«بيت الغناء العربي»... واجهة السياحة الثقافية بمصر

وجهة عشاق الفن والتاريخ بقصر الأمير «بشتاك»

قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)
قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)
TT

«بيت الغناء العربي»... واجهة السياحة الثقافية بمصر

قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)
قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)

هي رحلة في أروقة الفن الأصيل، وليست مجرد زيارة لقصر أثري أو نموذج فريد لعمارة العصر المملوكي في مصر؛ إذ يحتضن قصر «الأمير بشتاك» بالقاهرة، نافذة للإبداع تمثل متعة حقيقية لزائريه وهي «بيت الغناء العربي» الذي يقدم أصواتاً تصدح بكنوز الموسيقى العربية وروائعها.

جانب من حفلات بيت الغناء العربي (صفحة البيت على الفيسبوك)

فرغم أنك أثناء إقامتك في مصر تستطيع أن تشبع شغفك بالغناء والطرب في أماكن أخرى لها قيمة ثقافية رفيعة مثل دار الأوبرا ومعهد «الموسيقى العربية» و«مسرح الجمهورية» فإنك هنا في قصر بشتاك ستشعر أن الأمر مختلف، وأن المتعة تتجاوز الحدود المألوفة؛ حيث تجتمع ثنائية الموسيقى والحضارة، ويتضافر الغناء والتاريخ.

العلاقة بين الموسيقى والمزارات الأثرية في مصر ليست جديدة، وربما حين تتجول في قصر بشتاك قبل حضورك لإحدى الحفلات، قد تستدعي الذاكرة رسومات المقابر والمعابد التي تظهر مجموعة متنوعة من الآلات سواء في الوسط الديني أو في الحياة اليومية، وحتماً إذا رافقك في الزيارة أحد المرشدين السياحيين فإنه سيربط بين هذا القصر والتاريخ الموسيقي المصري.

في زيارتي الأخيرة لـ«بيت الغناء العربي» بادرني المرشد السياحي أحمد عبد السميح بقوله: «الموسيقى كانت جزءاً من الحضارة المصرية القديمة، وكثير من الموتى كانوا يدفنون مع بعض الآلات، وهو ما يؤكد أن الموسيقى شكلت جانباً أساسياً من الحياة اليومية، فضلاً عن الطقوس الدينية»، ولذلك يعد عبد السميح هذا المركز الثقافي المتخصص في الغناء «وجهة سياحية للتراث الموسيقي العربي ووسيلة حيوية لإنقاذه من الاندثار».

حفلات تحفظ الهوية الغنائية (صفحة البيت على الفيسبوك)

يتيح القصر الاطلاع على تجربة استغلال البيوت الأثرية التي تزخر بها القاهرة التاريخية بعد ترميمها، وإعادة تأهيلها، لتتحول هذه المنطقة إلى وجهة مميزة للسياحة الثقافية، يساهم في تحقيقها «بيت الغناء العربي» الذي يعمل من خلال حفلاته وورشه الفنية على حفظ الهوية الفنية والارتقاء بحدود التذوق الموسيقي لدى زائريه.

يستمتع الزائرون للبيت بأروع ألوان التأليف الموسيقي الغنائي، عبر برنامج شهري دسم من الحفلات؛ فما بين القصيدة والموال والموشح والدور والطقطوقة والإنشاد الديني، وأغاني الطرب لأشهر الفنانين يتزودون بنفحات فنية تأخذهم تثري الوجدان.

يقدم بيت الغناء عازفين وأصواتاً جديدة تتمتع بقدر عالٍ من الموهبة والاحتراف، يصدحون بروائع الموسيقى العربية، ففي حفلاته يمكنك أن تستعيد روائع أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ ونجاة وفايزة أحمد ووردة ومحمد فوزي، ووديع الصافي وفيروز، وغيرهم وتستعيد إحساسك بكلمات وألحان سيد درويش والشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطي والقصبجي وبليغ حمدي وسيد مكاوي.

قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)

كل ما عليك قبل زيارتك له أن تطلع على برنامج حفلاته على موقع «صندوق التنمية الثقافية» الذي يتبعه القصر، وستكون أكثر سعادة إذا صادف ذلك إقامة حفل خاص يحتفل من خلاله بذكرى أحد رموز الغناء، أو أن تصادف زيارتك موعد إقامة «صالون مقامات»، الذي يتم تنظيمه شهرياً.

وأنصحك أن تسأل داخل «بيت الغناء العربي» عن مكان الورش التي يقيمها للحفاظ على التراث الموسيقي والتي تتيح الدراسة الموسيقية على يد كبار الفنانين للأجيال الشابة؛ فحين تتوجه لها ستلتقي بقوالب غناء وآلات موسيقية شرقية أوشكت على الاندثار، أما إذا كنت من عشاق الفن التشكيلي، فإنك ستسعد بزيارة الغاليري المتخصص في استضافة المعارض الفنية.

ربما سيدهشك من وجود هذا الزخم الفني في إحدى المناطق الشعبية العتيقة وهي «درب قرمز»، ولم يكن ذلك مصادفة؛ حيث أرادت وزارة الثقافة المصرية تقديم الغناء العربي التراثي بصيغ تقربه من الجمهور العادي، بحيث يخرج عن كونه غناء منعزلاً أو حكراً للسميعة والصفوة إلى دائرة أكثر اتساعاً لرفع الذائقة الفنية.

قصر الأمير بشتاك (صندوق التنمية الثقافية)

لا تنس قبل مغادرتك المكان التوجه للمكتبة التي تضم كتباً ومراجع نادرة وقيمة في مجال الموسيقى والغناء العربي، وأرى أيضاً أن المرور على منفذ بيع الإصدارات الغنائية والموسيقية بالبيت قد يكون أمراً مهماً بالنسبة لك إذا كنت ترغب في اقتناء بعض الإصدارات المتعلقة بالموسيقى العربية المسموعة والمرئية.

ومن سحر الموسيقى إلى عبق التاريخ يأخذك القصر الذي وصفه المقريزي بأنه «من أعظم مباني القاهرة»، وهو يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي بمنطقة النحاسين بجوار سبيل الأمير عبد الرحمن كتخدا، بناه الأمير سيف الدين بشتاك الناصري على جزء من «أرض القصر الكبير الشرقي» وهو أحد القصور الفاطمية الرائعة، في الفترة ما بين 1334 - 1339م.

‏يستثير القصر خيالك حين تتجول داخله، فتدور الكثير من التساؤلات وتنسج العديد من الحكايات حوله وحول صاحبه، لا سيما حين يسرد عليك المسؤولون بعض القصص المرتبطة به، ومنها أن ما ذكره المقريزي أن «بشتاك لم يعش في هذا القصر رغم جماله، وأن صدره كان ينقبض عندما ينزل فيه، حتى كرهه وباعه إلى زوجة الأمير بكتمر الساقي».

حفلات تحفظ الهوية الغنائية (صفحة البيت على الفيسبوك)

ستروقك للغاية القاعة‏ ‏الرئيسية‏ للقصر التي ‏‏يتصل‏ ‏بها‏ ‏سلم‏ ‏صاعد‏ ‏يتقدمها‏ ‏سطح‏ ‏مكشوف‏ ‏وتتكون‏ ‏من‏ 4 إيوانات‏، ‏دور ‏وقاعة‏ ‏وسطح‏ ‏مغطى‏ ‏بالرخام‏ ‏في ‏أشكال‏ ‏هندسية رائعة، ‏وتزدان بأسقف‏ ‏خشبية‏ ‏يتدلى ‏منها‏ ‏وحدات‏ ‏إضاءة‏ بديعة‏ ‏الشكل‏، ‏كما ستتوقف طويلاً أمام الإيوان‏ ‏الشرقي ‏الذي ‏يمتاز‏ ‏بمشربياته‏ ‏الخشبية‏ ‏الكثيرة، وترغب في التلصص على حكايات‏ ‏النساء‏ اللاتي كن ‏يجتمعن‏ ‏بغرف‏ ‏الحرملك‏ ‏بالدور ‏‏الثالث‏ ‏المندثر.

يتراوح سعر تذاكر حفلات «بيت الغناء العربي» ما بين سعر 65 و100 جنيه (الدولار يعادل نحو 31 جنيهاً مصرياً)، ويمكنك الوصول إليه بسهولة من منطقة وسط المدينة حيث يقع بحي الجمالية.


مقالات ذات صلة

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

سفر وسياحة متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

هذا الصيف، يتجه الجميع للاستمتاع بالاستجمام على شاطئ البحر، أو مطاردة سحر عواصم العالم المختلفة، أو مجرد الاسترخاء في وجهات مريحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال «ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

«ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

يمتلك مشروع «ساوث ميد» - أحدث مشروعات «مجموعة طلعت مصطفى» بالساحل الشمالي الغربي لمصر - كل المقومات اللازمة ليصبح وجهة عالمية جديدة بجنوب البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق السفر مع أفراد العائلة يمكن أن يكون أمراً صعباً بشكل خاص (رويترز)

لإجازة عائلية من دون مشكلات... ضع 7 حدود قبل السفر وخلاله

حتى أجمل التجارب في الأماكن الخلابة يمكن أن تنهار أمام الخلافات العائلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
سفر وسياحة المدينة القديمة في ميكونوس الأكثر زحمة في الجزيرة (شاترستوك)

ميكونوس... جزيرة ترقص مع الريح

بعد أيام من الراحة والاستجمام في سانتوريني، جزيرة الرومانسية والهدوء والتأمل، أكملنا مشوارنا في التنقل ما بين أجمل جزر اليونان، واخترنا ميكونوس.

جوسلين إيليا (ميكونوس-اليونان)
العالم جواز سفر سنغافوري (أ.ف.ب)

سنغافورة تُتوج بلقب صاحبة أقوى جواز سفر في العالم

تفوقت سنغافورة على فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا لتصبح صاحبة أقوى جواز سفر في العالم حيث يمكن لحاملي جواز سفر سنغافوري دخول 195 دولة دون تأشيرة دخول.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

الشواطئ ملاذ المصريين في مواجهة لهيب الطقس

شواطئ الساحل الشمالي تشهد إقبالاً من المصريين (الشرق الأوسط)
شواطئ الساحل الشمالي تشهد إقبالاً من المصريين (الشرق الأوسط)
TT

الشواطئ ملاذ المصريين في مواجهة لهيب الطقس

شواطئ الساحل الشمالي تشهد إقبالاً من المصريين (الشرق الأوسط)
شواطئ الساحل الشمالي تشهد إقبالاً من المصريين (الشرق الأوسط)

دفعت موجة الحرارة الشديدة كثيراً من المصريين نحو الشواطئ القريبة منهم، والمعروفة بقلّة تكلفتها أو العروض الخاصة التي تقدّمها خلال الصيف.

وارتفعت درجات الحرارة بشدّة خلال الأيام الماضية، فأعلنت هيئة الأرصاد الجوّية عن وصولها إلى 40 درجة في الظلّ في القاهرة في إطار موجة الحرّ التي انتهت ذروتها، السبت، مع تأكيد على انخفاضها خلال اليومين المقبلين، لتعود إلى الارتفاع تدريجياً الأربعاء المقبل.

لهذا قرَّر محمد السيد (38 عاماً)، المقيم في القاهرة والعامل في مجال التسويق بالقطاع الخاص، الهروب من حرارة الجوّ والسفر إلى أحد الشواطئ ليومين فقط بسبب ظروف عمله. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه اختار منطقة شاطئية قريبة من العاصمة في «العين السخنة»، حيث وجد عروضاً يمكن تحمُّل تكلفتها.

وشهدت شواطئ في مدن الغردقة وشرم الشيخ والإسماعيلية زحمة خلال موجة الحرّ الأخيرة، لقُرب بعضها من القاهرة، وللعروض المغرية لناحية الأسعار التي يقدّمها البعض، حيث تصل في شرم الشيخ إلى قضاء 4 أيام مقابل نحو 2000 جنيه (الدولار يساوي 48 جنيهاً مصرياً)، لتتراوح تذكرة الدخول إلى شواطئ مثل جمصة وبلطيم ورأس البر بين 5 و20 جنيهاً، بخلاف الخدمات.

كانت مصر قد شهدت أكثر من موجة حارّة، وأعلنت هيئة الأرصاد الجوّية في إحداها وصول الحرارة إلى 49 درجة في الظلّ بمحافظة أسوان الجنوبية؛ وهي قياسية وغير مسبوقة في هذا الموسم.

مصريون يقصدون البحر هرباً من الحرارة (الشرق الأوسط)

في هذا السياق، رأى المتخصِّص في الإرشاد السياحي الدكتور محمود المحمدي أنّ هذه الظاهرة تعمل على «تنشيط السياحة الداخلية في الصيف خصوصاً الترفيهية التي تعتمد على زيارة الشواطئ، وتُسهم في زيادة إشغال تلك المناطق لجهتَي المدة والسعة».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الموجة الحالية يمكن مواجهتها برحلات اليوم الواحد؛ وهي المنتشرة في الشواطئ الشمالية، منها مدن جمصة ورأس البر وبلطيم»، لافتاً إلى أنّ «تلك الشواطئ تُعدُّ من المتاحة، ومن أهم مقاصد السياحة الترفيهية لسكان محافظات الوجه البحري، وبعضها يقدّم أيضاً خدمات الإسكان المؤقّت للأسر المتوسطة، المتراوحة مدّة إقامة أفرادها بين الأسبوع والـ10 أيام؛ وتكون عن طريق النقابات المهنية، وتُسجَّل فيها نسبة إنفاق متوسطة».

تشجَّع محمد السيد على السفر إلى أحد الشواطئ القريبة من القاهرة حين وجد عروضاً عن طريق أصدقاء، فقرّروا تشارُك التكلفة والمؤونة للاستمتاع بالبحر بعيداً عن حرارة القاهرة.

وإذ لفت المحمدي إلى «وجود نوع آخر من الأماكن السياحية المُعتمِدة على الفنادق والشقق الفندقية وتقصدها الطبقة الميسورة، حيث نسبة الإنفاق فيها تكون كبيرة»، أشار الخبير السياحي المصري محمد كارم إلى تعدُّد مستويات الشواطئ التي يلجأ إليها المصريون في مواجهة موجة الحرّ وخلال الإجازة الصيفية. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في مصر شواطئ كثيرة ومتنوّعة تُناسب جميع الطبقات. فالأسر البسيطة مادياً ترتاد رأس البر وجمصة وبور سعيد، والمتوسطة مادياً تقصد الإسكندرية والعين السخنة ورأس سدر، وفوق المتوسطة تذهب إلى الساحل الشمالي أو شرم الشيخ أو الغردقة». وختم: «موجة الحرّ وموسم الإجازة جعلا السواحل في مرسي مطروح والإسكندرية تشهد إقبالاً كبيراً».