بيوت الأزياء تجوب العالم بحثاً عن التميٌّز

من عرض «ديور» في المكسيك
من عرض «ديور» في المكسيك
TT

بيوت الأزياء تجوب العالم بحثاً عن التميٌّز

من عرض «ديور» في المكسيك
من عرض «ديور» في المكسيك

متابعو الموضة كان لهم النصيب الأكبر في السفر هذا العام. جالوا عبر الدول والقارات وعاشوا أياماً ممتعة اكتشفوا فيها مواقع أثرية وسياحية جذابة بعضها كان خفياً مثل فيلا «ديستي» في إيطاليا وقصر «باغاتيل» بباريس، هذا عدا عن المكسيك وغيرها من الأماكن البعيدة. قلة من الحضور كان لهم حظ السفر إلى هذه الأماكن بدعوة من بيوت الأزياء، بالنسبة إلى الباقي، فإن كل الرحلات تمَّت عبر الصور والفيديوهات التي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي والتغطيات التي أسهبت فيها الصحف والمجلات.

في كل الأحوال، قدّمت بيوت الأزياء الكبيرة خدمات سياحية مجانية لكل بلد حطّت فيه الرحال. «ديور» مثلاً توجهت إلى المكسيك، و«شانيل» إلى لوس أنجليس و«ماكسمارا» إلى السويد و«كارولينا هيريرا» إلى ريو دي جانيرو، و«لويس فويتون» إلى إيطاليا وتحديداً بحيرة «إيزولا بيلا» بمياهها اللازوردية وشمسها الساطعة. صحيح أن هذه الوجهة خذلت الدار الفرنسية بتهاطل الأمطار بشكل مفاجئ، ومع ذلك فإن هذه الأمطار نجحت في إضفاء لمسة رومانسية حالمة على العرض.

من عرض «ماكسمارا» في أستوكهولهم (ماكسمارا)

البيوت التي تتمتع بإمكانيات ضخمة تمكِّنها من استضافة نحو 1000 ضيف في فنادق خمس نجوم مع كل التسهيلات ووسائل الترفيه، لم تعد تتقبّل فكرة عرض إبداعاتها في بلدها الأم. كلما ابتعدت إلى ثقافات جديدة أو اختارت مواقع تاريخية أو أثرية أو سياحية، زاد وزنها وسطع بريقها أكثر. أما تبرير المسؤولين لكل من تُسوِّل له نفسه معاتبتهم على ما تُلحقه هذه الأسفار بالبيئة من أضرار، فهو أن خط «الكروز» أو «الريزورت» قائم أساساً على فكرة التنقل والترحال، بحثاً عن دفء الشمس في عز الشتاء وطراوة الطقس في عز الصيف. يضيفون أن علاقة الموضة بالسفر ليست صنيعتهم، وأنها ليست حديثة العهد بعالم الموضة.

من عرض «ماكسمارا» في أستوكهولهم (ماكسمارا)

فقد بدأت منذ أكثر من قرن، وحتى قبل أن تتطور وسائل المواصلات وتُصبح متاحة للجميع. لكن الفرق شاسع بين ما كان عليه وما آل إليه. فالسفر حينذاك كان يعتمد في الغالب على المخيلة، كما كان يخُص المصممين أكثر، يغوصون في الكتب والروايات واللوحات الفنية أو يعودون إلى التاريخ وما شابه من مصادر يترجمونها من خلال تصاميم تدغدغ الخيال وتحلق بالناظر إلى عوالم يحلم بها حتى وإن كان يعرف حق المعرفة أنه لن يزورها أبداً، إما لبُعد المسافات أو لقلة ذات اليد.

من عرض «كارولينا هيريرا» في ريو دي جانيرو (كارولينا هيريرا)

الجديد، في المقابل، أن وسائل السفر تطورت بشكل أكبر، وزبائن الموضة أصبحوا يريدون عيش لحظات الإبهار بأنفسهم. جعلهما، السفر والموضة، وجهان لعملة واحدة تقريباً، لا سيما فيما يتعلق بخط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت». ورغم أن هذا التطور طبيعي وتلبية رغبات الزبائن عنصر مهم، فإنه في الوقت ذاته يُثير عدة تساؤلات حول ازدواجية الموضة. فما يذكره الجميع أن صُناعها تعهّدوا منذ سنوات قليلة فقط، بالتخفيف من السفر لتقليص الانبعاثات الكربونية. تنافسوا خلال جائحة كورونا تحديداً باقتراحات كانت تصُب في خانة واحدة وهي ترتيب الأوراق وإعادة النظر في سلوكيات لم تعد تلائم ثقافة العصر واحتياجاته. لكن ما إن فتحت الدول أجواءها للطيران وأُلغيت القيود التي فرضتها الجائحة، حتى تناسى معظمهم وعودهم كأنها لم تكن. آخرون تعهّدوا بالبحث عن سُبل بديلة لحماية البيئة والتخفيف من التأثيرات السلبية على المناخ. أما السفر، فهو على ما يبدو خط أحمر بالنسبة لهم، كونه امتداداً تاريخياً لتجربة تتطلب ميزانية كبيرة لكنّ مردوديتها أكبر.

ومع ذلك لا يُنكر أحدهم أن على عاتقهم تقع مسؤولية حماية البيئة، ومستعدون -حسب تصريحاتهم- لبناء عالم مستدام، بتطوير خامات بديلة لا تضر لا بالبيئة ولا بالعاملين في هذه الصناعة. المشكلة أنهم يعرفون أيضاً مدى أهمية السفر لشحذ عملية الإبداع من جهة ولتحسين صورتها أمام العالم من جهة ثانية. صراع انتهى بعد كورونا بترجيح كفة السفر على حساب مسؤوليتهم تجاه البيئة، الأمر الذي يُفسِّره اختيارهم أماكن أبعد من ذي قبل.

من عرض «كارولينا هيريرا» في ريو دي جانيرو (كارولينا هيريرا)

المثير في هذه الظاهرة، إن صح التعبير، أنها لم تعد تقتصر على بيوت الأزياء. فقد دخلت دور المجوهرات على خط المنافسة. بعد أن كانت تكتفي بعرض جديدها في «بلاس فاندوم» أو في جنيف، هي الأخرى استعذبت السفر بعيداً في السنوات الأخيرة ودخول أماكن مثيرة تعكس بريق أحجارها الكريمة وتُعطي أشكال تصاميمها الفنية حقَّها. هذا الموسم، حتى بعض عناوين مجموعاتها تتغنى بالسفر مثل مجموعة «كارتييه»: «السفر عاد مجدداً le Voyage Recommence’»، التي اختارت مسرحاً لها مدينة فلورنسا الإيطالية . أما «فان كليف آند أربلز» فهي تجول منذ بداية العام بمجموعاتها المتنوعة عبر العالم. من الرياض ومونتي كارلو إلى باريس. «لويس فويتون» حملت بدورها مجموعتها إلى اليونان. شرحت مصممتها فرنسيسكا أمفيثياترأوف أنها تُجسد روح المغامرة «فنحن في (لويس فويتون) مغامرون ونعشق السفر إلى عجائب الدنيا». ترجمت هذه الرحلة مجازياً بالسفر عبر الزمن، حيث غاصت في الماضي السحيق وأماكن نائية لم يصل إليها إنسان من قبل، «هذه الأحجار التي تكوَنت منذ ملايين السنين ستحملك إلى نقطة البداية في رحلة مثيرة»، حسب قولها.

أما «شانيل» التي قدمت عرض الكروز لعام 2024 في لوس أنجليس فاختارت لندن لتُعرب عن علاقة حب ربطت مؤسِّستها غابرييل شانيل ببريطانيا عموماً وأسكوتلندا تحديداً. استوحت كل تفاصيلها من قماش التويد لتفرد عضلاتها في مجال المجوهرات كما في مجال الأزياء.

من مجموعة «ديور» للمجوهرات الرفيعة التي عرضتها في إيطاليا (ديور)

أما «ديور» فبعد أن انتقلت بتشكيلتها لكروز 2024 إلى المكسيك، قرَرت التوجه إلى إيطاليا. في فيلا «ديستي» القريبة من روما والمدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، عرضت مجموعة مكونة من 170 قطعة، منها ثلاث ساعات سرية. كان هذا القصر بحدائقه التي تستحضر عصر النهضة، المكان المناسب لمجموعة عادت فيها المصممة فكتوار دي كاستيلان إلى الجذور والغرف من الطبيعة وروح الاستكشاف التي كان يتحلى بها المؤسس كريستيان ديور . «غوتشي» هي الأخرى اختارت إيطاليا، وتحديداً فلورنسا لعرض مجموعتها الرابعة لحد الآن. اختارت لها عنوان «أليغوريا Allegoria»، وكشفت عنها في «بلاتزو سيتيماني Palazzo Settimanni»، لما يُمثل من إرث تاريخي عكس غِنى هذه المجموعة.

«غوتشي» قدمت مجموعتها من المجوهرات الرفيعة في فلورنسا (غوتشي)

وحتى «شوميه» التي ظلت وفيّة لأصولها الفرنسية، لم تقاوم إغراء قصر باغاتيل الباريسي. في حدائقه المتعددة، أخذتنا الدار في رحلة إلى الماضي لتعيد لنا فيها أمجاد هذا القصر الذي كانت آخر مرة احتضن احتفالية بهذا المستوى في عام 1905.


مقالات ذات صلة

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات…

جميلة حلفيشي (لندن)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)
من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)
TT

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)
من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

إذا كانت من عبارة تختصر مجموعة المصمّم نمر سعادة لعريس صيف 2024، فهي حتماً «الخروج من العلبة»، ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

الزهريّ، والأخضر، والنبيذيّ الفاتح؛ نجومٌ في المجموعة، وهي ألوانٌ تتناسب وحفلات الزفاف التي تُقام صيفاً في الهواء الطلق، وعلى شاطئ البحر، على ما يشرح سعادة لـ«الشرق الأوسط». هذه الجرأة في الألوان لا تُغيّب الكلاسيكيّة والأناقة في القَصّات، «لكني حرصتُ على إضفاء لمسة فرح وسط الأجواء الداكنة التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط»، يقول سعادة.

هي المرة الأولى التي يصمّم فيها سعادة بدلات ملوّنة للعرسان (دار أزياء نمر سعادة)

اليد على القلب

لكن مَن هو العريس الذي سيتجرّأ على ارتداء ألوان كهذه في حفل زفافه؟ يصرّ المصمّم على أن «هذا النمط من البدلات مطلوب جداً، وهي لها إطارها الخاص، لا سيّما أن الأعراس في الهواء الطلق موضة رائجة»، أضِف إلى ذلك أنّ الرجل العربيّ بات يغامر أكثر عندما يتعلّق الأمر بهندامه. فوفق ما يؤكّد سعادة: «الرجل في مصر، والخليج العربي تحديداً، لا يتردّد في اتّباع الموضة، حتى وإن كانت جريئة على مستوى الألوان والتصاميم».

لا يُخفي سعادة أنه، وكما في كل مرة يُطلق مجموعة جديدة، «يضع يدَه على قلبه»؛ ترقُّباً لردود فعل الزبائن والمتابعين، «وهذه المرّة الترقّب أكبر من أي مرة؛ لأنها مجموعتي الأولى بالألوان للرجال، والعرسان منهم تحديداً».

يقول سعادة إن الرجل العربي مغامر في هندامه (دار أزياء نمر سعادة)

الداكن للأقلّ جرأةً

أما لمَن ليس مستعداً لارتداء سترة زهريّة، أو سروالاً أخضر، فالبديل جاهز؛ إذ تضمّ مجموعة «عريس 2024» بدلاتٍ أقرب إلى الكلاسيكيّة باللونَين الأسود والأبيض، تأخذ هذه المجموعة من الـ«Tuxedo» في الاعتبار التناسق بين الجسم وحركته، ويتعمّد سعادة إظهار الجسم مرسوماً من خلال خطوطه الدقيقة.

ويوضح أنه «غالباً ما يكون من الصعب استخدام الكثير من التفاصيل في بدلات الأعراس الرجاليّة، لذلك يصبح الحذر سيّد الموقف من حيث الأقمشة والموديلات». أهمّ ما في الأمر بالنسبة إلى سعادة ومعاونيه، أن يقدّموا جديداً يتقبّله الرجل الشرقيّ ولا ينفر منه.

تضمّ مجموعة «عريس 2024» بدلات كلاسيكيّة بألوانها وتصاميمها (دار أزياء نمر سعادة)

للعريس الذي قرّر اعتماد كلاسيكيّة الأسوَد، يمنح سعادة «البدلة شخصيّة، من خلال استعمال الأقمشة المناسبة، على أن تكون الـ(Tuxedo) على أقصى حدّ من البساطة».

في هذه المجموعة استخدم المصمّم الأقمشة الأوروبية الفخمة، مثل «Europiana» و«Dormeo»، إضافةً إلى «Wool 150» الذي يمتزج في بعض التصاميم مع الحرير. يقول إنه استوحى من عشرينات القرن الماضي، وهي الفترة التي شهدت صعود فخامة الملابس الرجاليّة، من تلك الحقبة استرجع سعادة تصميم الـ«Dubetti» للجاكيت، مضيفاً إليها لمسة خاصة من خلال الياقة بقماش «الساتان»، أما البنطلون فيتميّز بالخطّ العريض على جانبَيه، الذي يتلاقى وقماش الياقة؛ تكريساً للتناغم بين القطعتين الأساسيتين في تصاميم البدلات.

استخدم سعادة في مجموعته أصنافاً متنوّعة من الأقمشة الأوروبية الفخمة (دار أزياء نمر سعادة)

بدلة رجّاليّة للمرأة القويّة

في عصر المساواة بين الرجل والمرأة، والشعارات التي تنادي بتمكين الأخيرة، يحوّل نمر سعادة الشعار فعلاً على طريقته، وبما تتيح له أقلامه ومقصّاته. فمنذ سنتَين قرّر المصمّم أن يُطلق خَطّه الخاص بالأزياء النسائية؛ «إذا أردنا أن نضع علامتنا التجارية على خريطة الأزياء العالمية، فلا بدّ من خوض المجالَين، أي الموضة النسائية والرجالية، هكذا تفعل كل دُور الأزياء المعروفة»، يوضح سعادة.

لم يدخل ساحة الأزياء النسائية من الباب المتعارَف عليه، أي فساتين الأعراس والسهرة، فقد ابتكر سعادة خطاً خاصاً به، ناقلاً البصمة الرجالية إلى ثياب المرأة، «اخترتُ هوية تُشبهني، وتتلاقى ونظرتي للمرأة، انطلقتُ من نقطة قوّتي فألبستُها البدلة ذات القَصّة الرجاليّة»، يقول.

قبل سنتَين قرّر سعادة خوض تصميم الأزياء النسائية (دار أزياء نمر سعادة)

جولةٌ سريعة بين مجموعات سعادة النسائيّة تؤكّد الأمر، فعارِضاتُه يرتدين الجاكيتات ذات الأكتاف العريضة، والبناطيل المصمّمة على الطريقة الرجاليّة، ويوضح المصمّم رؤيته: «أنا أرى المرأة قوية وفاعلة في المجتمع، وغالباً ما تتفوّق على الرجل بشخصيّتها وقدرتها على التحمّل، وكما ألبستُ رجالاً ناجحين في مجالاتهم كالسياسيين والفنانين، أريد أن أُلبس تلك المرأة التي أقدّر».

خبرة أباً عن جدّ

يمثّل نمر سعادة الجيل الثالث من عائلةٍ احترفت لعبة الخيطان والإبر والأقمشة. من جدّه ووالده وأعمامه، أخذ الاسم والخبرة، لكنه أراد صناعة فرق والانتقال من لقب "خيّاط" إلى مرحلة "دار أزياء". كان له ما أراد بعد سنواتٍ أمضاها وهو "ينمو يداً بيَد مع المهنة"، ويدرسُها نظرياً وتطبيقياً وأكاديمياً.

حافظ سعادة على القَصّة الرجّاليّة فتفرّد بخطٍ نسائي خاص به (دار أزياء نمر سعادة)

خلال الحرب اللبنانية، استقرّ مصنع العائلة في القاهرة، «بعد انتهاء دوام المدرسة كنتُ أنتقل مباشرةً إلى معمل الخياطة، كنتُ في الـ14 من عمري»، يخبر سعادة. لا يجمّل الماضي بالادّعاء أن تصميم الأزياء كان شغفه، بل يقول بواقعيّة إن ظروف الحياة عجنَته به. مع مرور الوقت كان لا بدّ من أن ينصهرا، ويتحوّل عالم الموضة الرجالية إلى خبزه اليوميّ، أحبّ سعادة المهنة بالخبرة، لا بالفطرة.

مصمّم الأزياء اللبناني نمر سعادة (الشرق الأوسط)

بدلات القذّافي

تسلّق سعادة سُلّم تصميم الأزياء خطوةً خطوة، وعلى كل مفترق طريق فاجأته مكافأة، فُتحت له أبواب شخصياتٍ مؤثّرة في العالم العربي والعالم، فألبسَ الرئيس الليبيّ الراحل معمّر القذّافي عام 1999.

«تولّيتُ تلك المهمّة في سنّ صغيرة، استقبلني لـ10 دقائق من أجل أخذ المقاسات»، صمّم له مجموعة من البدلات المستوحاة من لباس العسكر، إضافةً إلى سترة الـ«Dubetti» البيضاء ذات الأوسمة والنياشين، التي عُرف بها القذّافي.

الرئيس الليبي الراحل معمّر القذّافي مرتدياً من تصاميم سعادة عام 1999 (دار أزياء نمر سعادة)

ليس القذّافي الشخصية المؤثّرة الوحيدة التي ألبسَها المصمّم اللبناني؛ إذ طالت القائمة لتشمل عدداً من الحكّام والفنانين العرب. أما خارج الحدود العربية، فقد خلع كريستيانو رونالدو ملابس كرة القدم ليرتدي بدلة من تصميم نمر سعادة.