تعرف إلى قصة جبن بري وكامومبير... والفرق بينهما

كلاهما غارق في التاريخ الفرنسي وتصنيعه يعود إلى أكثر من 1200 عام

يباع الكامومبير في علب من الخشب للحفاظ عليه أثناء التنقل والسفر (شاترستوك)
يباع الكامومبير في علب من الخشب للحفاظ عليه أثناء التنقل والسفر (شاترستوك)
TT

تعرف إلى قصة جبن بري وكامومبير... والفرق بينهما

يباع الكامومبير في علب من الخشب للحفاظ عليه أثناء التنقل والسفر (شاترستوك)
يباع الكامومبير في علب من الخشب للحفاظ عليه أثناء التنقل والسفر (شاترستوك)

لا يختلف اثنان على جودة ومذاق الجبن الفرنسي، ولكن ما يختلف عليه أكثر من شخص هو تفضيل جبن بري (Brie) أو جبن كامامبير (Camembert)، والسبب أن النوعين قريبان من بعضهما من حيث تركيبتهما ولونهما ومزاياهما. ولكن مَن يفهم في أنواع الجبن الفرنسي يمكنه التمييز ما بين الاثنين والتفريق بينهما؛ إن كان من ناحية المذاق أو حتى طريقة الأكل.

في أيامنا هذه تُطلَق تسمية بري وكامامبير على كثير من الأجبان، لأن مثل هذه الأصناف، وللأسف، لا تخضع للرقابة وليست محمية من جهات رسمية؛ لذا نراها تأتي بأشكال مختلفة وبنكهات جديدة، مثل إضافة الفلفل أو الكمأة لبري أو إضافة البصل والثوم لكامامبير. ولكن إذا ما تمعنا في أصول هذين النوعين من الجبن الفرنسي يمكن أن نميز الفرق بينهما؛ فالفرق واضح، لأننا إذا ما قارنَّا ما بين «بري دو مو» (Brie de Meaux)، وهذا هو الاسم الأصلي لها و«كامامبير دو نورماندي» (Camembert de Normandie) يمكن أن نجد الفوارق ما بين الاثنين.

جبن البري لذيذ مع العسل (شاترستوك)

مثل هذه الأنواع من الجبن غارقة في التاريخ الفرنسي، فعرف الفرنسيون جبن البري أولاً في سين إي مارن بفرنسا، وبدأ تصنيعها منذ القرن الثامن، ومما لا شك فيه أن وصفة البري تطورت مع الزمن، وتحديداً في فترة المائة عام الماضية، وساهم العلم في تطوير صناعة بري وكامامبير اللذين كانا يعانيان في الماضي من العفن والبكتيريا الزائدة بسبب عدم توفر الماكينات المناسبة لعملية التخمير والتحضير.

وبحسب القصص التاريخية، جاء جبن كامامبير بعد بري، والحكاية تفيد بأن راهباً من منطقة بري في فرنسا كان مختبئاً في كامامبير أثناء فترة الإصلاح، قام بتعليم وصفة جبن كامامبير لمزارعة محلية تدعى ماري هاريل في عام 1791. وقامت هاريل بتطويرها من هناك، رغم وجود بعض الأدلَّة التي تشير إلى أنها كانت تُصنَع قبل مائة عام على الأقل، ثم تم تطوير جبن الكامامبير التقليدي ليصبح جبناً أصغر حجماً (250 غراماً)، ويحمل نكهات أقوى بكثير من جبن بري دو مو الكلاسيكي.

خلال القرن السادس عشر، لم يكن الفرنسيون يعشقون بري دو مو فحسب، بل وقع هنري الرابع أيضاً تحت تأثير الجبن. اكتشف الملك الإنجليزي حينها جُبنَ بري عندما تناوله خلال عشاء مع الملكة في «قلعة مو»، فبراير (شباط) عام 1594، وتقول القصة إنه، بعد ذلك، طلبت الملكة دائماً تقديم البري لإرضاء زوجها.

عرف اسم «بري دو مو» باسم «ملك الجبن وجبن الملوك» في فرنسا، وتمتع بشعبية عارمة لدى الأباطرة.

يباع الكامامبير في علب من الخشب للحفاظ عليه أثناء التنقل والسفر (شاترستوك)

الكامامبير لذيذ جداً، ولكن رائحته نفاذة جداً، ويوضع في علبة من الخشب، لأنه كان في الماضي يأخذه الجنود في زواداتهم خلال الحرب، ولا يزال هذا الجبن يُباع في علبة من الخشب، وأضيف إليه كثير من النكهات، مثل الكمأة والفطر والثوم وغيرها من النكهات القوية، وأصبح الذواقة يتفننون بطريقة تقديمه، من خلال وضعه في الفرن، ويُقدَّم ذائباً، لأنه يتحمل الحرارة أكثر من جبن بري.

تم تصميم العلبة الخشبية المميزة عام 1890 على يد مهندس يدعى م. رايدل، والهدف من هذا التصميم كان تمكين الجبن من السفر لمسافات أطول، خصوصاً إلى خارج البلاد. كما هناك وثائق تفيد بأن الكامامبير كان يُوزَّع على الجنود الفرنسيين خلال الحرب العالمية الأولى.

الكامامبير تتحمل الحرارة أكثر من البري (شاترستوك)

جبن البري أقدم من الكامامبير بكثير، وبحسب الوثائق المتوفرة، فإن ملك شارلومان كان يشق هذا الجبن الذي كان يؤتى به من دير في منطقة روي دو بري، منذ أكثر من 1200 سنة. بينما الكامامبير؛ فهي حديثة بالمقارنة مع بري، لأنها ظهرت منذ 200 سنة فقط.

طريقة التحضير

تختلف أنواع نضج جبن البري والكامامبير، مما يؤثر على ملمس الجبن ونكهته ورائحته. عادةً ما يتم تعتيق جبن البري لفترة أطول، تتراوح ما بين 5 و10 أسابيع تقريباً، مما ينتج عنه نكهة خفيفة أشبه بالزبدة.

أما وقت تحضير وتخمير الكامامبير فيكون أقصر قليلاً، نحو 3 إلى 4 أسابيع. ومع ذلك، يستخدم جبن الكامامبير بادئات لاكتيكية أقوى أثناء عملية تصنيعه، لذلك يكون له نكهة أقوى، ومع ذلك فهو جبن خفيف. وبالمقارنة مع جبن بري، فعند طهيه يذوب بشكل أسرع من بري.

أفضل طرق تناول البري

جبن البري يتناسب جداً مع مذاق كل من:

العسل

التفاح

التوت البري

مربى التين أو فاكهة التين

مربى الفراولة

المكسرات

أفضل طرق تناول كامامبير

جبن كامامبير يتناسب مع مذاق كل من:

المخللات والزيتون

اللحم

صلصة التين والعسل

الثوم

الخردل


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».