هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

في انتظار تسلمه الرئاسة الأميركية بتفويض قوي

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.



مقالات ذات صلة

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع غالانت (رويترز)

أبرز «وزراء الحرب» في تاريخ إسرائيل

برزت طوال تاريخ إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، أسماء عدد من وزراء الدفاع؛ لارتباطهم بحروب كبيرة في المنطقة، لعلّ أشهرهم في الشارع العربي موشيه ديان

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».