«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

إدارة بايدن لم تختلف مع إسرائيل بل تدرّجت في دعم حروبها

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
TT

«حرب لبنان» تظهر تغييراً كبيراً في نظرة أميركا تجاه إيران

القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)
القصف وأعمدة الدخان في جنوب لبنان (رويترز)

منذ اندلاع «حرب مساندة» غزة التي أطلقها «حزب الله» قبل نحو سنة، كانت المؤشرات كلها توحي بأن حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل رداً على «هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)»، ستنتقل عاجلاً أو آجلاً إلى لبنان، في ظل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخوض «حرباً ستكون طويلة لتغيير خريطة الشرق الأوسط». ومع ذلك، كانت معظم التحليلات تتكلّم عن «مأزق» إسرائيل «المأزومة»، وعن خلافاتها في الداخل ومع الخارج، ولا سيما الولايات المتحدة، ما سمح للبعض بالترويج أن أهداف هذه الحرب لم تتحقق، وقد لا تتحقق، سواء في غزة والأراضي الفلسطينية، أو في لبنان. لكن على أرض الواقع، كان من الواضح أن ما حقّقته إسرائيل حتى الآن من حربها على غزة يتجاوز كثيراً الردّ على «هجوم أكتوبر».

بعدما نجحت إسرائيل في تعزيز «صورة» ربط حربها التهجيرية في غزة بأنها «صراع وجود» مع إيران وأذرعها الساعين إلى تدميرها، وفّرت تلك الحرب للإسرائيليين أيضاً غطاءً دولياً واسعاً، ليس لإطالة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين فقط، بل الانتقال أيضاً إلى حرب إبادة أخرى ضد لبنان.

هذا الأمر طرح تساؤلات عن حقيقة الموقف الأميركي تجاه أهداف إسرائيل، وعمّا إذا كانت حربها لتغيير «المشهد الإقليمي» ممكنة من دون موافقة أميركية. بيد أن الوقوف على المتغيرات الدراماتيكية التي طرأت على سياسة واشنطن يظهر تغييراً كبيراً في مقاربتها ونظرتها تجاه إيران، مع التغييرات التي طرأت على المشهد الدولي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

«فرصة استراتيجية» لأميركا

قبل الدخول في ما عدّه البعض «تجاهلاً» من تل أبيب للمساعي الأميركية لفرض وقف لإطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد «حزب الله»، روّجت تحليلات العديد من الصحف الأميركية ولا تزال لـ«خلافات» بين واشنطن وتل أبيب. إلا أن دينيس روس، المبعوث الرئاسي السابق في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، رأى أن ما جرى حتى الآن «يُعد فرصة استراتيجية لأميركا، ليس لتغيير المنطقة فقط، بل تغيير الوضع في لبنان أيضاً بعد اغتيال حسن نصر الله وإضعاف (حزب الله)». وخلال ندوة في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، حضرتها «الشرق الأوسط»، يوم الأربعاء، وشاركت فيها دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع السابقة لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن، وديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب، أضاف روس: «بات بمقدور أميركا اتخاذ إجراءات رادعة مباشرة، ليس ضد إيران فقط، بل المشاركة قبل ذلك في ضرب أذرعها مباشرة وملاحقتهم».

وبحسب روس، فإنه بعدما تمكّنت إسرائيل من ضرب و«تحييد» الخطر الذي يمثله «حزب الله» و«حماس»، يمكن لواشنطن الآن «ضرب وملاحقة الحوثيين، كإشارة إلى أننا قادرون على تعريض ما نعتقده نحن مصالح مهمة لها، وخصوصاً برنامجها النووي، وليس المصالح التي تعتقد إيران أنها مهمة بالنسبة لها فقط».

تغيير مسار المنطقة

من جهتها، قالت سترول، إن إرسال الأصول العسكرية الأميركية، منذ اندلاع الحرب قبل نحو سنة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة «لا يُعبّر عن تصميم إدارة بايدن على مواجهة التهديدات الإقليمية، والدفاع عن إسرائيل، ومنع توسّع الحرب فقط، بل تغيير المسار في المنطقة أيضاً». وأضافت: «كل الأحداث التي وقعت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) حتى الآن، بما فيها تصفية قوة (حماس) وضرب (حزب الله) وتوجيه ضربات لإيران، لم يكن بالضرورة مخطط لها. لكن اليوم، بعد كل الذي جرى، ينبغي أن نستغل ما حصل لنمضي في مسار مختلف، بما يعيد الاستقرار والسلام إلى المنطقة، وإعادة مسار العلاقات الإسرائيلية العربية إلى مسارها الذي انقطع بعد 7 أكتوبر».

من ناحيته، قال شينكر: «ثمة فهم خاطئ لتفسير ما تعنيه المطالبة بوقف إطلاق النار، سواء في غزة أو لبنان، وذلك لأن الأهداف التي وضعت لا يمكن تحقيقها من دون تغيير الديناميات السابقة». وأردف أنه بمعزل عن الإدارة الجديدة التي ستأتي بعد الانتخابات الأميركية، وسواء أكان الفائز فيها كامالا هاريس أم دونالد ترمب، لا شك أنه «سيكون من الصعب العودة إلى السياسات الأميركية السابقة تجاه إيران وأذرعها وبرنامجها النووي». وأكد أن أميركا «ستلعب دوراً رئيسياً في إعادة تشكيل وترتيب الأوضاع بعد حرب غزة، التي ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، وكذلك في لبنان».

وهكذا، أمام هذه «الرؤية» التي تعكس حقيقة الموقف الأميركي للصراع الجاري، إن إصرار البعض على اعتباره إذعاناً وارتباكاً أميركياً أمام رغبات إسرائيل، قد يكون من الضروري قراءة «التحولات» التي طرأت على موقف إدارة الرئيس جو بايدن، منذ اندلاع الحرب.

تقديرات مختلفة للحرب في لبنان

كانت هناك تقديرات مختلفة داخل إدارة بايدن عن طبيعة الأخطار التي يمكن أن تواجهها «العملية» العسكرية التي أطلقتها إسرائيل ضد «حزب الله»، وعن قدراته العسكرية الحقيقية التي جرى تضخيمها. ولكن، بدلاً من تبيّن صحة تلك التقديرات، انتهى الأمر بتبنّي العديد من المسؤولين الأميركيين النجاح الذي حقّقته إسرائيل في سعيها - بزخم مذهل - إلى إضعاف «حزب الله». وهو ما بدا أنه يتناسب مع نمط إدارة بايدن، التي لطالما تدرّجت في التعبير عن مواقفها من الأحداث السياسية الخارجية.

إذ بعدما تحثّ إسرائيل على لجم اندفاعاتها، كانت لا تلبث أن تتراجع لاحقاً. وبعدما أوضح بايدن رغبته في «الوقف الفوري» للقتال في لبنان، وتحفّظه عن التوغّل البرّي، ظهر انقسام بين المسؤولين الأميركيين حول «الحكمة» من الحملة الإسرائيلية ضد «حزب الله»، خاصة منذ مقتل زعيمه حسن نصر الله، في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي. ففي حين ركّز البعض كثيراً على المخاطر، قال آخرون إنه إذا أمكن توجيه ضربة قوية للحزب من دون إثارة صراع إقليمي أوسع يجذب إيران فإن ذلك قد يُعدّ نجاحاً.

واليوم، يذهب كثيرون إلى القول إن وجهة النظر الأخيرة هي التي تغلبت في النهاية، وعبّرت عنها تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن، «غير المعهودة» من كبير الدبلوماسيين، حين تكلّم عن «العدالة» التي نفّذت بحق نصر الله.

الضغط العسكري يدعم الدبلوماسية

يوم الاثنين الماضي، قال ماثيو ميللر، الناطق باسم الخارجية للصحافيين: «نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار، ولكن في الوقت نفسه، هناك أمران آخران صحيحان أيضاً: الضغط العسكري يمكن في بعض الأحيان أن يمكّن الدبلوماسية. وطبعاً، قد يؤدي أيضاً إلى سوء التقدير... يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن نتحادث مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن».

وحقاً، حتى الاتفاق الذي قيل إنه حصل بين أميركا وفرنسا وإسرائيل ودول عدة توصُّلاً إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لمدة 3 أسابيع، بدا أن واشنطن قد تخلت عنه.

هذا ما بدا بعدما رأى مسؤولون في إدارة بايدن أن إسرائيل تحاول توجيه ضربة حاسمة لـ«حزب الله» عبر اغتيال زعيمه، بعد الضربات الساحقة التي نفّذتها على امتداد الأشهر الماضية، وتوجّت بما سُمي بهجوم «البيجر»، وبتصفية العديد من قياداته العليا والوسطى.

ورغم اتهام بنيامين نتنياهو بأنه هو الذي عاد عن الاتفاق الذي وافق عليه، فإن «الصمت» الأميركي الذي تلا اغتيال نصر الله، كاد يؤدي إلى تأجيل حتى إلغاء زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى لبنان، التي أصرّ قصر الإليزيه عليها في نهاية المطاف، تعبيراً عن «غضب» فرنسا، الذي قابلته إسرائيل بقصف هدف في العاصمة بيروت، للمرة الأولى يوم الأحد الماضي.

الحسم في تفكيك بنية «حزب الله»

بعدها، يوم الاثنين، في إشارة واضحة لحسم التردد ودعم العملية الإسرائيلية، قال «البنتاغون» إن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اتفق مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «على ضرورة تفكيك البنية التحتية الهجومية على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، لضمان عجز (حزب الله) عن شنّ هجمات على غرار هجمات 7 أكتوبر على المجتمعات الإسرائيلية في تلك المنطقة». وأردف «البنتاغون» أن أوستن «راجع التطورات الأمنية والعمليات الإسرائيلية» مع غالانت، وأكد مجدداً «دعم الولايات المتحدة لحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران و(حزب الله) و(حماس) والحوثيين وغيرها من المنظمات الإرهابية المدعومة من إيران».

ورغم تأكيد أوستن على أهمية «التحول في نهاية المطاف من العمليات العسكرية إلى المسار الدبلوماسي لتوفير الأمن والاستقرار في أقرب وقت ممكن»، فإنه أوضح أن واشنطن في وضع جيد للدفاع عن أفرادها وشركائها وحلفائها في مواجهة تهديدات إيران والمنظمات الإرهابية المدعومة منها، وأنها عازمة على منع أي جهة فاعلة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع. كذلك ناقش أوستن مع غالانت ما سمّاه «العواقب الوخيمة» التي ستتحمّلها إيران في حال اختارت شنّ هجوم عسكري مباشر ضد إسرائيل.

ومقابل تركيز إدارة بايدن كثيراً من مساعيها منذ ما يقرب من سنة على منع التصعيد بين إسرائيل و«حزب الله»، أعجب بعض المسؤولين بالإنجازات الإسرائيلية. ومع شلل الحزب وتراجع قدراته «الإقليمية»، بات هؤلاء يعتقدون أن الوضع بات الآن مختلفاً تماماً، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ بدأ الجانبان تبادل إطلاق النار منذ 8 أكتوبر بعد فتح «جبهة الإسناد» لغزة.

ولكن، مع ذلك، قال مسؤولون كبار إنهم كانوا ينصحون إسرائيل بألّا تشنّ غزواً برّياً للبنان، ويحذرون من أن خطوة كهذه يمكن أن تأتي بنتائج عكسية، تتمثّل ببناء الدعم السياسي لـ«حزب الله» داخل لبنان وإطلاق العنان لعواقب غير متوقعة على المدنيين والتدخل الإيراني.

لا كلام عن وقف التصعيد

من جهة ثانية، مع الهجمات الصاروخية الإيرانية «المحسوبة» ضد إسرائيل، رداً على قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، بدا لافتاً أن الرئيس بايدن لم يتكلّم - للمرة الأولى - عن ضرورة «وقف التصعيد» و«ضبط النفس». بل العكس، أكّد أن واشنطن «تدعم بالكامل» إسرائيل بعد الهجوم الذي جرى صدّه بدعم أميركي و«أثبت انعدام فاعليته»، وأن المناقشات مستمرة مع إسرائيل بشأن الردّ، مضيفاً أن «العواقب على إيران لم تُحدد بعد».

موقف بايدن لم يكن وحيداً، إذ اندفع المشرّعون الأميركيون من الحزبين مؤيدين مواقف أكثر حزماً من إيران، وداعين إلى تبني سلسلة من التدابير المحددة والمصمّمة لشلّ القوى العسكرية لطهران ووكلائها، وإلى تمرير تمويل إضافي لإسرائيل في أعقاب هجوم إيران.

وبالفعل، يرى كثرة من المسؤولين الأميركيين اليوم، أن إدارة بايدن تحوّلت من محاولة منع اتساع حرب غزة إلى إدارة «الحرب الشاملة»، في ظل رؤية غدت موحّدة مع إسرائيل تجاه الأهداف المأمول تنفيذها. وتساءلت صحيفة «النيويورك تايمز» عن المدى الذي يمكن أن تبلغه الحرب، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستنخرط فيها بشكل مباشر، في ظل مخاوف من احتمال أن ترد إسرائيل على صواريخ إيران باستهداف منشآتها النووية، ما قد يؤدي إلى خروج الحرب عن السيطرة.

لكن بايدن عاد وأوضح، يوم الأربعاء، أنه لا يدعم أي استهداف إسرائيلي للبرنامج النووي الإيراني، فاتحاً المجال أمام تكهنات عن بدء مفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الطرفين. وهذا، بالتوازي مع تقديم مزيد من المساعدات لإسرائيل لإنهاء الحرب ضد «حماس» في غزة، والتصدّي للهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي في اليمن ضد إسرائيل والملاحة في البحر الأحمر والمضائق الدولية القريبة، ودعم غزوها البرّي للبنان «لتفكيك البنية التحتية» لـ«حزب الله».

تساؤلات مع تغيير أميركا نبرتها واستراتيجيتها

> وسط تحذيرات من أن يكون لبنان هو ساحة «الحرب الشاملة» بين إسرائيل وإيران، أشار مسؤول أميركي كبير إلى المشاورات الواسعة النطاق مع إسرائيل، بما في ذلك مع مكتب بنيامين نتنياهو لصوغ الاستجابة المناسبة، من دون أن يشير إلى «الخلافات» القديمة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو على طريقة تعامل إسرائيل مع حرب غزة، وانتقال المعركة إلى لبنان. وأضاف المسؤول: «لكن بعد دخول إيران المعركة بشكل مباشر، التي تشكل (تهديداً مدمراً) لإسرائيل، تغيّرت نبرة أميركا واستراتيجيتها». أما «النيويورك تايمز» فنقلت عن جوناثان بانيكوف، مدير «مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي»، قوله إن «الحرب الشاملة حتى الحرب الأكثر محدودية، يمكن أن تكون مدمّرة للبنان وإسرائيل والمنطقة. ولكن من خلالها ستأتي فرص غير متوقعة أيضاً لتقويض النفوذ الإيراني الخبيث في المنطقة، من خلال عرقلة جهودها لإعادة تشكيل (حزب الله)، مثلاً. وبالتالي، ينبغي للإدارة الجديدة أن تكون جاهزة للاستفادة من هذه الفرص». لكن مع المفاجأة التي تعرّضت لها إسرائيل أخيراً خلال «توغّلاتها» البرّية، وسقوط العديد من جنودها بين قتيل وجريح من قبل مقاتلي (حزب الله)، طرح العديد من التساؤلات... منها عمّا إذا كانت ستعيد النظر بخططها العسكرية وبحساباتها فيما يتعلق بكيفية إقامتها «المنطقة العازلة» في جنوب لبنان، تطبيقاً للقرار 1701؟ وأيضاً، هل ستكثّف قصفها الوحشي والتدميري، بما يؤدي بتلك التوغّلات إلى احتلال جديد، أو تحويل المنطقة إلى «أرض محروقة»؟ وهل سيكون متاحاً مرة أخرى أمام الحزب واللبنانيين عموماً، إعادة تنظيم «مقاومة» ما، على قاعدة توافق سياسي ينهي سلطة «حزب الله» لمصلحة الدولة... أم أن المقوّمات مستعصية في ظل الانهيار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان؟


مقالات ذات صلة

شرطة كوريا الجنوبية تفتح تحقيقاً مع الرئيس بتهمة «التمرد»

آسيا امرأة تحمل لافتة كُتب عليها «يجب على يون سوك يول التنحي» خلال وقفة احتجاجية بالشموع ضد رئيس كوريا الجنوبية في سيول أمس (أ.ف.ب)

شرطة كوريا الجنوبية تفتح تحقيقاً مع الرئيس بتهمة «التمرد»

فتحت الشرطة الكورية الجنوبية (الخميس) تحقيقاً بحق الرئيس يون سوك يول، بتهمة «التمرّد»؛ بسبب إعلانه الأحكام العرفية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (سيول)
حصاد الأسبوع جدعون ساعر

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»،

حصاد الأسبوع فلاديمير زيئيف جابوتنسكي

«الليكود»... حزب يميني يتبنى فكرة «إسرائيل الكبرى»

يعتبر «الليكود» (التكتل) واحداً من أبرز الأحزاب الإسرائيلية، وهو تكتل مجموعة من الأحزاب اليمينية تشكّل عام 1973، بقيادة رئيس الوزراء الراحل مناحيم بيغن،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع زهير المغزاوي (مواقع التواصل الاجتماعي)

انتخابات تونس: ماراثون سياسي... وتصعيد بين السلطات ومعارضيها

خلافاً للانتخابات الرئاسية التونسية السابقة، التي تنافس في دورتها الأولى قبل خمس سنوات 26 شخصية وأسفرت في دورتها الثانية عن فوز قيس سعيّد، لا تتضمن قائمة…

حصاد الأسبوع زين العابدين بن علي (آ ف ب)

7 رؤساء تداولوا على قصر قرطاج منذ 1957

تداول على قصر رئاسة الجمهورية التونسية في قرطاج (ضواحي تونس العاصمة) منذ اعتماد النظام الجمهوري في يوليو (تموز) 1957، سبعة رؤساء، هم على التوالي:

كمال بن يونس (تونس)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».