كعب على شكل «فاصلة»... واكب الحركات النسوية ولم يتنازل عن الأنوثة

وُلد في حقبة الستينات وكان نقطة فاصلة في مسيرة روجيه فيفييه

لخريف وشتاء 2024 أدخل عليه غيراردو فيلوني ألواناً وخامات جديدة (روجر فيفييه)
لخريف وشتاء 2024 أدخل عليه غيراردو فيلوني ألواناً وخامات جديدة (روجر فيفييه)
TT

كعب على شكل «فاصلة»... واكب الحركات النسوية ولم يتنازل عن الأنوثة

لخريف وشتاء 2024 أدخل عليه غيراردو فيلوني ألواناً وخامات جديدة (روجر فيفييه)
لخريف وشتاء 2024 أدخل عليه غيراردو فيلوني ألواناً وخامات جديدة (روجر فيفييه)

الموضوع هنا ليس عن شكل حذاء، بل عن كعب لا يشبه الكعوب ابتكره روجيه فيفييه منذ 60 عاماً ولا يزال ينحني ويلتوى تحت أقدام المرأة ليرفعها ويزيدها سحراً وأناقة إلى اليوم.

مرَت ستون عاماً على إبداع روجر فيفييه لكعب الـ«Virgule»، الذي أصبح أحد الإبداعات الثورية في القرن العشرين.

رسمه على شكل فاصلة، ومعناها في اللغة الفرنسية، الـ«Virgule» ثم نُفّذت بقلب انحناءة الكعب ليأخذ شكلاً مُقعّراً تمَ تقويسه نحو الداخل. والنتيجة كانت انحناءة أنيقة ووهم من الفراغ.

جعله المصمم غيراردو مواكباً لتطور العصر، لوناً وزخارف (روجر فيفييه)

كان ذلك في 1963، عام فارق في مسيرة روجيه فيفييه. كان قد انفصل لتوه عن كريستيان ديور، الذي عمل معه سنوات عدة وربطت بينهما علاقة فنية ناجحة للغاية، إلى حد أنه كان جزءاً لا يتجزأ من «ذي نيو لوك»، التي أطلقها ديور في الخمسينات من القرن الماضي ودخل بها التاريخ.

رغم نجاح هذه العلاقة وما تمخَضت عنه من ابتكارات، كان لا بد من الانفصال في وقت بدأ فيه مصممو الأحذية يتحولون هم أيضاً إلى نجوم. وبالفعل أطلق علامة تحمل اسمه في 24 شارع فرانسوا الأول في باريس. جاء هذا الانفصال في فترة مهمة في تاريخ المرأة. فقد كانت الستينات، الحقبة التي بدأت فيها المرأة تتحرر من الكثير من القيود الاجتماعية وتطالب بحقوقها في مجالات عدة. وبما أن الموضة جزء من أي تطور اجتماعي وثقافي، انعكس الأمر على ما أبدعه المصممون في تلك الفترة: تنورات قصيرة تتحدى المتعارف عليه وفساتين «ترابيز» تبتعد عن الخصر فتمنح الجسم حرية حركة استعذبتها المرأة آنذاك، وأحذية مريحة بديلة عن الكعب العالي، «ستيليتو»، الذي كان العمل به جارياً في ذلك الوقت على أساس أنه عنوان الأنوثة.

رسمه روجيه على شكل فاصلة مقعر وملتوي (روجيه فيفييه)

ثم وُلد كعب «Virgule» في عام 1963 ليجمع الأنوثة بالعملية. بكل تفاصيلها، جاء انعكاساً لهذه الحقبة، وسرعان ما وجد طريقه إلى عروض أزياء كبار المصممين في ذلك الوقت من أمثال إيف سان لوران ونينا ريتشي وبالمان وغيرهم. دخل أيضاً المعارض والمتاحف. ففي عام 2013 مثلا نظم أوليفييه سييار معرضاً خاصاً بإبداعات المصمم ككل في «باليه دي طوكيو» بباريس وسطع نجم هذا الكعب لينافس الإبزيم الشهير الذي ظهر في فيلم «بيل دو جور» من بطولة كاثرين دونوف وحلق باسم المصمم إلى العالمية.

كارلا بروني في حذاء «فيرغيل» (روجر فيفييه)

وكما تسلل إلى خزانة المرأة الأنيقة وعروض الأزياء الكبيرة، وجد طريقه إلى المتاحف. حالياً يُحتفظ أيضاً بالعديد من النماذج من هذا الكعب في متاحف عالمية مثل «الميتروبوليتان للفنون» بنيويورك، و«بالييه غاليريا» بباريس ومتحف «فكتوريا أند ألبرت» بلندن وغيرها. هذا العام خضع هذا الكعب إلى ترجمة معاصرة على يد المدير الإبداعي غيراردو فيلوني.

لخريف وشتاء 2024 رصَعه غيراردو فيلوني بالكريستال (روجر فيفييه)

لم تكن المهمة سهلة لما يتضمنه هذا التصميم من إرث ثقيل. لكن غيراردو لم يستطع مقاومة إغراءه. فبحسب اعترافه: «منذ أول يوم عمل لي في الدار، وقع بين يدي كتاب عن السيد فيفييه، ما إن تصفَحته حتى شدَ انتباهي حب حذاء مصنوع من خيوط الحرير بلون الفوشيا كان بكعب (فيرغيل) الـ(virgule). كان ذلك أول يوم اكتشفته فيه، كما كان اليوم الذي وقعت تحت سحره. منذ ذلك الحين أصبحت مهووساً بجماله بحيث أحتفظ بهذا الحذاء في مكتبي في باريس».

الناشطة غريتا فيرو (روجيه فيفييه)

فيلوني تعامل مع تجديده هذا العام بذكاء واحترام. اكتفى بإضافة جرعة حداثة وحيوية عليها مُوظِفاً مواد جديدة مثل الساتان والتويد والراتينغ إلى جانب زخارف مبتكرة. ضخَها أيضاً بألوان بدرجات متوهجة من الأخضر الفاتح والوردي الجليدي، والأحمر الياقوتي ليزيده جاذبية ولفتاً لانتباه جيل الشابات. ليس هذا فحسب، بل أغوى به كل الأذواق والأهواء، بدءاً من نجمات مثل كارلا بروني والممثلة الإيطالية سفيتا ألفيتي إلى الناشطة غريتا فيرو وغيرهن.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
TT

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)
سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه، وتنافس فيها بريق النجوم من أمثال مونيكا بيلوتشي، وسيلين ديون، وجينفر لوبيز، وهالي بيري ويسرا، وغيرهن مع لمعان الترتر والخرز واللؤلؤ. 300 قطعة مطرزة أو مرصعة بالأحجار، يبدو أن المصمم تعمد اختيارها ليرسل رسالة إلى عالم الموضة أن ما بدأه منذ 45 عاماً وكان صادماً لهم، أصبح مدرسة ومنهجاً يقلدونه لينالوا رضا النساء في الشرق الأوسط.

من عرض إيلي صعب في الرياض (رويترز)

لقاء الموضة بالموسيقى

كان من المتوقع أن تكون ليلة خاصة بالموضة، فهذه أولاً وأخيراً ليلة خاصة بإيلي صعب، لكنها تعدت ذلك بكثير، أبهجت الأرواح وغذَّت الحواس وأشبعت الفضول، حيث تخللتها عروض فنية ووصلات موسيقية راقصة لسيلين ديون، وجينفر لوبيز، ونانسي عجرم، وعمرو دياب وكاميلا كابيلو. غنت لوبيز ورقصت وكأنها شابة في العشرينات، ثم نانسي عجرم وعمرو دياب، واختتمت سيلين ديون الفعالية بثلاث أغنيات من أشهر أغانيها وهي تتفاعل مع الحضور بحماس. لم تقف وعكتها الصحية التي لا تزال آثارها ظاهرة عليها مبرراً لعدم المشاركة في الاحتفال بمصمم تُكنّ له كل الحب والاحترام. فإيلي صعب صديق قبل أن يكون مصمم أزياء تتعامل معه، كما قالت. يؤكد إيلي الأمر في لقاء جانبي، قائلاً: «إنها علاقة عمرها 25 عاماً».

وهذا ما جعل الحفل أشبه بأغنية حب.

هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه الذي ارتدته عام 2002 (خاص)

هالي بيري التي ظهرت في أول العرض بالفستان الأيقوني الذي ظهرت به في عام 2002 وهي تتسلم جائزة الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء، دمعت عيناها قبل العرض، وهي تعترف بأن هذه أول مرة لها في الرياض وأول مرة تقابل فيها المصمم، رغم أنها تتعامل معه منذ عقود. وأضافت أنه لم يكن من الممكن ألا تحضر المناسبة؛ نظراً للعلاقة التي تربطهما ببعض ولو عن بُعد.

يؤكد إيلي عمق هذه العلاقة الإنسانية قائلاً: «علاقتي بهالي بيري لم تبدأ في عام 2002، بل في عام 1994، حين كانت ممثلة صاعدة لا يعرفها المصممون». وأضاف ضاحكاً: «لا أنكر أن ظهورها بذلك الفستان شكَّل نقلة مهمة في مسيرتي. ويمكنني القول إنه كان فستاناً جلب الحظ لنا نحن الاثنين. فيما يخصني، فإن ظهورها به وسَّع قاعدة جمهوري لتشمل الإنسان العادي؛ إذ إنها أدخلتني ثقافة الشارع بعد أن كنت معروفاً بين النخبة أكثر». غني عن القول أن كل النجمات المشاركات من سيلين وجينفر لوبيز إلى نانسي عجرم من زبوناته المخلصات. 80 في المائة من الأزياء التي كانت تظهر بها سيلين ديون مثلاً في حفلات لاس فيغاس من تصميمه.

عرض مطرَّز بالحب والترتر

بدأ عرض الأزياء بدخول هالي بيري وهي تلبس فستان الأوسكار الأيقوني نفسه. لم يتغير تأثيره. لا يزال أنيقاً ومبتكراً وكأنه من الموسم الحالي. تلته مجموعة تقدر بـ300 قطعة، أكثر من 70 في المائة منها جديدة لخريف وشتاء 2025 ونسبة أخرى من الأرشيف، لكنها كلها كانت تلمع تطريزاً وترصيعاً إما بالترتر والخرز أو اللؤلؤ. فالتطريز لغة أتقنها جيداً وباعها للعالم. استهجنها المصممون في البداية، وهو ما كان يمكن أن يُحبط أي مصمم صاعد يحلم بأن يحفر لنفسه مكانة بين الكبار، إلا أنه ظل صامداً ومتحدياً. هذا التحدي كان واضحاً في اختياراته لليلته «1001 موسم من إيلي صعب» أيضاً بالنظر إلى كمية البريق فيها.

ساهمت في تنسيق العرض كارين روتفيلد، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الفرنسية سابقاً، والمعروفة بنظرتها الفنية الجريئة. كان واضحاً أنها تُقدّر أهمية ما كان مطلوباً منها. فهذه احتفالية يجب أن تعكس نجاحات مسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع صناعة الموضة العربية على الخريطة العالمية. اختير لها عنوان «1001 موسم من إيلي صعب» لتستعرض قوة المصمم الإبداعية والسردية. قال إنه استوحى تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة. لكن حرص أن تكون اندماجاً بين التراث العربي والابتكار العصري. فكل تصميم كانت له قصة أو يسجل لمرحلة كان لها أثر على مسيرته، وبالتالي فإن تقسيم العرض إلى مجموعات متنوعة لم يكن لمجرد إعطاء كل نجمة مساحة للغناء والأداء. كل واحدة منهم عبَّرت عن امرأة تصورها إيلي في مرحلة من المراحل.

جينفر لوبيز أضفت الشباب والحيوية على العرض (خاص)

جينفر لوبيز التي ظهرت بمجموعة من أزيائه وهي ترقص وتقفز وكأنها شابة في العشرينات، كانت تمثل اهتمامه بمنح المرأة حرية الحركة، بينما كانت نانسي عجرم بفستانها الكلاسيكي المرصع بالكامل، تعبّر عن جذور المصمم اللبناني وفهمه لذوق المرأة العربية ككل، ورغبتها في أزياء مبهرة.

أما المغنية كاميلا كابيلو فجسدت شابة في مقتبل العمر ونجح في استقطابها بتقديمه أزياء مطعَّمة ببعض الجرأة تعكس ذوق بنات جيلها من دون أن تخرج عن النص الذي كتبه لوالدتها. كانت سيلين ديون، مسك الختام، وجسَّدت الأيقونة التي تمثل جانبه الإبداعي وتلك الأزياء التي لا تعترف بزمان أو مكان.

حب للرياض

بعد انتهاء العرض، وركض الضيوف إلى الكواليس لتقديم التحية والتبريكات، تتوقع أن يبدو منهكاً، لكنه كان عكس ذلك تماماً. يوزع الابتسامات على الجميع، يكرر لكل من يسأله أن أكثر ما أسعده، إلى جانب ما شعر به من حب الحضور والنجوم له، أنه أثبت للعالم «أن المنطقة العربية قادرة على التميز والإبداع، وأن ما تم تقديمه كان في المستوى الذي نحلم به جميعاً ونستحقه».

وأضاف: «أنا ممتن لهذه الفرصة التي أتاحت لي أن أبرهن للعالم أن منطقتنا خصبة ومعطاءة، وفي الوقت ذاته أن أعبّر عن حبي للرياض. فأنا لم أنس أبداً فضل زبونات السعودية عليّ عندما كنت مصمماً مبتدئاً لا يعرفني أحد. كان إمكانهن التعامل مع أي مصمم عالمي، لكن ثقتهن في كانت دافعاً قوياً لاستمراري».

سيلين ديون أداء مبهر وأناقة متألقة (خاص)

أسأله إن كان يخطر بباله وهو في البدايات، في عام 1982، أن يصبح هو نفسه أيقونة وقدوة، أو يحلم بأنه سيدخل كتب الموضة بوصفه أول مصمم من المنطقة يضع صناعة الموضة العربية على خريطة الموضة العالمية؟ لا يجيب بالكلام، لكن نظرة السعادة التي كانت تزغرد في عيونه كانت أبلغ من أي جواب، وعندما أقول له إنه مصمم محظوظ بالنظر إلى حب الناس له، يضحك ويقول من دون تردد نعم أشعر فعلاً أني محظوظ.