المطبخ الإيطالي على دَرج أثري في بيروت... والنكهة تُخفَق بحبّ

البساطة مُتعمَّدة لمحاكاة مكان مُشرع على المارّة

«بوراتا» إيطالية أصلية (إنستغرام)
«بوراتا» إيطالية أصلية (إنستغرام)
TT

المطبخ الإيطالي على دَرج أثري في بيروت... والنكهة تُخفَق بحبّ

«بوراتا» إيطالية أصلية (إنستغرام)
«بوراتا» إيطالية أصلية (إنستغرام)

على درج مزيّن برسوم يُجاور منطقتَي الجمّيزة والأشرفية البيروتيتين، يقع مطعم «Bavaglino Osteria» الإيطالي. المسألة ليست طعاماً يُقدَّم في صحون يلتهمها جائعون ويكملون طريقهم. هي مكوّنات وافدة من العراقة الإيطالية، وتناغمٌ مع المكان، والتقاطُ لحظة. الشيف اللبناني عزام المرعبي يخفق النكهات بالحبّ.

المسألة ليست طعاماً... بل مكوّنات وافدة من العراقة (صور الشيف)

في أواخر عام 1984، حزم الحقائب وغادر إلى إيطاليا. حرّضه بلد المطبخ والرائحة الشهية على البداية. تخصّص وتعلّم، وتنقّل بين المطاعم. ولما اشتدّ عوده، راكم خبرات بين لندن، ونيس، ومراكش، والقاهرة، ودبي، وأستراليا، قبل العودة إلى لبنان وولادة المشروع المُنتَظر.

على الدرج الأثري المُسمّى «درج مار نقولا»، التقط الشيف صورة وأرسلها إلى أصدقائه طالباً منهم تخمين المكان. راحوا يُحزّرون: اليونان، إسبانيا، فرنسا... وظنّ آخرون أنه عاد إلى إيطاليا. كادوا يكذّبونه حين أخبرهم أنها بيروت. وبينما يُدردش مع صديقه وسام عوض، خطر لهما افتتاح مطعم يُسافر بزوّاره إلى إيطاليا. يقول: «منذ ذلك الحين، آمنتُ بالبقاء. درج الفنون أعادني إلى وطني».

كل شيء يوحي بأنك في منزل (صور الشيف)

كان ذلك قبل 6 سنوات. اليوم ، يقصد المطعم عشاق النكهات الإيطالية، والباحثون عن تميُّز الجلسة. يُفاخر الشيف عزام المرعبي بالوفاء للمطبخ الإيطالي: «نقلتُه كما هو إلى (درج مار نقولا). وسط البساطة، نقدّم ما يلذّ تناوله. ليست الكراسي فخمة ولا الديكورات باهظة الثمن. كل شيء يوحي بأنك في منزل. البساطة مُتعمَّدة، لتُحاكي مفهوم المكان المشرَّع على المارّة. الآتون يعلمون ما ينتظرهم: نكهات الشيف، ولحظة لا تتشابه مع لحظات تناول الطعام العادية».

المطعم يُسافر بزوّاره إلى إيطاليا (صور الشيف)

يُشدّد على «أصالة المطبخ الإيطالي»، فتتطابق المكوّنات تماماً مع ما يُقدَّم في بلاد البيتزا والباستا. متى فُقِد مكوِّن وتعذّر استيراده، حذفه من القائمة، رافضاً بدائل لا تتيح الطعم المفضّل. وبينما يُزيَّن الدرج في المناسبات؛ منها «الميلاد» و«عيد العشاق» واحتفالات الموسيقى، يستريح الوافدون من المناطق، والسياح والمغتربون، على الكراسي المتواضعة، والصحون أمامهم على طاولاتٍ تلتحف شراشف الأحمر والأبيض، تنتظر أن تُملأ بما يُسكِت الجوع، ويتيح تجربة خاصة مع متعة النكهة.

«دَرَج مار نقولا» الأثري يمتلئ بالحياة (صور الشيف)

يشبّه المشهد بـ«استراحة في حديقة»... فالمكان/ الدرج يستلّ من الحدائق أمزجتها؛ منها إتاحة الجَمْعة واستنشاق الهواء اللطيف. يأتي ذلك ضمن غاية يؤكد الشيف أنها «لا تجارية»: «الأسعار مناسبة، ولسنا هنا لتجميع الثروة. نشاء تكريس الإحساس بتناول الطعام على درج منطقة بيروتية راقية يأتيها مَن يقصدون (متحف سرسق) العريق، ومَن يتنزّهون ويمارسون الرياضة، ويعقدون الاجتماعات، ويستريحون بعد نهار مُرهق. مهمٌ إيجاد صلة بين الإنسان والمقعد الذي يجلس عليه. ذلك بأهمية رغبتنا في مشاركة ما تعلّمناه وشكَّل زوادة العمر».

«التيراميسو» من أشهر أطباق المطعم (إنستغرام)

يرفض إدخال تغييرات على وصفة آتية مباشرة من إيطاليا: «لا أمنح نفسي ذرائع من نوع (فَلْنُلَبْنِن الطبق). مداراة الخصوصية هو السرّ. ثمة ذوّاقة يقصدوننا للحصول على هذه النتيجة. يريدون الشعور بأنّ إيطاليا تقيم على (درج مار نقولا)، وصانع الأطباق ليس خدّاعاً. نحن في عامنا السادس، والإقبال كثيف».

«بوراتا» إيطالية أصلية (إنستغرام)

يخمّر عجينة البيتزا 48 ساعة قبل تقديمها إلى مُشتهيها، ويقول إنّ قائمة الطعام تخضع للدراسة، وتلتحق بالفصول، وتحرص على عدم إصابة المتذوّق بملل: «تتبدّل وفق المتاح في السوق، وما أمكن استيراده من إيطاليا، خصوصاً الأجبان المُعتّقة». بالنسبة إلى الشيف المرعبي؛ «نتشارك مع إيطاليا في أننا متوسطيّون. الخضراوات واحدة تقريباً، والفاكهة متقاربة، مثل المناخ والنظرة إلى المطبخ. الفارق أنّ اللبنانيين يضيفون البهارات، والإيطاليين يضيفون الأعشاب».

يُسعَد بإعداد الأطباق، ولا يهمّ إن قدَّم أسهلها أو أكثرها تعقيداً ما دام يفعل بشغف. تنقّل في مطاعم حول العالم، وعاد بخلاصة: «لا أكترث لعدد الآتين إلى المطعم. لا يهم إن كانوا شخصاً أم مائة. أتأمّل وجوههم، فإن لمحتُ سعادةً، اكتفيتُ. هذا ما يريده الشيف من ذوّاقة نكهاته؛ أن يراهم يلتهمونها ببهجة».

الدرج، وهو يشكّل كادر المطعم وجغرافيته، يُكثّف الشعور بالأجواء الإيطالية، خصوصاً حين تترافق معه نغمات موسيقية لا تكفّ عن التصاعُد، بينما الجائع يلتهم صحنه. يقول الشيف عن المكان: «يُخبرنا قصصاً كثيرة. هو ليس مجالاً لعبور المارّة فحسب؛ بل همزة وصل. إنه ممتلئ بالحياة».

«التيراميسو» من ألذّ ما يُقدِّم... «أتعاملُ بإعداده كما يفعل الطليان في إيطاليا». هو من الحلوى الثابتة، مع أخرى تُقدَّم ساخنة، بجمال منظرها و«الآيس كريم» إلى جانبها. وكلما حَضَر طبقٌ على طاولة، راقب الوجوه، وشاء استشعار الأصداء: «(يمي)، أو (واو)، مفتاحا الفرح».

كان طفلاً حين سألته أمه مساعدتها في المطبخ لضيافة الزوّار. ولما شبَّ، شعر برغبة في القيام بما يُسعد الآخرين. في إيطاليا؛ تأكد أنّ المطبخ هو نهر السعادة.


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

مطعم «تيرا نيرا» في باريس... جاذب عشاق الأكل الإيطالي والسياح

مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
TT

مطعم «تيرا نيرا» في باريس... جاذب عشاق الأكل الإيطالي والسياح

مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)
مشهد من مسلسل «إيميلي في باريس» خارج المطعم (إنستغرام)

الشيف غابريال في «إيميلي في باريس» (Emily in Paris) هو شخصية محورية في المسلسل، وهو شاب فرنسي وسيم يعمل شيفاً في مطعم في باريس. يُجسِّد دوره الممثل الفرنسي لوكاس برافو. غابريال هو جار إيميلي، ويسكن في نفس المبنى الذي تسكن فيه البطلة الأميركية، التي تنتقل من شيكاغو إلى باريس للعمل في شركة تسويق. تنشأ بينهما علاقة معقدة ومليئة بالتوتر العاطفي، حيث تنجذب إيميلي إلى الشيف غابريال، لكنه في نفس الوقت مرتبط بعلاقة حب مع كامي، وهي إحدى صديقات إيميلي.

إلى جانب جاذبيته الشخصية، غابريال موهوب جداً في الطهي، ويكرس وقته بالكامل لمهنته طاهياً وحلمه الحصول على نجمة ميشلان للتميز. في مواسم لاحقة من المسلسل، يلعب دورُه في إدارة المطعم والطموح لفتح مطعمه الخاص دوراً مهماً في تطور قصته. العلاقة بينه وبين إيميلي وكامي هي جزء أساسي من دراما الحب الثلاثي، التي تتكرر في سياق المسلسل.

الطاولة الشهيرة التي يجلس عليها الشيف غابريال (إنستغرام)

الشخصية تعكس الجوانب الرومانسية والمهنية للعالم الباريسي، حيث يتفاعل الشيف غابريال مع شغفه بالطهي وتحديات العلاقات العاطفية.

هذه هي باختصار قصة الشيف الوسيم الذي يعمل في مطعم «ليه دو كومبير» (Les Deux Compères)، وهو موقع حقيقي ومعروف في باريس، لكنه في الواقع لا يحمل هذا الاسم. المطعم الحقيقي يُدعى «Terra Nera»، وهو مطعم إيطالي يقع في الدائرة الخامسة في باريس بالقرب من البانثيون، تماماً كما في المسلسل.

ومن وراء شهرة «إيميلي في باريس» عالمياً أصبح «تيرا نيرا» وجهة شعبية للزوار والمعجبين بالمسلسل، بعد أن تم تصوير مشاهد كثيرة فيه. على الرغم من أن المسلسل يظهره مطعماً فرنسياً بإدارة غابريال، فإن المطعم الحقيقي يقدم أطباقاً إيطالية.

ويدور كثير من الأحداث والمشاهد في المسسل في هذا المطعم الذي يلعب دوراً محورياً، فهو ليس مكان عمل الشيف غابريال فقط، ولكنه نقطة التقاء شخصيات رئيسية كثيرة في القصة أيضاً.

يشتهر مطعم «تيرا نيرا» بأطباقه الإيطالية الأصلية، فهو صغير الحجم يقصده الذواقة الباحثون عن عنوان إيطالي في قلب العاصمة الفرنسية، كما يشتهر أيضاً بخدمته الجيدة. ويعمل فيه أعضاء من عائلة إيطالية واحدة. من أشهر أطباقه: أنتيباستي ميزون، واللينغويني ألي فونغولي، وساليتشي نابوليتانا، وتورتا ديلا نونا، أو «تورتة الجدة»، ولاكريما كريستي.

ميزة المطعم أنه يقدم مأكولات إيطالية تقليدية مع التركيز على الأطباق الكلاسيكية، مثل البيتزا والمعكرونة، بالإضافة إلى اللحوم والأسماك التي تحضر على الطريقة الإيطالية المتوسطية.

يشتهر «تيرا نيرا» بالأطباق الإيطالية بما فيها الأسماك (إنستغرام)

ومن الأسباب التي زادت من شهرة المطعم هو موقعه في منطقة سياحية، وقربه من معالم ثقافية كثيرة، مثل البانثيون وجامعة السوربون.

الديكور في المطعم بسيط وجميل بنفس الوقت، وأجواؤه دافئة جداً، يجذب كثيراً من الزوار بسبب المسلسل الذي تنتجه «نتفليكس»، ما زاد من شعبيته بين عشاق «إيميلي في باريس» والسياح عموماً، وخاصة عشاق الأكل الإيطالي.

وقبل ظهور المطعم في المسسل كان المطعم مقصد الذواقة الإيطاليين والفرنسيين الذين يعشقون الأكل الإيطالي.

مطعم «تيرا نيرا» الإيطالي في باريس (إنستغرام)

الطاهي الرئيسي في مطعم «Terra Nera» في باريس هو «Giovanni Lepori». يتميز «Lepori» بخبرته الواسعة في تقديم المأكولات الإيطالية الأصيلة، مع التركيز على إعداد الأطباق باستخدام مكونات طازجة وتقنيات تقليدية، تعكس روح المطبخ الإيطالي. ومن الضروري أن تقوم بالحجز المسبق نظراً لشعبيته المتزايدة، خصوصاً خلال المواسم السياحية على مدار العام.