هل تُحدِث علاقات «طالبان» بالهند تحوّلاً في الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا؟

تحت أنظار باكستان والصين ومتابعتهما

مصافحة تاريخية بين الوزيرين متقي وجايشنكار (وزارة الخارجية الأفغانية)
مصافحة تاريخية بين الوزيرين متقي وجايشنكار (وزارة الخارجية الأفغانية)
TT

هل تُحدِث علاقات «طالبان» بالهند تحوّلاً في الجغرافيا السياسية لجنوب آسيا؟

مصافحة تاريخية بين الوزيرين متقي وجايشنكار (وزارة الخارجية الأفغانية)
مصافحة تاريخية بين الوزيرين متقي وجايشنكار (وزارة الخارجية الأفغانية)

في مناورة دبلوماسية جريئة لها تردّداتها وتداعياتها عبر جنوب آسيا وخارجها، استضافت الهند أمير خان متقي، وزير خارجية «طالبان»، في أول لقاء رسمي منذ استيلاء الحركة على السلطة في أفغانستان عام 2021. هذه الزيارة، التي استغرقت أسبوعاً وجرى تأمينها عبر إعفاء من السفر من الأمم المتحدة بناء على طلب الهند، شكّلت أقرب خطوة حتى الآن من جانب نيودلهي نحو الاعتراف بنظام «طالبان»، إلا أنها تزامنت مع تصاعد التوتر العسكري وتجدد القتال بين الجانبين الأفغاني والباكستاني. كما تزامن ذلك أيضاً مع تصاعد الاشتباكات الحدودية بين قوات «طالبان» وباكستان، الأمر الذي سلط الضوء على تواصل كابُل مع نيودلهي كقوة موازنة لنفوذ إسلام آباد. ومن ناحية أخرى، كان توقيت اللقاء الأفغاني – الهندي مثيراً لاهتمام المراقبين؛ كون وصول متقي قد تزامن مع زيارة السير كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني، التاريخية إلى الهند، والتي ركزت على اتفاقيات التجارة والدفاع.

بعد يومين من هدنة تلت ضغوطاً دبلوماسية كبيرة، تجدّد القتال أخيراً على طول الحدود بين أفغانستان وباكستان؛ إذ اندلعت مواجهات يوم 15 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عند «خط دوراند» المتوتر والمتنازع عليه بطول 2640 كلم. وشملت المواجهات القصف المدفعي والهجمات البرّية في ولايتَي كابل وقندهار الأفغانيتين وإقليم بلوشستان الباكستاني، وكذلك الحدود الشمالية عند ممرّ خيبر، وسط تبادل التهم وإصابة العشرات، جلّهم من المدنيين على الجانب الأفغاني، وتهجير الألوف.

الزيارات «الطالبانية»

ولكن، من ناحية ثانية، زار العديد من مسؤولي «طالبان» الهند، خلال الأشهر الأخيرة، بينهم وزير الأدوية والأغذية حمد الله زاهد، الذي حضر معرضاً للأدوية في سبتمبر (أيلول) الماضي. وبحسب شبكة «آمو تي في» الإعلامية الأفغانية، نالت رحلة متقي الموافقة الشخصية من قبل الزعيم الأعلى لحركة «طالبان»، هبة الله أخوند زاده، الذي التقى به في قندهار قبل مغادرته.

وفي حين تلتزم الحكومة الهندية الصمت بشأن ما إذا كانت تنوي الاعتراف بسلطة «طالبان» في كابل، فإن أفعالها تشير إلى إعادة تقييم «براغماتية» لسياساتها الإقليمية بعيداً عن اعتبارات الآيديولوجيا.

تعاون براغماتي من دون اعتراف

وبالنسبة لزيارة متقي، فإنها تُعد - في العاصمة الهندية نيودلهي - خطوة دبلوماسية عالية الأهمية وذات أهداف متعددة: تعزيز العلاقات الإنسانية والتنموية، والحفاظ على النفوذ في أفغانستان، والإشارة إلى النوايا الاستراتيجية.

كذلك يرى خبراء أن قرار نيودلهي دعوة متقي «خطوة استراتيجية وواقعية لحماية مصالحها في أفغانستان». ويرى المحلل الأمني كبير تانيجا أن «لدى نيودلهي أسباباً استراتيجية للترحيب الحار وتعزيز العلاقات كما هو واضح؛ إذ يشير تدهور العلاقات الأفغانية - الباكستانية إلى أن (طالبان)، باعتبارها (عدو العدو)، يمكن أن تكون حليفاً قيماً. ونظراً إلى أن (طالبان) تسيطر الآن على كامل أراضي أفغانستان تقريباً، يبدو عملياً التعامل معها على المستوى الذي تتعامل به القوى الإقليمية الأخرى، بما في ذلك روسيا والصين وإيران وبلدان آسيا الوسطى».

من الماضي المرير إلى الصداقة الحذرة

في الحقيقة، تتشارك الهند وأفغانستان تاريخاً أطول من بعض الحضارات القديمة؛ إذ تعود العلاقات بينهما إلى حضارة وادي السند. واستمرت العلاقات لآلاف السنين، إلى أن أسفر صعود «طالبان» عن تقلبات حادة؛ إذ تركت ندبة عميقة لدى الهند عملية اختطاف الطائرة «IC-814» عام 1999، عندما حوّل إرهابيون مسار طائرة هندية من نيبال إلى أفغانستان (تحت سلطة «طالبان»)، فأُجبر الجانب الهندي على إجراء مفاوضات أسفرت عن إطلاق سراح ثلاثة إرهابيين مقيمين في باكستان مقابل الرهائن.

ولما يقرب من عقدين، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001 والذي أطاح بحكومة «طالبان» الأولى، اتبعت الهند سياسة اللاتدخل الصارمة، متوافقة مع الإجماع العالمي، في حين استضافت عشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان، بمن في ذلك الطلاب ورجال الأعمال الفارون من حكم «طالبان».

غير أن الانفراجة الراهنة ليست مفاجئة؛ إذ أفضت سنوات من المباحثات السرّيّة إلى بناء توافق في الآراء بشأن القضايا الاستراتيجية والمساعدات الإنسانية. ولقد بدأت الخطوات الصغيرة الأولى عام 2021 عندما التقى وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري بنظيره الأفغاني متقي في دبيّ، ثم افتتحت الهند في عام 2022 بعثة فنية في كابل لتقديم المساعدة والتنمية.

بعدها عزّزت عملية «سيندور» التواصل، مدفوعة بتدهور علاقات «طالبان» بالجيش والاستخبارات الباكستانية؛ إذ أدانت كابل الهجمات الإرهابية في بالغام - التي لقي فيها 26 سائحاً حتفهم لأسباب دينية - ورفضت وصف إسلام آباد قصف الصواريخ الهندية للأراضي الأفغانية. وأدى ذلك إلى أول مكالمة هاتفية بين وزيرَي الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار والأفغاني متقي في مايو (أيار) عام 2025؛ ثم رفعت الهند رهان المخاطر ومنحت «طالبان» المقدرة على الوصول المؤسسي إلى نيودلهي.

العلمان الأفغاني والهندي معاً... في رسالة إلى باكستان والصين (رويترز)

لقاء جايشانكار - متقي

أكد لقاء جايشانكار ومتقي إعادة ضبط هذه العلاقات. وفي خطوة مدروسة بعناية، أعلن جايشانكار ترقية البعثة الفنية الهندية في كابل إلى مستوى السفارة الكاملة؛ ما يمهد الطريق لترسيخ العلاقات الدبلوماسية.

أيضاً، أكد وزيرا خارجية البلدين مخاطر الإرهاب العابر للحدود، وقرّرا التنسيق والعمل المشترك لمكافحته. وكانت المساعدات الطبية التي قدمتها الهند لأفغانستان لفتة حسن النوايا بُغية توسيع نطاق المشاركة والتعاون. وبينما دعا وزير الخارجية الأفغاني الهند إلى الاستثمار في قطاع التعدين، تضمّنت المباحثات التجارية إنشاء ممرّ جوي بين الهند وأفغانستان.

وفي مؤتمرين صحافيين عُقدا في سفارة أفغانستان في نيودلهي، خاطب الوزير متقي وسائل الإعلام على خلفية تماثيل بوذا في باميان، التي ترمز إلى تاريخ أفغانستان المعقّد. وادعى أن العلاقات بين الهند وأفغانستان «تحسّنت بشكل كبير» في السنوات الأربع الماضية، وأعرب عن دعمه للتجارة الإقليمية، وحثّ الهند وباكستان على عدم إغلاق الطرق عبر حدود «واغا».

وعقب لقاءاته مع جايشانكار، أعلن متقي أن أفغانستان تعتزم إرسال دبلوماسيين أفغان جدد إلى الهند في وقت قريب. وقال: «مخاوفكم (أي مخاوف الهند) مهمة بالنسبة لنا. ولن يُسمح باستخدام الأراضي الأفغانية بأي شكل من الأشكال في تهديد المصالح الهندية». وما يُذكر هنا أن الهند أحجمت حتى الآن عن الاعتراف الكامل بحكومة «طالبان»، وأصرت على تشكيل حكومة شاملة في كابل. ومع ذلك، تشير صورة الزيارة إلى عودة حذرة إلى التعامل مع أفغانستان.

وبالتوازي، في إطار لقاءات عقدها متقي مع مجموعات الأعمال الهندية، فإن الوزير الأفغاني لم يكتفِ بالحث على استثمار الهند في مشاريع التعدين والرعاية الصحية والتعليم والتنمية، بل حثّ أيضاً أبناء الديانتين الهندوسية والسيخية الأفغانيين على العودة إلى أفغانستان من دون خوف.

زيارة ديوبند... ضربة لاهوتية ماهرةأيضاً كانت زيارة الوزير متقي إلى «دار العلوم الديوبندية» - المهد الآيديولوجي لحركة «طالبان» - مفعمة بالرمزية؛ إذ أسست الدار في عام 1866، وألهمت المدرسة الحقانية الباكستانية. ووفق سمية أواستي، الزميلة في مركز الأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا في مؤسسة «أوبزرفر للأبحاث»، فإن «زيارة أمير خان متقي إلى (دار العلوم الديوبندية) تحمل أهمية رمزية كبرى؛ فهي تمثل المرة الأولى التي تتواصل فيها شخصية بارزة من مستوى وزاري في حركة (طالبان)، ولو بصورة غير مباشرة، مع المصدر الهندي للأصول الآيديولوجية للجماعة». وفي الوقت نفسه، تساعد الزيارة «طالبان» على تقديم صورة أكثر ليونة على الصعيد الدولي.

سعي «طالبان» إلى الشرعية

أما على الصعيد السياسي الاقتصادي، فتؤكد زيارة متقي حرص «طالبان» على توسيع علاقاتها مع القوى الإقليمية، سعياً وراء الدعم الاقتصادي والاعتراف الدبلوماسي. وفي هذا النطاق، في حين أجرت «طالبان» مفاوضات رفيعة المستوى مع عدة دول منها الصين، لم تعترف بحكومتها رسمياً حتى الآن سوى روسيا؛ ما ترك كابل معزولة نسبياً على الصعيد العالمي.

لذا يعلّق هارش بانت، رئيس برنامج الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة «أوبزرفر للأبحاث»، في الهند، قائلاً: «بالنسبة لـ(طالبان)، هذه الزيارة انتصار سياسي؛ إذ تقدّم الهند، التي هي أكبر قوة اقتصادية في المنطقة، مساعدات واستثمارات حاسمة لاقتصاد أفغانستان الذي يعاني من العقوبات... وقبول الهند له وزن عالمي يعزّز شرعية (طالبان). في المقابل، بالنسبة للهند، فهي تأتي بمثابة انتصار جيوستراتيجي؛ فبينما تتلاعب الصين والولايات المتحدة بجنوب آسيا، تستغل الهند ذلك الفراغ؛ إذ يوفر الاعتراف المبكر ميزة السبق؛ ما يضع الهند في موقع يمكنها من تشكيل مستقبل أفغانستان. إن انتظار الآخرين لاتخاذ إجراءات لهو أمر خاطئ؛ إذ يجب على الهند أن تقود المسيرة بالضبط؛ لأن الآخرين لم يفعلوا ذلك».

تتشارك الهند وأفغانستان تاريخاً أطول من بعض الحضارات القديمة... إذ تعود العلاقات بينهما إلى حضارة وادي السند

متقي وباكستان

أما بالنسبة لمتقي، فقد أصبحت نيودلهي منبراً بارزاً للهجوم على باكستان في وقت اندلاع الاشتباكات الحدودية بين كابل وإسلام آباد. ولقد استغل وزير خارجية «طالبان» هذا المنبر أحسن استغلال عندما قال في مؤتمر صحافي إن «هناك جهات معينة في باكستان تحاول إثارة المشاكل مع أفغانستان». واللافت أن متقي تكلّم باللغة الأردية - على عكس زياراته إلى باكستان، حيث يفضّل اللغة البشتونية - كي يفهمه قطاع أوسع من الناس. ومما قاله متقي: «بلدي، كما يُثبت التاريخ، متحد بشدة في مواجهة أي (غزو خارجي). وعلى باكستان أن تتوقف عن التلاعب بأفغانستان. لا تستفزوا أفغانستان أكثر من اللازم... إذا فعلتم ذلك، فاسألوا البريطانيين مرة واحدة، وإذا سألتم الروس والأميركيين و(حلف شمال الأطلسي)، فسيشرحون لكم على الأرجح أن التلاعب بأفغانستان بهذه الطريقة ليس أمراً جيداً. إننا نريد مساراً دبلوماسياً». وبهذا الكلام أكد حالة انعدام الثقة بين كابل وإسلام آباد، ولا سيما مع عودة ظهور «خط دوراند» مرة أخرى كنقطة اشتعال.

البعد الصيني المهم

من جانب آخر، لا بد من النظر إلى أن تحوّل الهند صوب كابل في ظل نظام إقليمي سريع التغير، مدفوع بالتنافس مع الصين وباكستان؛ إذ تحولت نيودلهي من تجنب الانخراط إلى البراغماتية الحذرة؛ فهي تسعى إلى كسب ود «طالبان» لمواجهة نفوذ بكين وإسلام آباد.

ومعروف أن الصين منخرطة بعمق في المنطقة؛ إذ تدمج أفغانستان في مبادرتها «الحزام والطريق»، وتطمع في الثروة المعدنية الهائلة، وبخاصة رواسب الحديد الخام في منطقة هاجيغاك. وإزاء هذا الواقع، يرى الأكاديمي والخبير الهندي جاجاتي ك. باتنيك، الأستاذ بجامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، أن الهند «تهدف إلى الحد من هيمنة الصين، التي تعمل أيضاً بنشاط مع (طالبان)، لا سيما حيال استخراج الموارد ومبادرتها (الحزام والطريق). والصين، التي كانت تعتمد في السابق على باكستان لتأثيرها في أفغانستان، كانت في ذلك الوقت مستعدة للانطلاق بمفردها، من دون تدخل الجيش الباكستاني. ولقد رُحّبَ بسفيرها الجديد لدى أفغانستان، تشاو شنغ، بحفاوة حارة في عام 2023، على الرغم من أن ذلك لم يكن بمثابة اعتراف رسمي. ورداً على ذلك، تسعى الهند إلى كسب ود (طالبان) للحؤول دون تأسيس الصين معقلاً حصرياً لها في العاصمة الأفغانية كابل».

وبالفعل، استثمرت الهند بكثافة في أفغانستان؛ إذ ضخت أكثر من 3 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية والتنمية. ويعد تجديد الانخراط أمراً بالغ الأهمية لحماية هذه الاستثمارات طويلة الأجل من النفوذ المتزايد للصين هناك. ويعتقد محللون أن تواصل نيودلهي مع «طالبان» مدفوع أيضاً بتراجع نفوذ إسلام آباد على كابل.

من جهته، يقول البروفسور تشاندان ك. باندا، الأستاذ بجامعة راجيف غاندي الهندية، إن «نفوذ باكستان على (طالبان)، الذي كان شبه مطلق في السابق، يتعرض الآن لضغوط واضحة في خضم توترات متزايدة مع قيادة (طالبان). وهذا واقع يؤكده طرد إسلام آباد الجماعي لنحو 80 ألف لاجئ أفغاني في أوائل عام 2025، وقضايا مثل حركة (طالبان) الباكستانية. وفي ظل تدهور العلاقات بين كابل وإسلام آباد، تستشرف نيودلهي فرصة سانحة لـ(بسط نفوذ متواضع على كابل وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية)».

أما في ما يخص الصين، فيرى باندا أن الصين «أحرزت بالفعل تقدماً في أفغانستان، وإذا لم تتحرك الهند بسرعة فقد توسّع الصين نفوذها للسيطرة على أفغانستان وتقويض الود المتنامي بين باكستان والولايات المتحدة». وبناءً عليه، فإن زيارة وزير خارجية أفغانستان ليست مجرد زيارة شرفية أو رمزية... إذ تدرك الهند أهمية هذه العلاقة في خضم إعادة تقييم الجغرافيا السياسية الإقليمية. وقد احتلت إعادة فتح السفارة الهندية في كابل مكانة مركزية في المناقشات، ومن المتوقع أن تُسرع الهند من هذه العملية بغية تأمين موطئ قدم لها في كابل بهدف مراقبة ومواجهة المخططات الباكستانية هناك. ومع قيام باكستان بقطع طرق العبور الهندية، فإن انخراط الهند مع «طالبان» مدفوع جزئياً بالرغبة في تفعيل مشاريع مثل ميناء تشابهار في إيران، والممرات التجارية التي تمر عبر أفغانستان؛ ولذا ترى نيودلهي استعداد «طالبان» للتعاون في مثل هذه المبادرات فرصة لاستعادة بعض المواطئ المفقودة.

 

ردات فعل سلبية من قوى المعارضة الهندية... وآخرين

أثارت مبادرة الهند الجريئة حيال «طالبان»، ردّات فعل قوية على الصعيدَين المحلي والدولي، وكشفت عن المخاطرة الكبيرة التي ينطوي عليها التعامل مع نظام «طالبان». إذ ندَّد قادة المعارضة الهندية، ونشطاء حقوق المرأة، وجماعات اللاجئين الأفغان بهذه الخطوة، ووصموها بـ«الخيانة». ووصفها النائب في البرلمان الهندي شاشي ثارور، عن حزب «المؤتمر» المعارض، بأنها «تنازل أخلاقي»، بحجة أنها تضفي الشرعية على نظام يحظر على النساء التعليم والحياة العامة. أيضاً، اندلعت احتجاجات خارج السفارة الأفغانية في نيو دلهي، حيث هتفت لاجئات أفغانيات «الاعتراف يعني التواطؤ في قمعنا». وحذَّر ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية من أن «التعامل مع الإرهابيين الخاضعين للعقوبات يهدِّد المعايير العالمية». وأصدرت الحكومة البريطانية، في خضم زيارة ستارمر، توبيخاً مبطّناً ورد فيه: «يجب ألا تُقوِّض براغماتية الهند حقوق الإنسان». وحذَّر فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، من أن ترحيب الهند بالوزير متقي «يرسل إشارة خاطئة» بشأن الفصل التمييزي بين الجنسين.


مقالات ذات صلة

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

حصاد الأسبوع الدمار في غزة (أ ب)

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع كاثلين هيكس (آب)

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي

«الشرق الأوسط» (اشنطن)
حصاد الأسبوع العلم السويدي يخفق وسط الشرطة والمدنيين (د ب آ)

السويد... عقد من الترحيب ينتهي بقيود صارمة على الهجرة

في مشهد سياسي أوروبي متحول، تقف السويد اليوم شاهدة على أحد أكثر التحولات الجذرية في سياسات الهجرة واللجوء. فالبلد الذي فتح أبواب الهجرة لأكثر من 160 ألف طالب

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع علم "المجلس النوردي" (المجلس النوردي)

تحذيرات في أوساط الاقتصاديين والحقوقيين

> يحتفي الائتلاف الحاكم في السويد بما يعتبره «إنجازاً» في تراجع أعداد طالبي اللجوء، بعدما سجل عام 2024 أدنى مستوى له منذ عام 1985، بواقع 6250 طلباً فقط.


كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)
TT

كيف يتعامل اليمين الإسرائيلي مع جيشه؟

الدمار في غزة (أ ب)
الدمار في غزة (أ ب)

استقبل الجيش الإسرائيلي أخيراً وفداً من قادة جيوش دول عدة، «لكي يدرسوا تجربة الحرب الأخيرة، في سبع جبهات (غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق وإيران واليمن)»، كما قال الناطق بلسان الجيش. وخلال الشرح المتحمس عن هذه الزيارة، سمح الناطق لنفسه بأن يقول إنهم جاؤوا لكي يتعلموا منه العديد من العمليات الحربية. وقال إن بين هذه الجيوش حضر مندوبون من كل من الجيوش؛ الأميركي والألماني والهندي والكندي والتشيكي والبولندي، وغيرها. وعرض عدة مجالات، قال إن جيشه أبدع فيها واستحدث طرقاً حربية سيصار إلى تدريسها في الكليات الحربية في العالم، خصوصاً المعركة ضد الأنفاق والتدمير ومسح الأبنية في قطاع غزة وتخريب الحقول الزراعية والسيطرة التامة على سماء إيران والاغتيال الجماعي لقادة «حماس» و«حزب الله» وقيادة سلاح الجو الإيرانية وعملية تفجير أجهزة النداء واللاسلكي في لبنان لقادة «حزب الله» (البيجر والوكي توكي) وغيرها.

لأول وهلة، يُحسب أن الرسالة - أعلاه - موجهة إلى العالم، لكن من يتابع الأوضاع في إسرائيل خلال العقدين الأخيرين، يدرك أن هذا النشر هو جزء من الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي على «الجبهة الثامنة».

إنها الحرب التي تعدّ الأكثر إيلاماً للجيش، لأن «العدو» فيها للجيش الإسرائيلي هو الحكومة واليمين العقائدي الذي يقودها.

يخوض اليمين هذه الحرب منذ عودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2009، وفي حينه حاول فرض حرب على إيران، لكن قادة الجيش وسائر الأجهزة الأمنية اعترضوا. فغضب، وراح يحاربهم، في البداية بهدوء وسريّة، لكن الحرب غدت علنية شيئاً فشيئاً. وكان فيها مسؤولون في الحكومة وباحثون وخبراء يهاجمون الجيش ويتهمونه بالتبذير، والجنرالات ينشرون المقالات التي تظهر الحكومة فاشلة وفاسدة.

أيضاً لعبت الشرطة والنيابة والمحكمة دوراً نشيطاً في كشف تورّط نتنياهو في قضايا فساد... وقدمته إلى المحاكمة. فاستعرت المعركة لتتحوّل إلى «حرب شاملة» بين الطرفين، ما جعل اللواء المتقاعد إسحاق بريك، عضو رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، يقول، في مقال نشرته صحيفة «معاريف» يوم 8 يونيو (حزيران) 2025: «لدينا قيادة فقدت البوصلة، في الحكومة وفي الجيش». ويضيف: «السياسة الحمقاء المتغطرسة التي يتبعانها، ستشجع أعداءنا على الاستعداد لحرب أخرى ضدنا، وكل هذا بسبب جماعة فقدت طريقها وعقلنتها وحكمتها».

نتنياهو وسموترتش (رويترز)

سموتريتش... والميزانية

أحد أبرز السياسيين في هذه الحرب هو بتسلئيل سموتريتش، الذي مع تشكيل الحكومة أصر على تولي حقيبة وزارة المالية وحقيبة أخرى هي وزير ثانٍ في وزارة الدفاع. وسموتريتش هو الممثل المباشر لليمين العقائدي. لديه أجندة واضحة لمنع قيام دولة فلسطينية وتهجير الفلسطينيين. ومنذ تسلمه مهامه، يخوض حرباً علنية على الجيش بلغت حد رفض العديد من طلبات زيادة الميزانية العسكرية. ثم إنه يتهم قادة الجيش بالتبذير وصرف رواتب عالية، وقام بنشر قائمة الرواتب لنحو 50 قائداً أساسياً، فاتضح أنهم يقبضون رواتب أعلى من رئيس الحكومة ورئيس الدولة.

وفي الأسابيع الأخيرة، عندما قرر الجيش رفع عدد جنود الاحتياط الدائم من 6 إلى 60 ألف جندي، سنة 2026، وطلب تمويلاً من المالية (كل جندي يكلف الجيش 300 دولار في اليوم ومعدل الخدمة لكل جندي يصل إلى شهرين في السنة المقبلة، وهذا البند وحده يكلف مليار دولار)، رفض سموتريتش، قائلاً إن على الجيش إيجاد التمويل من تقليص مصاريفه الأخرى. ووفق صحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن قادة الجيش «يشعرون بالمهانة وهم يستجدون وزير المالية»، علماً بأنه على صعيد شخصي يبدو صبيانياً، ومن الناحية الجماهيرية يفقد الجمهور الذي انتخبه، إذ تشير الاستطلاعات إلى أنه سيسقط إذا أجريت الانتخابات اليوم.

للعلم، سموتريتش هذا حاقد على الجيش. فعام 2005، عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، بينما عمل الجيش على إخلاء مستوطنات قطاع غزة، جاء سموتريتش مع ألوف المستوطنين لمحاربة الإخلاء. ويومذاك، بطش به الجنود وجرّوه على الأرض عندما اعتقلوه. وهو جزء من الحركة التي قامت في حينه لمنع تشكيل حكومة في إسرائيل تقرّر إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية مثلما حصل في غزة. وهو يستذكر هذه الحادثة تقريباً في كل خطاب سياسي له، منذ ذلك الحين. ويعدّ رأس حربة في معركة اليمين لتحجيم مكانة الجيش ونفوذه في البلاد.

انتقاد المهنية العسكرية

في إطار هذه المعركة، تشهد وسائل الإعلام الإسرائيلية موجة نشر ضخمة تنتقد الجيش وتظهره فاشلاً مهنياً. ويجنّد اليمين لهذا الغرض مجموعة كبيرة من الجنرالات السابقين، قسم منهم يكتب في معاهد الأبحاث التابعة لليمين، وقسم آخر ينشر مقالاته في وسائل الإعلام المستقلة، فضلاً عن الإذاعة والتلفزيون والشبكات الاجتماعية.

وأدناه نماذج من هذه المعركة:

العميد أورن سولومون، الذي عيّن رئيساً للجان التحقيق الداخلي في الجيش حول إخفاقات 7 أكتوبر (تشرين الأول) كشف في تقرير للقناة «14» عن أن قيادة الجيش «تتستر على الحقائق وليس صحيحاً الانطباع بأنها أول من تحمل المسؤولية». بل «أخفت الفشل الحقيقي لكونها اتبعت تكتيكاً حربياً خاطئاً منذ البداية... وبدلاً من أن تأمر سلاح الجو بقصف عناصر حماس في أثناء مهاجمتهم البلدات الإسرائيلية يوم 7 أكتوبر 2023، فتشلّ حركتهم وتوقف تقدّمهم، قرّرت شنّ عملية انتقامية لاغتيال قادتها وتدمير مقراتها في شتى أنحاء غزة. وبذا فشلت في حماية مئات من الإسرائيليين الذين قتلتهم حماس ومئات المخطوفين».

وذكر سولومون أيضاً في التقرير، أنه طلب لقاء رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي والحالي إيال زامير لعرض استنتاجاته، لكنهما تهرّبا من لقائه. ومن ثم راحا يحرّضان عليه، لدرجة أنه قرّر إخفاء تقاريره والوثائق التي اعتمدها بهدف الحفاظ عليها في حال جرى له أي سوء. ورداً على سؤال طرحه عليه صحافي معروف بقربه من نتنياهو: «هل تخشى على حياتك؟ هل تعتقد أن هناك مَن قد يقتلك بسبب هذا التحقيق؟». فأجاب «نعم».

من جهة ثانية، تطرّ ق الصحافي والمؤرخ اليميني عكيفا بيغمان، صاحب كتاب «كيف حوّل نتنياهو إسرائيل إلى إمبراطورية»، كشف في موقع «ميدا» (9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025)، عن نتائج تحقيق أجري في لجنة فرعية سريّة للجنة الخارجية البرلمانية، خلال الشهرين الماضيين، تفيد بأن هناك «خللاً بنيوياً» في عملية تأهيل الضباط في الجيش الإسرائيلي. وممّا جاء في تقريره أن الضباط لا يتلقّون تدريبات عسكرية لأكثر من يومين في الأسبوع، بينما يتمتعون بـ«امتيازات دلال لا تلائم جيشاً مقاتلاً»، وأنه في كثير من دورات التعليم التي يمرّون بها ثمة ازدواجية وتناقضات لأن هذه الدورات لا تدار بشكل مهني.

زامير (الجيش الإسرائيلي)

مرحلة بنيامين نتنياهو...استخفاف بالجنرالات وطعن بهم علناً وفي الخفاء

عدوانية متزايدة في عدة اتجاهات

الصحافة الإسرائيلية، أيضاً، تنشر باستمرار تصريحات لوزراء يهاجمون بها قادة الجيش ويهينونهم في جلسات «الكابنيت» (مجلس الوزراء المصغّر)، الذي يقود الحرب، بينما كان نتنياهو صامتاً. ولكن، في يناير (كانون الثاني) 2025 تجرأ وأوقف الجلسة التي هاجم فيها الوزيران إيتمار بن غفير وميري ريجف رئيس الأركان هاليفي، على قراره تشكيل لجان تحقيق داخلية حول أداء الجيش.

وفي شهر مايو (أيار) تعرّض زامير لـ«بهدلة» مماثلة، لكنه ردّ على الهجوم بكلمات قاسية ونابية، ما جعل نتنياهو يلفت نظره ويوقفه عن الكلام في جلسة الحكومة. وحقاً، زامير نفسه لم يسلم من الانتقادات. وعندما اقترح صرف النظر عن إعادة احتلال غزة في نهاية الصيف، اتهمه غلاة اليمين بالتراجع عن وعوده في «تغيير نهج الجيش القتالي وجعله جيشاً هجومياً أكثر». وقالوا إن «الدولة العميقة الليبرالية تمكنت من السيطرة عليه وتدجينه».

في هذه الأثناء، هناك ما تشهده الضفة الغربية من اعتداءات. وهنا لا نقصد الاعتداءات الإرهابية على الفلسطينيين، بل الاعتداءات اليهودية على اليهود، التي تتصاعد باستمرار وفيها يهتف «شبيبة التلال» الاستيطانية لجنود وضباط الجيش الإسرائيلي «يهود نازيون».

أيضاً، أحد كبار الجنرالات، وكان مسؤولاً عسكرياً يعمل في وظيفة رفيعة في الضفة الغربية، بحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» (7 نوفمبر 2025)، يقول: «يبدو لي الوصف (فتيان التلال) أو (شبيبة التلال)، رومانسياً بعض الشيء، كما لو كانوا رعاة غنم يعملون في الزراعة، لكن هذا ليس ما نتكلّم عنه هنا. هؤلاء فتيان يحتاجون إلى رعاية مؤسّسات الرعاية الاجتماعية وسلطة الوالدين والتعليم. إنهم يتصرّفون كما لو كانوا في الغرب (الأميركي) المتوحش. ليس لديهم قانون ولا قاضٍ. يتجوّلون بقمصان كُتب عليها (شعب إسرائيل نعم ودولة إسرائيل لا)».

وتابع الجنرال: «إنهم لا يعترفون بالمؤسسات، وهم معادون تماماً للصهيونية، ويرسمون شعارات صهيونازية على الجدران، ويتلقون دعماً من بعض وسائل الإعلام القطاعية. لقد بنوا ماكينة عمل محكمة وحقيقية. يمكنك أن ترى فتىً في الثالثة عشرة من عمره يقود سيارة مشطوبة، وهو لا يملك حتى رخصة قيادة؛ بينما يُشعل فتيان آخرون النار في المركبات. ما عاد هؤلاء يكتفون بالاعتداءات على الفلسطينيين، بل أضحوا يعتدون بعنف وكراهية حاقدة على جنودنا وضباطنا، حتى ونحن نحميهم. وكذلك يعتدون على المواطنين اليهود، وليس فقط اليساريين منهم الذين يأتون إلى هنا للتضامن مع الفلسطينيين، بل يعتدون على مستوطنين ممّن كانوا ذات يوم شبيبة تلال لأنهم لا يوافقون اليوم على أساليبهم. وأنا لا أتكلم عن اعتداء واحد أو اثنين. لقد شكا عشرات المستوطنين الذين يتعرضون للاعتداءات منهم. ومن ثمّ، شعوري أن عدوهم الأول هو الجيش».

الرد لا يقل حدة

في المقابل، نجد أن الجيش أيضاً يملك جهاز دعاية يهاجم الحكومة بقوة شديدة ولديه مجموعة كبيرة من الكتّاب والناطقين باسمه، الذين يحذّرون من تبعات سياسة الحكومة وممارساتها، ويرون أنها «تُضعِف الجيش وتشجع العدو على تكرار الهجمات الشبيهة بهجمة حماس في 7 أكتوبر». كذلك ينتقد هؤلاء الحكومة بشكل لاذع على «فشلها المهني»، ويحمّلونها، رئيساً ووزراء، مسؤولية أساسية عن إخفاقات 7 أكتوبر، ويقولون إنها أدارت الحرب بشكل سيئ وفرضت على الجيش «إطالة الحرب لأغراض بعيدة عن الحسابات الأمنية والاستراتيجية، هدفها سياسي وحزبي للبقاء في الحكم». «وحقاً، الأمر الجوهري الذي يهاجمونها عليه هو: أنها لم تعرف كيف تستثمر المكاسب العسكرية التي وفّرها لها الجيش في مكاسب سياسية».

وهكذا يكتب الجنرال عاموس جلعاد، رئيس معهد السياسة والاستراتيجية في تل أبيب، يوم 17 نوفمبر 2025: «لقد نجح الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن في توجيه ضربة قاصمة لتحالف الشر في جميع جبهات القتال السبع. في الوقت نفسه، ثمة حاجة إلى استراتيجية لإرساء أمن طويل الأمد. حتى الآن، فشلت الحكومة الإسرائيلية في صياغة سياسة لما بعد (اليوم التالي)، ما أدى إلى خلق فراغ، ملأته الإدارة الأميركية بكل قوتها».

وأردف جلعاد: «من جهة، لهذا الأمر نتائج إيجابية تتمثل في إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء وعملية إعادة الرهائن القتلى، ووقف الحرب في غزة، وتوطيد العلاقات المميزة مع الولايات المتحدة، واحتمال تحقيق انفراج دبلوماسي مع الدول العربية. ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي هذا التطور إلى أضرار جسيمة، مثل نشر قوة متعددة الجنسيات في غزة بمشاركة دول معادية بقيادة محور تركي - قطري داعم لجماعة الإخوان المسلمين، واستمرار وجود حماس بصيغة جديدة في غزة. بالإضافة إلى ذلك، هناك احتمال الإضرار بالتفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، من خلال نقل قدرات عسكرية غير مسبوقة إلى الدول العربية. في الخلفية، تُبذل جهودٌ من إيران وحزب الله لاستعادة القدرات العسكرية المتضررة خلال الحرب. ولكن الأنكى هو أنه على الصعيد الداخلي، تشهد إسرائيل بقيادة الحكومة سلسلةً من العمليات الهدامة التي تُلحق الضرر بالمناعة الوطنية والاجتماعية، التي تشكل ركيزةً أساسيةً من ركائز الأمن القومي الإسرائيلي. ويشمل ذلك استمرار الانقلاب القضائي وإلحاق الضرر بالمؤسسات القضائية، والحرب على وسائل الإعلام في البلاد، والتدخل في أنشطة أجهزة الأمن وإنفاذ القانون، وغيرها».


إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
TT

إميل مايكل: من جذور مصرية يشارك في قيادة سباق الابتكار العسكري الأميركي

في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»
في ظل حاجة واشنطن إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»

شكّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتعيين إميل جرجس مايكل في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة، ثم تكليفه لاحقاً بإدارة «وحدة الابتكار الدفاعي»، في أحد أبرز القرارات المفصلية ضمن إطار سياسة الابتكار العسكري للولايات المتحدة منذ إعادة هيكلة «البنتاغون» (وزارة الحرب الأميركية) عام في 2017. وذلك ليس فقط لأن المنصب يُعدّ رأس الهرم في الهندسة العسكرية والتطوير التكنولوجي، بل لأن مايكل يمثّل نموذجاً جديداً تماماً عن ذلك الذي اعتادت المؤسسة الدفاعية الأميركية تعيينه في هذا الموقع. إذ إن المسؤول الذي يُمسك عملياً بمفاتيح التفوق التكنولوجي الأميركي، من الذكاء الاصطناعي إلى الأنظمة غير المأهولة، ومن الحرب السيبرانية إلى الجيل الثاني من الدفاع الصاروخي، رجل أعمال مهاجر من جذور مصرية قبطية، بنى مسيرته في شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، بدءاً من شركة «تيل مي نيتوورك»، مروراً بـ«كلاوت»، ووصولاً إلى «أوبر»، إحدى أكثر شركات العقد الماضي إثارة للجدل والتأثير في آن واحد.

تعيين إميل مايكل وكيلاً لـ«البنتاغون» للبحث والهندسة لم يكن مجرد مفاجأة، بل كسرٌ لخطٍ طويل من الشخصيات المنتمية تقليدياً إلى عالم الصناعات الدفاعية أو البحث العلمي الأكاديمي. وفي حين يرى البعض أنّ الرئيس دونالد ترمب يكرّر رهانه المألوف على رجال الأعمال - كما فعل في الحكومة الأولى - يعدّ آخرون أنّ ما حدث هو إعادة توجيه جذرية لطبيعة القوة التكنولوجية الأميركية، بحيث تُسلَّم مفاتيح المستقبل لمن يملكون القدرة على «تسريع» الابتكار، وليس فقط تنظيره. وأدناه نبذة عن مسيرة مايكل نحو هذا المنصب، وتكوينه السياسي ومسارة المهني ومنطق تعيينه وتأثير خلفيته القبطية المصرية في شخصيته ودوافعه.

مهاجر في قلب سردية النجاح

ولد إميل مايكل في القاهرة عام 1972 لأسرة قبطية، وهاجر في سن مبكّرة مع عائلته إلى الولايات المتحدة.

وعام 2012 التقى جولي هيرين في لاس فيغاس (ولاية نيفادا)، وتزوجا عام 2018 في حفل أقيم بمدينة ميامي، بولاية فلوريدا.

الانتماء القبطي ليس تفصيلاً هامشياً، بل جزء أساسي في تكوينه السياسي وطريقة تفكيره. وفي شقّ من الهوية القبطية، عند البعض في مصر، ثمة بالهامشية السياسية والبحث عن الحماية عبر «المؤسسات القوية». وهذا انعكس لاحقاً على توجهات مايكل في السياسة الأميركية، وخاصة في علاقة الأقليات بالدولة الحديثة، وقيمة وجود دولة مركزية قادرة على فرض النظام.

وكان مايكل يشير دائماً في مقابلاته القليلة حول خلفيته، إلى أنّ تجربة الهجرة منحته ثقافتين من زاويتين: إيماناً أميركياً تقليدياً بالفرصة الفردية، وحسّاً «واقعياً» في فهم أخطار انهيار الدول وضعف مؤسساتها، وهو أمر لا يمرّ عادة في تكوين المسؤولين الأميركيين الذين يترعرعون داخل «الاستقرار المؤسساتي» الأميركي.

هذه الخلفية تفسّر أيضاً شغفه المبكر بالدفاع الوطني. فمع أنه رجل أعمال تقني، اختار عام 2009 الانضمام إلى برنامج الزمالة في «البيت الأبيض»، والعمل مباشرةً تحت وزير الدفاع روبرت غيتس (الجمهوري) في إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إبان سنوات الحرب في العراق وأفغانستان. وما لبث رجل الأعمال الشاب الآتي من وادي السيليكون أن وجد نفسه فجأة في قلب العمليات العسكرية واللوجيستية، في مسار غير شائع إطلاقاً.

جمهوري من هارفارد... إلى ستانفورد

درس إميل مايكل في جامعة هارفارد العريقة، وفيها تولّى رئاسة نادي الجمهوريين. واللافت أنّه فور تسلمه المنصب بادر إلى تحويل اسم النادي إلى «نادي الجرف الأحمر لجمهوريي هارفارد»، في إشارة إلى رغبته في إدخال النساء إلى الهيكل السياسي الطلابي المحافظ. وهو موقف مبكر يعكس قدرة سياسية على قراءة البيئة الاجتماعية ومحاولة توسيع التحالفات، وهي مهارة ستظهر لاحقاً في إدارة الشركات.

بعد هارفارد، تابع دراسته في كلية الحقوق التابعة لجامعة متميزة أخرى هي جامعة ستانفورد، المختبر الفكري الذي أنجب نخبة من روّاد التكنولوجيا.

هناك ازداد تماهيه مع التيار البراغماتي داخل الحزب الجمهوري، الذي يركّز على الاقتصاديات الحديثة والابتكار، وليس فقط على خطاب «القيَم التقليدية». ولعل هذا المزيج، أي يميناً اقتصادياً وابتكاراً تكنولوجياً، كان أساسياً لاحقاً في فهم لماذا رأى ترمب فيه الشخص المناسب لقيادة سباق الحرب التكنولوجية.

المسيرة المهنية

على امتداد 25 سنة، بنى إميل مايكل سمعة استثنائية في عالم الشركات العالية النمو، حيث بدأ مسيرته المهنية مستشاراً استراتيجياً في شركة «كونفيرجينغ» التابعة لشركة «جيميني» للاستشارات. وبعد تخرجه في كلية الحقوق، عمل مايكل مساعداً في مجموعة الخدمات المصرفية الاستثمارية للاتصالات والإعلام والترفيه في «غولدمان ساكس» بنيويورك حتى عام 1999. ثم عمل في مشاريع استشارية للاندماج والاستحواذ العدائي، وفي تمويل الأسهم والديون المصرفية. ومن 1999 حتى 2008 شغل مايكل منصباً تنفيذياً في شركة «تيل مي نتوركس» الناشئة للاتصالات عبر الإنترنت لمدة تسع سنوات. وكانت تلك الشركة رائدة في تقنيات التعرف على الصوت، وبيعت لـ«مايكروسوفت» بـ800 مليون دولار عام 2007.

بعدها، عام 2012، أصبح رئيساً للعمليات وعضواً في مجلس إدارة شركة «كلاوت»، منصة تحليل النفوذ الرقمي (التي سبقت عصر البيانات الضخمة)، ليغادرها عام 2013، للانضمام إلى شركة «أوبر». وحقاً، بيعت «كلاوت» إلى شركة «ليثيوم» مقابل نحو 200 مليون دولار في أوائل عام 2014.

ثم انضم مايكل إلى «أوبر» نائب رئيس أول للأعمال، وكان بمثابة الذراع اليمنى لرئيسها التنفيذي، ترافيس كالانيك، وساعد الشركة على جمع ما يقرب من 20 مليار دولار. وللعلم، كان مايكل لاعباً رئيساً في تطوير جهود «أوبر» في الصين، حيث استثمر ملياري دولار لتصل قيمتها إلى 7 مليارات دولار عام 2016. كذلك عمل على بناء شراكات مع «بايدو» وشركات صينية أخرى. وعام 2016 قاد مايكل عملية دمج «أوبر الصين» مع منافستها المحلية «ديدي تشوكسينغ». وفي 2021، جمعت شركة «ديدي» 4.4 مليار دولار في طرحها العام الأولي.

تقدير قدراته التسويقية

عام 2014 اختير مايكل واحداً من «أكثر الأشخاص إبداعاً في مجال التسويق» وواحداً من «أكثر 100 شخص إبداعاً في مجال الأعمال» من قِبل شركة «فاست».

وفي عام 2017، ساعد مايكل في التفاوض على صفقة مع «ياندكس»، أكبر شركة تكنولوجيا وأشهر محرّك بحث على الإنترنت في روسيا – هي المعروفة باسم «غوغل روسيا» - حيث امتلكت «أوبر» 36.6 في المائة من كيان مشترك لمشاركة الرحلات في روسيا. واستثمرت «أوبر» 225 مليون دولار، واستثمرت «ياندكس» 100 مليون دولار.

رأس المال «المخاطر» يدخل «البنتاغون»

عام 2014، عُيّن إميل مايكل وثمانية آخرون في «مجلس أعمال الدفاع» التابع لـ«البنتاغون». انضمّ الثمانية إلى خمسة عشر عضواً من أعضاء المجلس، الذي أُسس عام 2002 لتقديم استشارات مستقلة بشأن القطاع الخاص. وكان مايكل الوحيد من بين المعيّنين الجدد الذي يتمتع بخبرة في مجال الشركات الناشئة.

وبالفعل، لعبت خلفيته في الاستثمار بشركات الذكاء الاصطناعي، و«البلوك تشين»، واللوجيستيات، والأنظمة الرقمية... وتحديداً، في المجالات التي تُعدّ اليوم قلب المنافسة الاستراتيجية مع الصين، دوراً كبيراً في جعله - في نظر فريق ترمب - «المختبر العملي» لقيادة سباق التكنولوجيا العسكرية، وهو ما أغرى ترمب بوضعه في رأس منظومة الابتكار العسكري.

خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أعلن ترمب - وكان لا يزال رئيساً منتخباً - عن نيته ترشيح مايكل لمنصب وكيل وزارة الدفاع للأبحاث والهندسة، وأكد مجلس الشيوخ ترشيحه في مايو (أيار) 2025. وفي أغسطس (آب)، أصبح قائماً بأعمال «مدير وحدة الابتكار الدفاعي».

واليوم، يُعد منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة أخطر منصب تكنولوجي في الحكومة الأميركية. فهو الذي يحدّد اتجاهات الاستثمار التكنولوجي، وأولويات «وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة» (داربا)، وبرامج الأسلحة الاستراتيجية، وتوازن القدرة الأميركية مقابل الصين وروسيا.

ولفهم أسباب اختيار ترمب لمايكل، يرى البعض أنه يجب النظر إلى سمات الشخصية مقابل حاجات المرحلة. وفي ظل الحاجة إلى سرعة التنفيذ، يعاب على «البنتاغون» العمل ببطء بيروقراطي قاتل، بينما يأتي مايكل من ثقافة «التحرك بسرعة وكسر الأشياء»، ويُنظر إليه كمن يستطيع اختصار سنوات من الدورة البيروقراطية في وزارة الحرب.

وفي عهد فتح الأبواب للقطاع الخاص، اتجه ترمب أيضاً خلال ولايته الثانية إلى جعل الابتكار العسكري يعتمد على الصناعة الخاصة لا على مختبرات الدولة فقط، وهو بالضبط ما يجسده مايكل في هذا النهج. وطبعاً، يضاف إلى ما سبق أن خبرته العالمية، ولا سيما مع الصين وروسيا، منحته نظرة دقيقة على نماذج الابتكار لدى الخصوم.

مع هذا، يثير تعيين مايكل في منصبه جدلاً داخل واشنطن. فبعض الأصوات ترى في تعيين رجل أعمال بهذا الانغماس في رأس المال المخاطر، خطوة قد تعمّق نفوذ الشركات على حساب القرارات الدفاعية. ثم إن موقفه الحازم من الصين - بعدما حذر من أنها تهدف إلى «احتكار الذكاء الاصطناعي العسكري» خلال 10 سنوات - قد يدفعه إلى قرارات سريعة وغير تقليدية، بعضها يزعج التيارات التقليدية.

خلفيته ورؤيته لـ«البنتاغون»

من جهة ثانية، مع أن مايكل لا يقدّم نفسه بوصفه «سياسياً هوياتياً»، ورغم أنه شخصية محافظة سياسياً، فإنّ تأثير هويته واضح. ذلك أن خلفيته بصفته قبطياً مهاجراً جعلته، بحسب مقرّبين، أقرب لفهم أهمية «توازن القوة» في المجتمعات الهشّة، ما جعله يؤمن بأن التفوّق العسكري الأميركي هو أحد صمامات استقرار الأقليات حول العالم.

هذا البعد له تأثير ضمني لكن مفهوم في قراره بالدخول إلى قطاع الأمن القومي، وينعكس في دعمه لبرامج الدفاع غير التقليدية، ولتطوير تقنيات يمكن أن تمنع الحروب قبل وقوعها. وعلى عكس كثير من التكنولوجيين الأميركيين الذين يملكون حسّاً «ليبرالياً » تجاه الأمن القومي، ينظر مايكل إلى الجيش كـ«قوة استقرار»، وليس فقط كمجرد مؤسسة عسكرية.

ومن ثمّ، من الآن وحتى 2030، تشير كل المؤشّرات داخل وزارة الحرب إلى أنّ مايكل يخطط لثلاثة محاور حاسمة:

- تفعيل «نظام الابتكار السريع»، عبر تحويل «البنتاغون» إلى بنية مشابهة لشركات التكنولوجيا، في اتخاذ القرارات السريعة، وتجارب متكررة، ونسخ أولية، ثم تصنيع.

- إعادة توجيه وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (داربا) نحو الذكاء الاصطناعي العسكري الكامل، ليس فقط كأداة دعم، بل كمكوّن قتالي مستقل.

- عسكرة البيانات، عبر تطوير أنظمة ميدانية تعتمد على بيانات اللحظة، بما يشبه نموذج «أوبر» في مراقبة الحركة البشرية، لكن في ساحات الحرب.

ولهذا بالضبط، نجده اليوم في رأس الهرم التكنولوجي للولايات المتحدة، في لحظة تتقرر فيها ملامح القرن الأميركي أو نهايته.


كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)
TT

كيف يختلف مايكل عمّن سبقوه في منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة؟

كاثلين هيكس (آب)
كاثلين هيكس (آب)

يمثّل صعود إميل مايكل إلى منصب وكيل وزارة الدفاع للبحث والهندسة تحولاً واضحاً في طبيعة القيادة التكنولوجية داخل «البنتاغون»، مقارنةً بكل من مايكل غريفين وهايدي شو وديفيد هوني وكاثلين هيكس، الذين شكّلوا المسار المؤسسي التقليدي خلال العقد والنصف الماضيين.

مايكل غريفين (2018 - 2020) العالم الصاروخي، هو نموذج «العالم الكلاسيكي» داخل المؤسسة الدفاعية الأميركية. فيزيائي صواريخ، ومدير سابق لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، ورجل قائم على المدرسة البحثية الثقيلة.

كان تركيزه على الفضاء، والصواريخ، والأنظمة الفرط صوتية، وتطوير أنظمة الردع الاستراتيجي. والفارق الجوهري بينه وبين مايكل يكمن في الخلفية: غريفين ابن المؤسسات الأكاديمية والعسكرية التقليدية، بينما مايكل آت من شركات التكنولوجيا الفائقة النمو، ما يجعله أكثر ميلاً للسرعة والمخاطرة وتبني الابتكار التجاري.

هايدي شو (2020 - 2023) سيدة المنظومات الدفاعية، جاءت من خلفية إدارية - تكنولوجية تمتد لعقود داخل «البنتاغون»، مركّزة على الدفاع الصاروخي والسيبراني، ومثّلت «الاستمرارية» أكثر من التغيير، بينما يجسد مايكل «القطيعة» مع الإرث المؤسسي. إذ إنه لا ينتمي لتقاليد «البنتاغون»، بل لثقافة استثمارية عالمية، ما يجعله أقرب إلى مقاربة «الابتكار المفتوح» مع الشركات الناشئة.

ديفيد هوني (2023 - 2025) المهندس البيروقراطي، يُعدّ خبيراً في البيروقراطية الدفاعية، عارفاً بتعقيدات الهياكل الداخلية ودوائر الاستحواذ. وظيفته كانت تحسين الانسيابية لا تغيير الفلسفة. أما مايكل فيقدّم رؤية انقلابية: تسريع القرارات، ونقل تقنيات القطاع الخاص مباشرة إلى ساحة القتال، وتخفيف دور البيروقراطية لصالح دينامية الشركات.

كاثلين هيكس (2021 - 2025) نائبة وزير الدفاع، تعد العقل الاستراتيجي المدني، ومع أنها لم تشغل الموقع نفسه، لكنها قادت بحكم موقعها، الإشراف على ملفات التكنولوجيا والتحوّل الدفاعي.

أيضاً مثلت هيكس المدرسة الاستراتيجية الليبرالية - التقليدية في الأمن القومي، ويمثل مايكل المدرسة المحافظة - التجارية، المتمحورة حول المنافسة مع الصين والتفوق الصناعي.

أخيراً، في حين يمثل الأربعة المذكورون خط الاستمرارية المؤسسية، يأتي إميل مايكل من خط الاختراق التكنولوجي التجاري. فهو أول من جمع بين خبرة وادي السيليكون والعمل المباشر في ساحات الدفاع، ما يجعل تعيينه انتقالاً من «عقود البحوث البطيئة» إلى «سباق الزمن التكنولوجي» في مواجهة الخصوم الدوليين للولايات المتحدة.