جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
TT

جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

ارتبط اسم قائد الجيش اللبناني جوزف عون، في أذهان اللبنانيين بمعركتين صعبتين: الأولى «معركة الجرود» التي قادها بنجاح أمام مئات المسلحين من تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» في 2017، والأخرى حربه الطويلة ضد المحسوبيات والفساد في المؤسسة العسكرية التي تمكن من الحفاظ عليها كواحدة من المؤسسات القليلة الصامدة في بلد يعاني انهياراً شاملاً.

لكن ربما يكون الجنرال الأول في لبنان مقبلاً على المعركة الأصعب في تاريخه على الإطلاق، مع عودة اسمه مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية، تعوِّل عليه أطراف عدة لملء الفراغ الرئاسي الذي أتم عامه الثاني، والخروج بالبلاد من تبعات حرب طاحنة.

يرصد جنرال سابق في الجيش اللبناني زاملَ عون، تشابهاً بين الأخير وبين الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان أول قائد للجيش يصبح رئيساً للجمهورية وشهد عهده إصلاحات واسعة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قائد الجيش يشبه المجهول الذي كأنه فؤاد شهاب الملقب بالصامت الأكبر... لا يمكنه أن يقول كلمة لا يستطيع تنفيذها. ولذلك يتعامل الجميع معه برهبة».

ويوضح أن «مشكلة العماد عون أنه لا يدخل في بازارات سياسية. كثيرون في الداخل وفي الخارج دعوه إلى الدخول في بازار سياسي. دعوه إلى إطلاق مواقف تُرضي هذا الطرف أو ذاك. لكنه غير معنيّ بأي بازار سياسي».

لكن مَن هذا الرجل الذي «يشبه المجهول» ويترفع عن «البازارات السياسية»؟ وما حظوظه في الوصول إلى قصر بعبدا؟

يشغل العماد عون منصب قائد الجيش منذ 8 مارس (آذار) 2017، وهو من مواليد عام 1964 في منطقة سن الفيل بقضاء المتن قرب بيروت، لكنه يتحدر من بلدة العيشية في جنوب لبنان. يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويحمل إجازة في العلوم السياسية (اختصاص شؤون دولية) وإجازة جامعية في العلوم العسكرية. متزوج ولديه ولدان. تطوّع عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط وأُلحق بالكلية الحربية عام 1983.

«فجر الجرود» وعمادة الدم

بدأ دور عون في البروز عام 2015 عندما عُيّن قائداً للواء التاسع المنتشر على الحدود مع إسرائيل. لكن سرعان ما تم نقله بعد عام إلى شرق لبنان حيث كان يتحصن في مناطق جرداء على الحدود مع سوريا مئات المسلحين المنتمين إلى تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش».

العماد عون خلال معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

خطف التنظيمان آنذاك مجموعة من العسكريين الذين ذُبح بعضهم أو أُعدم بالرصاص. تصدى عون لهذا التحدي الإرهابي ولكن من قيادة الجيش، إذ تمت ترقيته إلى رتبة عماد وتعيينه قائداً للمؤسسة العسكرية في 8 مارس (آذار) 2017، في ظل تولي العماد ميشال عون (لا صلة قرابة بينهما) رئاسة الجمهورية.

أطلق الجيش بقيادة جوزف عون، في 19 أغسطس (آب) 2017، عملية «فجر الجرود» لطرد المتشددين من معاقلهم الحدودية مع سوريا، وهو ما تمكن من تحقيقه بسرعة. توجّه عون وقتها إلى جنوده قائلاً: «بعد أن أنهيتم عملية (فجر الجرود) التي حققتم فيها انتصاراً حاسماً على الإرهاب بطرده من جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، تعود هذه المنطقة العزيزة إلى كنف السيادة الوطنية، معمّدةً بدماء رفاقكم الشهداء والجرحى وبعرق جباهكم الشامخ».

وفي 30 أغسطس، قال قائد الجيش عن تلك المعركة: «كنت أمام خيارين. إما أن أكمل المعركة من دون معرفة مصير العسكريين، وإما أن أوقفها وأعرف مصيرهم ولا أخسر مزيداً من الشهداء»، مضيفاً أن الأهم بالنسبة له كان الانتصار في المعركة من دون خسائر في صفوف الجيش.

حماية انتفاضة 2019

فرحة الانتصار في معركة «الجرود» لم تدم طويلاً. إذ سرعان ما دخلت البلاد في سلسلة أزمات سياسية واقتصادية وأمنية تُوّجت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بانفجار انتفاضة شعبية ضد الطبقة الحاكمة. اضطر العماد عون إلى نشر الجيش بطريقة تحمي المحتجين وحقهم في التظاهر السلمي، من دون السماح بالمس بمؤسسات الدولة.

أثار هذا الدور للمؤسسة العسكرية آنذاك حنق الرئيس ميشال عون الذي رأى أن المظاهرات تستهدفه شخصياً. كان ذلك واضحاً فعلاً من الشعارات التي رددها محتجون حاولوا الوصول إلى القصر الجمهوري في بعبدا، ورفع بعضهم صور قائد الجيش.

متظاهرون يرفعون صور قائد الجيش في وسط بيروت خلال انتفاضة 2019 (أ.ف.ب)

أدت الاحتجاجات الشعبية إلى تعميق الانقسام بين الطبقة السياسية وشريحة واسعة من المواطنين المطالبين بالتغيير. وفي ظل هذا الانقسام، تعمّقت أزمات البلاد التي شهدت انهياراً اقتصادياً مخيفاً تجلى خصوصاً في تراجع قيمة العملة الوطنية من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى 90 ألف ليرة للدولار. وزاد الطين بلة أن المصارف اللبنانية قلّصت قدرة المواطنين على سحب مدخراتهم التي تبخرت قيمتها الفعلية، فيما دخلت البلاد مرحلة إفلاس بعدما عجز المصرف المركزي على سداد مستحقات الديون المترتبة على لبنان.

وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فقد جاء انفجار مرفأ بيروت، في أغسطس 2020، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث، ليسلط الضوء على عمق الانهيار في لبنان.

لكن الانتخابات النيابية التي جرت عام 2022 لم تؤدِّ في الواقع إلى تغيير يُذكر، إذ أعاد اللبنانيون انتخاب برلمان منقسم على نفسه، كما كان حاله قبل الانتفاضة. وانتهى عهد رئيس الجمهورية في أكتوبر 2022 من دون أن يتمكن البرلمان من انتخاب خلف له. ودخلت البلاد منذ ذلك الوقت في فراغ عمّ مؤسسات الدولة التي بات كثير منها يُدار بالوكالة أو من خلال تصريف الأعمال.

«عشرات ملايين الدولارات لم تغيّره»

في ظل هذه الصورة السوداوية للوضع العام في لبنان، برزت المؤسسة العسكرية بوصفها واحدة من المؤسسات القليلة التي صمدت في وجه الانهيار. يقول سياسي لبناني يعرف قائد الجيش عن قرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «مؤسسة الجيش بقيادة العماد عون برزت صمام أمان يعطي الأمل بأن لبنان قادر على الخروج من أزماته».

ويوضح السياسي الذي فضل عدم نشر اسمه، أن عون باشر منذ تسلمه قيادة الجيش في 2017 حملة واسعة لمكافحة الفساد والمحسوبيات داخل المؤسسة العسكرية، طالت عدداً كبيراً من العسكريين.

لكن دور عون «محارب الفساد» لم يكن سوى عامل واحد من العوامل التي دفعت إلى بروز اسمه بصفته شخصية يُعوَّل عليها للعب دور يُنقذ البلد من الانهيار. يقول السياسي في هذا الإطار: «هناك ما تُعرف بالأموال الخاصة في الجيش، وهي تأتي من خارج الموازنة التي تحددها الحكومة من خلال وزارة المالية. هي عبارة عن هبات أو أموال يحصل عليها الجيش من نشاطات وأعمال يقوم بها. بعد عام 2020، بات الجيش شبه مفلس. موازنته التي كانت تعتمد الدولار على أساس 1500 ليرة صارت تواجه دولاراً سعره 90 ألف ليرة».

ويوضح أن «دولاً صديقة للبنان حوّلت مساعداتها للجيش، خصوصاً بعد انفجار المرفأ. قالت إنها لا تثق إلا بالجيش لتوزيع المساعدات. وهكذا صارت كل المساعدات تُحوّل إلى الجيش وتذهب إلى ما تُعرف بالأموال الخاصة الموضوعة بتصرف قائده. نحن نتحدث هنا عن عشرات ملايين الدولارات. وعلى مدى 4 سنوات من تولي العماد عون إدارة هذه الأموال لم يتمكن أحد من خصومه أو خصوم المؤسسة العسكرية من تقديم دليل واحد على أن إنفاق هذه الأموال يتم في غير محله. عشرات ملايين الدولارات من الأموال الخاصة موضوعة بتصرف قائد الجيش، لكنها لم تغيّره. ما زال العماد عون مثلما كان عندما تولى قيادة الجيش في 8 مارس 2017. لم يتغير».

الجيش أمام اختبار «الفتنة»

منعطف آخر في مسيرة قائد الجيش يعزز حظوظه لاعباً أساسياً محتملاً في مستقبل بلد منقسم على نفسه. لعب عون على رأس المؤسسة العسكرية دوراً لا يقل شأناً في حماية السلم الأهلي، حين طوّق حادثتين كادتا تعودا بلبنان إلى مربع الحرب الأهلية.

وقعت الحادثة الأولى في منطقة الطيونة ببيروت، في 14 أكتوبر 2021. نظّم وقتها مؤيدون لـ«حزب الله» و«حركة أمل» مسيرة اعتراضاً على رد دعوى قضائية لاستبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار، عن القضية. فقد اتهمه مؤيدو «الثنائي الشيعي» بأنه «منحاز ومُسيّس» وطالبوا باستبعاده عن التحقيق، وسط أنباء عن إمكان توجيهه التهمة إلى «حزب الله» بالمسؤولية عن الانفجار.

مرّت المسيرة بين شطرين في بيروت تقطن إحداهما غالبية مسيحية فيما تقطن في الجانب الآخر غالبية شيعية. وقع إطلاق نار تطوَّر إلى انتشار لمسلحي الحزب والحركة وصدام بينهم وبين سكان المنطقة المسيحية. دفع الجيش بقواته لإنهاء الصدام وسيطر على الوضع الأمني. أدت المواجهات وقتها إلى سقوط 6 قتلى وأكثر من 32 جريحاً.

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الكحالة العام الماضي بعد الاشتباكات (رويترز)

تمثّل الحادث الثاني في اشتباكات 9 أغسطس 2023 بين عناصر من «حزب الله» وعدد من سكان بلدة الكحالة المسيحية، شمال بيروت. وقع الحادث على خلفية انقلاب شاحنة تابعة للحزب تردد أنها كانت تنقل أسلحة، فتجمّع سكان من الكحالة حولها.

لكن الأفراد الذين كانوا في الشاحنة ضربوا طوقاً أمنياً حولها، واشتبكوا مع السكان، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر «حزب الله». وهنا أيضاً تدخل الجيش، بقيادة عون، لمنع انزلاق البلاد من جديد في أتون نزاع أهلي.

«شهابية ثانية»؟

يرى السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» أن دور الجيش في هاتين الأزمتين «يجب أن يُطمئن جميع الأطراف»، بما في ذلك «حزب الله»، إلى نوع الرئاسة التي يجب توقعها في حال انتخاب جوزف عون رئيساً. ويضيف: «يعرف (حزب الله) أن الجيش لن يصطدم به. فالجيش بقيادة جوزف عون عرف كيف يكون صمام أمان للسلم الأهلي... من الطيونة إلى الكحالة. في الطيونة كان هناك محسوبون على بيئة (حزب الله)، وتدخل الجيش وحمى السلم الأهلي. وفي الكحالة تدخل الجيش أيضاً على خلفية ما حصل لشاحنة الأسلحة المزعومة لـ(حزب الله). الحزب يعرف هذين النموذجين. وهما يحصلان كل يوم».

ويقدّر أن «(حزب الله) لا يعترض في المبدأ على ترشيح عون، لولا أنه أعلن منذ البدء دعمه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إذا أراد الترشح للرئاسة». وينقل عن فرنجية قوله لمسؤولين إنه كان في جلسة مع الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله حين قال له الأخير: «لو لم تكن مرشحاً فليس عندنا مشكلة في ترشيح قائد الجيش».

في المقابل، يرى الجنرال السابق الذي زامل عون أن قضية ترشيح الأخير للرئاسة لا تتعلق بمن معه ومن ضده. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفرز ليس حول من معه ومن ضده. السؤال المطروح هو: هل هناك مشروع لإنقاذ لبنان أم لا. الإجابة عن هذا السؤال تحدد مسار وصول العماد عون للرئاسة».

ويوضح: «نحن الآن في وضع انهيار الثقة بلبنان داخلياً وخارجياً. المواطن اللبناني انهارت ثقته بدولته. المجتمع الدولي انهارت ثقته بكل ما هو لبناني. وفي المقابل، يجد جوزف عون نفسه على رأس مؤسسة هي آخر المؤسسات الصامدة بين حطام هذا البلد. ولذلك فإن أصدقاء لبنان يفكرون في هذا المثال الذي تقدمه المؤسسة العسكرية وقائدها».

ويلفت إلى أن «هذا المثال يمكن أن يقنع من لم يرحل من لبنان بأن هناك ثقة في أن البلد لن يتحول إلى جثة هامدة. نحن نتحدث هنا عن الشهابية الثانية، ولكن هل هناك إجماع عليها في الداخل أو الخارج؟».

قائد الجيش مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (الوكالة الوطنية)

دور ما بعد الحرب

الرهان على دور مستقبلي يلعبه العماد عون، في حال ترشحه للرئاسة، يبدو بلا شك مرتبطاً بما يمكن أن يقوم به بعد انتهاء الحرب الحالية بين «حزب الله» وإسرائيل. وأحد السيناريوهات المطروحة هو نشر الجيش على الحدود الجنوبية، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، في خطوة تؤدي إلى التطبيق الفعلي لمنع الانتشار المسلح لـ«حزب الله» قرب الحدود.

في هذا الإطار، يرى العميد المتقاعد إلياس حنا، أنه «ليس هناك أفضل من العماد جوزف عون لقيادة المرحلة المقبلة». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن رؤساء لبنان «يأتون عادةً في ظل ظروف تفرض وصول رئيس جمهورية بنوع معين وضمن توافق أو إجماع. مثلاً، يأتي ظرف مهم فيُطرح اسم رئيس بقبول دولي وعدم ممانعة كبيرة محلياً. هذا ما حصل مع فؤاد شهاب بعد عام 1958 (الثورة ضد حكم الرئيس كميل شمعون). في السبعينات، اختير إلياس سركيس رئيساً من السوريين، رغم أنه عاد وانقلب عليهم. كان رئيساً لتمرير مرحلة. في فترة الهيمنة السورية، كان كل الرؤساء مفروضين سورياً ويعملون ضمن الإطار السوري».

أما في الظرف الحالي، فيشدد حنا على أنه «من المهم أن يأتي رئيس توافقي. لا تستطيع أن تأتي بشخص يُعد رئيس تحدٍّ. هذا ما حُكي فيه باللقاء الثلاثي الأخير بين نبيه بري (رئيس البرلمان) ونجيب ميقاتي (رئيس الحكومة) ووليد جنبلاط (زعيم الحزب الاشتراكي). ولذلك فإن السؤال المطروح هو: ما الوظيفة أو المرحلة الانتقالية التي نريد الإتيان بها في هذا الظرف؟».

وينوه إلى أن «العماد عون ليس مقرباً من (حزب الله)... لكن الحزب سيرى نفسه خارجاً من حرب مضنية، ويمكن أن يرى أنه أمام قرار دولي جديد أو القرار 1701 معدلاً أو بمنظومة مختلفة وقواعد اشتباك جديدة لقوات الطوارئ. الجيش لن يشتبك مع الحزب... لكن الوظيفة المستقبلية للجيش ستتطلب نشره مع قوات (يونيفيل) وتعزيز استعادة الدولة سيادتها على كل أراضيها. الطرف الأكثر جهوزية لتنفيذ ذلك هو الجيش. ولذلك هناك حاجة لشخص يعرف الجيش من داخله بالتفصيل وأمضى فيه فترة طويلة. ليس هناك أفضل من أن يكون هذا الشخص جوزف عون».

عون بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)

ويشير حنا إلى أنه «عندما يأتي عون رئيساً للجمهورية ويتم تعيين قائد للجيش يتجانس معه، يكون التناغم بينهما تناغماً صحيحاً. سيكون رئيس جمهورية لكل اللبنانيين ويعيد ترتيب المرحلة».

ويضيف أن «العماد عون هو الأكثر قدرة على إيجاد حل لقضية (حزب الله)، سواء من خلال ضم الحزب ضمن الدولة أو نزع سلاحه وإيجاد حل لمقاتليه. لا أحد في المؤسسة العسكرية أهم من جوزف عون وأكثر قدرة منه على تحقيق هذا الهدف. المؤسسة العسكرية، رغم الاختلاف المذهبي والطائفي داخلياً في البلد، هي المؤسسة الوحيدة التي تجمع النسيج الوطني كله. هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت صامدة، وعون استطاع إخراجها من مرحلة اقتصادية صعبة وتحديات شعرنا بها جميعاً».

خيار بين لبنانين

ويتفق السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» مع رأي العميد حنا في أن العماد عون يمكن أن يمثل مخرجاً للأزمة الحالية، لكنه يحذّر من عمق الانقسام من البلد. ويقول: «البلد في الحقيقة منقسم بشكل حاد وعنيف. هناك كمية تحريض وأحقاد تُبَث من كل الأطراف. في ظل هذا الوضع صار هناك انطباع بأن هناك لبنانين. لبنان (حزب الله) والولاء لولاية الفقيه. ولبنان آخر مناقض تماماً للبنان (حزب الله)، ويقول إن لبنان (حزب الله) لا يشبهه ولا نستطيع العيش معه. هناك لبنانان لا يطيق أحدهما الآخر».

ورأى أن «جوزف عون هو الخيار الوحيد الذي يؤمّن الضمان لـ(حزب الله)، والذي يستطيع تطمين وجدان المسيحيين وإقناعهم بالبقاء في دولة واحدة عوض التقسيم. لكنَّ هذا المشروع لم ينضج بعد، لأن عون حتى الآن يترفع عن الدخول في المساومات السياسية (التي قد يتطلبها تمرير ترشيحه)، وهذه نقطة ضعف، لكنها في الوقت نفسه نقطة قوته لأنها تحتفظ له بالمسافة المطلوبة من الأفرقاء السياسيين».

حقائق

المؤسسة العسكرية... مسار لرؤساء الجمهورية في لبنان

في حال وصول قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، إلى رئاسة الجمهورية، لن يكون بالطبع الرئيس الوحيد القادم من رأس المؤسسة العسكرية.

  • كان الأول فؤاد شهاب الذي تولى الرئاسة خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 1958 حتى 22 سبتمبر 1964. شغل شهاب منصب قائد الجيش ثم منصب وزير الدفاع. انتُخب رئيساً خلفاً للرئيس كميل شمعون عقب ثورة عام 1958. خلال فترة حكمه تعزز دور الأجهزة الأمنية (المكتب الثاني)، لكنه قام بإصلاحات واسعة في الإدارة.
  • خلال فترة الهيمنة السورية في لبنان، انتُخب إميل لحود، الآتي من قيادة الجيش، رئيساً للجمهورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. استمر لحود في سدة الرئاسة حتى نوفمبر 2007، بعدما فرض السوريون التمديد له لولاية ثانية (في عام 2004). غادر قصر بعبدا من دون أن يسلم السلطة لرئيس جديد بسبب فشل البرلمان في انتخاب خلف له.
  • بقي منصب رئاسة الجمهورية فارغاً حتى مايو (أيار) 2008 عندما انتخب البرلمان قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً وفق ما عُرف باتفاق الدوحة بين الأفرقاء اللبنانيين. استمر سليمان في منصبه حتى مايو 2014، وغادر القصر من دون انتخاب خليفة له.
  • ظل منصب الرئاسة شاغراً حتى عام 2016 عندما انتُخب قائد سابق للجيش مرة جديدة لمنصب رئيس الجمهورية. استمرت فترة ولاية العماد ميشال عون حتى عام 2022، وهي فترة شهدت انهياراً واسعاً للبلاد وسط تحذير أطلقه عون نفسه من أنها «ذاهبة إلى جهنم» إذا لم تحصل معجزة تمنع ذلك.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.