«ديور» تُقدِم «كوكتيلاً» لذيذاً من تاريخها

مصممها كيم جونز يضُخ إرث أسلافه بلمسات عصرية

ظهر العارضون من تحت الأرض عبر فتحات مربَعة (إ.ب.أ)
ظهر العارضون من تحت الأرض عبر فتحات مربَعة (إ.ب.أ)
TT

«ديور» تُقدِم «كوكتيلاً» لذيذاً من تاريخها

ظهر العارضون من تحت الأرض عبر فتحات مربَعة (إ.ب.أ)
ظهر العارضون من تحت الأرض عبر فتحات مربَعة (إ.ب.أ)

لم يكن سهلاً التفوق على عرض «لوي فويتون» الذي أوقف حركة السير في باريس في أول يوم من أيام أسبوع الموضة الرجالي في عاصمة الأناقة والنور، من حيث إثارته وعدد النجوم العالميين الذي حضروه وزادوا باريس بريقاً. لكن «ديور» فعلتها. ليس هذا فحسب، يمكن القول إنها ذكّرتنا كيف يمكن لمصمم محترف أن يصوغ أزياء من الماضي ويجعلها تبدو معاصرة وعصرية بذكاء ورُقي. هذا العام يحتفل مصممها الفني، كيم جونز بمرور 5 سنوات على التحاقه بالقسم الرجالي للدار الفرنسية. 5 سنوات حقق فيها كثيراً من التميز، وكان خير خلف لخير سلف بالنظر إلى المصممين الذين توالوا على الدار منذ وفاة مؤسسها كريستيان ديور المفاجئ في عام 1957. كل واحد منهم أضاف إليها بصمات راقية مدفوعين برغبة محمومة لفرض أسلوبهم ورؤيتهم الفنية بتميز. وهذا تحديداً ما ركَز عليه المصمم البريطاني الأصل كيم جونز: العودة إلى الأرشيف، أو بالأحرى إلى إرث كل مصمم مر على الدار. من هذا المنظور، جاء العرض بمثابة احتفال بمساهماتهم الفنية، ومن دون قصد تذكيراً للحرفية العالية التي كان يسمو إليها مصمم أيام زمان، بدءاً من إيف سان لوران الذي كان أول وأصغر مصمم يتسلم مقاليد الدار بعد وفاة كريستيان ديور المفاجئ، مروراً بجيانفرانكو فيري ومارك بوهان وغيرهما.

لم يُخفِ كيم جونز عودته إلى الأرشيف ليغرف من إرث هؤلاء الكبار، قائلاً: «للمرة الأولى نقدّم تشكيلة هي مزيج من التأثيرات المتوارثة عن الأسلاف أثّروا وأثروا أرشيف الدار مع إضافة لمساتنا الخاصة». وتابع: «يرتبط كلّ شيء في هذه التشكيلة من خلال الأقمشة والمواد والتقنيات بالإضافة إلى أيقونات (ديور)، لاسيما فيما يتعلق بنمط (كاناج) المضرّب».

ظهر العارضون من تحت الأرض عبر فتحات مربَعة (إ.ب.أ)

بدأ العرض بداية مبهرة بظهور العارضين من تحت الأرض عبر فتحات مربّعة، في مشهد وفّر نظرة على الأزياء من كل الزوايا. ألوانها الفاتحة ودمجها، أساليب عدة لم تترك أدنى شك بأنها «كوكتيل» لذيذ من عدة حقبات. بعضها يستحضر أسلوب الراحل إيف سان لوران بلعبه على الذكوري والأنثوي وبعضها الآخر بالإيطالي جيانفرانكو فيري من خلال التطريزات، فضلاً عن مارك بوهان الذي أغنى أرشيف الدار لعقدين تقريباً. أما كيف دمج كيم جونز كل هذا في تشكيلته لربيع وصيف 2024، فمن خلال تصاميم حديثة لرجل شاب يريد التخفف من قيود الذكورة وإملاءاتها الاجتماعية والثقافية بالتخفيف من التفصيل التقليدي والصارم وربط الأسلوب المستوحى من ثقافة الشارع بأسلوب كل من «نيو لوك» (New Look) و«نيو وايف» (New Wave).

جمع الذكوري والأنثوي لخلق إطلالة عملية ومريحة (إ.ب.أ)

المتابع للعرض يشعر بأنه يعاين التاريخ بعيون المستقبل، فما يحسب لجونز أنه ضخ التشكيلة بكل تأثيراتها الماضية، بجرعات عصرية قوية تغلب عليها عملية يطلبها الرجل الشاب حالياً، وهو ما شرحه كيم جونز قائلاً إنّ «ما أبتكرُهُ ملابس تلمس الواقع. فأنا أفكّر فيما يريده الزبون». اللافت هنا أيضاً غياب ربطة العنق، فألغت سترات «هارينغتن» وقمصان الـ«بولو» وقمصان بياقات مستديرة دورها تماماً.

هنا أيضاً غابت ربطة العنق لمظهر منطلق (إ.ب.أ)

بين الإبهار والضجة الإعلامية التي أثارها عرض الموسيقي فاريل ويليامز المصمم الحالي لدار «لوي فويتون» والبهارات والتقنيات الحرفية التي ركّز عليها كيم جونز في دار «ديور»، يبدو عالم الموضة الرجالي مثيراً للغاية هذا الأسبوع. الإيجابي في الأمر أن كل رجل سيجد مطلبه أياً كان أسلوبه، من دون أن نستثني برنار أرنو الذي يملك كلاً من «لوي فويتون» و«ديور».


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.