36 ساعة في هونغ كونغ... ماذا يمكنك فعله وزيارته هناك؟

مدينة تتنفس السياحة من جديد بعد الجائحة

إطلالة على أجمل معالم هونغ كونغ (نيويورك تايمز)
إطلالة على أجمل معالم هونغ كونغ (نيويورك تايمز)
TT

36 ساعة في هونغ كونغ... ماذا يمكنك فعله وزيارته هناك؟

إطلالة على أجمل معالم هونغ كونغ (نيويورك تايمز)
إطلالة على أجمل معالم هونغ كونغ (نيويورك تايمز)

في أفلام المخرج وونغ كار واي القديمة التي تتناول مدينة هونغ كونغ عندما كانت تتلألأ بأضواء النيون خلال الستينات من القرن العشرين، نرى شخصيات تتوق إلى الحب المفقود، أما اليوم فينظر كثير من سكان هونغ كونغ إلى مدينتهم بالشوق نفسه، حيث تمر الأراضي الصينية (التي أعادها المستعمرون البريطانيون إلى الوطن الأم في عام 1997) بفترة تحوّل سياسي صاخب، فبعد الاحتجاجات الضخمة المؤيدة للديمقراطية التي شهدتها الجزيرة في عام 2019، أدت حملة القمع المستمرة على التعبير والمعارضة إلى تفكيك مجموعات المجتمع المدني وإطلاق موجة من الهجرة الخارجية.

من أسواق المدينة (نيويورك تايمز)

وقد تم إغلاق المطاعم الشهيرة جرّاء القيود التي فرضها وباء «كوفيد - 19»، وبات السكان المحليون يتدفقون على الشركات الصغيرة التي يتم تشغيلها بالطريقة نفسها التي كانت تستخدمها الأجيال السابقة، ولا يعلمون متى يمكن أن تندثر هذه الطرق أيضاً، فالوقت الحالي هو الأفضل لزيارة هذه المدينة العالمية المتلألئة في لحظة من البحث الجماعي عن الذات، حيث يقوم السكان بتقييم الحريات المتضائلة والمعالم المتلاشية، وما الذي يجعل هذه المدينة مميزة.

الجمعة

زيارة المحال التجارية التاريخية

يمكنك السفر عبر الزمن إلى الوراء في حي «شيونغ وان» الساحر، حيث تعرض المتاجر التقليدية الشاي والتوابل، تماماً كما كانت الحال منذ أكثر من قرن من الزمان، عندما كانت المدينة موقعاً تجارياً استعمارياً، وهناك أحد المتاجر وهو «تشيونغ هينغ تي هونغ» الذي يبيع مجموعة متنوعة من عبوات الشاي الأسود الصيني والأوروبي والسيلاني، وكذلك حبوب البن غير المطحون.

وهناك تجد «أستاذ الشاي»، الذي عمل هناك لأكثر من ستة عقود، يقوم بتعبئة مجموعة الشاي المميزة لمتجر «تيغوانين» برشاقة، في عبوة ورقية رائعة بحجم كف اليد، دون استخدام شريط أو خيط، وفي منتصف الطريق أسفل درج خارجي واسع، تقدم شركة «يوان هنغ سبايس كو» جميع أنواع التوابل، بما في ذلك فلفل «سيتشوان»، وأعواد القرفة، وقشور الحمضيات المعتقة.

إن التعامل مع المباني التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، التي يمكن أن تكون بمثابة تذكير مؤلم بالقمع في هونغ كونغ، هو أمر يجلب كثيراً من الشجن هناك، فأحد المواقع التي أعيد تصميمها هو «تاي كوون»، وهو ما كان في السابق سجناً ومركزاً للشرطة يعود تاريخه للقرن التاسع عشر، ويقع وسط المدينة، وقد تم تحويله إلى مجمع للفنون العام في عام 2018، وقد تتعب في البحث عن باب «حانة 001» الأسود الخفي الذي لا يحمل علامة مميزة، والمختبئ وسط متاهة من الممرات، من موظفي مجمع فنون «تاي كوون» سيساعدونك في العثور عليه في حال سألتهم.

تناول الطعام في مستودع سابق

ومن أجل تناول عشاء صيني راقٍ بالقرب من مجمع فنون «تاي كوون» السابق ذكره، عليك بالتوجه إلى «فرينغ كلوب»، وهو عبارة عن مساحة مخصصة للفنون المسرحية في مبنى بيضاوي من الطوب كان يُستخدم في السابق مستودعاً للألبان في القرن التاسع عشر، وعليك أن تصعد السلالم المضاءة بالنيون للوصول إلى مطعم «نوفي آت ذا فرينغ»، حيث يمكنك طلب البطيخ بالصلصة الحارة.

أطباق كانتونية (نيويورك تايمز)

السبت

اتبع رائحة البخور

يمكنك التجول أو ركوب سيارة أجرة إلى «ياو ما تي»، وهو ميناء صيد سابق، لا تزال المتاجر فيه تبيع البخور والمنحوتات الخشبية التي كان الصيادون الصينيون يستخدمونها في الأصل في طقوس لحمايتهم، وعليك البدء بمطعم «تاي أون كوفي آند تي شوب»، وهو مطعم يقدم عشاءً كانتونياً كلاسيكياً، ويتميز بجدرانه والديكور الأصفر المبهج الذي يذكرك بمشاهد العشاء الشهيرة في أفلام هونغ كونغ، كما ستلحظ رسماً من الورق المقوى لشخصية الممثلة ماغي تشيونغ من فيلم «في مزاج الحب» للمخرج وانغ كار واي.

إطلالة على أجمل معالم هونغ كونغ (نيويورك تايمز)

اخرج في نزهة ليلية قصيرة

اذهب في نزهة سيراً على الأقدام في المناطق الحضرية، واستمتع بمنظر غروب الشمس من غاردن هيل، وابدأ الجولة بالقرب من بيت شباب «يها مي هو» الواقع في حي «شيك كيب مي»، وهو حي قريب من «شام شوي بو»، ثم اصعد الدرج (يستغرق حوالي 10 دقائق) حتى تصل إلى منطقة خرسانية مسطحة بها بستان من الأشجار على حافة التل، ومن هناك سترى مساكن بلون الحلوى، بما في ذلك مجمع «شيك كيب مي إستيت» السكني، وهو أول مجمع سكني عام في هونغ كونغ قابع وسط أبراج شاهقة، وعلى عكس أفق ناطحات السحاب الجذابة التي يمكن رؤيتها من قمة «فيكتوريا»، وهي مرتفعات شهيرة، وعادةً ما يحب السياح زيارتها، ويستحضر المنظر هناك صورة لصمود الطبقة العاملة في هونغ كونغ، وصحيح أن حي «غاردن هيل» معروف للغاية، ولكنه ليس مزدحماً أبداً، كما أنه يحظى بشعبية كبيرة بين المصورين بوصفه مكانا لمواعدة الشباب.

مدينة متنوعة وحديثة (نيويورك تايمز)

تناول الأرز في وعاء من الفخار

مدينة هونغ كونغ حارة ورطبة غالبية فترات العام، ولكن في الشتاء ترى طوابير طويلة خارج مطعم «هينغ كي» في شارع «تيمبل» (هناك الكثير من المطاعم التي تحمل هذا الاسم في هونغ كونغ)، وهو مطعم بسيط يخلو من الزخرفة، ومتخصص في عمل الأرز في الأواني الفخارية، وهو طبق يُطهى على نار الفحم مع إضافات مثل النقانق الصينية أو المأكولات البحرية، وعليك صب كمية وفيرة من صلصة الصويا الحلوة والاستمتاع بمذاق الأرز المقرمش الذي عادةً ما يكون على حافة القدر، وعلى الرغم من أن المطعم نصف المكشوف يمتد ليشغل خمسة محال تجارية، فإنه لا يزال يتعين عليك انتظار الوجبات خلال أوقات الذروة، على الرغم من أن العمل يجري سريعاً بشكل نسبي.

الأحد

ركوب العبّارة إلى جزيرة

يمكنك قضاء نصف يوم في استكشاف جزيرة «شارب آيلاند»، وهي مكان هادئ شمال شرقي وسط هونغ كونغ، يوفر مسارات خضراء للمشي لمسافات طويلة بالقرب من الصخور البركانية والشواطئ البكر، ويمكن الوصول بسهولة إلى وجهات أخرى مثل جزيرة «لاما آيلاند»، وجزيرة «تشيونغ تشاو»، ولكن جمال جزيرة «شارب آيلاند»، وخصوصيتها النسبية تجعل الرحلة التي تستغرق من 60 إلى 90 دقيقة جولة تستحق العناء، وعلى رصيف الميناء العام في منطقة «ساي كونغ» (على بُعد 15 ميلاً من وسط المدينة، ويمكن الوصول إليها بواسطة وسائل النقل العام)، ابحث عن مشغلي القوارب الخاصة للذهاب إلى جزيرة «شارب» (تذكرة بسعر 40 دولاراً تقريباً) ثم تذوق كعك الأناناس في مقهى ومخبز «ساي كونغ» فيما تنتظر القارب، وانزل في محطة «هاب مون باي»، واتبع اللافتات الخاصة بمسار المشي لمسافات طويلة إلى شاطئ «كيو تسوي»، وعلى طول الطريق ابحث عن المنحوتات الخزفية الصغيرة المستوحاة من الجزيرة من إنتاج المشاركين في مهرجان «ساي كونغ هوي» للفنون، وعندما يكون المد منخفضاً، اعبر طريق «شارب آيلاند ساند ليفي»، وهو مسار مليء بصخور المونزونيت التي تُسمى صخور «كعكة الأناناس»؛ نظراً لتشابهها مع شكل المعجنات المحلية، وهذا المكان يُعد مثالياً لتغيّر نمط حياتك الذي تعودت عليه.

أين تأكل؟

هناك «نوف آت ذا فرينغ»، وهو مطعم راقٍ يقع في مبنى تاريخي، ويقدم المأكولات الكانتونية الكلاسيكية بمكونات عالية الجودة، و«لوكشا»، وهو مقهى هادئ، حيث يمكنك الاستمتاع بتناول المأكولات النباتية، واحتساء كثير من أكواب الشاي.

و«تاي أون كوفي آند تي شوب»، وهو مقهى يقدم المأكولات الكانتونية الكلاسيكية مع لمسة مميزة، إذ توجد في المكان لوحات وأشكال مقصوصة مستوحاة من مشاهد في أفلام هونغ كونغ الشهيرة.

ويقدم مطعم «هينغ كي» أطباق الأرز العطرية المطبوخة في الأواني الفخارية على نار الفحم، وهناك «بوند كولون» وهو مقهى وبار مضاء بالنيون، ويتميز بروح الثقافة المضادة.

أين تقيم؟

يوجد فندق «ريجنت هونغ كونغ»، وهو فندق «إنتركونتيننتال هونغ كونغ» سابقاً، الذي أُعيد افتتاحه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ويتضمن مطعمي «نوبو» و«لاي تشينغ هين» الحائزين على نجمتي ميشلان.

وهناك فندق «ذا هاري»، وهو فندق أنيق يضم صالة غنية بالكتب الفنية، وتتمتع غرفه بضوء طبيعي وافر، أما فندق «إيتون هونغ كونغ» فيوجد به سينما، ومعرض فني، ومطعم صيني حائز على نجمة ميشلان، وقاعة طعام كبيرة، وبار على السطح.

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.