بكل شوائبه... الزمرد يسحب البريق من الألماس

لونه وخُضرته متعة للعين ودواء لها

«فان كليف» قدمت في جنيف مجموعة ساعات سرية كان الزمرد جزءاً مهماً فيها
«فان كليف» قدمت في جنيف مجموعة ساعات سرية كان الزمرد جزءاً مهماً فيها
TT

بكل شوائبه... الزمرد يسحب البريق من الألماس

«فان كليف» قدمت في جنيف مجموعة ساعات سرية كان الزمرد جزءاً مهماً فيها
«فان كليف» قدمت في جنيف مجموعة ساعات سرية كان الزمرد جزءاً مهماً فيها

ماذا لو لم تتدخل الملكة الراحلة إليزابيث الثانية لمنع ميغان ماركل، دوقة ساسيكس حالياً، من الحصول على تاج «فلاديمير» المرصع بالزمرد الذي كانت تُصر على الظهور به، عوض تاج الملكة ماري لوزنج المرصع بالألماس الأبيض؟ الجواب البديهي أن الصورة ستكون مختلفة تماماً عما تابعه الملايين حول العالم. ربما كانت أقل كلاسيكية وأكثر دفئاً، وهو ما كانت تريده ميغان ماركل.

دراما التاج في عام 2018 التي أدت إلى تدخل الملكة شخصياً لكبح جموح العروس والعريس على حد سواء، تداولتها الصحف ولا تزال تعود إليها كلما تطرق الموضوع إلى تصدع العلاقة بين قصر باكينغهام ودوقة ساسيكس. بيد أنه على الرغم من كل المآخذ على ماركل وشخصيتها، فإن الواضح أنها تتمتع برؤية خاصة عما يُلمِعها ويُزين إطلالاتها. الزمرد كان سيُضفي عليها الكثير من الدفء والخفة؛ لأنه كما تقول عالمة الأحجار الكريمة، إيلينا باساجليا، من شركة «جيمفيلدز»، أكبر منتج للزمرد على مستوى العالم: «يتمتع بلون متوهج يوحي بالمرح سواء تم دمجه بالألماس أو ارتداؤه وحده».

وهذا يعني أنه كان سيخلق صورة أيقونية مُتخففة من أثقال كلاسيكية الألماس. وسواء كان الأمر رغبة ميغان في إضفاء بعض اللون على إطلالتها أو التخفف من رسمية طقوس المناسبة والبلاط البريطاني، فإن الواضح أن هذا الحجر الثمين اكتسب شعبية كبيرة في أوساط العرائس في السنوات الأخيرة. والأهم من هذا، لم يعد الافتتان به مقصوراً على المرأة العربية، التي عشقته منذ قرون.

فقد امتد سحره إلى المرأة الغربية حسب ما تؤكده مبيعات خواتم الخطوبة والزواج المرصعة بالزمرد عوض الألماس، إلى حد بات يُقلق «الاتحاد الدولي لمصنعي الألماس»، ودفع أعضاءه للتحذير من أنه قد يتسبب في تقليص سوق الألماس بنسبة 20 في المائة خلال العقدين المقبلين. ومع ذلك يتفقون مع خبراء الأحجار على أنه من بين أندر وأجمل الأحجار الكريمة، وأنه أكثر ندرة من الألماس بعشرين مرة. شركة «جيمفيلدز»، هي الأخرى سجلت ارتفاعاً في أسعاره بلغ ستة أضعاف في الأعوام الأربعة الماضية.

الأميرة يوجيني في تاج كوكوشنيك الذي صممته دار «بوشرون» (أ.ب)

وإذا كان الإقبال عليه قد عمَّ في الآونة الأخيرة كل الطبقات، فإنه كان دائماً من الأحجار المفضلة لدى الطبقات الأرستقراطية والمالكة. الأميرة يوجيني مثلاً ارتدت في حفل زفافها تاج كوكوشنيك الذي صممته دار «بوشرون» لمارغريت غريفيل في عام 1921. حجم الزمردة التي تتوسطه وحدها يبلغ 93.7 قيراط. وفي عام 1922 ظهرت الأميرة ماري الإنجليزية وهي ترتدي خاتم خطوبة من الزمرد، من دون أن ننسى التاج الذي صممه الأمير ألبرت لزوجته الملكة فكتوريا ودمج فيه الألماس والزمرد تعبيراً عن حبه لها.

ويبدو أنه كان من الهدايا المهمة في تلك الفترة؛ إذ أهدى نابليون بونابرت في عام 1806 ابنة زوجته، طاقماً مرصعاً بمزيج من حجر الزمرد والألماس احتفالاً بزواجها. كما اختار نابليون الثالث الأخضر ليكون اللون الإمبراطوري، ما أدى إلى زيادة الاهتمام بالجوهرة خلال العقدين الأخيرين من حكمه. لم يقتصر الأمر على النساء، وإنما أسر ألباب الكثير من الرجال كذلك. عام 1928، وصل المهراجا باتيالا إلى بلاس فاندوم في باريس مع حاشيته محملين بسبعة صناديق ممتلئة بالزمرد والألماس قدمها إلى دار «بوشرون» لكي تُرصع بها تيجاناً وقلادات.

ما تطرحه دور مجوهرات عالمية مثل «شوبار» و«بياجيه» و«بوشرون» و«ديفيد موريس» و«كارتييه» وغيرها، أيضاً يُشعل الإقبال على هذا الحجر ويزيد من جماله، لا سيما عندما تكون خلفيته ذهبية. كل هذا يجعله استثماراً بعيد المدى، وهو ما تؤكده مبيعات المزادات العالمية في كل مكان وزمان. في عام 2011، مثلاً، باعت دار «كريستيز» في المزاد بروشاً من صنع دار «بولغري»، كان النجم ريتشارد بيرتون قد اشتراه كجزء من طاقم قدمه إلى النجمة إليزابيث تايلور. فأثناء عملهما معاً في فيلم «كليوباترا» في الستينات، اكتشف مدى حبها لهذا الحجر فأغدق عليها الكثير من المجوهرات المرصعة به. البروش بيع في مزاد «كريستيز» بمبلغ 6.5 مليون دولار، محطماً التقدير الأصلي البالغ 500 ألف دولار إلى 700 ألف دولار. كان يجمع جمال التصميم بصفاء وجودة الزمرد؛ إذ أخذ هذا الأخير شكل أجنحة متلألئة لخنفساء الجعران المصرية.

أما سبب إقبال العرائس عليه في الآونة الأخيرة بالذات؛ فلأنه مختلف عن الألماس ويضفي إليهن التميز. والأهم من هذا أنه لا يتعارض مع بياض الإطلالة التي ترسمها أي عروس في مخيلتها. بالعكس يضفي على صفائها وجمالها عُمقاً ودفئاً. وعلى عكس الألماس؛ إذ يلعب الصفاء دوراً مهماً في تقييمه وقيمته، من المتوقع وجود شوائب في الزمرد الطبيعي بنسبة 99 في المائة تقريباً، بحيث لا تُشبه الواحدة الأخرى. «في حالة وُجد من دون شوائب، فمن المحتمل أن يكون اصطناعياً»، حسب قول جيريمي موريس من دار «ديفيد موريس»؛ لأنه من النادر جداً حسب قوله أن تصادف زمرداً لم تتم معالجته بالزيوت ومواد أخرى لتحسين صفائه. ويشير جيريمي أنه يرفض أن يقوم بذلك ويفضل هذا الحجر بشكله الطبيعي؛ لأن جماله يكمن في ذلك الاختلاط الذي يوجد بداخله.

رحلة تاريخية

إلى جانب توهج لونه وقيمته، اعتقد العديد من الشعوب عبر مختلف الثقافات والحقب الزمنية أنه حجر يتميز بقوى غير عادية. صحيح أن بعض هذه المعتقدات تُغذيها الأساطير وقصص الخيال، إلا أنها لا تخلو من الصحة أحياناً أخرى. على سبيل المثال، اعتقد الرومان أنه يُنعش روح كل من يرتديه، وكتب بليني الأكبر أن التحديق فيه يمكن أن يهدئ العيون المرهقة للعاملين في قطع الأحجار.

نفس الأمر ذكره أرسطو في كتاباته، قائلاً إنه يريح العين. أما الإمبراطور الروماني نيرون، فيقال إنه كان يتابع المصارعين وهم يتقاتلون من خلال الزمرد الشفاف الكبير، لاعتقاده أن هذا يهدئه. هذا الارتباط بصحة العيون جعل الزمرد في عصر أبقراط يُسحق إلى بودرة ليستخدم كغسول لتهدئتها. أما أباطرة المغول، فخلقوا رابطة قوية بين الزمرد والقدسية الدينية.

كما اشتهر شاه جهان، الحاكم الذي بنى «تاج محل»، بعشقه الشديد له إلى درجة أنه أمر بنقش نصوص مقدسة عليه، ليرتديه كتعويذة توفر له الحماية. ويمكن مشاهدة بعض هذه الأحجار المقدسة، المسماة بالزمرد المغولي، في متاحف المجوهرات والحلي حتى اليوم. حتى شعوب الإنكا والأزتيك أبدت تقديراً له وصل إلى حد التقديس. مصر القديمة أيضاً عرفته وقدرته؛ فقد عُرف منذ عهد كليوباترا، وكان يرمز إلى الخصوبة وولادة جديدة. وغالباً ما كانت تُدفن حلي الزمرد مع المومياوات لترمز إلى الشباب الأبدي.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.