قوية كانت تدور في أوساط الموضة منذ مدة مفادها أنه…

لمسات الموضة عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

تشعر أحياناً أن مصمميه يتلذذون بالأزمات ويستمدون منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40 مؤكداً أن الأزمات لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

يجمع الأناقة بروح بوهيمية، لكن للأسف لا يناسب الكل؛ لهذا يحتاج إلى بعض الحيل كي تتمكن صغيرات الحجم تحديداً من الاستمتاع به، مثلهن مثل عارضات الأزياء.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تيما عابد بخبرة 22 سنة تضيء سماء الموضة (الشرق الأوسط)

تيما عابد لـ«الشرق الأوسط»: «لا يدرك تحديات صناعة الموضة سوى من دخل منظومتها»

تيما عابد، مصمّمة الأزياء السعودية، التي أضاءت سماء الموضة بتصاميمها الفريدة لأكثر من 22 عاماً، تُعدّ اليوم إحدى أهم الشخصيات في عالم الأزياء داخل المملكة.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة حيدر أكيرمان مع العارضة كايت موس (غيتي)

من هو حيدر أكيرمان... مصمم «توم فورد» الجديد؟

تردد اسمه مؤخرا كثيرا كواحد من المرشحين لخلافة فيرجيني فيار في دار «شانيل»، وخصوصا أن الراحل كارل لاغرفيلد وصفه في أحد تصريحاته بأنه خليفته المثالي في «شانيل».

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
TT

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

هل كان يكفي الحضور المكثف للنجوم والمشاهير من أمثال عرّابة الموضة أنا وينتور، والمغني هاري ستايلز، والمغنية تشارلي إكس سي إكس، والعارضة المخضرمة جيري هول، أن يعيد لأسبوع لندن بريقه، أو يُنقذه من الركود الذي يعاني منه منذ عدة مواسم؟ الجواب وبكل بساطة أن أسبوع لندن كان ولا يزال يعتمد على نفسه. لربيع وصيف 2025 الأسبوع الماضي أكد مرة أخرى أن قوته تكمن في أبنائه وروحهم المتمردة أولاً وأخيراً.

مجموعة كبيرة من المشاهير تتوسطهم أنا وينتور حضروا أسبوع لندن بشكل مكثف (أ.ف.ب)

لا يختلف أي متابع على أن أسبوع لندن يمر منذ فترة بمرحلة عصيبة جعلته باهتاً وبارداً مقارنة بغيره. أسابيع الموضة العالمية الأخرى؛ باريس وميلانو ونيويورك، استطاعت أن تتخطى الأزمة الاقتصادية العالمية بخطوات أسرع منه. أما هو، فظل يتخبط بين شح الإمكانات وتبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

حتى دار «بيربري» التي كانت تُزوِّده بما يكفي من شحنات قوة وبريق، تشهد حالياً تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات، ورغم التحاق المصمم دانييل لي بها، وكل الآمال التي عُقدت عليه ليرتقي بها إلى مصاف الكبار، برفع أسعار منتجاتها، لم يحقق الأهداف المطلوبة منه؛ ليس لأنه يفتقد الإبداع، بل فقط لأن التوقيت ليس في صالحه، إضافة إلى أن استراتيجية رفع الأسعار لم تخدمه. المشكلة أن الدار تناست أن قوتها تكمن في مخاطبتها الطبقات المتوسطة المتعطشة لدخول نادي الأناقة.

في عرض «بيربري» عاد المصمم دانييل لي إلى البدايات ولعب على وظيفية الأزياء بلغة عصرية (بيربري)

استدركت الدار الموقف. ولأن المصمم دانييل لي مشهود له بالموهبة والإبداع، وجّهت انتباهها إلى الجانبين التسويقي والإداري؛ إذ عيّنت جاشوا شولمان رئيساً تنفيذياً جديداً لها، على أمل أن يُحقق لها ما حققه في دار «كوتش» التي عمل فيها رئيساً تنفيذياً، ولا سيما أن هناك نقاط تشابه كثيرة بين العلامتين. عرض الدار لربيع وصيف 2025، والذي أقيم في آخر يوم من أيام الأسبوع اللندني، أعطى إشارات قوية بالاتجاه الجديد. كانت الأزياء والأكسسوارات بنكهة تجارية، وفي الوقت ذاته عملية بالمعنى الوظيفي، تستحضر بدايات الدار. لكن دانييل لي أضفى عليها لمساته العصرية لتخاطب شريحة الشباب، من خلال القصات والتفاصيل، مثل السحابات التي ظهرت في أجزاء كثيرة والجيوب المتعددة التي لم يكتفِ بها المصمم في السترات والمعاطف، بل شملت البنطلونات التي امتدت فيها إلى أسفل الساق لتصل إلى الكاحل.

جنوح مصممي لندن للغرابة وإحداث الصدمة لم يختفِ تماماً (أ.ف.ب)

لكن ما يُحسب لأسبوع لندن دائماً هو روح التحدي التي يتحلى بها ولم تفارقه في أي فترة من فتراته. تشعر أحياناً أنه يتلذذ بالأزمات ويستمد منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40. تاريخه يشهد أنه مر بعدة تذبذبات، لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً. في معرض استعادي للأسبوع، عُلّقت مقولة كتبتها محررة الأزياء كاثرين صامويل في عام 1993 تقول: «أثبت مصممو أسبوع لندن أن الشخصية البريطانية تزيد قوة في المواقف الصعبة».

اللافت أن المعرض لا يُسلط الضوء على النجاحات والإنجازات التي حققها الأسبوع بقدر ما يركّز على الأوقات الصعبة التي أثرت عليه، بدءاً من الركود في الثمانينات، إلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول) والأزمة المالية في عام 2008، وأخيراً وليس آخراً الأزمة الحالية. فيها كلها، أكّد أن الإبداع يولد من رحم الأزمات، وأن مصمميه لا يستسيغون الهدوء أو السكينة. شارك في الأسبوع الحالي 72 مصمماً مال بعضهم للعصري بنكهة تجارية تباينت جرعاتها، وبعضهم جنح للغرابة بشكل غير آبه للتسويق؛ لأنهم يتوجهون لشريحة معينة وقليلة.

ريتشارد كوين قدم تشكيلة حالمة وفخمة كان واضحاً توجهه فيها إلى زبونات منطقة الشرق الأوسط (أ.ف.ب)

لكن غالبيتهم شحذوا ملكاتهم الإبداعية لبث التفاؤل والأمل بأن العاصفة مهما طالت ستمر بسلام. هذه الطاقة الإيجابية ظهرت في تشكيلة ريتشارد كوين في فساتين طبعتها ورود ضخمة وتصاميم تتراقص على نغمات كلاسيكية تستحضر حفلات النجوم والنخبة في ثلاثينات القرن الماضي. بفخامتها وتطريزاتها الغنية، كان واضحاً أنه يخاطب بها زبونات الشرق الأوسط. هذه الإيجابية ظهرت أيضاً في عروض روكساندا وجي دبليو أندرسون و«توغا» وإيرديم، وهلم جرا من الأسماء.

في عرض جي دبليو أندرسون، مثلاً، تجلت في تنورات قصيرة واسعة بشكل مبالغ فيه، وفساتين قصيرة يبدو بعضها وكأنه مصنوع من قماش تم تقطيعه بالتساوي بشكل مستطيل، ثم تجميعه من جديد.

لعب المصمم إيرديم على الازدواجية بين الذكوري والأنثوي بأسلوب سردي وفني جديد (إيرديم)

روح الدعابة التي سادت عرض أندرسون، غابت في تشكيلة «إيرديم». فهو بطبعه جاد يحب التاريخ ويستقي منه دائماً قصصاً ملهمة. هذه المرة ترجم رواية «بئر العزلة» (The well of Loneliness) للكاتبة رادكليف هول، بأسلوب جمع فيه التفصيل الذكوري بالتصميم الأنثوي في تداخل يحاكي الـ«هوت كوتور». فالرواية تحكي قصة امرأة عاشت كرجل طوال حياتها. تلبس ملابسه وتصممها في شارع «سافيل رو» الشهير. والطريف أن أمرها لم يُكشف حتى مماتها. رغم أنه كان من السهل وقوعه في المحظور ويقدم ترجمة حرفية، فإن إيرديم نجح في تقديم درس عن كيف يمكن أن يكتسب التفصيل الرجالي نعومة من دون أن يُرسل أي إيحاءات معينة.

لين فرنكس... الأم الروحية للأسبوع

انطلق أسبوع لندن على يد لين فرنكس، أقوى وأشهر امرأة في عالم العلاقات العامة إلى حد أنها ألهمت شخصية بطلته إيدينا مونسون التي لعبتها باقتدار الممثلة جينفر سوندرز في مسلسل «أبسولوتلي فابيلوس» (Absolutely Fabulous)، وهو واحد من المسلسلات الناجحة لحد الآن. يمكن القول إنها من أرست قواعد مهنة العلاقات العامة في بريطانيا. ولأنها كانت تمتلك وكالة تمثل مجموعة من المصممين البريطانيين وعارضات الأزياء، راودتها فكرة تأسيس منصة تستعرض مواهبهم وقدراتهم للعالم، أسوة بأسابيع نيويورك وباريس وميلانو. وهكذا وُلدت فكرة إطلاق أسبوع لندن للموضة في عام 1984. ما إن نجحت في إقناع عملائها ومعارفها لتمويله، حتى بدأت بالبحث عن مكان مناسب، وجدته في حديقة «معهد الكومنويلث» بهولاند بارك. هناك نصبت خيمة كبيرة احتضنت أول موسم لأسبوع طبعته لحد الآن جينات شبابية تميل إلى التمرد والاختلاف الصادم أحياناً. بعد ثلاث سنوات، تغير المكان إلى ما أصبح يعرف الآن بقاعة «ساتشي» بالقرب من محطة «سلوان سكوير».

كان هذا نقلة إيجابية غيّرت مصير الموضة؛ إذ وفّر المكان مساحة أكبر، وبدأ يجذب أنظار مشاهير مثل الأميرة الراحلة دايانا، والمغني بوي جورج، وحتى مادونا أنذاك، الأمر الذي شجع على دخول ممولين جدد، ومن ثم زيادة ميزانيته.

هذا النجاح تطلب مكاناً أكبر، توفر في قاعة «أولميبيا»، ودخل خريطة الموضة العالمية بشكل رسمي. بين عامي 1988 و1989، مثلاً، شهد الأسبوع أول ظهور لكل من ناعومي كامبل وكايت موس قبل أن يسطع نجمهما للعالمية.

40 عاماً من النجاحات والتذبذبات

المصمم الآيرلندي الأصل واكب أسبوع لندن منذ تأسيسه في عام 1984 (رويترز)

لم يشهد أي أسبوع التذبذبات التي شهدها أسبوع لندن ولا عزيمته على البقاء، منذ انطلاقه في عام 1984. بدأ متواضعاً لكن جامحاً بفورة الشباب. كان كل المصممين المشاركين حديثي التخرج في معاهد تعلموا فيها أن الإبداع هو الجوهر، وكل شيء سواه يجب ألا يدخل في حساباتهم مهما كان الثمن الذي سيدفعونه. وهكذا جنّدوا جموحهم الإبداعي لدعم الأسبوع.

أعطى المصمم إيرديم درساً في كيف يمكن تنعيم التفصيل الذكوري (إيرديم)

لكن هذا الصعود سرعان ما تعرض للكبوة الأولى في التسعينات بسبب الأزمة الاقتصادية. في هذه الفترة بدأت تتسلل قوى جديدة في باريس وميلانو ونيويورك، تُرجّح الجانب التجاري أكثر، الأمر الذي وضع لندن في مأزق. لم يكن لمصمميها إلمام بهذا الجانب ولا قابلية لتقبّل فكرته. كانوا متشبّعين بفكرة أن الابتكار يأتي على حساب أي شيء آخر.

تقلُّص الميزانية لم يثنِ المسؤولين عن الاستمرار. ففي عام 1993، تم إطلاق مشروع «نيو جين»، أو الجيل الجديد، لدعم المصممين الشباب الذين لا تتوفر لهم إمكانات مادية للاستمرار، وكان من أوائل من استفادوا منه مصمم جديد اسمه ألكسندر ماكوين، وبعده كثيرون مثل إيرديم وغيره. كل من أتوا بعد لين فرنكس احترموا فكرتها أن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يتميز بها الأسبوع عن باقي أسابيع الموضة العالمية هي احتضان الشباب. وبالفعل لا تزال العاصمة البريطانية ولّادة للنجوم لحد الآن. لا تحتضنهم وتفتح لهم أبوابها فحسب، بل تصدّرهم أيضاً إلى باريس.

ريتشارد كوين عاد إلى الثلاثينات ليستقي منها تصاميم خاصة بالحفلات والأعراس (رويترز)

لكن شتان بين أزمات الماضي وأزمة اليوم. فهي الآن أكثر تعقيداً؛ لأنها عالمية أثرت على صنّاع الموضة في كل مكان، الأمر الذي جعل المنافسة أكثر شراسة لنيل قسط من الأرباح. كل العواصم في فترة من الفترات صارعت للبقاء والنجاح، حتى من ينضوون تحت مجموعات ضخمة مثل «إل في إم إش» و«كيرينغ» و«ريشمون». الفرق أن هؤلاء لديهم الإمكانات التي تغطي أي تباطؤ في النمو أو الخسارة لسنوات، في حين أن أغلب المصممين في بريطانيا شباب مستقلون. «روكساندا» مثلاً كانت ستُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين مؤخراً.

كيف يواجه المسؤولون الأزمة؟

بعد أربعين عاماً، كان لا بد أن يستوعب المشرفون على مجلس الموضة البريطانية أن الابتكار والأفكار الجديدة لا يكفيان. كان الحل هو تبني مفهوم الاستدامة والحث على إعادة النظر في سلوكيات الاستهلاك للحد من سلبياتها، وخصوصاً أن الجيل الصاعد الذي تُعوّل عليه مستاء من فكرة أن الموضة من بين أكثر القطاعات تلويثاً للبيئة.

من هذا المنظور افتتح الأسبوع هذا الموسم، بعروض لأزياء مستعملة بالتعاون مع منصة «إي باي» و«مؤسسة أوكسفام الخيرية» وموقع بيع السلع المستعملة الليتواني «فينتد» (Vinted)، وهو ما علّقت عليه ماريان جيبلز من موقع «فينتد» بقولها إن مواجهة الأفكار المسبقة ضرورية؛ «إذ يمكن أن تكون الأزياء المستعملة أنيقة وبأسعار معقولة».

المصممة والناشطة البريطانية كاثرين هامنيت (77 عاماً) أيضاً شاركت في هذه العروض المستدامة بأحد قمصانها الشهيرة التي تحمل رسالة: «لا مزيد من ضحايا الموضة»، بعد مرور 40 عاماً على أول عرض لها خلال أسبوع الموضة في عام 1984.