تقدّم المتطرفين في أوروبا... ظاهرة متكرّرة ومؤشر خطر

الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)
الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)
TT

تقدّم المتطرفين في أوروبا... ظاهرة متكرّرة ومؤشر خطر

الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)
الزعيمة الإيطالية جورجيا ميلوني (رويترز)

يأتي تصدّر حزب الحرية اليميني المتطرف نتائج الانتخابات في النمسا متناغماً مع صعود الأحزاب المتطرفة بشكل عام في أوروبا في السنوات الماضية. ففي ألمانيا، «جارة النمسا»، تتزايد حظوظ حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف منذ سنوات وبشكل مطّرد. ومع أن «البديل» ما زال بعيداً عن تصدّر الانتخابات في ألمانيا، كما حصل في النمسا، فإنه بات يحتل المرتبة الثانية اليوم على الصعيد الوطني، حاصلاً على 18 في المائة من التأييد الشعبي، وفق آخر استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف»، بينما يتصدر الاستطلاعات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (اليمين المعتدل).

ولكن رغم ما سبق، فإن نسبة شعبية «البديل» تُعدّ مرتفعة لحزب لم يؤسّس إلا قبل نحو 10 سنوات، وتعهّد كل الأحزاب الأخرى بألا تتحالف معه. وللعلم، حقبة ألمانيا النازية تجعل من التحالف مع حزب يحمل الكثير من عناصر تذكّر بالماضي، مسألة صعبة بالنسبة للأحزاب الأخرى. وإن كان هذا لا يلغي تزايد شعبيته بشكل كبير وحلوله أولاً في الولايات الشرقية حيث تتجاوز نسبة شعبيته عتبة الـ30 في المائة.

في هولندا، نجح حزب الزعيم اليميني المتطرف غيرت فيلدرز - الذي يحمل أيضاً اسم حزب الحرية - بالفوز في الانتخابات العامة، ومع ذلك فإن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة، حتى لم يدخلها. إذ رفضت الأحزاب الأخرى التحالف مع حزب الحرية حتى يتخلى فيلدرز نفسه عن دخول الحكومة، وهو ما حصل. وكان فيلدرز قد صنع صيته بسبب تصريحات العنصرية والتحريضية ضد المسلمين. ورغم تحييده شخصياً عن الحكومة المحافظة الحالية، تظل مشاركة حزبه فيها سابقة في تاريخ هولندا.

في إيطاليا حقّق اليمين المتطرف الأوروبي أكبر المنجزات. فقد فاز حزب «إخوان إيطاليا» في الانتخابات الإيطالية العامة، وترأست زعيمته جورجيا ميلوني الحكومة منذ 2022. ولكن، في المقابل، مع أن جذور هذا الحزب اليميني المتطرف تعود إلى الفاشية، وتتصل بـ«الحركة الاجتماعية الإيطالية» التي أسّسها أنصار نظام موسوليني، وأن ميلوني تعدّ من أكثر قادة حزبها تطرفاً، يرى مراقبون أن فترة حكمها لا تعكس تطرفها، فهي تقود الحكومة بصورة براغماتية، ويصفون سياساتها بأنها «محافظة» أكثر منها «متطرفة».

أما عن فرنسا، ورغم تزايد حظوظ «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، بقيادة مارين لوبن، عجز هذا الحزب حتى الآن عن تصدر الانتخابات العامة، مع أنه حلّ في الطليعة في الانتخابات الأوروبية خلال الصيف الماضي بأكثر من 31 في المائة من التأييد. وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لانتخابات مبكرة مفاجئة حاثاً الفرنسيين على منع وصول لوبن الى السلطة. ونجح رهان ماكرون ومغامرته، إذ فاز تكتل للأحزاب اليسارية بالمرتبة الأولى، ولكن هذا بدوره أدخل البلاد في دوامة سياسية مضطربة.

الأسباب التي تحرك كل هذه الأحزاب المتطرفة وتساعد في تقدّمها، متماثلة... أبرزها: زيادة التضخم، وسوء الوضع الاقتصادي المرتبط بشكل كبير بالهجرة واللجوء، وتبعات جائحة «كوفيد 19»، والحرب في أوكرانيا. ويساعد الخطاب المؤيد لروسيا - الذي تستخدمه الأحزاب اليمينية المتطرفة - في جذب الناخبين المستائين من الوضع الاقتصادي، والآملين بعودة الأسعار إلى ما كانت عليه قبل الحرب في أوكرانيا. كذلك يرتبط تباطؤ الاقتصاد في أوروبا بالمهاجرين واللاجئين، الذين يجدون أنفسهم في طليعة المتهمين بالتسبب في تباطؤ الاقتصاد و«استغلال» الأنظمة الاجتماعية في الدول الأوروبية، وهذا خطاب تعتمده هذه الأحزاب المتطرفة للتأجيج ضدهم.


مقالات ذات صلة

غيتس يهاجم «احتضان» ماسك للسياسيين اليمينيين المتطرفين بالخارج

الولايات المتحدة​ بيل غيتس وإيلون ماسك (رويترز)

غيتس يهاجم «احتضان» ماسك للسياسيين اليمينيين المتطرفين بالخارج

وصف بيل غيتس احتضان الملياردير الأميركي إيلون ماسك للسياسيين اليمينيين المتطرفين ومحاولة التدخل في سياسات الدول الأخرى بأنها «هراء وجنون».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أحد منشورات حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهضة للهجرة (د.ب.أ)

الشرطة تحقق في منشورات لحزب «البديل من أجل ألمانيا» ضد المهاجرين

بدأت الشرطة الألمانية تحقيقاً بعد أن وزّع حزب «البديل من أجل ألمانيا» منشورات مصممة لتشبه تذاكر الطيران للترحيل، والتي كانت موجهة إلى «المهاجرين غير الشرعيين».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا أليس فيدل زعيمة حزب «البديل» متحدّثة في مؤتمر حزبها في ريزا، 12 يناير (أ.ب)

حزب «البديل» الألماني يستلهم نجاحات اليمين المتطرف في النمسا

يأتي «البديل من أجل ألمانيا» في المرتبة الثانية باستطلاعات نيّات التصويت، في الانتخابات المزمع تنظيمها في 23 فبراير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي (رويترز)

إيلون ماسك يجري مقابلة اليوم مع زعيمة حزب ألماني شعبوي على منصة «إكس»

يعتزم رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك إجراء مقابلة مع أليس فايدل زعيمة حزب «البديل لأجل ألمانيا» اليميني الشعبوي على منصة «إكس»، اليوم (الخميس).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جان ماري لوبن مع بناته خلال حملة انتخابية (أ.ف.ب)

وفاة جان ماري لوبن الشخصية التاريخية لليمين المتطرف الفرنسي

توفي جان ماري لوبن، الشخصية التاريخية لليمين المتطرّف الفرنسي، والذي وصل إلى نهائيات الانتخابات الرئاسية عام 2002، الثلاثاء، عن عمر يناهز 96 عاماً.

«الشرق الأوسط» (باريس)

حكومة «لبنان الجديد» تنتظر التفاهمات البرلمانية

نواف سلام (أ.ف.ب)
نواف سلام (أ.ف.ب)
TT

حكومة «لبنان الجديد» تنتظر التفاهمات البرلمانية

نواف سلام (أ.ف.ب)
نواف سلام (أ.ف.ب)

شكّل حصول القاضي الدكتور نواف سلام، رئيس محكمة العدل الدولية، على أكبر عدد من أصوات النواب في الاستشارات النيابية لتكليف رئيس للحكومة، مفاجأة بعد أربعة أيام على انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية، الذي كان أرسى انتخابه جواً جديداً في البلد بعد تهافت دول العالم على إعلان دعمه واستعدادها للتعاون لإنجاح عهده. ومن ثم، كلّف عون سلام تشكيل حكومة عهده الأولى بعد حصول الأخير على 85 صوتاً من أصل 126 نائباً.

التكليف جاء بعد ساعات عصيبة من المباحثات والاتصالات، التي نجحت في قلب مقاييس الموازين السياسية، وأدت إلى امتناع كتلتي «حزب الله» و«حركة أمل» عن التصويت في نهاية يوم الاستشارات الطويل. وكذلك بعد هجوم رئيس كتلة الحزب محمد رعد على معارضيه، متّهماً إياهم بالانقلاب على التوافق الذي تحقق في انتخابات رئيس الجمهورية، و«بالتقسيم والإلغاء والإقصاء»، مطالباً بـ«حكومة ميثاقية» ومعتبراً أن «أي حكومة تناقض العيش المشترك لا شرعية لها».

وزارة المال

نواب «الثنائي الشيعي» (أمل وحزب الله) الاستشارات غير الملزمة التي أجراها سلام بُعيد تكليفه تعبيراً عن امتعاضهم من تكليفه من دون أن يكون لهم كلمة في ذلك، قبل أن يعودوا ليتعاونوا، مطالبين بالمشاركة في الحكومة والحصول على 5 حقائب وزارية منها وزارات المال والصحة والعمل.

لكن تسليم «الثنائي» مجدداً وزارة المال يثير جدلاً سياسياً كبيراً في البلد؛ إذ يرفض قسم كبير من القوى السياسية تكريس حقيبة وزارية لطائفة وجهة سياسية معينة، فبينما تصرّ قيادتا «أمل» و«حزب الله» على أن حصولهما على هذه الحقيبة تم التفاهم عليه من خلال «اتفاق الطائف» كي تكون الطائفة الشيعية شريكة فعلية في الحكم عبر توقيع وزير المال على المراسيم إلى جانب توقيعي رئيس الجمهورية (الماروني) ورئيس الحكومة (السني) وتحقيقاً للتوازن الطائفي. ولكن، للعلم انه منذ العام 1989 وحتى اليوم تناوب وزراء من كل الطوائف على هذه الوزارة قبل أن يسعى «الثنائي» لاحتكارها منذ عام 2016.

معظم القوى السياسية الأخرى ترفض السردية التي يتمسك بها «حزب الله» و«أمل». ثم أن الذين شاركوا في اجتماعات «الطائف» عام 1989 يؤكدون أنه لم يتم التفاهم على إعطاء وزارة المال للطائفة الشيعية، ويرون أن «الثنائي» يسعى لتكريس نظام «المثالثة» في البلد في حين ينص «اتفاق الطائف» حصراً على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وفي ظل هذا الوضع، ترجح المعلومات أن يُسند الرئيس المكلف وزارة المال إلى شخصية شيعية، لكن غير حزبية محسوبة مباشرة على «الثنائي»؛ في مسعى لاحتواء أي إشكال مقبل في البلد يكبّل انطلاقة العهد الجديد وعمل الحكومة.

وحقاً، أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أخيراً أنه لا يمانع في إعطاء وزارة المالية للطائفة الشيعية، لكنه شدد في حديث لبرنامج «صار الوقت» على محطة «إم تي في» mtv اللبنانية على أن «إعطاء المالية للشيعة شيء، وإعطاؤها للثنائي شيء آخر»، وأردف أنه «انطلاقاً من الظرف الحالي وما حصل في الجنوب، يجب أن تكون مع الشيعة، بشرط ألا يكون للوزير أي علاقة بالثنائي».

الوزارات الخدماتية

من جهة ثانية، ليس إصرار «الثنائي الشيعي» على الحصول على وزارة المال وحده ما يشكّل تحدياً أساسياً أمام رئيس الحكومة المكلف نواف سلام. فتهافت الأحزاب والقوى السياسية على الحصول على حقائب وزارية، وبخاصة تلك المتعارف عليها بأنها «خدماتية»، يصعّب مهمته وبخاصة أن أي فريق سياسي لم يُعرب حتى الساعة عن نيته القبول بأن يكون في صفوف المعارضة، كما أن الكل يدفع باتجاه حكومة «وحدة وطنية».

ولعل أبرز ما يجعل هذه القوى والأحزاب متحمسة للمشاركة في الحكومة عبر وزارات خدماتية، هو أنه من المرجح أن تكون هذه الحكومة هي التي ستُعد للاستحقاق النيابي المرتقب في مايو (أيار) 2026، وبالتالي ستسعى كالعادة لوضع هذه الوزارات في خدمة ناخبيها.

في المقابل، يبدو أن إدراك الرئيس المكلف لهذه الخلفيات؛ هو ما يجعله متريثاً في عملية توزيع الحقائب، كيف لا وأنظار المجتمعَين العربي والدولي تتركز على الإصلاحات المنتظرة من لبنان لدعمه ومدّ يد العون له. ولعل في طليعة الإصلاحات المطلوبة وقف منطق «المحاصصة»... سواء في تشكيل الحكومات أو التعيينات واعتماد منطق الكفاءة حصراً.

3 أنواع من الوزارات

تنقسم الحقائب الوزارية اللبنانية الـ22، بحسب محمد شمس الدين، الباحث في الشركة «الدولية للمعلومات»، إلى 3 فئات: سيادية، وخدماتية وحقائب وزارية أقل أهمية.

الوزارات السيادية هي: الخارجية والمغتربين، والداخلية والبلديات، والمالية، والدفاع، والعدل.

الوزارات الخدماتية هي: الصحة العامة، والتربية والتعليم، والطاقة والمياه، والأشغال العامة والنقل، والشؤون الاجتماعية، والزراعة.

ويبقى هناك 11 حقيبة وزارية تُعد أقل أهمية كالشباب والرياضة، والاتصالات، والعمل، والإعلام، والسياحة، والثقافة، والبيئة، والمهجّرين، والصناعة، والاقتصاد، والتنمية الإدارية.

التمويل أساسي لتقديم الخدمات

يشير شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «خلال فترات الانتخابات تمكن الاستفادة من الوزارات الخدماتية إما على مستوى فردي أو على مستوى البلدات والقرى. وتشمل الخدمات نقل مدرسين وفتح مستوصفات وشق طرقات ومد كهرباء ومياه إلى أحياء وقرى معينة، وتقديم مساعدات عبر وزارة الشؤون ووزارة الزراعة وغيرها». ويضيف أنه «إذا ظل وضع المالية العامة على ما هو عليه راهناً، حيث غالبية موازنات الوزارات بالكاد تكفي لدفع الرواتب والأجور والخدمات التشغيلية عندها... فحتى الوزارات التي تصنّف خدماتية ستكون قدرتها على التأثير انتخابياً ضعيفة، بل إن هذه الوزارات ستصبح عبئاً على القوى السياسية التي تتولاها لأنها في موقع مسؤول، وفي الوقت نفسه عاجزة عن تأدية الخدمات المطلوبة منها».

وبناءً عليه؛ يعتبر شمس الدين أنه «لا يمكن الجزم بأن هذه الحكومة هي التي ستشرف على الانتخابات؛ ذلك أنه يمكن بعد سنة أن يصار إلى تشكيل حكومة جديدة تكون مهمتها الأساسية الإعداد للانتخابات والإشراف عليها، فلا يتجاوز عمرها 3 أشهر كما حصل في عام 1992 مع حكومة رشيد الصلح، وفي عام 2005 مع حكومة نجيب ميقاتي في حينه».

تصحيح المفاهيم

في سياق موازٍ، يعتبر سمعان بشواتي، الخبير في مجال التنمية المحلية والحوكمة والمحاضر في معهد العلوم الاجتماعية الجامعة اللبنانية، أنه «بالإضافة إلى كل التحديات التي تواجه الرئيس المكلف هناك تحدٍ أساسي يقضي بتصحيح المفاهيم المرتبطة بدور الوزير وتصنيف الوزارات». ويوضح بشواتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «الوزير من حيث المبدأ هو أحد كبار موظفي الدولة، وهو موكل بإدارة أحد المرافق العامة، أي الوزارة التي بدورها لديها هيكلية مؤسساتية، أي مدير عام ورؤساء مصالح وموظفون. وهذا الأمر يتطلب أن يكون الوزير قيادياً يشارك في صناعة السياسات، ويتمتع بالكفاءة اللازمة لإدارة فريق عمل يجعله يتبنى رؤية الحكومة وسياساتها ويلتزم الشفافية والأداء السليم». ومن ثم، يتابع: «هذا كله يفرض إعادة النظر في تصنيف الوزارات بين سيادية وخدماتية، باعتباره بدعة محلية غير موجودة في أي مكان آخر».

كذلك، يشدد بشواتي على أن «السيادة في عمل الوزارات تعني سياسات اجتماعية واقتصادية وأمنية وصحية غير مرتهنة، تستطيع الوزارات تنفيذها بدل اعتمادها سياسة الاستعطاء من الخارج والاتكال في كامل مشاريعها على الهبات». ويلحظ أن «الأحزاب اللبنانية بنت علاقاتها مع جماهيرها على قاعدتين: الأولى هي التخويف من الآخر وبالتالي الأزمة الوجودية... والأخرى هي العلاقة المصلحية التي أدت إلى استخدامها مقدرات الدولة لتثبيت الارتهان لها وتوسيع نطاق جماهيرها.