ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

تتحدّر من أصول عراقية كاثوليكية كلدانية

ألينا حبّة
ألينا حبّة
TT

ألينا حبّة محامية ترمب ومستشارة حملته الأولى ... هل ستساهم في جَسر هوّته مع الناخبات؟

ألينا حبّة
ألينا حبّة

منذ قرّر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منتصف عام 2015 الترشّح للمرة الأولى في سباق الرئاسة الأميركية، كان يؤخذ عليه تعامله مع النساء، ولم يتوانَ عن توجيه النقد لهنّ، وبالأخص، اللاتي اتهمنه بالاعتداء الجنسي. ورغم محاولات ترمب تصوير الاتهامات التي وُجّهت وتوجّه إليه، بأنها «اضطهاد سياسي»، لم يستطع التخلي عن أسلوبه الخاص في تقريع منافسيه، حتى ولو أفقده ذلك ميزات لا يزال الناخبون الأميركيون - ولا سيما قاعدته الشعبية - يرون أنها قد تكون كافية لتمكينه من العودة إلى البيت الأبيض. وهو بدلاً من التطرق إلى المواضيع التي يقول الناخبون إنهم يهتمون بها كثيراً، فإنه غالباً ما كان - ولا يزال - يتورّط في مواجهات بدت خياراً استراتيجياً، وسط خوضه سباقاً محتدماً مع نائبة الرئيس كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، ويواجه ما يمكن أن يكون فجوة تاريخية مع النساء، وسط سعيه لجذب الناخبات في نوفمبر (تشرين الثاني).

مع تسلّم كمالا هاريس لواء ترشيح الحزب الديمقراطي، وقولها إنها عملت في وقت ما في سلسلة «ماكدونالد» للوجبات السريعة، ثم إعلانها أنها تخاطب النساء مع جيل من أقرانها جئن من بيئات اجتماعية وسياسية «متواضعة»، بدأ السباق على كسب أصوات الناخبات، وكأنه مواجهة مع فئة أخرى من النساء... يسعى ترمب من خلالهن إلى تغيير الصورة النمطية التي وسمت علاقته بهنّ.

هكذا، صعدت سارة ساندرز هاكابي، حاكمة ولاية أركنسو والناطقة السابقة باسم البيت الأبيض، ولورا لومر، مناصرة «نظريات المؤامرة» اليمينية المتطرفة، والمحامية ألينا حبّة. والثلاث آتيات من أصول «أرقى» اجتماعياً إلى دائرة الضوء، في مسعى من الرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي للحزب الجمهوري، لجَسر الهوة التي يعانيها ترمب مع الناخبات، عبر الدفع بهن إلى مواقع متقدمة في حملته الانتخابية.

قبل نحو 3 أشهر، أعلنت حملة ترمب أن ألينا حبّة، المحامية والناطقة القانونية باسمه، باتت مسؤولة عن دور رئيسي جديد، سيكون محوَرياً في إعادة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض. وراهناً، تعمل حبّة «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب، وهذه ترقية تأتي بعد حصولها على اعتراف وطني بدورها القانوني في فريقه على مدى السنوات القليلة الماضية. وبالتالي، غدت حبّة من العناصر الرئيسية في فريق الرئيس السابق، وقد تلعب دوراً محورياً في حال عودته رئيساً للولايات المتحدة، مرّة أخرى.

إلا أن صعود ألينا حبّة، المحامية الأميركية ذات الأصول العراقية، يسلّط الضوء على كثرة من الأميركيين ذوي الأصول العربية المهاجرة ومسيراتهم، الذين انحازوا إلى الخطاب الشعبوي المناهض للهجرة.

عن ألينا حبّة؟ولدت ألينا سعد حبة عام 1984 في مدينة ساميت بولاية نيوجيرسي، لوالدين من الكاثوليك الكلدانيين الذين فرّوا من العراق في أوائل الثمانينات، أما والدها فهو الدكتور سعد حبّة، الطبيب المتخصص بأمراض الجهاز الهضمي.

تخرّجت ألينا في مدرسة كينت بليس الخاصة في نيوجيرسي عام 2002. ثم التحقت بجامعة ليهاي المرموقة، في ولاية بنسلفانيا، وتخرّجت فيها عام 2005 بدرجة البكالوريوس في العلوم السياسية.

وبعد التخرج، عملت بين عامي 2005 و2007، في صناعة الأزياء وإنتاج الإكسسوارات والتسويق مع شركة «مارك جاكوبس» إحدى العلامات التجارية الرائدة في أميركا. وقالت في تصريح لها، إنها على الرغم من استمتاعها بصناعة الأزياء، قررت مواصلة تعليمها العالي، والالتحاق بكلية الحقوق، لأسباب مالية. وبالفعل، حصلت على إجازة في القانون جامعة وايدنر، القريبة من مدينة فيلادلفيا، عام 2010. ومن ثم، عملت لفترة وجيزة كاتبةً قانونية لدى قاضي المحكمة العليا في نيوجيرسي آنذاك، يوجين كودي الابن، ثم رئيسة للمحكمة المدنية العليا في مقاطعة إسكس بنيوجيرسي، من عام 2010 إلى عام 2011.

بدأت حبّة عملها الخاص محاميةً في نهاية 2011، عندما انضمت مساعدةً في شركة «تومبكن ماغواير»، حتى بداية 2013. وبعدها التحقت بشركة محاماة أسسها زوجها السابق حتى عام 2020، قبل أن تغادرها وتؤسس شركتها الخاصة. ووفقاً لموقعها الإلكتروني، تشغل حبّة حالياً منصب الشريك الإداري لشركة «حبّة مادايو وشركاؤهم» القانونية، وتتمتع بخبرة في التقاضي وتأسيس الشركات، والعقارات التجارية، وقانون الأسرة، وصناعة الخدمات المالية والقضايا المتعلقة بالبناء.

وفي سياق متّصل، حصلت ألينا حبّة على رخصة لممارسة المحاماة في ولايات نيويورك ونيوجيرسي وكونكيتيكت. وعملت محاميةً رئيسية في ثلاث قضايا، منها دعوى جماعية فيدرالية ضد دار رعاية في نيوجيرسي متهمة بارتكاب العديد من مخالفات الإهمال وانتهاكات الاحتيال على المستهلك. وشغلت أيضاً منصب المستشار العام لشركة تدير مرائب السيارات مملوكة من زوجها الثاني غريغ روبن.

التقرّب من ترمبسياسياً، يرى البعض أن ميول حبّة سرعان ما برزت عبر محاولتها التقرّب من الرئيس السابق. وكانت قد انضمت عام 2019 إلى نادي ترمب الوطني للغولف بيدمينستر في نيوجيرسي، وتعرّفت عليه هناك.

غير أنها لم تتولَ أي عمل قانوني لصالح ترمب عندما عيّنها، خلال سبتمبر (أيلول) 2021، ضمن فريقه القانوني لتحلّ محل العديد من المحامين المعروفين الذين عملوا لدى ترمب لسنوات عديدة، قبل انسحابهم من خدمته، ومنهم مارك كاسويتز، وتشارلز هاردر، وجوانا هندون، ومارك موكاسي، وجاي سيكولو ولورانس روزين.

وبعد فترة وجيزة، رفعت حبّة دعوى قضائية بقيمة 100 مليون دولار نيابةً عن ترمب ضد صحيفة «النيويورك تايمز»، وثلاثة مراسلين للصحيفة، وابنة أخت ترمب، ماري ترمب. إلا أن القاضي ردّ الدعوى. ثم عملت حبّة لصالح ترمب في القضية التي كانت رفعتها سومر زيرفوس ضده عام 2017 بتهمة التشهير. وفي ذلك العام رمى ترمب زيرفوس بـ«الكذب»، بعدما اتهمته بتقبيلها وملامستها من دون موافقتها، عندما كانت متسابقة في برنامجه التلفزيوني الشهير «ذي أبرينتيس».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، رفعت حبّة دعوى مضادة ضد زيرفوس؛ بحجة أنها كانت تحاول خنق حق ترمب في حرية التعبير، لكن القضية أوقفت بعدما سحبت زيرفوس دعوتها.

محامية ترمب الأولىوهكذا، حظيت حبّة بثقة ترمب، بعدما ساعدته ومثّلته في دعاوى قضائية عدة، بينها قضية التصريح الكاذب لقيمة أصوله التي طلبت منه البنوك تقديمها سنوياً للتأكد من أن لديه الأموال الكافية لسداد قروضها. واستأنفت دون نجاح أمر محكمة يطلب من ترمب وأبنائه الإدلاء بشهادة تحت القسم حول التقييمات التي وقّعوا عليها عند تقديم تلك الإقرارات. وبعدما استجوبت ليتيشيا جيمس، المدعية العامة لنيويورك، ترمب في أغسطس (آب) 2022، قادت حبّة الدفاع عنه، لينقل عنها لاحقاً إدلاؤها بتعليقات عنصرية ضد جيمس، واصفة إياها بـ«العاهرة السوداء»، وأنها «شخص مريض».

بعدها، في سبتمبر 2022، رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية دعوى رفعتها حبّة لمصلحة ترمب ضد هيلاري كلينتون وجون بوديستا (الرئيس السابق للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي) وجايك سوليفان (مستشار الأمن القومي الحالي)، وديبي واسرمان شولتز، والعديد من المسؤولين الديمقراطيين، للمطالبة بتعويضات عن أدوارهم المزعومة في التخريب على حملته الرئاسية عام 2016.

وخلص القاضي إلى أن شكوى ترمب لم تكن كافية من جميع النواحي، محتفظاً بالحق في فرض عقوبات على محامي ترمب. وهو ما حصل بعد شهرين، حين فرض غرامات عليهم، من بينهم ألينا حبّة، ومايكل ماديو، وبيتر تيكتين وجيمي آلان ساسون. وفي يناير (كانون الثاني) 2023، أمر القاضي كلاً من ترمب وحبّة وشركتها بدفع 938 ألف دولار تكاليف قانونية لـ31 متهماً، بينهم اللجنة الوطنية الديمقراطية وهيلاري كلينتون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. هذا، وكانت حبّة، أحد أعضاء فريق الدفاع عن ترمب في قضية «شراء الصمت» التي رفعتها ضده وربحتها ممثلة أفلام إباحية، وغرّم عليها بقيمة 83.3 مليون دولار.

أبواب الشهرة والثروة... فُتحتلا شك في أن تعيين ترمب ألينا حبّة محامية له، فتح أمامها أبواب الشهرة والثروة، لتبرز على الساحة العامة باعتبارها، أبرز الناطقين باسمه والمدافعين عنه. وهي الآن مستشارة أولى للجنة العمل السياسي في حركة «ماغا» (لنعيد أميركا عظيمة) الناشطة لدعم إعادة انتخابه، الأمر الذي رفع ثروتها الشخصية؛ إذ تجاوز دخلها السنوي 200 ألف دولار، وحصلت على أكثر من 3.5 مليون دولار مقابل عملها مستشارةً، وفقاً لشبكة «إيه بي سي نيوز».

أيضاً، منذ أصبحت حبّة مساعدة قانونية رئيسة لترمب، انجذبت أكثر فأكثر إلى دائرته، وصارت من الشخصيات التي يتكرر ظهورها في نواديه، بنيوجيرسي وفلوريدا. وفي عيد ميلادها خلال فبراير (شباط)، نشرت صورة لها جالسة إلى جانبه.

وبعد كلمة حبّة في الليلة الأخيرة من مؤتمر الحزب الجمهوري، يوم 15 يوليو (تموز)، وإثر تعرّض ترمب لمحاولة الاغتيال الأولى، قالت لشبكة «فوكس نيوز» عندما سُئلت عن شعورها إزاء الضمادة التي وضعها على أذنه المصابة ودخل قاعة المؤتمر وسط هتافات مؤيديه وتصفيقهم: «أعتقد أن أفضل كلمة لوصف ذلك هي تأثّرت... أعتقد أن أميركا يمكن أن ترى أن الرئيس ترمب مختلف اليوم». وتابعت: «لم أظن قَطّ في حياتي أنني سأعيش ذلك، ناهيك بأن أعيشه وأقول هذا صديقي... كان ذلك صعباً جداً بالنسبة لي. إنه أمرٌ مؤلم، لكنني فخورة به».

صوت ترمب في المستقبلعدّت حبّة ترقيتها إلى «مستشارة أولى» لحملة إعادة انتخاب ترمب بأنها «شرف عظيم»، وتعهّدت بأنها ستوفر لها، كأم، الفرصة لمناقشة القضايا المهمة للنساء في جميع أنحاء البلاد. كما أعلنت استعدادها لمواصلة دورها محاميةً له، في القضايا الجارية التي تشارك فيها، لكنها تخطط أيضاً لأن تصبح الآن «صوتاً للرئيس ترمب» من أجل التكلّم عن مجموعة واسعة من القضايا.

يبقى القول، أن حبّة تصف نفسها، كاثوليكيةً، بأنها «متدينة للغاية»؛ ما يجعل رسالتها المحافظة قريبة من اتجاهات كثيرين من المسيحيين العرب الأميركيين، الذين يعتبرون ترمب ممثلاُ لهم في هذا المجال. وهي، رغم تمكّنها من الحفاظ على خصوصية حياتها العائلية حتى الآن، فقد قالت في نوفمبر الماضي لصحيفة «النيويورك بوست» اليمينية إن لديها ثلاثة أطفال، مراهق يبلغ من العمر 14 سنة، وابن يبلغ من العمر تسع سنوات، وابنة تبلغ سبع سنوات من زوجها الأول ماثيو آيت، الذي تطلقت منه عام 2019. وفي عام 2020 تزوّجت من غريغ روبن، زوجها الثاني، ويعيشون في برناردزفيل بنيوجيرسي. وذكرت وسائل إعلام أميركية أن حبّة تعتبر صديقة مقربة من إريك نجل دونالد ترمب. وظهرت مع كيمبرلي غيلفويل، خطيبة دونالد ترمب «الابن» في العديد من المناسبات.


مقالات ذات صلة

انتشار نظريات المؤامرة يفاقم حدّة الاستقطاب الأميركي

الولايات المتحدة​ رجل يحمل لافتة صمّمها الذكاء الاصطناعي لترمب محاولاً إنقاذ قطط من مهاجرين خارج تجمع انتخابي في تاكسن بأريزونا في 12 سبتمبر (أ.ف.ب)

انتشار نظريات المؤامرة يفاقم حدّة الاستقطاب الأميركي

يشهد موسم الانتخابات الأميركية الحالي انتشاراً واسعاً لنظريات المؤامرة، التي أصبحت جزءاً أساسياً من النقاش السياسي.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب خلال تجمّع انتخابي في لاتروب، بنسلفانيا، 19 أكتوبر (إ.ب.أ)

هاريس تحتفل بعامها الـ60... وتتساءل عن «لياقة» ترمب

تتم الديمقراطية كامالا هاريس عامها الستين الأحد في خضم منافسة شرسة مع الجمهوري دونالد ترمب (78 عاماً)، أكبر مرشح سنّاً في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس السابق دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (أرشيف - رويترز)

ترمب: الرئيس الصيني يحترمني لأنه يعرف أنني «مجنون»

قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إنه إذا عاد إلى البيت الأبيض فإن الصين لن تجرؤ على استفزازه لأن الرئيس شي جينبينغ يعرف أنه «مجنون»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الملياردير إيلون ماسك مؤسس شركة «تسلا» ورئيسها التنفيذي (رويترز)

في إطار دعمه لترمب... ماسك يتعهد بمليون دولار لمن يوقّع على عريضة

تعهد الملياردير إيلون ماسك بالتبرع بمليون دولار يومياً لأي شخص يوقع على عريضة له على الإنترنت لدعم دستور الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (هاريسبرغ (بنسلفانيا) )
الولايات المتحدة​ 
ترمب في تجمّع انتخابي بديترويت يوم 18 أكتوبر (أ.ف.ب)

ترمب ينتقد محاولة بايدن «كبح» نتنياهو

هاجم المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، دونالد ترمب، الرئيس جو بايدن لمحاولته «كبح» رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خلال وقت الحرب. وفي حديثه للصحافيي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر
TT

جدعون ساعر... غريم نتنياهو الذي ناصره في «حكومة الحرب»

جدعون ساعر
جدعون ساعر

عادّاً قرار عودته إلى الحكومة الإسرائيلية «عملاً وطنياً صحيحاً» يأتي في «أوقات صعبة مليئة بالتحديات»، تحالف النائب الليكودي جدعون ساعر من جديد مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وانضم لنصرته في «مجلس الحرب» وزيراً بلا حقيبة، وسط تكهّنات بأن المعارض اليميني «المتشدد» الذي يلقبه زملاؤه بـ«جيدي» قد يخلف وزير الدفاع يوآف غالانت، حال استقالته من منصبه. ساعر، الذي كان قد استقال من حكومة نتنياهو قبل بضعة أشهر اعتراضاً على استبعاده من «مجلس الحرب»، قال يومذاك جملته الشهيرة «لم نأت لتدفئة الكراسي». إلا أنه تراجع عن موقفه وعاد اليوم إلى الحكومة، مبرراً ذلك خلال مؤتمر صحافي لإعلان المصالحة مع حليفه وغريمه نتنياهو، بأنه «ليس من المفيد البقاء في المعارضة، بل واجبي في الوقت الحالي أن أحاول المساهمة على الطاولة حيث تُتخذ القرارات».

أثارت عودة جدعون ساعر إلى الحكومة الإسرائيلية جدلاً واسعاً، وشكلت تناقضاً سافراً لمواقف سبق أن أعلنها في خضم خلافه المحتدم مع نتنياهو ضمن كتلة «الليكود» النيابية. وهو الأمر الذي لم ينكره ساعر، إذ قال: «أمضينا أنا وبيبي (نتنياهو) سنوات من الشراكة الجيدة والوثيقة جداً، وكانت هناك أيضاً سنوات من الخلافات الشخصية والسياسية، لكن منذ صباح 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يعد لهذا الخلاف أهمية»، وهذا ما أقرّ به أيضاً نتنياهو عندما ردّ: «وضعنا ضغائن الماضي خلفنا».

نشأة في «كيبوتز»

ولد جدعون ساعر في تل أبيب يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) 1966. وهو الابن الأكبر لأم من يهود بُخارى (في أوزبكستان) تعمل في التدريس، وأب طبيب جاء إلى إسرائيل من الأرجنتين. ولقد نشأ جدعون في مستوطنة تعاونية (كيبوتز)، واعتاد أن يرافق والده في زيارات إلى بيت ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، إذ كان أبوه الطبيب الخاص لبن غوريون.

بدأت ميول جدعون ساعر السياسية في وقت مبكر، وإبان مرحلة تعليمه الثانوي انضم إلى حركة «هتحيا»، وترأس فرع الشباب فيها، وهي الحركة التي تحوّلت فيما بعد إلى حزب سياسي يميني متطرّف بين عامي 1979 و1992، أسّسه إسرائيليون يمينيون معارضون لاتفاقية «كامب ديفيد»، وظل قيادياً ناشطاً في ذلك الحزب إلى أن التحق فيما بعد بصفوف حزب «الليكود» (التكتل) اليميني. أما في مرحلة الدراسة الجامعية، فقد حاز ساعر درجة بكالوريوس في العلوم السياسية وبكالوريوس في الحقوق من جامعة تل أبيب. وبما يتصل بخدمته العسكرية، فإنه خدم في الجيش الإسرائيلي جندي مشاة في وحدة «غولاني»، وبعد إصابته أكمل خدمته ضابط استخبارات.

محام وصحافي

عمل ساعر في مهن عدة، وتدرّج في عدة مناصب. ولقد بدأ حياته العملية في المجال الحقوقي مساعد نائب عام، ثم عمل محامياً في النيابة العامة لمنطقة تل أبيب. وفي عام 1999، عندما كان في الثانية والثلاثين من عمره عيّن أميناً لمجلس الوزراء في حكومة نتنياهو الأولى، وهو المنصب الذي شغله أيضاً في حكومة أريئيل شارون الأولى. أيضاً سبق لساعر أن عمل صحافياً في وسيلتين إعلاميتين يساريتين. وإبان «الانتفاضة الفلسطينية الثانية»، شغل أيضاً منصب سكرتير مجلس الوزراء، وترأس وفد إسرائيل إلى الأمم المتحدة مركزاً على منع تشكيل لجنة تحقيق دولية في معركة جنين ضمن «عملية الدرع الواقي» التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية من أجل القضاء على «الانتفاضة». وكان ممثلاً للحكومة في الكنيست؛ حيث روّج لتشريعات عدة متعلقة بالقضايا الأمنية والسياسية الحساسة. وفي عام 2002 انتخب عضواً في الكنيست للمرة الأولى، وكان رئيساً لكتلة «الليكود» البرلمانية ورئيساً للائتلاف اليميني. هذا، وبرز ساعر في «الليكود» خلال فترة توليه السلطة، وقاده أيضاً في زمن المعارضة بعد خسارة الحزب انتخابات عام 2005. وكان من الشخصيات الرئيسية والمؤثرة في إعادة تأهيل «الليكود» للفوز في انتخابات 2009. وحقاً، في ذلك العام عيّن وزيراً للتربية والتعليم، كما صار عضواً في «مجلس الوزراء الأمني». ثم في عام 2013 عيّن وزيراً للداخلية.

استراحة أسرية

عام 2014، بعد زواجه من الإعلامية اليسارية غيئولا إيبن، قرّر ساعر أخذ استراحة من العمل السياسي وتكريس وقته لرعاية أطفاله من زواجه الأول وأطفال زوجته الجديدة، دانييلا وألونا وديفيد وشيرا. وخلال هذه الفترة، تعمّق في متابعة قضايا الأمن القومي الإسرائيلي، وصار زميلاً في «المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي»، كما عمل محاضراً في قضايا الحكومة والإصلاح في كلية «أونو الأكاديمية»، ومستشاراً خاصاً لإحدى شركات المحاماة.

وبالفعل، عاش ساعر مع أسرته، إبان هذه الفترة، في شقة بتل أبيب «مليئة بألعاب الأطفال الملوّنة والمراهقين الصاخبين»، وفق وصف صحيفة «الواشنطن بوست» في حوار أجرته معه عام 2017، كذلك نقلت الصحيفة عنه قوله إنه «يريد التركيز على عائلته ونفسه، على الأقل لفترة من الوقت، تاركاً الباب مفتوحاً لعودته للسياسة يوماً ما». وأردف: «عندما استقلت من الحكومة والكنيست في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014 كان من الواضح أنني سأعود... وكان السؤال الوحيد هو متى». ثم تابع في حواره مع الصحيفة الأميركية: «لست في عجلة من أمري لكي أصبح رئيساً للوزراء، لكنني قلت بوضوح عند عودتي إنني أعتزم قيادة الحزب والبلاد في المستقبل». وبالضبط، بعد نحو خمس سنوات، قرر ساعر العودة للسياسة وانتخب على قائمة «الليكود» في الكنيست.

مواقف «متشددة»

يُعرف ساعر بمواقفه اليمينية الحادة والمعارضة، فهو رفض خطة الانسحاب من قطاع غزة، وتنازل عن منصبه في رئاسة كتلة الائتلاف في الكنيست أيام أريئيل شارون، إثر تنفيذ خطة «فك الارتباط». وأيضاً من آرائه ومواقفه المتشددة، معارضته الشديدة «حل الدولتين». وفي هذا الشأن قال في حوار مع «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» – القريب جداً من إسرائيل – عام 2021 إنه «يدعم أقصى قدر من الحكم الذاتي للفلسطينيين ليحكموا حياتهم، مع الحدّ الأدنى من القدرة على إلحاق الضرّر بأمن دولة إسرائيل». وتكلّم عن «الحاجة لعنصر إقليميّ، مع دمج الدولتَين المجاورتَين، الأردن ومصر، في الحلول نفسها»، عبر ما وصفه باتفاقيات «ثلاثية الأطراف في بعض القضايا؛ بشأن السياحة والاقتصاد والبيئة وقضايا أخرى».

وبالنسبة للاستيطان، يدعم ساعر بناء المستوطنات في الضفة الغربية مع ضم أجزاء من الضفة الغربية. وسبق أن أوضح خلال لقاء مع صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عام 2018 أن «إقامة دولة فلسطينية على بعد أميال قليلة من مطار بن غوريون والمراكز السكانية الرئيسية في إسرائيل من شأنها أن تخلق خطراً أمنياً وديموغرافياً على إسرائيل».

وحيال «حرب غزة»، حثّ ساعر حكومته على «اتخاذ إجراء عسكري أكثر قوة في غزة»، وهو ما من شأنه حسب رأيه «تقصير فترة الحرب». وعدّ في مقال نشره موقع «بوليتيكو» في نوفمبر 2023 أن «الصراع بين حماس وإسرائيل حرب للغرب أيضاً... ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979، أصبح الإسلام الراديكالي منافساً آيديولوجياً للغرب الديمقراطي». وأضاف أن «الصبر والتسامح تجاه الآيديولوجية المتطرّفة التي لا تعترف بشرعية أسلوب حياتكم (أي الغرب) هما أكبر عدوّ للسلام والتعايش».

حليف نتنياهو وغريمه

في الواقع، يحمل جدعون ساعر سمات شخصية مزدوجة، وقد وصفته صحيفة «هآرتس» عام 2020 بأنه في آن معاً «علماني رائع من تل أبيب... وقومي مؤيد للمستوطنين».

ولعل تناقضات شخصية ساعر المثيرة للجدل تظهر بوضوح في علاقته بـ«بيبي» نتنياهو، الذي ظل لسنوات طويلة داعماً له بصفته عضواً في «الليكود»، أو سكرتيراً لرئيس الوزراء ووزيراً في حكومات نتنياهو المختلفة. لكن هذا التحالف سرعان ما انفضّ كاشفاً عن «ضغينة شديدة» يكنّها ساعر ضد رئيسه السابق، إذ انفصل عن «الليكود» وشكّل حزباً جديداً لمنافسة حليفه السابق في الانتخابات، ما «يضع العقل السياسي الماكر ضد معلمه السابق في معركة شخصية عميقة غارقة في مظالم الماضي»، بحسب تقرير لوكالة «الأسوشييتد برس» عام 2021. والحقيقة أن الخلاف مع نتنياهو مر بمراحل عدة، كانت الأولى عندما خاض الانتخابات التمهيدية لقيادة «الليكود» ضده عام 2019، لكنه لم يستطع يومذاك الحصول على زعامة الحزب، فقرر عام 2020 الاستقالة من الكنيست والحزب، وتأسيس حزب «تكفا هداشا» (الأمل الجديد)، الذي خاض انتخابات 2021 وحصل على 6 مقاعد في الكنيست، ومن ثمّ، لعب دوراً في تشكيل «حكومة وحدة» بديلة لإسرائيل، ليشغل في البداية منصب نائب رئيس الوزراء ووزير العدل.

وللعلم، وصف ساعر دائماً بأنه «قومي متشدد» وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه «وريث لقيادة حزب الليكود»، لكنه بعد تحديه الفاشل لنتنياهو في سباق الزعامة، ومن ثم حرمانه من أي منصب حكومي عقاباً له، انفصل عن الحزب وأعلن أن «هدفه هو الإطاحة بنتنياهو لتحويله حزب الليكود أداةً للبقاء الشخصي».

ولكن، في أكتوبر الماضي، وافق ساعر على طلب نتنياهو تشكيل «حكومة موسّعة»، بيد أنه سرعان ما ترك الحكومة في مارس (آذار) الماضي، بعد رفض «بيبي» السماح له بالانضمام إلى «حكومة الحرب»، وقال حينذاك إنه لن يستطيع «تحمّل المسؤولية طالما أنه ليس لدي أي تأثير، فنحن لم نأت إلى الحكومة لتدفئة الكراسي».

مع هذا، عاد ساعر مرة أخرى ليتراجع، وأعلن في29 سبتمبر (أيلول) الماضي عودته إلى الحكومة الإسرائيلية، فيما عُدّ «نُصرة» لنتنياهو تتيح له توسيع غالبيته مع دعم أربعة نواب إضافيين.