عهدة ماكرون الثانية على المحكّ

الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

عهدة ماكرون الثانية على المحكّ

الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون (رويترز)

مع تفاقم الأزمة السياسية التي تتخبط فيها فرنسا، يشتدّ الضغط على الرئيس إيمانويل ماكرون لدفعه إلى الاستقالة باعتباره المسؤول الأول عن هذه الوضعية بعد قراره حلّ البرلمان، بل إن البعض بدأ يتكلّم عن أزمة نظام أكثر من أزمة سياسية. إذ لا رئيس الوزراء فرنسوا بايرو ولا غيره يستطيع حلحلة الوضع لأن المجموعات النيابية الكبرى (الكتلة الوسطية وائتلاف اليسار واليمين المتطرف) تتبنى قناعات سياسية شديدة التباين ولن تجد أرضية للعمل معاً.

وانطلاقاً من هذا المبدأ، انطلقت مطالبات الاستقالة، أولاً مع المعارضة وحزب «فرنسا الأبية» الذي رفض أعضاؤه المشاركة في المباحثات مع بايرو ودعوا إلى استقالة ماكرون. ثم امتدّت إلى أطراف أخرى بما فيها «الخضر» واليمين واليمين المتطرف.

فرنسوا كوبي، أحد كوادر اليمين الجمهوري وعمدة ضاحية مو، اعتبر أنه لا يوجد حل آخر للمشكلة سوى تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة لأن ماكرون هو الوحيد الذي لم يدرك بعد أنه لن يستطيع الاستمرار حتى 2027. أما شارل دو كورسون، مقرّر الموازنة العامة المنتمي للوسط، فقد رأى أن استقالة ماكرون قد تحل «الأزمة المؤسساتية» الناجمة عن حل الجمعية الوطنية، وأضاف في حديثه على قناة «إل سي آي» أن الرئيس هو «أصل الفوضى السياسية». النغمة نفسها رددها اليمين المتطرف إذ صرّح النائب سباستيان شنو بأن الرئيس «سيضطر إلى الرحيل إذا وصلت البلاد إلى طريق مسدود».

في هذه الأثناء، تشير التقارير الصحافية أيضاً إلى «ضربات من الداخل»، أي بين صفوف تيار ماكرون نفسه لإضعاف موقفه وحمله على الاستقالة، وهذا بمناسبة سلسلة تحقيقات نشرتها صحيفة «لوموند» عن كواليس قصر الإليزيه، وتقول إنها من «مصادر مقربة من الإليزيه». وهي تنسب للرئيس تصرفات «غير لائقة»، زاعمة أن ماكرون أطلق على مكتب رئيس الوزراء السابق غابريال آتال لقب «لاكاج أو فول»، وهي مسرحية هزلية تسخر من المثليين، في إشارة إلى آتال المعروف بميوله المثلية. وأيضاً ادّعت أنه أطلق على زعيمة حزب «الخضر» مارين توندولييه واليسارية لوسي كاستيتس ألقاباً مهينة للنساء، وأنه تفوّه بتعليقات عنصرية حول مشاكل المستشفيات في جزيرة مايوت.

وفي مداخلة صحافية شرح المحلّل الصحافي ريجيس دو كاستولنو أن «هذه التحقيقات التي تنشرها صحيفة لوموند، والتي تمثل النخبة، تدل على أن ماكرون بات معزولاً، فحتى حاشيته المقربة أضحت توجه له الضربات... وقد يكون هذا نوعاً من الانتقام لأنه أنهى مهام معظمهم بحل البرلمان من دون استشارتهم، لكنه بالتأكيد مؤشر على اقتراب نهاية عهدته».

وبالفعل، تأزم الوضع يتجسد أيضاً في تدني شعبية الرئيس، إذ كشفت آخر دراسة لمعهد «أودوكسا» أن 61 في المائة من الفرنسيين يتمنون استقالة الرئيس بارتفاع 7 نقاط عن شهر سبتمبر (أيلول)، و71 في المائة منهم قالوا إن الرئيس بات مصدر قلق بالنسبة لهم. في المقابل، ماكرون نفى نيته الاستقالة، مقترحاً تنظيم استفتاء، علماً بأنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الدستور الفرنسي يتيح له حق اللجوء إلى استخدام المادة 16 التي تعطيه كامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية. وكانت صحيفة «ماريان» قد كشفت عن أن ماكرون استشار خبراء في القانون الدستوري بهذا الشأن، بيد أن المعارضة تتوعد الرئيس بمصير مشابه لنظيره في كوريا الجنوبية (العزل) إذا لجأ للمادة 16.


مقالات ذات صلة

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

حصاد الأسبوع  جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول)

بولا إسطيح (بيروت)
حصاد الأسبوع خلال فترة رئاسة ماهاما الأولى بين 2012 و2017 شهدت غانا تحوّلات مهمة كان أهمها بناء ديمقراطية أكثر حيوية ونشاطاً

جون ماهاما... «العائد» إلى الحكم في غانا يراوغ التحديات

في أسرة سياسية بغرب أفريقيا، تفتحت عيناه للمرة الأولى، وخبر السياسة منذ نعومة أظافره، وتعلّمها إبّان دراسته وعمله أستاذاً للتاريخ، لكن مسيرته تعرّضت لهزة في

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع جون أتا ميلز (رويترز)

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

على امتداد 6 عقود منذ الاستقلال، استطاعت غانا - التي عُرفت قديماً باسم «ساحل الذهب» - تخطي تحديات عدة، والتحوُّل إلى دولة أفريقية استثنائية انتقلت من قيود

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

جون أتا ميلز (رويترز)
جون أتا ميلز (رويترز)
TT

غانا... نموذج «ديمقراطي استثنائي» في قلب أفريقيا المضطربة

جون أتا ميلز (رويترز)
جون أتا ميلز (رويترز)

على امتداد 6 عقود منذ الاستقلال، استطاعت غانا - التي عُرفت قديماً باسم «ساحل الذهب» - تخطي تحديات عدة، والتحوُّل إلى دولة أفريقية استثنائية انتقلت من قيود الاستعمار إلى ريادة ديمقراطية في منطقة مضطربة تعجّ بالتقلّبات. ومع عودة جون دراماني ماهاما إلى الرئاسة من جديد تُعيد غانا، التي كانت أول دولة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تنزع عنها قيود الاستعمار، تأكيدَ مكانتها بوصفها أيقونةً للاستقرار وسط أمواج الانقلابات التي تشهدها القارة السمراء.

تقع غانا، في منطقة غرب أفريقيا، وتحدها بوركينا فاسو من الشمال، وتوغو من الشرق، وكوت ديفوار من الغرب، وجنوباً خليج غينيا والمحيط الأطلسي. اللغة الرسمية للبلاد هي الإنجليزية، بجانب اللغات المحلية المتعددة، إذ يتكلم أهل غانا نحو 50 لغة أصلية أهمها: «الأكان»، و«الإيوي»، و«الجا»، و«الداغاري»، و«الداغباني».

كوامي نكروما

أما بالنسبة للمال والاقتصاد، فإن عُملة غانا الوطنية هي السيدي (1 سيدي يساوي 0.17 دولار أميركي). وبما يخص ثروتها الاقتصادية، فإنها بلاد رائدة في إنتاج الذهب في القارة السمراء، وكانت هذه الثروة سبب تلقيبها بـ«ساحل الذهب». كذلك تعدّ غانا ثاني أكبر منتِج للكاكاو على مستوى العالم، بإجمالي إنتاج يبلغ 1.1 مليون طن، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. غير أنها رغم ثرواتها الطبيعية فإنها تشهد أزمةً اقتصاديةً منذ سنوات عدة، اضطرت تحت وطأتها للجوء إلى صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) 2023.

ديموغرافياً، يبلغ عدد سكان غانا نحو 29 مليون نسمة، يتوزَّعون على مجموعات عرقية ولغوية أهمها الأشانتي (47.5 في المائة)، والمولي-دانغبون (16.6 في المائة)، والإيوي (13.9 في المائة). وبالنسبة لمدنها، فأكبرها وأبرزها العاصمة أكرا، تليها مدن كوماسي وتامالي في الداخل، وتاكورادي وسيكوندي على الساحل.

جيري رولينغز (رويترز)

أما سياسياً، ففيما يلي أهم المحطات السياسية في تاريخ غانا:

- عام 1957 استقلت عن بريطانيا.

- عام 1960 اعتُمد أول دستور للبلاد، وانتُخب كوامي نكروما أول رئيس.

- انقلاب عسكري في فبراير (شباط) 1966 ينهي حكم نكروما، وتلته عقود طويلة من الانقلابات العسكرية.

- عام 1992، بدأت أولى خطوات عملية التحول الديمقراطي، عبر استفتاء شعبي، تلاه إجراء أول انتخابات رئاسية أثمرت تحت قيادة الضابط جيري رولينغز انتقالاً سلمياً للسلطة مرات عدة، بخلاف جيران غانا في غرب أفريقيا.