ريتا نعمة تعرفك على لبنان بـ«فان» تتنقل فيها من منطقة إلى أخرى

تبحث عن قصص بدأ أصحابها من الصفر بعد قسوة التجارب وخذلان القدر

الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية... لكنها منكّهة بجانب إنساني (حسابها الشخصي)
الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية... لكنها منكّهة بجانب إنساني (حسابها الشخصي)
TT

ريتا نعمة تعرفك على لبنان بـ«فان» تتنقل فيها من منطقة إلى أخرى

الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية... لكنها منكّهة بجانب إنساني (حسابها الشخصي)
الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية... لكنها منكّهة بجانب إنساني (حسابها الشخصي)

11 عاماً أمضتها اللبنانية ريتا نعمة في كندا، تزوّجت وأنجبت. العودة إلى بيروت قبل 4 سنوات، ترافقت مع خسارة الأبوين والإحساس الحقيقي بمعنى الوجع. تُخبر عن ذلك لتقول: إنّ ضخّ الأمل لا يدلّ على خلوّ الحياة من عذاباتها. هو إرادة وإيمان وحاجة الإنسان إلى التجاوُز. من خلال برنامجها «Vanture»، تجوب مناطق لبنان للتغنّي بفرادة الطبيعة. لكنَ المسألة أبعد من ترويج للسياحة الداخلية وإمضاء الوقت في التنزّه. هي إعلان رجاء ومطاردة أمل.

الـ«فان» وسيلة نقل اختارتها ريتا نعمة للتعرف على الربوع اللبنانية (حسابها الشخصي على «إنستغرام»)

بـ«فان» تقودها بنفسها، شكّلتها على هيئة غرفة جوّالة؛ تتنقّل في المناطق. لطالما أطلعت زوجها على شوقها إلى رؤية جبل حريصا على يمينها والبحر على يسارها. كل ما في لبنان ظلّ يحرّضها على العودة. لم يغادرها طوال الإقامة 11 عاماً في صقيع كندا. هالها كيف يؤدّي انقطاع الكهرباء لدقائق هناك، مثلاً، إلى تيه وارتباك، «أما هنا فنتدبّر أمورنا، ونخترع الحلول من العدم. نبرع في التكيُّف. مررنا بالأفظع ولم نيأس».

تبحث ريتا نعمة عن قصص بدأ أصحابها من الصفر بعد قسوة التجارب وخذلان القدر (حسابها الشخصي)

برسائل الأمل، تكمل الحديث مع «الشرق الأوسط». تصوّر صفحة «Vanture» في «إنستغرام» مغامراتها، فالاسم مشتقّ من «فان» و«adventure»، وهما المحرّك والدافع. الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية، لكنها منكّهة بجانب إنساني من خلال حكايات تُلهم وتُظهر الأثر الإيجابي للتمسّك بالضوء.

بينما تجول بين الأخضر المُمثَّل بالجبل والأزرق المُمثَّل بالبحر، تستضيف مَن حوّلوا الصعوبة إلى عبرة.

تُخبر عن أشخاص كانوا شأناً وأصبحوا آخر، وكاد دولاب الزمن أن يُمعن في طحنهم، لكنهم أصحاب إرادات عصيّة على الهزيمة: «حاورتُ مديرة مصرف لبناني تبوأت المنصب طوال 15 عاماً، إلى أنْ أفقدتها الأزمة وظيفتها وأحالتها على البطالة، فافتتحتْ فرناً في بكفيا وحوّلته فرصة عمل لها ولمجموعة نساء. الفرن اليوم في أفضل أحواله ويعود بالمال. هذه السيدة رفضت البكاء على الأطلال والاكتفاء بلعن الظلام. نهضت من خرابها وأضاءت شمعة».

تبحث عن قصص «بدأ أصحابها من الصفر بعد قسوة التجارب وخذلان القدر». ومن خلال «Vanture» (يوتيوب)، تكون المُحاوِرة التي تستقي الدروس وتسعى إلى مشاركتها على أوسع نطاق. تصدُق بالقول: إنّ المرء ميّال للنواح، يمتهن الشكوى، خصوصاً في أوطاننا المأزومة، حيث لكلٍّ فواجعه، لكن «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فتتعلّم الصبر ممن تقسو عليهم أحوالهم، ويواجهونها بعناد: «منهم من خسر مشروعات كلّفت جنى العمر أو مَن تورَط بالمخدِّر وانجرف نحو الضلال، فإذا بالوعي يحلّ ومعه العزيمة على التخطّي وطيّ الصفحة».

هذا نداء «النصف الملآن من الكوب»، من دون إنكار مطبّات الحياة ومدى قدرتها على إلحاق الشرّ. تعمّدت ريتا نعمة بدء الحديث بلوعة رحيل الوالدين، ومعاناة الأم الأليمة مع الشلل التام قُبيل الفراق. أرادت طرد زعْم مفاده أنها «من كوكب آخر»، حيث الحياة زهرية تخلو من الهَمّ: «على العكس، إنها طلعات ونزلات. أحد لا يحلّق طوال الوقت، كذلك الارتماء، فلا ينبغي له التحكّم بنا. نقع وننهض، هذا قدر اللبناني».

تجوب ريتا نعمة مناطق لبنان للتغنّي بفرادة الطبيعة وإعلان الرجاء والأمل (حسابها الشخصي)

ترى في حلقات برنامجها نافذة مفتوحة على الضوء، وهي تعلم أنّ الشعاع قد يصطدم بجدران غليظة، لكنه عوض مشاركتها الجمود والانصياع إلى قسوتها، يمدّها باللين والنور. تطلّبت التحضيرات نحو السنة، وعمر «Vanture» سنتان تقريباً، تريده مقدّمته «سريعاً في إيصال أفكاره، يحاكي مزاج الشباب المستعجل، فأصبحت مدّة الحلقة 5 دقائق بعدما كانت 16 دقيقة».

تسافر في العالم ويُغريها الاكتشاف، لكنها تعود باستنتاج: «ثمة شيء في لبنان يجعله المفضّل وإن لففنا الدنيا». يؤلمها «أننا لا نحب بعضنا بعضاً، ولا نقدّر نعمة الأرض. نفتقد القناعة والحياة العفوية. تصبح الأشياء من حولنا زائفة، كأننا نشاء التحوّل إلى نِسخ من أجل بلوغ (الصورة المثالية). تُعلّم الأرض الحفاظ على الأصل والعودة إلى الجذور. لا يهمّ إن تلعثمتُ في مقابلة، أو إن تعثّرتُ أمام الكاميرا. الأهم هو التصالح مع النفس. أكون حقيقية وهذا يكفي».

الـ«فان» وسيلة والمغامرة غاية... لكنها منكّهة بجانب إنساني (حسابها الشخصي)

كانت في الثامنة حين التحقت بالكشافة، لتعلُّم التواضع والاحترام والتقبُّل. حملها حب التطوُّع إلى الانخراط بجمعيات خيرية لها سمعتها العطرة في لبنان؛ تعمل لمجتمع أفضل: «من ذوي الهمم، تعلّمتُ القوة. أراهم يبتسمون فأخجل من حزني». تصوّر الحلقات بإخراج تلفزيوني، لعلّها تُعرض يوماً على شاشة: «أنا أم لولدين، وأربّي كلبين أيضاً. لستُ خرّيجة إعلام. تخصّصي في الفنون والهندسة الداخلية. ليس شرطاً أن أكون (مثالية) وصورة طبق الأصل عن الأخريات لأصل. حب الأرض وعفويتي، رصيدي».


مقالات ذات صلة

مقتل مصري وإصابة سياح إسرائيليين إثر شجار داخل فندق في طابا

شمال افريقيا مرافق منتجع هيلتون طابا على الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء في مصر (أرشيفية/أ.ف.ب)

مقتل مصري وإصابة سياح إسرائيليين إثر شجار داخل فندق في طابا

قُتل عامل مصري، الجمعة، خلال شجار في فندق أدى أيضاً إلى إصابة ثلاثة سياح من عرب إسرائيل وعمال آخرين في مدينة طابا الساحلية المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مصر تستهدف تنشيط الحركة السياحية الوافدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر تستعين بمشاهير «بوليوود» للترويج لمقاصدها السياحية

بهدف تنشيط السياحة، والترويج لمقاصدها المتنوعة، أعلنت مصر عزمها الاستعانة بمشاهير «بوليوود»، لزيادة عدد الزيارات الوافدة من الهند.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
الاقتصاد مدينة جدة غرب السعودية (واس)

وزير السياحة السعودي يطلق حملة عالمية لتعزيز القطاع

أطلق وزير السياحة رئيس مجلس إدارة «الهيئة السعودية للسياحة»، أحمد الخطيب، الحملة العالمية «روح السعودية»، تحت شعار «هذه الأرض تنادي».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق الاستمتاع بالأجواء الماطرة على الساحل البحري (واس)

​السعودية تشهد كثافة مطرية بأعلى مستوياتها منذ 10 سنوات

تشهد السعودية موسماً صيفياً استثنائياً باستمرار تساقط الأمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بزخات من البرد ورياح نشطة على عدد من المناطق تشكلت معها لوحات جمالية

«الشرق الأوسط» (جدة)

بيتان يتجاوز عمرهما القرن يأتيان بالقرية اللبنانية إلى المدينة

عمره 150 عاماً (قصرا)
عمره 150 عاماً (قصرا)
TT

بيتان يتجاوز عمرهما القرن يأتيان بالقرية اللبنانية إلى المدينة

عمره 150 عاماً (قصرا)
عمره 150 عاماً (قصرا)

ليست الأماكن بحَجَرها وسقوفها، بل بقدرتها على المسِّ بالداخل الإنساني، كأنْ تعبَق برائحة أو تُحرّك ذكريات... بين منطقتَي الجمّيزة ومار مخايل في بيروت، مساحة من هذا الصنف تكاد لا تشبه موقعها، المدن صاخبة لا تنجو من وجوه الزحمة؛ بشر وسيارات وعمران وأصوات وانفعالات، أمكنة مثل «بيت توريف» تُذكّر بالقرى الجميلة.

وبين جبيل والبترون، ينتظر بيتٌ يُسمَّى «قصرا» باحثين عن انسلاخ ما، ربما عن كل ما هو مُتشابه، وربما للتماهي مع شجرة يعبُرها الهواء. هذان البيتان خارج «الوسط»، مساحتهما الخاصة بعيدة قليلاً عن الجوّ العام؛ واحد في بيروت، يخترقها على شكل قرية، والثاني في منطقة «غرزوز» بقضاء جبيل. يجمعهما أيضاً تجاوُزُ عمرِهما القرن، ووقوفهما شاهِدَين على تحوّلات لبنان.

العريشة تتسلّق وتتمدّد (بيت توريف)

أمضى ساسين مزرعاني، صاحب فكرة «توريف»، سنوات خارج لبنان، وظلَّ الشوق يُحرّك والحنين يلفح، لما عاد خطر له: «لِمَ لا آتي بالقرية إلى بيروت؟». يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ المسألة مردُّها رغبته في ألّا يشعر إنسان بأنه بلا جذور، يريد للمغتربين خصوصاً تمضية أوقات حلوة في جوّ قروي، فلا تصيب بعضهم غصّة الولادة في المدينة.

عُمر المنزل قرن و20 عاماً، ويحلو لمستأجره الحديث عن «رائحة الماضي»، يقول إنّ الآتي يشمّها في كل زاوية. حوَّل السطح إلى حديقة، «كما في القرى»، وترك الطبقة السفلية لجَمعة السُّفرة، وفي الأرجاء زرعٌ وزهور. هذه «عريشة» تتسلّق الجدران، وتفرش أوراقها على أحجار الماضي، وتلك «ليفة» تنمو وتُثمر، وبجوارها أصناف العطور: ياسمين وغاردينيا؛ وأصناف شجر: لوز ودرّاق؛ وما لا يعلو في الارتفاع، مثل النعناع والبصل، لكنه ينضمّ إلى ما يُحلّي المنظر.

منزلان عمرهما يتجاوز القرن يخبّئان حكاية (من اليمين «بيت توريف» ومن اليسار «قصرا»)

يعني الاسم جولة في الريف، فولد «توريف». يقول ساسين مزرعاني إنّ الطابع القروي يشمل أيضاً توظيف يد عاملة من النساء؛ لدعم النمو الاقتصادي في المناطق الريفية، فالطعام مصدره المنازل في القرى، والمرطبانات في «النملية» موقَّعة بأسماء صُنّاعها، ومُحمَّلة بلذائذ الطبيعة، تلك «النملية»، كما أطلق عليها أجداد القرى اللبنانية، أي خزانة المونة، واقفة في المكان كأنها شجرة بين الأشجار، تنضمّ إلى خبز «التنّور» المُستعمل على المائدة لمَنْح النكهة أصالتها.

عمره 150 عاماً (قصرا)

وإذا كانت قصة «بيت توريف» وُلدت من رغبة في مشاركة القرية مع الجميع، فإنّ حكاية «قصرا» وُلدت من قطاف الزيتون. تقول صاحبة الفكرة ريدا عازار لـ«الشرق الأوسط» إنّ البداية كانت من عام 2017، «فشهدنا آلام لبنان وما تحمَّل». حينها، دعت الناس إلى «ورشة عمل» لتعليم قطف الزيتون، وفوجئت بالمهتمّين.

المائدة والجدران العتيقة (قصرا)

ليس «قصرا» منزلاً كبيراً، بل تُشبهه بـ«البيت الزراعي»، عمره 150 عاماً، وغرفه مفتوحة بعضها على بعض، وكما قطاف الزيتون تتوالى ورش صناعة الصابون، وأخرى لتعليم الأولاد الزراعة، وبرنامج للسير في المنطقة، وهي مُحايدة تقريباً، فيحدُث اكتشافها، في القرى اللبنانية، بعض هذه المشاوير يُسمّى «سْليقة»، وفيه يُميّز الخبراء بين النبات الصالح للأكل وآخر لا مكان له في البطون الجائعة.

أمكنة تُذكّر بالقرى الجميلة (بيت توريف)

على ارتفاع نحو 400 متر عن سطح البحر، يحدُث التعارف بين الإنسان والطبيعة، فتُميّز العين مرة تلو الأخرى بين النبات المُتشابه في شكله وأوراقه، والذي لا يفكّ ألغاز تشابهه هذا سوى خبراء الأرض.

مثل ساسين مزرعاني، لا تستسيغ واقع أنّ البعض محروم من قرية، فتجعل المنزل العتيق مساحة للتعويض. برأيها، «على الريف والمناطق المجاورة النموّ، ما يتيح فرص العمل ويُحرّك الاقتصاد»؛ لذا تشتري الحاجات من جارها الدكان، ومكوّنات الطبخ من نساء المنطقة، وما يلزم مباشرة من أراضي المزارعين بقُربها.

السطح يتحوّل حديقة (بيت توريف)

وماذا يعني «قصرا»؟ فتروي: «القصة تعود إلى مرحلة العثمانيين، حين اعتادت عمّتي زيارة هذه الأرض في الظروف الصعبة، راح البعض يسخر من ولائها للتراب، فسمّوا المكان (قصرا) بالعامية اللبنانية، والمقصود (قصرها)، بنيّة تسخيفه؛ لكونه لم يكن عمارة بعد، وما اندفعت لحبّه بهذا الشكل سوى لأنه قصرٌ من وهم. حافظتُ على الاسم، وتحوَّل (قصرا) من لحظة ساخرة إلى مشروع».

مَن تخطر له القهوة يدخل إلى المطبخ ويعدّها للجميع، «كما في منازل أهل القرى». تتابع ريدا عازار إنّ «الثلاجة والخزائن متاحة للزوار»، لا تريدهم أن يأتوا من أجل الغداء فقط، ثم يغادرون من دون اكتمال التجربة، «لستُ مطعماً، بل مكان مريح». يُشاركها ساسين مزرعاني الوفاء للفكرة: «لسنا فندقاً ولا كافيه، نحن رائحة القرية في بيروت».