الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق تواجه أخطر أزماتها

بعد عقدين من إسقاط حكم صدام حسين

السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
TT

الأطراف الشيعية الحاكمة في العراق تواجه أخطر أزماتها

السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)
السوداني مع بزشكيان في بغداد (رويترز)

على الرغم من كونها أكثر كتلة برلمانية عدداً وتنتمي إلى المكون المذهبي الأكبر في البلاد، لا تبدو قوى «الإطار التنسيقي» التي تمثّل الحاكمية الشيعية في العراق في أحسن حالاتها؛ ففي الوقت الذي لا يمرّ أي رئيس جمهورية أو رئيس برلمان إلا من خلال موافقتها، سواء كانت داخل البرلمان كونها الأكثرية في البرلمان، أو بالفضاء الوطني كون الشيعة يمثلون غالبية عدد سكان العراق؛ فإن أصعب المشاكل التي بدأت تعانيها ليست مع الشركاء (الكرد والعرب السنّة) مثلما كانت عليه الحال عقب سقوط النظام السابق عام 2003، بل من داخلها. يعرف مُتابع الشأن العراقي أن القوى الشيعية تحتكر المنصب الأول في الدولة، ألا وهو رئاسة الحكومة، وهذا احتكار عُرفي لا وجود له في الدستور. والشيء نفسه ينطبق على منصب رئيس الجمهورية المحجوز للكُرد، ورئاسة البرلمان المخصّصة للعرب السنّة. بيد أن الخلاف بشأن منصب رئيس الوزراء داخل أوساط القوى الشيعية دبّ منذ أيام رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي؛ ذلك أن الكاظمي جاء عقب مظاهرات كبرى هزّت النظام السياسي في البلاد، وأدّت فضلاً عن استقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، إلى سقوط مئات القتلى وعشرات آلاف الجرحى، معظمهم من المناطق و«الحواضن» الشيعية التي تقول الحاكمية الشيعية إنها تمثّلهم. والحال أن الأوضاع السياسية في العراق، أثّرت كثيراً على البعد الاجتماعي والوطني، وعبّرت عنها الشعارات التي رفعتها مظاهرات تشرين الأول (أكتوبر)، وأبرزها: «نريد وطناً».

مقتدى الصدر (ا ف ب/غيتي)

يمكن القول إن العملية السياسية التي أسّسها الوجود الأميركي عام 2003، بعد إسقاط الرئيس السابق صدام حسين ونظامه، لم تنتج حتى الآن بعد مرور 21 سنة «نظاماً سياسياً مؤسساتياً». وهذا، مع أن ما أُنتج «شكل نظام» يقوم على قواعد عمل ديمقراطية تحكمها انتخابات دورية ثابتة، وتفرز حكومات تتشكّل في ضوء نتائج الانتخابات. وصَدَق هذا على الانتخابات الأخيرة، التي فاز فيها «التيار الصدري» بزعامة رجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد (73 مقعداً)؛ إذ تمكّن الصدر من تشكيل الحكومة بـ«تحالف وطني عابر» قوامه تياره (الشيعي)، متحالفاً مع كتلة سنّية كبيرة تضم حزب «تقدّم» بزعامة محمد الحلبوسي، وكتلة كردية كبيرة متمثلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، ومع ذلك لم يتمكن من تشكيل الحكومة التي أرادها الصدر أن تكون حكومة غالبية وطنية «لا شرقية ولا غربية» طبقاً للشعار الذي رفعه، وهو الأمر الذي أدّى إلى انسحابه من البرلمان.

هذا الانسحاب جاء مع تعزيز القوى الشيعية المعارضة له مكانتها. ولكن هذا التطوّر لم يترجَم إلى تحوّل هذه القوى إلى كتلة سياسية تعمل بموجب نظام داخلي وسياقات عمل تنظيمية واضحة المعالم. وللعلم، تنضوي هذه القوى في كتلة «الإطار التنسيقي» التي تضم أبرز القوى الشيعية المعروفة مثل: «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«فيلق بدر» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وتيار «الحكمة» بزعامة عمّار الحكيم، و«النصر» بزعامة حيدر العبادي، وشخصيات شيعية أخرى مثل فالح الفيّاض وهمام حمودي.

الخوف من السودانيبعد انسحاب الصدر، الذي «ترك الجمل بما حمل» لقوى «الإطار التنسيقي»، اختارت الأخيرة محمد شيّاع السوداني، المهندس الزراعي ورجل الدولة، ليرأس الحكومة. وميزة السوداني لجهة اختلافه عن معظم القيادات العراقية التي تولّت مناصب عليا، بما فيها رئاسة الحكومة، أنه تدرّج في الوظيفة العمومية من أدنى مستوياتها إلى أعلاها؛ إذ بدأ موظفاً زراعياً في زمن صدام حسين، ثم أصبح قائمقاماً لأحد أقضية محافظة ميسان بعد عهد صدام، ثم محافظاً لميسان، فوزيراً لنحو 5 وزارات قبل تكليفه بتشكيل الحكومة أواخر عام 2022.

أيضاً من المُفارقات في وضع السوداني أنه رُشّح لرئاسة الحكومة مع أن كتلته تضم نائبين فقط في البرلمان، وكذلك أنه حقق سلسلة نجاحات خلال السنتين الأخيرتين، بدأت تثير المخاوف لدى الأوساط السياسية الشيعية. فالرجل نجح في إنجاز نسب كبيرة من برنامجه الحكومي، وحاز رضًى سياسياً ووطنياً عاماً تمثّل بدعم كامل من قبل العرب السنّة والكرد. وفي المقابل، صار الخوف الأكبر لدى قوى «الإطار التنسيقي» هو أن يشكّل السوداني في أي انتخابات مقبلة كتلة كبيرة تهدّد مكانة العديد من تلك القوى، وقد تمهّد لحصوله على ولاية ثانية. وما حصل أخيراً على صعيد ما سُمّي بـ«شبكة جوحي»، التي على أثرها اعتُقل عدد من الموظفين في مكتب السوداني، خلط الأوراق كثيراً داخل المكوّن الشيعي بالدرجة الأولى.

حول هذه المسألة، بالذات، لا علاقة للكرد والعرب السنّة بهذه القصة، التي تتضمّن تسريبات صوتية وتسجيلات تتعلّق بقيادات شيعية. وهو ما عدّه كثيرون بمثابة تهديد للمكانة التي يحتلها موقع رئيس الحكومة في العراق بوصفه المنصب التنفيذي الأول في البلاد. وبغض النظر عن كون التسريبات - التي هي الآن أمام القضاء - محصورة بقيادات شيعية فقط، فإن أي تأثير على موقع رئاسة الحكومة قد يؤثر على مجمل العملية السياسية، وبالتالي يُلحق الضرر بالقوى السياسية من مختلف المكوّنات. وفي هذا السياق، مع أنه لم تظهر نتائج التحقيقات في هذه القضية بعد، تُبذل حالياً مساعٍ مستمرة بين القيادات الشيعية للملمة الأمر ومنع توسّعه؛ لأن من شأن أي تداعيات أخرى لهذا الملف تهديد الحاكمية الشيعية بالدرجة الأولى، التي باتت تعاني الآن أخطر أزمة منذ تولّيها السلطة عام 2003.

صمت الصدر لتاريخه، لم يعلّق مقتدى الصدر على ما حصل خلال الأيام الأخيرة داخل «البيت الشيعي»، الذي يُعد هو وتياره الكبير جزءاً أساسياً منه، حتى وإن لم يعُد جزءاً من كتلة «الإطار التنسيقي» التي شُكّلت بعد انسحاب الصدر أواخر عام 2021. وللعلم، كان «البيت الشيعي» قد مرّ خلال العقدين الماضيين من التغيير في العراق بعدة مراحل على صعيد الوصف الذي يحدّد مكانته داخل العملية السياسية في العراق.

في المرحلة الأولى، بعد تغيير النظام، تشكّل ما سُمّي «البيت الشيعي» الذي برز فيه رئيس «المؤتمر الوطني العراقي» الراحل أحمد الجلبي (تُوفّي عام 2015)، مع أن الجلبي ترأس تجمّعاً سياسياً طابعه العام علماني. غير أن قصة «البيت» لم تستمر طويلاً بعد تراجع أهمية الجلبي، الذي كان يرى دوره هو الأهم على صعيد إقناع الأميركيين بإسقاط نظام صدام حسين؛ ذلك أنه بعد بروز الأحزاب الإسلامية التقليدية، مثل «حزب الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» و«التيار الصدري» و«بدر» و«عصائب أهل الحق»، بقي الجلبي على الهامش حتى وفاته المفاجئة والغامضة عام 2015. وإثر انتهاء ما سُمّي «البيت الشيعي» الأصلي، شُكّل «الائتلاف العراقي الموحّد» الذي حصد معظم نتائج انتخابات عام 2005، ومن بعده تشكل «التحالف الوطني» الذي انتهى عملياً عام 2018.

ثم، بعد المظاهرات الكبرى، في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، انقسمت القوى الشيعية، خصوصاً، بعد صعود «التيار الصدري» وزعيمه مقتدى الصدر، الذي ظل يتصدر نتائج الانتخابات حتى عام 2021؛ إذ حصل على 73 مقعداً. وبعدما انسحب، اضطرت القوى الشيعية إلى تكوين ما يُطلق عليه اليوم «الإطار التنسيقي» كجهة تنسيقية توحّد مواقف القوى الشيعية الرئيسية، وهي عملياً الكتلة البرلمانية الكبرى تمثيلاً التي جاءت برئيس الوزراء الحالي السوداني.

زعيم «التيار الصدري»، الذي يُنظر إليه كقائد لأكبر تيار شيعي، لم يعلن بعد موقفاً واضحاً من إمكانية مشاركته في الانتخابات المبكرة. لكنه عندما أعلن العام الماضي عن تغيير تسمية «التيار الصدري» إلى «التيار الوطني الشيعي»، شعرت القوى السياسية - وفي مقدّمها القوى الشيعية - أنه عائد لا محالة إلى الانتخابات المقبلة المقررة بنهاية عام 2025. لكن الأهم أن الصدر لم يعلّق على أقوى «هزّة» تعرض لها البيت الشيعي الحاكم منذ عام 2003، والتي تمثلت بسلسلة من الفضائح المالية والسياسية غير المتوقعة بالطريقة التي حصلت بها أو تداعياتها المنتظرة.

ومع أن الحراك السياسي خلال السنة قبل الأخيرة من حكم السوداني اتجه نحو الانتخابات، سواء كانت مبكرة أو في موعدها بنهاية العام المقبل - فضلاً عن الجدل حول القانون الانتخابي - فإن القاسم المشترك على صعيد هذا الحراك هو الصدر. وهذا مع أن الصدر، كما سبق، لم يعلن رسمياً اعتزامه المشاركة في الانتخابات، لا هو شخصياً ولا أي من القيادات الصدرية المعروفة.

«الإطار التنسيقي»أما «الإطاريون»، قبيل سلسلة الهزات التي لحقت بهم أخيراً، فكانوا يتسابقون على تقديم ما يبدو «رغبات قوية» في التحالف مع الصدر، وعلى رأسهم «دولة القانون» بزعامة المالكي... الذي يرى أن الخطر الأكبر عليه في الانتخابات المقبلة يأتي من السوداني لا من الشركاء الآخرين في «البيت الشيعي».

وللتذكير، السوداني كان محسوباً على «دولة القانون» و«حزب الدعوة» قبيل انشقاقه عن المالكي، إلا أنه تحوّل الآن إلى رقم صعب بعد النجاحات التي حققها كرئيس للحكومة؛ ولذا تحاول القوى الشيعية المنافسة الحد من قوته بعد ظهور «شبكة جوحي». من جهة أخرى، في حال نسج تحالف بين السوداني والصدر، فإن هذا يعني بروز ائتلاف كبير ولو كان تحت اسم «شيعي»، قد يكرّر تجربة «التحالف الثلاثي» بين الصدر والبارزاني والحلبوسي... الذي فشل بسبب «الثلث المعطّل».

مع هذا، المتغير الأهم على صعيد هذه المسألة أن خطورتها لم تعُد تقتصر على المالكي وائتلافه، بل تشمل كل قوى «الإطار التنسيقي». وبالفعل، اندفعت قيادات «الإطار» إلى البحث عن نقاط خلل في أداء السوداني وتطلعاته، بدءاً بقضية انسحاب القوات الأميركية من العراق، ومروراً بسلسلة من القضايا الأخرى، ووصولاً إلى «سرقة القرن» وهروب نور زهير (المتهم الرئيسي فيها) وتأجيل محاكمته، الأمر الذي عدّته بعض قوى «الإطار» خللاً تتحمل مسؤوليته الحكومة. وهكذا، جاءت قصة التسريبات في مكتب رئيس الحكومة «هدية من السماء» لبعض القيادات الشيعية في «حربها» على السوداني.

هدية خامنئي... وصواريخ بزشكيان

* تتواصل داخل «البيت الشيعي» العراقي مساعي احتواء أزمة التسجيلات التي يمكن أن تضعف القوى الشيعية، بل وتهدد مكانتها في قيادة البلاد. وبالتوازي، عقدت قوى «انتفاضة تشرين عام 2018»، اجتماعاً لها أخيراً بمناسبة قرب ذكرى الانتفاضة، لبحث مسار عملها المستقبلي. وبينما كانت أنظار الجميع تتجه نحو زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق، كأول محطة له بعد تسلمه منصبه، بُذلت وتُبذل محاولات لاحتواء قضية التسريبات أو هروب المتهم الرئيسي بما سُمّي «سرقة القرن»، والاتهامات التي وجّهها رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون إلى القضاء بتعطيل مسار عمل الهيئة اتخذت سياقات مختلفة. وفي حين سعت قيادات شيعية إلى احتواء الأزمة تماماً والخروج منها بأقل الخسائر، مع الاستمرار في دعم الحكومة ورئيسها محمد شياع السوداني، فإن أطرافاً شيعية أخرى داخل «البيت الشيعي» إما تميل إلى تقليص صلاحيات رئيس الحكومة ورفض منحه ولاية ثانية، أو ترفض أي طروحات لا تذهب باتجاه إقالة السوداني. مع أن شيئاً من ذلك لم يظهر إلى العلن، فهذا ما يدور في الغرف السرية للقيادات الشيعية. وإذا كان بعض هذه القوى ينتظر قرارات القضاء كي يحدد موقفه النهائي، فإن المسار العام للأحداث، طبقاً لكل المؤشرات، يتجه نحو التهدئة، لا سيما عقب الزيارة التي قام بها إلى العراق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. زيارة بزشكيان يراها خصوم السوداني الشيعة أنها تصب في مصلحته، غير أن هذه القيادات أياً كانت مكانتها في العراق لا تستطيع في النهاية التأثير في القرار الإيراني. ومن جانب آخر، لم تخلُ زيارة بزشكيان من مفارقات، منها ما لها دلالات رمزية مهمة والأخرى خطيرة. فمن ناحية، ما إن هبطت طائرة بزشكيان واكتملت مراسم الاستقبال الرسمية، حتى تلقى رئيس الوزراء العراقي هدية نادرة من المرشد الإيراني علي خامنئي حملها إليه الرئيس الإيراني. والهدية هي عبارة عن لوحة مكتوبة باللغة العربية من خامنئي شخصياً يشيد فيها بالجهود التي بذلتها الحكومة العراقية في تأمين زيارة محرم الأخيرة، لا سيما المعاملة الحسنة للزوّار الإيرانيين، وهو ما اعتبره مراقبون بمثابة رضًى إيراني كامل ومن أعلى سلطة (أي سلطة المرشد) عن السوداني. مقابل ذلك، قبيل هبوط طائرة الرئيس الإيراني في مطار بغداد بساعات معدودة، استُهدف موقع دعم لوجستي تابع للسفارة الأميركية في بغداد ضمن المطار نفسه. وأدى ذلك إلى إرباك قوي، وإثارة عشرات التساؤلات حول مَن هو المستفيد من إفشال الزيارة ما دام الرئيس الإيراني قريباً من الفصائل المسلحة. وفي هذا السياق، رأت «كتائب حزب الله» - إحدى أبرز هذه الفصائل - على لسان الناطق باسمها أن الضربة الصاروخية على المطار عشية زيارة بزشكيان تهدف إلى التأثير سلباً على الزيارة، داعية بغداد إلى التحقيق فيما حدث.


مقالات ذات صلة

«الحشد» وفصائله يحيون ذكرى ضحايا الضربة الأميركية قبل 5 سنوات

المشرق العربي التشييع الرمزي في نصب «الشهيد» (إعلام الحشد والفصائل)

«الحشد» وفصائله يحيون ذكرى ضحايا الضربة الأميركية قبل 5 سنوات

أحيت هيئة «الحشد الشعبي»، والفصائل المنضوية تحت مظلتها، الذكرى الخامسة لتعرُّض «كتائب حزب الله» إلى ضربة جوية أميركية استهدفت خلالها مقرات للحشد الشعبي.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي السوداني يلتقي المشهداني الجمعة (رئاسة الوزراء العراقية)

السوداني يحض القوى السياسية على حفظ استقرار العراق

أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تحذيرات مشددة بشأن المخاطر المحتملة التي قد يتعرض لها العراق، وحض القوى السياسية على تحمل المسؤولية لحفظ الاستقرار.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)

انقسام عراقي حول زيارة الوفد الأمني إلى دمشق

أحدثت الزيارة التي بدت مفاجئة، وإن كانت متوقعة، والتي قام بها وفد عراقي رفيع المستوى إلى دمشق انقساماً حاداً في العراق.

حمزة مصطفى (بغداد)
رياضة عربية يونس محمود يخطط للترشح لرئاسة الاتحاد العراقي سبتمبر المقبل

يونس محمود يخطط للترشح لرئاسة الاتحاد العراقي سبتمبر المقبل

ينوي يونس محمود الترشح لرئاسة الاتحاد العراقي للمرة الأولى في تاريخه.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي انتشال رفات نحو مائة امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في عهد صدام حسين (أ.ف.ب)

بدء انتشال رفات «ما لا يقلّ عن مائة» امرأة وطفل أكراد من مقبرة جماعية بجنوب العراق

بدأت السلطات العراقية انتشال رفات «نحو مائة» امرأة وطفل أكراد يُعتقد أنهم أُعدموا في الثمانينات في عهد الرئيس السابق صدام حسين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».