الأردن... جدلية العلاقة بين «الإخوان» والسلطة

ارتباط «الجماعة» و«جبهة العمل الإسلامي» عقّد الصلات بالدولة

تظاهرة لناشطي الحركة الإسلامية ومناصريها (رويترز)
تظاهرة لناشطي الحركة الإسلامية ومناصريها (رويترز)
TT

الأردن... جدلية العلاقة بين «الإخوان» والسلطة

تظاهرة لناشطي الحركة الإسلامية ومناصريها (رويترز)
تظاهرة لناشطي الحركة الإسلامية ومناصريها (رويترز)

بعد سنوات وعقود من «الصمت الرسمي» على تجاوزات «جماعة الإخوان المسلمين»، نفد صبر السلطات الأردنية أمام «اختراق» مهمٍّ نفذه أتباع ومنتمون للجماعة تستهدف «زعزعة» الأمن الوطني بالثلاثية المتعلقة بما بات يعرف بـ«خلية تصنيع الصواريخ والتجنيد والتدريب وتصنيع الطائرات المسيّرة». وكانت القضية المنظورة لدى محكمة أمن الدولة (قضاء عسكري مختص بقضايا الإرهاب والجرائم الاقتصادية) قد جرى الكشف عنها مع نهايات الشهر الماضي.

وُلدت «جماعة الإخوان المسلمين» في الأردن عام 1946 بصفتها جمعيّةً دعوية، وانتشر حضورها في مناطق متعددة. وكانت تبثّ خطابها الدعوي لجذب المريدين، وهو ما حصل في السنوات التي انتعشت فيها «الجماعة» بمواجهة الشيوعيين والبعثيين خلال خمسينات القرن الماضي وستيناته، ولقد لوّنت تلك التيارات الحياة السياسية في البلاد مع بداية حكم الراحل الملك الحسين بن طلال (1935 - 1999).

كان الشيوعيون والبعثيون في الأردن يطمحون إلى الاستحواذ على السلطة، مستوردين أحلامهم من تجارب شركائهم في سوريا والعراق ومصر. ووقفت تلك المرحلة على أعتاب خصومة شديدة بينهم وبين الراحل الملك الحسين، فكانت «حركة الضباط الأحرار» واحدة من محاولاتهم قبل الكشف عنهم، وهم الذين أعفى عنهم الحسين وأعادهم للخدمة. وفي ذروة نشاط «الجماعة» عام 1957 استطاع الملك الراحل توظيف «الجماعة» التي صار انتشارها الذي أصبح واسعاً، في مواجهة الخصوم المشتركين للطرفين. وبالفعل، كان لتقاطع المصالح بين الحسين و«الجماعة» فرصة لتحييد الخصوم التقليديين الذين تعرّضوا للسجن، في ظل أحكام عرفية فُرضت إبان سنوات الحكم الأولى الصعبة للحسين، لكنه اجتهد في تكتيكاته حتى تنقل بانسيابية بين المواقف والقوى السياسية.

خلفيات لا بد منها

يوم 17 من فبراير (شباط) الماضي، طرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سؤالاً خلال واحد من لقاءاته الشعبية: «بعد 25 سنة ليش أغير موقفي؟... 25 سنة بقول كلا للتهجير... كلا للتوطين.. كلاّ للوطن البديل». الجملة الساخنة في كلام الملك كانت توجه اتهاماً لمجموعة لم يسمِّها عندما قال: «للأسف عندنا ناس جوّه البلد بياخدوا أوامر من الخارج... عيب عليهم».

هذه التصريحات فتحت الباب على تصعيد لأفراد الحركة الإسلامية في البلاد - ممثلة بـ«الجماعة» غير المرخّصة و«حزب جبهة العمل الإسلامي» - في شعاراتهم خلال المسيرات والوقفات الاحتجاجية التي اعتادوا تنفيذها في محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان، أو خلال في تنظيم مسيرات بعد صلاة الجمعة أمام الجامع الحسيني في وسط عمّان.

في الذاكرة القريبة أيضاً، يوم 17 فبراير من العام الماضي تمكّن مسلحان من الوصول إلى السياج الحدودي مع الضفة الغربية؛ لتنفيذ عملية ضد دورية إسرائيلية، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه تمكَّن من «تحييد مهاجمَين عبرا من الأردن إلى الأراضي الإسرائيلية» جنوب البحر الميت وأطلقا النار على جنود. وكان لافتاً حينذاك أن حزب «جبهة العمل الإسلامي» وليس «الجماعة» فقط أعلن «مباركته للعملية البطولية» التي نفذها اثنان من شباب الحركة الإسلامية. وعلى هامش الخلفيات المهمة، كان ما قاله الناطق الرسمي للحكومة محمد المومني في اجتماع حضرته «الشرق الأوسط» في وقت سابق، بأن الخلية بدأ نشاطها في مايو (أيار) 2021.

سنوات من الاحتواء والرعاية الرسمية

في حكومة وصفي التل، الذي اغتيل في القاهرة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 1971 بعد نحو سنة من «أحداث سبتمبر/أيلول» 1970، عُين القيادي الإسلامي البارز الدكتور إسحاق الفرحان وزيراً للتربية والتعليم ووزيراً للأوقاف في فترتين منفصلتين. وأسندت مهمة تطوير مناهج التربية والتعليم إلى الفرحان الذي كان أنهى دراساته العليا في هذا المجال بالخارج. ومن هنا يُعتقد أن برنامج «الجماعة» الدعوي دخل ضمن الكتب المدرسية، وساعد في الأمر وجود معلمين منتسبين لها أو مقربين منها ساهموا في استكمال برنامج «تدين المناهج الدراسية».

والواقع، ليس الفرحان وحده الذي أدخل الدين بمناهج التربية والتعليم، بل كان هناك مبتعثون على حساب الحكومات الأردنية من «الجماعة» يتلقون دراساتهم المتقدمة في الولايات المتحدة. وبعد عودتهم تسلّموا مواقع متقدّمة في وزارة التربية والتعليم، من أبرزهم القيادي الدكتور عبد اللطيف عربيات، الذي ظل وكيلاً عاماّ للوزارة نحو عقد من الزمان، وهذا الموقع ضمِنَ للرجل الثاني في الوزارة استكمال خطة السيطرة على النشء من خلال الدين.

وبعد نجاح «الثورة الإيرانية» عام 1979، بدأ «الإسلام السياسي» في الأردن يستلهم من التجربة فرصة لصدارة المشهد السياسي محمولاً على أكتاف قواعده الموزّعة على مناطق المملكة، وتحديداً مراكز المدن الرئيسة الثلاث عمّان والزرقاء وإربد.

وعلى خط موازٍ، غدت وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية هدفاً سهلاً للحركة، التي تمكنت من التسلل إلى منابر المساجد عبر أئمتها. ومن ثم صارت المساجد عملياً مقار للعمل التنظيمي لـ«ألجماعة» في إطار دعوي قبل أن يتطوّر إلى عمل سياسي يستقطب مُريديه في حلقات الذكر والدروس التي كانت «الجماعة» تنظّمها بعد صلاة العشاء.

العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على منبر الأمم المتحدة (غيتي)

الترشّح للبرلمان... وما بعده

عام 1989، بعد أحداث «هبة نيسان» وإقالة حكومة زيد الرفاعي، وقرار العودة للحياة الديمقراطية، خاضت «الجماعة» انتخابات مجلس النواب الـ11 (1989 - 1993) وشكّلت كتلة وازنة في ذلك المجلس الذي حظي بثقة شعبية واسعة. وذهبت «الجماعة» في ذلك المجلس إلى منح الثقة لأول مرة والمشاركة في حكومة مضر بدران، تحت شعار «دعم الأردن للعراق في مواجهة عدوان قوى التحالف الدولي» بقيادة الولايات المتحدة.

وعام 1992 أسّس حزب «جبهة العمل الإسلامي»، وأصبح الذراع السياسية لـ«الجماعة». وبدء الكلام عن تبعية «الحزب» لـ«الجماعة»، وليس فك الارتباط بين العمل الدعوي والعمل السياسي. لكن الانقلاب في العلاقة حصل بين «الجماعة» والحكومات منذ قرار حكومة طاهر المصري - التي خلفت حكومة بدران - المشاركة في المؤتمر الدولي للسلام، الذي انعقدت أولى جلساته في العاصمة الإسبانية مدريد عام 1992، وتوقيع «الجماعة» مذكرة نيابية تدعو إلى طرح الثقة بحكومة المصري، قبل استقالة الأخير بإرادته.

من هناك، بعد إجراء انتخابات مجلس النواب الـ12 (1993 - 1997)، التي قاطعها الإسلاميون، سيطر على العلاقة بين «الجماعة» والحكومة غياب الثقة، ودخلت «الجماعة» و«الحزب» في حالة سكون إبان فترة مرض الملك الراحل الحسين، وتسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.

بعدها شارك «الحزب» في انتخابات مجلس النواب الـ14 عام 2003 بعد تعطيل الحياة البرلمانية لمدة سنتين بسبب «الانتفاضة الثانية». وفعلاً فاز 16 نائباً يمثلون «الحزب» (أي جبهة العمل الإسلامي).

واستمرت علاقات المد والجزر بين الحركة الإسلامية والمؤسسات الرسمية. وبعد الدعوة إلى انتخابات مجلس النواب الـ15 عام 2007، شارك كل من «الجماعة» و«الحزب» إثر إبرام صفقات مع حكومة الرئيس معروف البخيت. لكن الانتخابات شهدت تجاوزات خطيرة، اعتبرها «الحزب» انقلاباً على ما سبق الاتفاق عليه إثر فوز 6 نواب إسلاميين فقط.

«الصقور» و«الحمائم»

تلك الفترة عرفت أصعب الانقسامات داخل الحركة الإسلامية، وتحرّر تيار «الصقور» من سطوة تيار «الحمائم»، وانتهت الأزمة بانشقاق قيادات سابقة اتهمت قيادات فاعلة باختطاف «الجماعة» و«الحزب» من قِبل «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس)، وسيطرتها على هويتيهما بعد السعي للانقلاب على أدبيات وثوابت الحركة. وبالفعل، نتج عند ذلك انشقاق القيادي البارز ارحيل غرايبة الذي أسس حزب «المبادرة الوطنية» (زمزم)، والقيادي سالم الفلاحات الذي أسس حزب «الشراكة والإنقاذ»، وكان سبقهما القيادي عبد الرحيم العكّور الذي أسس حزب «الوسط الإسلامي».

وأدت سيطرة تيار «الصقور» المتشدّد إلى استعداء المؤسسات الرسمية والأمنية على الحركة، وانقطاع شعرة الثقة بينهما إلى أن قرّرت حكومة عبد الله النسور (2012 - 2016) قبول طلب تأسيس «جمعية الإخوان المسلمين» خلفاً لـ«جماعة الإخوان المسلمين» القائمة، وإلغاء ترخيص «الجماعة» الأم عام 2015، ليبقى حزب «جبهة العمل الإسلامي» الواجهة السياسية للتنظيم. بيد أن «الجماعة» ظلت ناشطة رغم اعتبارها غير مرخَّصة، وذلك على مرآى حكومات سابقة ومسمعها.

تاريخ فاصل في العلاقة الجدلية

يوم 23 أبريل (نيسان) الماضي أعلن وزير الداخلية مازن الفراية «الجماعة» منظمة «محظورة» في البلاد، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة بتنفيذ حملات أمنية من أجل إغلاق مقارها ومصادرة ممتلكاتها وتجميد أصولها. ويمكن القول إن ما حصل الأربعاء قبل الماضي واحد من جملة تداعيات مُحتملة لما بعد يوم 15 من الشهر الماضي، بعد الكشف عن خلية منتمية لـ«الجماعة» سعت لتنفيذ نشاطات مسلّحة قد تهدّد أمن المملكة واستقرارها. وبدا لمراقبين أن السلطات الأردنية قد تذهب إلى ما هو أبعد من فكرة تحييد «الجماعة» المحظورة وقياداتها في الفعل السياسي على الساحة المحلية وقطع اتصالاتها مع الخارج والداخل، وخصوصاً مع بقاء باب الاحتمالات مفتوحاً على علاقة حزب «جبهة العمل الإسلامي» بالخلية، ولتلك اللحظة حساباتها المركّبة.

مصدر سياسي قال لـ«الشرق الأوسط» أخيراً «استقوت الحركة بالشارع، مستخدمة خطابها العاطفي في جذب الحشود تحت عناوين قضايا معيشية وأخرى سياسية». «لقد تلقوا تعليمات مباشرة من قيادات من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ... واختلطت الأمور لدى قيادات الجماعة فتحوّلوا من جماعة أردنية إلى فرع من فروع (حماس) في الخارج، لينتهي دورها الوطني عند تغيير أولويات الجماعة وأجندتها السياسية».

معاهدة السلام

مفهومٌ أن أبرز التحولات التي شهدها «الجماعة» و«الحزب» جاءت بعد مصادقة الأردن على قانون معاهدة السلام مع إسرائيل. وهو ما شكّل مِفصلاً مهماً في الانقسام على أُسس إقليمية بعد إعلان قيادات وازنة انتماءها والتزامها بتوجيهات مُرسلة يمكن حصرها فقط بـ«حماس».

وعلى فترات، توالى انشقاق عدد من القيادات البارزة. وأيضاً، على فترات متباعدة سيطرت «حماس» على قرارات «الجماعة» الأردنية. وتدخلت «حماس» فعلاً في المشهد السياسي الأردني قبل إغلاق مكاتبها في عمّان عام 1999، وبعده أيضاً، عبر «تسخين وتحشيد الجماعة والحزب ومنتسبيهما في مواجهة السلطات المحلية». ويمكن تتبع تاريخ التدخلات «الحمساوية» بعدما سيطر الفكر المتشدّد على تيار «الصقور» داخل الحركة الإسلامية. والكلام المنسوب لمصادر رسمية مطلعة يُفيد «بأن صدر السلطات الأردنية ضاق بعد استنفاد استخدام مصطلحات الاحتواء والاسترضاء والمرونة في التعامل مع قوى سياسة لم تُثبت حسن النوايا على صعيد مشاركتها السياسية في البلاد».

بعد نجاح «الثورة الإيرانية» بدأ «الإسلام السياسي» في الأردن

يستلهم من التجربة فرصة لتصدر المشهد

التوضيح الرسمي الأردني

يؤكد الموقف الرسمي الأردني حق المقاومة الفلسطينية المشروع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه يرفض أن تكون الجبهة الشرقية لنهر الأردن منطلقاً لعمليات عسكرية ضد الاحتلال، لما يمكن أن يتسبب في إقحام الأردن بمواجهة مباشرة مع إسرائيل. ثم إن الأردن ملتزم بمعاهدة السلام، ويُصرّ بالمقابل على التزام إسرائيل. وهذا الموقف ليس جديداً، وبالأخص رفض أن يكون الأردن منطلقاً لأي عمل عسكري ضد الجوار.

وتنبَّه الرسميون لما نفذه «الحزب» و«الجماعة» خلال العقدين الأخيرين من «استعراضات استفزازية» في الشارع، وخلال سنوات «الربيع الأردني» بين أعوام (2011 - 2014) كانت مسيرات الحركة الإسلامية تستعرض بتشكيلات لعناصر مُدربة تقدّمت صفوف المحتجين، لتتفاعل جبهات إعلامية خارجية في بث الإشاعات وتبني أخبار كاذبة للتشويش على الداخل.

وتطوّرت الإجراءات الرسمية من دون الاكتفاء بحظر «الجماعة» وإغلاق مقارها في المراكز الرئيسة والمحافظات. إذ طالت أيضاً توقيف القيادي البارز في «الجماعة» أحمد الزرقان، والتحقيق معه بصفته المسؤول المالي فيها، وقد يكون هو المرجع في تحديد أصول وحسابات وممتلكات «الجماعة» في الأردن وخارجه.

تغيّر ظروف العلاقة

وهكذا، بعد عقود من «استخدام» السلطات الأردنية «الإخوان» لمواجهة تيارات سياسية مناوئة، انقلبت الأمور في السنوات الـ15 الأخيرة، إثر سيطرة «الصقور» على المواقع القيادية، ومن ثم سيطرة تيار «حماس» على قرار «الجماعة» في المملكة.

ولئن كانت الخصومة مدفوعة شكلاً بمواجهة «الصقور»، فإن الخصومة مدفوعة جوهراً بمعلومات توافرت لدى الأجهزة الأمنية عن «تبعية» إخوان الأردن لقيادات من «حماس» التي أغلقت مكاتبها في عمّان عام 1999، وهو عام تسلّم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية.

واستمرت العلاقة المضطربة خلال سنوات «الربيع الأردني»، لا سيما مع أزمة المطالبة بعودة نقابة المعلمين ودور «إخوان» الأردن بتحريك احتجاجات المعلمين، الذي يعتقد أن قاعدة عريضة منهم تنتمي لـ«الجماعة» وذراعها السياسية حزب «جبهة العمل الإسلامي».

ووسط سيطرة «الجماعة» و«الحزب» على قيادة نقابة المعلمين عدداً من الدورات، صدر قرار قضائي في يوليو (تموز) 2020، قضى بـ«تعليق عمل نقابة المعلمين وإغلاق مقارها كافة لمدة سنتين، كما صدرت مذكرات استدعاء شملت النقيب وأعضاء المجلس، على خلفية قضايا منظورة لدى القضاء». ليكون حل وإغلاق نقابة المعلمين «خطوة منتظرة» قد لا يتجاوز موعدها صيف العام الحالي.

صبر رسمي أم ضعف؟

خوفاً من استحقاق مواجهة قضايا ذات اتصال بالرأي العام، غضّت الحكومتان السابقتان، أي حكومة عمر الرزّاز 2018 - 2020 وحكومة بشر الخصاونة (2020 - 2024) عن تطبيق الحكم من جهات إنفاذ القانون، متجاهلتين المسؤولية الأدبية والسياسية عن مزاجية تطبيق حكم قضائي قطعي.

وهكذا، تفجَّرت في حضن الرسميين صدمة نتائج الانتخابات الأخيرة في سبتمبر من العام الماضي، حين حصل الإسلاميون على نحو 460 ألف صوت على مستوى مقاعد الدائرة المخصّصة للأحزاب من إجمالي المقترعين البالغ عددهم نحو 1.6 مليون من أصل نحو 5 ملايين ناخب يحق لهم المشاركة في الانتخابات.

هذه النتائج تسببت بإحالة قيادات أمنية بارزة في جهاز المخابرات العامة إلى التقاعد، وكانت النتائج نفسها مدعاة لمراجعة التشريعات السياسية، بعد تعثر النسخة الأولى من برنامج التحديث السياسي في البلاد الذي انطلق بمناسبة دخول المملكة الأردنية المئوية الثانية من عمرها.

وهو ما يضع الأردن بين استحقاقين: استكمال بناء الحياة السياسية على أرضية من التعددية السياسية من خلال المزيد من الحريات، أو الاعتراف بمشكلة ضعف البنية التحتية سياسياً!


مقالات ذات صلة

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

حصاد الأسبوع من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

أدت مجموعة من القضايا في العراق إلى تسخين الأجواء باكراً مع تحضير القوى السياسية لخوض الانتخابات المقبلة. وهذه الانتخابات تبدو مصيرية على كل الصعد،

حمزة مصطفى (بغداد)
حصاد الأسبوع لي جاي ميونغ

لي جاي ميونغ... الرئيس الكوري الجنوبي أمام تحدي إنقاذ الديمقراطية ومعركة الفساد

بعد ثلاث سنوات من التعرّض للهزيمة، نجح لي جاي ميونغ، مرشح «الحزب الديمقراطي» لمنصب الرئاسة في كوريا الجنوبية، في الفوز بأرفع منصب في البلاد. ويأتي انتخاب لي،…

براكريتي غوبتا ( نيودلهي)
حصاد الأسبوع صناعة السيارات في كوريا الجنوبية تواجه حرب واشنطن التجارية (نيوز1 كوريا)

العهد الجديد في كوريا الجنوبية أمام استحقاقات السياسة الخارجية

لم يُختبر لي جاي-ميونغ، رئيس كوريا الجنوبية الجديد، بعد فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، كونه لم يخض كثيراً في الشؤون الدولية إبان فترة عمله مسؤولاً محلياً.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع مركباات عسكرية أثناء إحدى جولات المواجهات في ليبيا (أ.ب)

ليبيا: حسابات الخصوم تفتح الأبواب «على المجهول»

شرعت الأزمة الليبية أبواباً جديدةً على مستقبل غامض، دفعت إليه حسابات سياسية وعسكرية لخصوم وأفرقاء في بلد يغرق في الفوضى منذ 14 سنة، وتتنازعه سلطتان متصارعتان بي

علاء حموده (القاهرة)
حصاد الأسبوع استعاد توم برّاك  وعائلته جنسية أجداده الذين هاجروا من مدينة زحلة اللبنانية

توماس برّاك سفير أميركا لدى تركيا... مكانة «فريدة في عالم ترمب»

في تقرير رفعته وزارة الخارجية الأميركية يوم 17 مارس (آذار) 2025، إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، تحت عنوان «شهادة كفاءة مثبتة» لطلب ترشيح توماس

إيلي يوسف (واشنطن)

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
TT

متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب في موسم الانتخابات العراقية

من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)
من جلسات القمة العربية في بغداد (رويترز)

أدت مجموعة من القضايا في العراق إلى تسخين الأجواء باكراً مع تحضير القوى السياسية لخوض الانتخابات المقبلة. وهذه الانتخابات تبدو مصيرية على كل الصعد، نظراً لحجم الشحن و«التسقيط» (الاستهداف السلبي) السياسي والضخّ المالي والتصعيد الطائفي. غير أن أهمية هذه الانتخابات، المقرّرة في نهاية العام الحالي، لا تنحصر بكونها مجرد استحقاق انتخابي يتكرّر كل 4 سنوات، بل لكونها تحوّلت الآن إلى أشبه بمحاولة خروج من عنق زجاجة أزمة الحكم في العراق، خصوصاً أن هناك متغيرات إقليمية تهدد أوزان الأحزاب العراقية في موسم الانتخابات.

في ظل المتغيرات الإقليمية المحيطة بالعراق، ينشغل السياسيون العراقيون مبكراً بالتخطيط لخوض الانتخابات النيابية المحددة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والتي يتوقع أن تحدث تغييراً جوهرياً في أوزان الأحزاب.وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الانتخابات المقبلة نهاية العام الحالي، التي يراد من خلالها تحقيق نتائج كبيرة بنتيجة تحالف سياسي كبير، يستفيد من وقائع عديدة. أهمها أولاً مخرجات قمة بغداد التي عقدت في مايو (أيار) الماضي، وثانياً طريق التنمية، وثالثاً جلب الشركات والدول للاستثمار. وأهمية هذه الانتخابات لا تنحصر بكونها مجرد استحقاق انتخابي يتكرّر كل 4 سنوات، بل بكونها تحوّلت الآن إلى أشبه بمحاولة خروج من عنق زجاجة أزمة الحكم في العراق، فيما يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إحداث تغيير عبر خوضه الانتخابات مع أوسع تحالف.وفي المقابل، وجدت القوى السياسية التي تخاصمه وحكومته أن «نجاح» السوداني في القمة العربية، يكسبه مزيداً من النقاط الإيجابية لخوض الانتخابات البرلمانية السادسة، التي تأتي بعد عام 2003، وسط انقسام غير مسبوق بين الفرقاء السياسيين. فالسوداني يرى أن دور بغداد يكمن في «جمع الأشقاء، كما هو دورها التاريخي، من أجل صياغة رؤية استراتيجية للمستقبل تضمن الأمن والاستقرار والتنمية والتكامل بين شعوبنا الشقيقة». وفي المقابل، وجدت القوى السياسية التي تخاصمه وحكومته أن «نجاح» السوداني في القمة العربية سيكسبه مزيداً من النقاط الإيجابية وسط تأهب العراق خلال شهور لإجراء الانتخابات البرلمانية السادسة، التي تأتي بعد عام 2003، وسط انقسام غير مسبوق بين الفرقاء السياسيين. مع هذا، بينما نجح خصوم السوداني في خلق جوّ مشحون أدّى في النهاية إلى تغيّب عدد من الزعماء العرب، فإن بغداد الرسمية التي هيّأت كل مستلزمات نجاح القمة نجحت في الخروج بقرارات مهمة على صعيد العمل العربي المشترك، في ظل تحديات غير مسبوقة.

وعلى الجانب الآخر، كان ضمن الإيجابيات ما كتبت عنه مئات من وسائل الإعلام العربية التي شاركت في القمة. إذ توزّع الإعلاميون العرب على 3 فنادق كبرى بالعاصمة العراقية بغداد، هي «الرشيد» و«قلب العالم» و«موفنبيك»، وتمكّنوا من تغطية وقائع القمة، من «القصر الرئاسي»، بفضل تسهيلات غير مسبوقة قدّمتها لهم الجهات العراقية الرسمية.

وكذلك غطّوا أجواء بغداد، التي لم تعد تنام الليل وسط حالة من الأمن والأمان بالقياس إلى فترات سابقة، خصوصاً أيام قمة بغداد السابقة عام 2012، حين أغلقت العاصمة تماماً، وفرض حظر التجوال لمدة 3 أيام تجنباً للتفجيرات والخروق الأمنية.

ملاعق القمة!

من جهة ثانية، عمليات «التسقيط» السياسي، التي سبقت القمة بأيام، استمرت بعدها بأيام، وكانت من قبل نوعين من الجهات داخل العراق. الجهة الأولى، هي التي لا تريد أي انفتاح عراقي على محيطه العربي أو أي انفتاح عربي على العراق. والجهة الثانية، هي التي لديها خصومات مع محمد شيّاع السوداني وحكومته نظراً لما تحقق خلال السنتين ونصف السنة الماضية من «لمسات»، سواء في بغداد أو في عدد من المحافظات، وهو ما قد يرفع أسهم رئيس الوزراء خلال الانتخابات البرلمانية نهاية العام الحالي.

الجهة الأولى فشلت في تحقيق هدفها، أي منع أي انفتاح متبادل بين العراق ومحيطه العربي، نظراً لما تحقق خلال القمة التي لم تقاطعها أي دولة عربية، بصرف النظر عن مستوى التمثيل. أما الجهة الثانية، فراحت في سياق «حربها» ضد القمة إلى البحث عن تفاصيل لا تعني أحداً، كالكلام عن استيراد ملاعق طعام (باللهجة العراقية «خواشيق») بنحو 12 مليون دولار أميركي. وللعلم، عندما قدّمت وجبة الطعام الوحيدة للزعماء العرب بعد الجلسة الأولى لم يكن لافتاً وجود ملاعق ذات ميزة مختلفة عما يقدم من ملاعق في أي وجبة طعام رئاسية أو ملوكية.

وطبعاً، كان الجانب الآخر من مساعي هذه الجهة زعمها أنها هي التي «منعت مشاركة عدد من الزعماء العرب» الذين تناوئهم أطرافها في بغداد، وفي مقدمهم الرئيس السوري أحمد الشرع، فضلاً عن الرئيس اللبناني جوزيف عون، الذي زار العراق بعد القمة، إثر تسوية، ما بدا أنها تصريحات أثارت لغطاً داخل العراق عن «الحشد الشعبي».

أجواء «التسخين»

في أي حال، لا يمرّ شيء مروراً عابراً في العراق. فبعد انتهاء القمة، وعودة الأجواء إلى طبيعتها، تلقت بغداد الرسمية عشرات التقارير عمّا يمكن عدّه وقائع مهمّة، إن كان على صعيد الرصد الإعلامي، أو المواقف السياسية. هذا الأمر بات يهيئ لمخرجات جديدة، تمثلت أساساً في رهانات بغداد لربطها جذرياً مع محيطها العربي والإقليمي في شراكات سياسية أو اقتصادية. وفي الوقت عينه، بدأت معركة موازية، بدأت بين مختلف الأطراف المناوئة لتطلعات السوداني للفوز بولاية ثانية. هذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر الانتخابات المقبلة نهاية العام الحالي، التي يراد من خلالها تحقيق نتائج كبيرة بنتيجة تحالف سياسي كبير، يستفيد من وقائع عديدة. أهمها أولاً مخرجات قمة بغداد، وثانياً طريق التنمية، وثالثاً جلب الشركات والدول للاستثمار.

أزمة حكم أم سلطة؟

في الواقع، ثمة «أزمة حكم» في العراق يراها مراقبون الآن «أزمة سلطة». والسبب تعدد الولاءات، وكون الآيديولوجيات والعقائد ليست وليدة الظروف الراهنة التي يمرّ بها العراق لدى تأهبه للاستحقاق الانتخابي السادس، بل أضحت عنواناً بارزاً لكل المراحل السابقة بعد عام 2003. وخصوصاً مع إسقاط دبابة أميركية تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس ببغداد، صبيحة 9 أبريل (نيسان) 2003. مع سقوط التمثال، انتهت حقبة من أزمة الحكم والسلطة الفردية في العراق، لتبدأ البلاد جولة جديدة من الأزمات السياسية.

هذه الجولة احتوت ظاهراً كل عناصر النجاح؛ من تداول سلمي للسلطة، وإجراء انتخابات في موعدها، وانتخاب برلمان، وتشكيل حكومة. إلا أنها حقّاً حملت وتحمل كثيراً من بذور الفشل بسبب الديمقراطية المشوهة والانقسامين الطائفي والعرقي، ما انعكس في توزيع المناصب على ضوء هذه المعادلة المذهبية العرقية، بدءاً من منصب رئيس الجمهورية، وصولاً إلى «فرّاشي» المدارس الابتدائية.

لذا، مع بدء التحضير للجولة السادسة من الانتخابات، باتت أزمة الحكم تلقي بظلالها الثقيلة على إمكانية تعديل طبيعة النظام الديمقراطي الذي توافق عليه العراقيون بعد عام 2003. ومع أن الانتخابات المقبلة، وهي السادسة بعد أول انتخابات عام 2005، إثر إقرار أول دستور دائم في العام ذاته، فإن التحضيرات لإجرائها تبدو اختباراً حاسماً يثير سؤالاً محورياً في مختلف الأوساط، هو؛ هل ستكون هذه الانتخابات فرصة حقيقية للتغيير... أم مجرّد حلقة إضافية في تكريس أزمة الحكم؟

للطائفية عنوان

المؤشرات المتاحة، ولغة الأرقام بشأن حجم الأموال التي تضخّ في هذه الانتخابات، والتصاعد الواضح في الخطابين الطائفي والعرقي، كلها ترجّح كفة التشاؤم. إذ تبدو فرص التغيير أمنية بعيدة المنال، بينما تزداد المؤشرات على استمرار «سمات الفشل» التي حكمت المشهد السياسي في العقدَيْن الماضيين.

ويضاعف من حجم التساؤلات غياب التغيير الحقيقي، حتى في أبسط الجوانب الخدمية، كملف الكهرباء، وهو الشريان الحيوي للحياة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. فمع أن العراق يُعدّ من أغنى دول المنطقة من حيث الموارد المالية، تشير التقارير الرسمية إلى أنه ينفق سنوياً ما يقارب 7 مليارات دولار على قطاع الكهرباء، في حين بلغ مجموع ما أُنفق على هذا القطاع منذ عام 2003 نحو 200 مليار دولار، من دون تحقيق تحسّن ملموس.

وإلى جانب أزمة الكهرباء، تعاني بقية القطاعات الخدمية والإنتاجية من ركود واضح، باستثناء تطوّرات محدودة شهدتها السنتان الأخيرتان من عمر حكومة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني. إذ نجحت هذه الحكومة في إحداث تحوّل ملحوظ في البنية الخدمية للعاصمة بغداد، نال إشادة واسعة من أوساط سياسية وإعلامية، خصوصاً خلال القمة العربية الأخيرة في بغداد.

وعلى الرغم من ذلك، للصورة جانب آخر، يتمثّل في طبيعة إدارة الحكم وآليات توزيع السلطة والمناصب في العراق، فضلاً عن التداخل بين القوات الرسمية للدولة وقوى مسلحة أخرى، بعضها اكتسب صفة رسمية مثل «الحشد الشعبي»، رغم استمرار الجدل حول موقع الفصائل المسلحة داخله، ومدى خضوعها للقيادة الرسمية. وأيضاً، هناك «فصائل مسلحة» لا تتلقى أوامرها من الحكومة العراقية، بل تعدّ نفسها مرتبطة بتكليف «شرعي» صادر عن القيادة الإيرانية، خصوصاً إبان مرحلة ما عُرف بـ«محور الممانعة» المنهار بعد نحو سنتين من عملية «طوفان الأقصى». واستطراداً، لا يمكن إغفال وجود قوات «البيشمركة» الكردية التي تُعدّ جزءاً آخر من هذا التعدد الأمني والعسكري المعقّد.

وهكذا، من أبرز الإشكاليات البنيوية التي تواجه السلطة العراقية، تعدّد مراكز القرار وتضارب الصلاحيات، في ظل دستور عام 2005 الذي لم يمنح وضوحاً كافياً في توزيع السلطات والأدوار بين مختلف مستويات الحكم. وكمثال، لا يتعلق الخلاف بين بغداد وأربيل، بمسألة تحويل الأموال أو دفع رواتب موظفي إقليم كردستان فقط، بل يعود أساساً إلى إشكالية دستورية أعمق، ترتبط بطبيعة النظام الفيدرالي نفسه.

فعقب التغيير في عام 2003، كان الكرد والشيعة، لكونهما أبرز أطراف المعارضة لنظام صدام حسين، على توافق شبه كامل، تُرجم في صياغة سريعة لدستور عام 2005، وفي تبني نموذج فيدرالي للحكم من دون التعمّق في تبعاته المستقبلية، ومن دون أن يُحسب حساب ما قد تؤول إليه الأمور لاحقاً. ولكن بعد مرور عقدَيْن، تحولت العلاقة الثنائية من تحالف إلى خصومة مستحكمة دائمة.

الخلل في الدستور

السبب الجوهري لذلك يكمن في بنية النظام السياسي. إذ تبيّن أن الدستور الذي كان ثمرة اتفاق مرحلي، أصبح اليوم عبئاً مشتركاً بين الطرفَيْن. ثم إن الفيدرالية، التي منحت للكرد مرونة سياسية من قِبل الأطراف الشيعية في تلك المرحلة، تحولت إلى أزمة حكم، ولا سيما بعدما أحكمت القوى الشيعية، بحكم غالبيتها السكانية، سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة، ما هزّ التوازن السياسي تماماً. في ظل هذه الأجواء يتجه العراقيون نحو الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقررة بنهاية العام الحالي، وسط أجواء مشحونة بالمال، باتت موضع جدل واسع حتى داخل أروقة الطبقة السياسية، ولا سيّما قيادات الصفّ الأول.

لكن التمويل الانتخابي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل امتدّ ليشمل التحريض الطائفي والعرقي، واستثمار قضايا اجتماعية وثقافية قابلة للتسييس، بهدف التأثير على جمهور متنوّع في وعيه وثقافته وانتماءاته، ما يجعله عرضة للاختراق والتوجيه.

كذلك يميّز المشهد الحالي، للمرة الأولى منذ 2003، أن الطبقة السياسية بدأت تشعر بوجود تهديد فعلي لمواقعها ونفوذها، في ضوء متغيرات إقليمية لافتة في محيط العراق، عربياً وإيرانياً. وعليه، تُشكل الانتخابات المقبلة نقطة مفصلية؛ فإما تكون فرصة لبعض القوى لإحداث تغيير حقيقي في معادلة توزيع المناصب السيادية العليا، أو تتحول كالعادة إلى «محطة» أخرى على «سكة» تكريس أزمة الحكم، التي لا تتجاوز كونها توزيعاً تقنياً لمقاعد البرلمان، تُبنى عليه محاصصة سياسية للوزارات والمناصب، من دون أي مساس جوهري ببنية النظام أو الدستور، ما يعني في نهاية المطاف بقاء الوضع على ما هو عليه.

محمد شياع السوداني (رووداو)

بغداد وأربيل... الإشكالية الدائمة

> في ضوء كل ما يمكن تسليط الضوء عليه عراقياً، يستحيل تخطي العلاقة المتشابكة والمتداخلة بين الحكومة العراقية وسلطة إقليم كردستان العراق. فهي تمثّل جوهر أزمة الحكم في ظل دولة تعددية اختارت طبقاً للدستور النظام الفيدرالي، لكنها أخفقت في تطبيقه كما يجب. وفي حين يقال إن القوى السياسية المهيمنة في بغداد تستغل الخلافات الحزبية - الحزبية في أربيل، فإنه وبالتزامن مع تحذير رئيس حكومة «الإقليم» مسرور بارزاني لبغداد - مذكراً إياها بنتائج «سياسة التجويع» - دخلت واشنطن على خط الأزمة، وإن بمنظور مختلف نسبياً. بغداد تراهن على خلافات بدأت تطفو على السطح بين الأحزاب الكردية بشأن أزمة الرواتب، بينما تراهن أربيل على المواقف الدولية، وخصوصاً موقف واشنطن الداعم، ولقد جاءت دعوة وزارة الخارجية الأميركية بشأن أزمة الرواتب موجهة، ليست للحكومة الاتحادية فقط، بل لحكومة الإقليم. وفي حين بدا موقف «الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني بشأن الأزمة مع بغداد مختلفاً عن موقف «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وحكومة الإقليم، قررت بغداد عدم إرسالها الوفد الرسمي الحكومي والحزبي للتباحث بشأن أزمة الرواتب، بعد إعلانه الأسبوع الماضي عزمها على إرسال وفد رفيع المستوى بزعامة هادي العامري زعيم منظمة «بدر» المقرّب من الزعيم الكردي مسعود بارزاني. وفي سياق الجدل بين الطرفين، الذي يبدو أنه آخذ بالتصاعد، وبينما تنشط أطراف من «الإطار التنسيقي» في اللعب على وتر الخلاف بين الحزبين الكرديين الكبيرين في السليمانية وأربيل، دعا الموقف الأميركي الرسمي الطرفين إلى حل الخلاف، ورآه مراقبون حيادياً من شأنه تعزيز أوراق بغداد في سياق أي مباحثات رسمية أو موازية بين الجانبين.