تشهد العاصمة السعودية الرياض، ومعظم المناطق الوسطى من البلاد، مناخاً شتوياً ساحراً، مع تسجيل الحرارة درجات متدنية، وهبوب موجات برد تداعب الأجواء، التي تشجع الكثير من سكان المدينة للمكوث في كنف «البر» والاستمتاع بالهدوء والسكينة بعيداً عن ضجيج وصخب المدينة.
ويقطع الراغبون في التخييم مسافات تزيد عن مائة كيلومتر بقليل عن مركز المدينة، للحصول على موقع ملائم في فضاء الصحراء التي تحيط بالعاصمة، والبدء في تجهيزات المكوث طويلاً أو لفترات قصيرة من الوقت في سياحة شتوية تجمع ما بين التراث والترفيه.
وفي المخيم الشتوي، الذي أضحى عادة سنوية ينشط لها سكان الرياض مع حلول فصل الشتاء، تزخر تفاصيل التخييم بجوانب من تراث المجتمع، حيث تحضر الأزياء التقليدية التي اعتاد الأهالي على ارتدائها، مثل ملابسهم الشتوية الداكنة وأغطيتهم ومفارشهم ومعاطفهم الدافئة المعروفة باسم «الفري» أو «الفروات»، وتحضر الوجبات التقليدية التي تبث الدفء في الجسم، مثل الجريش والمرقوق والمطازيز (المعدة من القمح)، بالإضافة إلى أطباق من «الحلو الشتوي» مثل أطباق الحنيني والفريك والمحلى، المعدّة من القمح أيضاً، وأكواب من الزنجبيل والحليب الساخن بوصفهما مشروبين مفضّلين في الشتاء.
الانقطاع إلى الطبيعة
تحدث فهد المنصور إلى «الشرق الأوسط» عند تجاربه في التخييم، وقد اعتاد على هذه السياحة الشتوية منذ نحو عشرين عاماً، لم ينقطع خلالها عن قضاء معظم أوقات فصل الشتاء خارج المدينة، وأصبح يتنافس مع ذويه في اختيار المكان الأفضل لنصب الخيام وإيقاد مواسم الشتاء.
انتقلت هذه العادة للمنصور من والده، الذي كان يفضلها على سواها، يقول: «كنت مرافقاً لوالدي عندما كان يتجهز باهتمام لموسم الشتاء، ويعدّ كل ما يلزمه لقضاء الوقت في البر، حيث ينقطع إلى هذه اللحظة الأثيرة إلى نفسه، لقد جمعتنا الكثير من الذكريات في هذا الفضاء الطبيعي والساحر، كنا كعائلة نجتمع باستمرار تحت سقف المخيم المعدّ بعناية للاستمتاع بفصل الشتاء، والآن ترك لدي والدي هذه العادة التي لم أنقطع عنها منذ سنوات، وما زال أبي يرافقني إلى مخيمي الخاص بين وقت وآخر».
ولاكتمال مشهد التخييم على صفته التقليدية، يقول المنصور إن الغالبية لا يصطحبون أجهزة التدفئة الحديثة، ويستمتعون باستخدام الحطب المستورد في المواقد التي تنشر الدفء في المكان، ويستخدمونه وسيلة لإعداد ولائم العشاء، وأباريق القهوة والشاي عليها والتحلق حولها والاستغراق في الأحاديث الودّية بين أفراد المخيم.
وعن التجهيزات اللازمة لقضاء موسم تخييم شتوي ناجح، يقول موسى العمري إن التخييم الناجح يعتمد على الاستعداد الجيد، مشيراً إلى أن الكثير من ذوي الخبرة يتحضرون لموسم الشتاء قبل حلوله بوقت كافٍ، من خلال النزول إلى الأسواق الشعبية واقتناء أحدث ما تقدمه من تجهيزات تساعد على قضاء وقت ممتع في حضن الطبيعة.
ويختلف معه في ذلك فهد المنصور، ويقول إن «التخييم»، لا سيما في وقت الشتاء ليس أكثر من «سقف يقيك، ونار تدفيك» وإن المبالغة في التجهيزات قد تفسد متعة قضاء الوقت بعيداً عن الأجهزة والآلات التي تنوب عن الإنسان في بذل جهد يغيّر روتينه المديني، يضيف: «للجميع حق الاختيار، هناك من يقطع مسافات طويلة تستلزم أن يستعد الإنسان جيداً لمواجهة كل الطوارئ المحتملة، لكن المبالغات تفسد شعور الانقطاع إلى هذا الفضاء الطبيعي والاتصال العفوي مع المكان، الذي يعود بعده الإنسان بروح نشطة وذهن صافٍ ومتقد».
التخييم يعزز نشاط الأسواق
مع دخول موجات البرد التي تشهدها معظم مناطق السعودية، وتسجيل مستويات متدنية لدرجات الحرارة، زاد إقبال الأهالي على أجهزة التدفئة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى الملابس الشتوية مثل المشالح و«الفروة» التي تعد من الملابس التقليدية التي يستعين بها العديد من أهل هذه المناطق على مواجهة برودة الشتاء.
وتعد «الفروة» من الملابس الشتوية التقليدية التي يزيد الإقبال عليها وقت الشتاء، وهي شبيهة بالبشت (المشلح) من ناحية الشكل والحجم، وتختلف في كونها مبطنة بوبر أو صوف، وهناك عدد من الدول التي يستورد منها الفرو الصناعي، وتشمل الأنواع الموجودة في السوق السعودية الفروة الطليانية والطفيلية وفروة الراعي وغيرها.
ومن أنشطة التسوق التي تبرز خلال الشتاء، المحلات المتخصصة في تجهيزات التخييم الشتوي، حيث تبدأ تلك المحال توفير ما يلزم لتجهيز مخيم شتوي متكامل، من الأدوات والأجهزة والترتيبات التي تضمن قضاء أفراد المخيم أوقاتاً ممتعة.
ويقول أجواد علي، الذي يستقبل زبائنه في أحد أركان سوق المعيقلية المعروف في الرياض، أن موسم الشتاء هو موسم مخصص لبعض أنواع البضاعة التي يزيد عليها الإقبال خلاله.
ويضيف: «هذا ينطبق على احتياجات الأفراد والمجموعات، حيث يتوجه المتسوقون إلى المحلات التي توفر قطع الملابس الدافئة، أو محلات لوازم الرحلات والتخييم، ومحلات تعديل السيارات التي تتولى مهمة تجهيزها بكل ما يلزم لقطع مسافات داخل البرّ، فيما تتنافس المحلات على توفير البضائع الملائمة لهذا الموسم الحيوي والسياحة الشتوية الواعدة».