جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

أستاذ التاريخ والعلوم الاجتماعية يعيد كتابة حاضر بلاده

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
TT

جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً
خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً

في أسرة سياسية بغرب أفريقيا، تفتحت عيناه للمرة الأولى، وخبر السياسة منذ نعومة أظافره، وتعلّمها إبّان دراسته وعمله أستاذاً للتاريخ، لكن مسيرته تعرّضت لهزة في منتصف عمره، حينما سلك المنفى طريقاً للنجاة. إنه جون ماهاما، الذي لم يجد في المنفى عنوانه، فعاد إلى بلده غانا بعد سنوات من التعليم، وصعد إلى السلطة خلال 28 سنة، من برلماني لوزير، فنائب رئيس ثم رئيس، وبعد مغادرته المنصب، عاد تحت ضغوط اقتصادية رئيساً لفترة ثانية. ماهاما رئيس حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (يسار الوسط) المعارض، فاز بانتخابات الرئاسة في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، على مرشح الحزب الحاكم محمودو باووميا، ليعود إلى قصر الحكم في ولاية ثانية على رأس البلد الأفريقي الغني بالذهب والكاكاو، والذي كان تحت قيادة كوامي نكروما «رائد» الحركة الاستقلالية في «أفريقيا السمراء» عن الاستعمار الأوروبي.

وُلد جون دراماني ماهاما يوم 29 نوفمبر (تشرين الثاني) 1958 في بلدة دامونغو بمنطقة بولي في النصف الشمالي من غانا، آنذاك، وهو ينتمي إلى شعب الغونجا. أما والده، إيمانويل أداما ماهاما، فكان مزارعاً ميسوراً وعضواً في البرلمان عن دائرة غرب غونجا، وشخصية مقربة من الزعيم التاريخي الاستقلالي كوامي نكروما.

جون أمضى السنوات الأولى من حياته مع والدته، أبيبا نابا، في دامونغو، قبل أن ينتقل إلى العاصمة أكرا؛ ليعيش مع والده، الذي غرس فيه شغفاً قوياً بالتعليم. وفي أكرا تلقى تعليمه الأساسي في مدرسة أشيموتا الأساسية، وانتقل لاحقاً إلى مدرسة غانا الثانوية في مدينة تامالي بشمال البلاد. ثم حصل من جامعة غانا، كبرى جامعات البلاد، على درجة بكالوريوس الآداب في التاريخ عام 1981، وبعد ذلك درّس التاريخ في مدرسة غانا الثانوية. إلا أن الوضعَين السياسي والاقتصادي في غانا أجبراه على الفرار إلى نيجيريا، حيث عاد إلى والده الذي كان يعيش في المنفى.

لاحقاً، عام 1983 عاد جون إلى غانا؛ حيث التحق ببرنامج الدراسات العليا في قسم دراسات الاتصال بجامعة غانا، وتخرج عام 1986، ثم توجه إلى الاتحاد السوفياتي السابق، حيث أكمل دراساته العليا في علم النفس الاجتماعي بمعهد العلوم الاجتماعية المرموق في موسكو عام 1988. وبعد التخرج عاد إلى الوطن، حيث دخل معترك السياسة عام 1996، وانضم إلى حزب «المؤتمر الوطني الديمقراطي» (NDC) - حزب اليسار الرئيس في البلاد - ولاحقاً انتُخب لعضوية البرلمان الغاني نائباً عن دائرة بولي - بامبوي لمدة 4 سنوات، وأُعيد انتخابه في انتخابات عامَي 2000 و2004.

الطريق نحو الحكم

خلال هذه الفترة البرلمانية، تولّى جون ماهاما منصب نائب وزير الاتصالات في عام 1997، وشغل منصب وزير الاتصالات بين عامي 1998 و2001. وخلال مرحلة تولّيه وزارة الاتصالات، لعب ماهاما دوراً رئيساً في استقرار وتطوير قطاع الاتصالات في غانا. وصار ناطقاً باسم المعارضة البرلمانية من عام 2001 حتى 2005 قبل أن يترشح نائباً للمرشح الرئاسي جون إيفانز أتا ميلز عام 2008، ويصبح نائباً للرئيس بالفعل في عام 2009.

بعدها، في يوليو (تموز) 2012، خلف ماهاما الرئيسَ أتا ميلز، الذي توفي قبل انتخابه في ديسمبر 2012 رئيساً لولاية ثانية، وبذا دخل التاريخ بصفته أول رئيس يولد بعد إعلان استقلال غانا في 6 مارس (آذار) 1957.

إنجازات

خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة، كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً. ووفق سيرته الذاتية، عام 2012، كان رصيد غانا في «مؤشر الديمقراطية» 6.02، محتلةً المرتبة الـ78 في العالم. ولكن عام 2016 عندما ترك منصبه كان رصيد غانا 6.75، ما وضعها في المرتبة الـ54 على مستوى العالم، ما صنّفها خامس أكثر الدول ديمقراطيةً في أفريقيا.

أيضاً، كان ترتيب غانا بالنسبة للمساواة بين الرجال والنساء في المرتبة الـ71 على مستوى العالم عام 2012، إلا أنها تقدمت تحت رئاسته إلى المرتبة الـ59 عام 2016. وفي السياق ذاته، إبان رئاسة ماهاما، وصل ترتيب غانا على صعيد حرية الصحافة إلى المرتبة الـ26 عام 2016، بعدما سجل ترتيبها في 2021 المرتبة الـ41، وانخفضت معدلات البطالة من 3.6 في المائة عام 2012 إلى 2.3 في المائة عام 2016. وكذلك انخفض مؤشر التفاوت بين البشر من 31.9 في المائة عام 2012 إلى 28.8 في المائة عام 2016، كما انخفض التفاوت في التعليم من 40.9 في المائة عام 2012 إلى 34.9 في المائة عام 2016.

وحقاً، تؤكد السيرة الذاتية لجون ماهاما أن رئاسته الأولى بين من عام 2012 وعام 2016، حملت لغانا «تحوّلاً حقيقياً». إلا أنه مع ذلك خسر الانتخابات الرئاسية أمام منافسه اليميني نانا أكوفو أدو، الذي استمر في الحكم ولايتين متتاليتين، مدة كلٍ منهما 4 سنوات.

ولكن، بما أن الدستور الغاني يمنع منح الرئيس أكثر من ولايتين، قرّر الرئيس المنتهية ولايته مضطراً التنحّي جانباً وترشيح ودعم نائبه محمودو باووميا، لخوض السباق مع 11 مرشحاً آخر. غير أن ماهاما استطاع هذه المرة - من باب زعامته للمعارضة على مدار سنوات - استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ومنها ارتفاع الأسعار والتضخم والبطالة، ليهزم مرشح الحزب الحاكم وينتصر... بعد محاولتين سابقتين باءتا بالفشل.

وهكذا، يوم 9 ديسمبر الماضي، أعلنت مفوضية الانتخابات في غانا، فوز جون ماهاما في الانتخابات الرئاسية، إذ حصل على 56 في المائة من الأصوات، مقارنة بمرشح الحزب الحاكم ونائب الرئيس محمودو باووميا، الذي حصل على 41 في المائة. وأظهرت النتائج أن نسبة المشارَكة في الانتخابات بلغت 60.9 في المائة، انخفاضاً من 79 في المائة في انتخابات 2020.

دور الاضطراب الاقتصادي

لقد أنهت العودة الساحقة لجون ماهاما 8 سنوات في السلطة للحزب الوطني الجديد تمثلت بعهد الرئيس السابق نانا أكوفو أدو، الذي اتسمت ولايته الأخيرة بأسوأ اضطراب اقتصادي عرفته غانا منذ سنوات، وبخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي وسط تخلفها عن سداد ديونها. وبالفعل، أقرَّ باووميا بالهزيمة في الانتخابات - الرئاسية والتشريعية - وأعلن خلال مؤتمر صحافي، قبل الإعلان الرسمي للنتيجة، أن شعب غانا صوَّت من أجل التغيير، وهو يحترم قراره.

تعهدات غانية

هنا تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ماهاما كان قد تعهد في أثناء حملته الانتخابية، «بإعادة ضبط» أوضاع البلاد على مختلف الأصعدة. وقال في خطاب له إن النتائج تحمل «لحظة أمل ووحدة»، لافتاً إلى أن الانتقال من إدارة إلى أخرى يخلق انطباعاً بوجود فراغ في السلطة. ثم ذكر أنه تلقى تقارير عن وقوع هجمات على مكاتب ومنشآت حكومية. وأردف: «مع أنه ليس من الواضح مَن يقف وراء هذه الهجمات، فإنني أدينها بكل وضوح. ولا بد أن تتوقف هذه الأعمال على الفور». وتابع: «بما أن السلطة في الدولة لا تزال في أيدي الإدارة الحالية، فإنني أدعو الرئيس الحالي والأجهزة الأمنية إلى التحرك بشكل حاسم للحد من أعمال الفوضى المستمرة».

ومن ثم، كشف الرئيس المنتخب، في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، عن أنه زار الرئيس السابق بناءً على دعوته لبدء عملية الانتقال للسلطة.

تحديات جمة

أخيراً، مع عودة جون ماهاما للرئاسة، تُسلط الأضواء على تحديات ولايته التي كانت تحاط بأزمات أبرزها في قطاع الكهرباء والانقطاعات المتكررة للتيار حينذاك. وفعلاً يتوقع كثيرون أن تنتظره معارك سياسية مع تمسكه بتشريع يحمل قيوداً بشأن التنقيب الأهلي عن الذهب بطريقة غير قانونية، والتوقّف الفوري عن منح أي تراخيص جديدة للمنقّبين، في بلد يصنف أكبر منتج للذهب في أفريقيا، ما يثير مخاوف إثر اعتماد قطاعات واسعة من السكان على ذلك النشاط.واقتصادياً، وعد «بإعادة ضبط» غانا، وإطلاق انتعاش اقتصادي، وإعادة التفاوض على أجزاء من اتفاق صندوق النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار. وللعلم، ضم خطاب الفوز، وعداً من ماهاما بإجراء تعديلات وإجراءات «صارمة» لإعادة غانا إلى المسار الصحيح.


مقالات ذات صلة

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

حصاد الأسبوع  جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول)

بولا إسطيح (بيروت)
حصاد الأسبوع جون أتا ميلز (رويترز)

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

على امتداد 6 عقود منذ الاستقلال، استطاعت غانا - التي عُرفت قديماً باسم «ساحل الذهب» - تخطي تحديات عدة، والتحوُّل إلى دولة أفريقية استثنائية انتقلت من قيود

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)

عهدة ماكرون الثانية على المحكّ

> مع تفاقم الأزمة السياسية التي تتخبط فيها فرنسا، يشتدّ الضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون لدفعه إلى الاستقالة باعتباره المسؤول الأول عن هذه الوضعية بعد قراره

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

جون أتا ميلز (رويترز)
جون أتا ميلز (رويترز)
TT

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

جون أتا ميلز (رويترز)
جون أتا ميلز (رويترز)

على امتداد 6 عقود منذ الاستقلال، استطاعت غانا - التي عُرفت قديماً باسم «ساحل الذهب» - تخطي تحديات عدة، والتحوُّل إلى دولة أفريقية استثنائية انتقلت من قيود الاستعمار إلى ريادة ديمقراطية في منطقة مضطربة تعجّ بالتقلّبات. ومع عودة جون دراماني ماهاما إلى الرئاسة من جديد تُعيد غانا، التي كانت أول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تنزع عنها قيود الاستعمار، تأكيدَ مكانتها بوصفها أيقونةً للاستقرار وسط أمواج الانقلابات التي تشهدها القارة السمراء.

تقع غانا، في منطقة غرب أفريقيا، وتحدها بوركينا فاسو من الشمال، وتوغو من الشرق، وكوت ديفوار من الغرب، وجنوباً خليج غينيا والمحيط الأطلسي. اللغة الرسمية للبلاد هي الإنجليزية، بجانب اللغات المحلية المتعددة، إذ يتكلم أهل غانا نحو 50 لغة أصلية أهمها: «الأكان»، و«الإيوي»، و«الجا»، و«الداغاري»، و«الداغباني».

كوامي نكروما

أما بالنسبة للمال والاقتصاد، فإن عُملة غانا الوطنية هي السيدي (1 سيدي يساوي 0.17 دولار أميركي). وبما يخص ثروتها الاقتصادية، فإنها بلاد رائدة في إنتاج الذهب في القارة السمراء، وكانت هذه الثروة سبب تلقيبها بـ«ساحل الذهب». كذلك تعدّ غانا ثاني أكبر منتِج للكاكاو على مستوى العالم، بإجمالي إنتاج يبلغ 1.1 مليون طن، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. غير أنها رغم ثرواتها الطبيعية فإنها تشهد أزمةً اقتصاديةً منذ سنوات عدة، اضطرت تحت وطأتها للجوء إلى صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) 2023.

ديموغرافياً، يبلغ عدد سكان غانا نحو 29 مليون نسمة، يتوزَّعون على مجموعات عرقية ولغوية أهمها الأشانتي (47.5 في المائة)، والمولي-دانغبون (16.6 في المائة)، والإيوي (13.9 في المائة). وبالنسبة لمدنها، فأكبرها وأبرزها العاصمة أكرا، تليها مدن كوماسي وتامالي في الداخل، وتاكورادي وسيكوندي على الساحل.

جيري رولينغز (رويترز)

أما سياسياً، ففيما يلي أهم المحطات السياسية في تاريخ غانا:

- عام 1957 استقلت عن بريطانيا.

- عام 1960 اعتُمد أول دستور للبلاد، وانتُخب كوامي نكروما أول رئيس.

- انقلاب عسكري في فبراير (شباط) 1966 ينهي حكم نكروما، وتلته عقود طويلة من الانقلابات العسكرية.

- عام 1992، بدأت أولى خطوات عملية التحول الديمقراطي، عبر استفتاء شعبي، تلاه إجراء أول انتخابات رئاسية أثمرت تحت قيادة الضابط جيري رولينغز انتقالاً سلمياً للسلطة مرات عدة، بخلاف جيران غانا في غرب أفريقيا.