ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

بعد انتصار حزب «البديل» في ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
TT

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)
مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)

قبل 4 سنوات كانت نسبة التأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، على المستوى الوطني، لا تتعدى 12 في المائة. ومع أن تأييده في الولايات الألمانية الشرقية التي كانت تحت الحكم السوفياتي حتى عام 1990 كان أعلى، فهناك أيضاً لم يتخطَّ آنذاك عتبة 20 في المائة. الأمر تغيّر الآن، وبات الحزب المراقَب من قبل الاستخبارات بسبب شكوك بأنه يعمل ضد الدستور والديمقراطية، ثاني أقوى حزب في ألمانيا. فعلى الصعيد الوطني وصلت نسبة التأييد له إلى 17 في المائة متخطياً بشعبيته شعبية الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الحاكم الذي تعطيه آخر الاستطلاعات 15 في المائة فقط، ثم إن «البديل من أجل ألمانيا» صار الحزب المفضل في الولايات الشرقية، ويحتل الصدارة منذ أشهر، حيث تتجاوز نسبة تأييده 30 في المائة في بعض الولايات. وأثبتت الانتخابات المحلية في ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا الأحد الماضي شعبية الحزب المتطرف؛ إذ حصد في ثورينجيا نسبة 33 في المائة من الأصوات، وغدت هذه الولاية الأولى التي تعيد حزباً يمينياً متطرفاً إلى الطليعة منذ النازيين. أما في ساكسونيا فحاز الحزب نسبة قاربت 41 في المائة من الأصوات. ولكن رغم هذين الإنجازين لن يتمكّن الحزب من الحكم؛ لكون كل الأحزاب الأخرى ترفض التحالف معه، وهو أمر ضروري في نظام انتخابي يولّد عدداً كبيراً من الأحزاب التي لا تحصد أي منها غالبية مطلقة. ومع أن ألمانيا معتادة على التحالفات، ازداد هذا الأمر صعوبة اليوم في ظل صعود «البديل من أجل ألمانيا» وتنامي شعبيته. ومع أنه لن يحكم في الولايتين رغم حصده عدداً كبيراً من الأصوات، فتمثيله القوي في ولاية ثورينجيا يمكّنه من تعطيل القوانين التي يتطلّب إقرارها ثلثَي الأصوات.

بيورن هوكه زعيم تنظيم "البديل" في ثورينجيا يحيي مؤيديه (رويترز)

شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا»، بلا شك، تتزايد في عموم ألمانيا، لكن الواضح أن ولايات الشرق هي معقله الأول ومركز ثقله الأساسي. وحقاً، محللون كثر قالوا بعد نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة إنها أثبتت أن الهوة بين الولايات الشرقية والغربية تتزايد، وإن ولايات الشرق ما زالت مشكلة بالنسبة لألمانيا. وقد يكون في هذا شيء من الحقيقة.

لقد أظهرت دراسة نُشرت الصيف الماضي وأجرتها جامعة لايبزيغ - التي تقع في ولاية ساكسونيا (شرق) - أن نصف سكان الولايات الشرقية «يتوقون لحكم الرجل القوي» أو لقيادة «حزب واحد»، وفي هذا أصداء للعقود التي عاشها سكان تلك الولايات تحت الحكم السوفياتي. كذلك بيّن البحث «تشكيكاً كبيراً» بالديمقراطية لدى سكان الولايات الشرقية حيث يعيش نحو خُمس سكان ألمانيا. وقال نصف المُستَفتين إنهم يؤيدون حظراً على استقبال المسلمين، في حين أيد 70 في المائة منهم مزاعم المُعادين للأجانب بأن هؤلاء يأتون إلى ألمانيا لاستغلال نظام الرعاية الاجتماعي. وفي المقابل، وجد البحث أن الأفكار المعادية للسامية منتشرة جداً، وأن واحداً من كل 3 مستفتين يرى أن «تأثير اليهود ما زال كبيراً جداً». وبذا استخلص معدّو البحث أن «رسائل الأحزاب اليمينية المتطرفة تجد أصداء قوية عند جزء كبير من السكان» في الشرق.

حزب زارا فاغنكنشت

من جهة ثانية، بيّنت الحصيلة ليس فقط تقدم حزب «البديل» في الانتخابات الأخيرة، بل أيضاً بروز حزب جديد يحمل الكثير من أفكار «البديل»، أسسته الزعيمة السابقة لحزب «دي لينكا» اليساري المتطرف زارا فاغنكنشت إثر انشقاقها عن حزبها.

يحمل الحزب الجديد الذي أُسس مطلع العام اسم زعيمته، المولودة في مدينة يينا بولاية ثورينجيا، والتي عاشت في «جمهورية ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) السابقة»، وكانت ناشطة في الحزب الشيوعي، قبل أن تتحوّل بعد انهيار «جدار برلين» إلى «دي لينكا». ورغم أن حزب «تحالف زارا فاغنكنشت» قام على أسس عقائدية يسارية، فهو يروّج لأفكار يمينية فيما يتعلق بالهجرة، ويؤيد روسيا، ويشكك في حلف شمال الأطلسي (ناتو). هذا الحزب انتزع أصواتاً كثيرة من «دي لينكا» والاشتراكيين وحتى «الخضر»، في ولايتَي ساكسونيا وثورينجيا، وحصل في الأولى على نسبة قاربت 12 في المائة من الأصوات، وفي الثانية على 13 في المائة، ما حوّل الحزب لاعباً أساسياً لا بد من التحالف معه لتشكيل حكومة. لكن، بينما تظهر هذه النتائج أن الهجرة تتصدّر هموم الناخبين في الولايات الشرقية، فإنها تبيّن أيضاً تأثير الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الأوكرانية، والذي يبدو أقسى في ولايات الشرق الأكثر فقراً من ولايات الغرب.

على أي حال، مع أن فاغنكنشت رفضت تحالف حزبها مع «البديل» رغم التشابه الكبير في برنامجيهما إزاء الهجرة ودعم روسيا، عليها الآن الدخول في مفاوضات لتشكيل حكومتين في الولايتين مع حزب تختلف معه في نقاط كثيرة، هو الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ إذ حل هذا الحزب اليميني الوسطي الذي قادته المستشارة السابقة أنجيلا ميركل ثانياً في ثورينجيا بـ23 في المائة من الأصوات، في حين نال في ساكسونيا 32 في المائة؛ أي تخلّف بفارق ضئيل جداً لا يزيد على النقطة عن «البديل».

شرط «مفاوضة» موسكو

فاغنكنشت تشترط على الديمقراطيين المسيحيين والأحزاب الأخرى التي تريد الدخول في تحالف معها، إعلان تأييدها لدعم «مفاوضات سلام» بين روسيا وأوكرانيا، ورفضها خطط الولايات المتحدة بإرسال صواريخ بعيدة المدى إلى ألمانيا العام المقبل وإبقائها على الأراضي الألمانية ضمن قوات «ناتو».

هذا، ومع أن الحكومات المحلية غير معنية بالسياسة الخارجية، تصر فاغنكنشت على تضمين هذه التعهدات في أي ائتلاف حكومي محلي يتشكّل. لكن تعهدات كهذه صعبة بالنسبة للديمقراطيين المسيحيين الذين يؤيدون الدعم الحكومي لأوكرانيا، بل ينتقدون الحكومة «لتقصيرها» بتقديم دعم كافٍ لكييف.

أمام كل هذه الخلافات، يتوقع أن تستغرق عملية تشكيل الحكومتين المحليتين أشهراً من التفاوض تدخل فيها الأحزاب الألمانية تجارب جديدة غير واضحة نهايتها، إلا أنها قد تكون مؤشراً لمستقبل الحالة السياسية التي تغدو اعتيادية في ألمانيا في حال انعكست النتائج، وإن بشكل أقل دراماتيكية، على المستوى الوطني في الانتخابات العامة العام المقبل.

تحليل اتجاهات الشباب

أيضاً، هذه نسبة مرتفعة شكلت مفاجأة لكثيرين. وللعلم، ينشط سياسيو «البديل» على منصة «تيك توك» بكثافة، والحزب من أكثر الأحزاب نجاحاً في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الشباب.

وفي دراسة أجراها باحثون في جامعة بوتسدام بولاية براندنبرغ (شرق)، حول استخدام الأحزاب لمنصة «تيك توك»، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب، تبين أن نجاح «البديل» على هذه المنصة ساهم على الأرجح بنجاح الحزب في ساكسونيا وثورينجيا. وقال البروفيسور رولاند فرفيبي، أحد مُعدّي الدراسة، إن «الشباب ما بين 16 و24 سنة يحصلون على معلوماتهم السياسية فقط من (تيك توك)، وهذا يجعل المنصة بالغة التأثير». وفي تحليل معدّي الدراسة لبيانات على «تيك توك»، استخلصوا أنه خلال الأسابيع التي سبقت الانتخابات، كانت الفيديوهات التي تروّج لحزب «البديل» تصل إلى المستخدمين بكثافة أكبر بكثير من الفيديوهات التي تروّج للأحزاب الأخرى.

وفي تحليلهم، خلق الباحثون 30 حساباً وهمياً لأشخاص مولودين في عام 2006 ويعيشون في ثورينجيا وساكسونيا وبراندنبرغ - التي تجري انتخابات محلية في نهاية الشهر الجاري - وحلل الباحثون أكثر من 75 ألف فيديو ظهر على الحسابات في الأسابيع السابقة للانتخابات. وتبيّن أنه يظهر أمام المستخدمين ما معدله 9 فيديوهات أسبوعياً لحزب «البديل» مقابل فيديو واحد للديمقراطيين المسيحيين أو «تحالف زارا فاغنكنشت»، وأقل بكثير للأحزاب الأخرى.

وأيضاً تبين أن الفيديوهات التي تظهر للمستخدمين لا تتماشى مع أعداد الفيديوهات التي تنتج من قبل الأحزاب. ووجد البحث أن الاشتراكيين، مثلاً، أنتجوا عدداً أكبر بكثير من الفيديوهات المتعلقة بالانتخابات من «البديل»، لكن ذلك لم ينعكس فيما يظهر للمستخدمين. ووفق فرفيبي، فإن أحد الأسباب قد يكون أن شبكة من المستخدمين في منصة «تيك توك» يروّجون لفيديوهات الحزب اليميني المتطرف وهم أنفسهم ينشطون على المنصة بشكل كبير. وبالفعل، حسب دراسة أخرى نُشرت في يونيو (حزيران) الماضي، فإن «البديل» هو من أكثر الأحزاب الألمانية نشاطاً على «تيك توك».

زارا فاغنكنشت (رويترز)

ملامح قلق اقتصادي

أياً كانت الأسباب، فإن نتائج صعود «البديل من أجل ألمانيا» قد تصبح مرئية أكثر في الولايات الشرقية، حيث بدأت الشركات تتخوف من الآثار السلبية لهذا الصعود على الاقتصاد. وغداة صدور النتائج، قالت مونيكا شنيتزر رئيسة «المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين» معلّقة إن الشركات التي تتخذ من ثورينجيا وساكسونيا مقراً لها «قد تكون في وضع صعب في المنافسة على العمالة الماهرة»، مضيفة أن المؤسسات التعليمية في الولايتين تعاني أصلاً من نقص في العمالة، وهذا الوضع قد يتفاقم نتيجة موقف «البديل» من المهاجرين.

أما مارسيل فراتشير رئيس «المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية»، فقد حذّر من هروب رؤوس الأموال من الولايتين، وقال إن سياسات «البديل» التي تروّج للحمائية الاقتصادية، وخفض الهجرة، وتخفيف التنوع والانفتاح، «قد تؤدي إلى هروب الشركات والعمالة الماهرة».

هذا المناخ المعادي للمهاجرين لم يخلقه فقط «البديل» وحزب فاغنكنشت، بل ساهم فيه أيضاً الاتحاد الديمقراطي المسيحي نفسه، الذي مال خطابه المتعلق بالهجرة إلى الشعبوية، وخاصة منذ انتخاب فريدريش ميرتز زعيماً له. بالطبع، يحاول ميرتز باعتماده خطاباً متشدّداً تجاه الهجرة انتزاع أصوات من «البديل»، لكن هذا الخيار تسبب بمناخ معادٍ للهجرة تفاقم في ولايات الشرق، وبات يخيف أصحاب الأصول المهاجرة. ولكن، إذا كان حزبا فاغنكنشت وميرتز يدعوان للحد من الهجرة، وربما حتى وقف استقبال اللاجئين، فإن «البديل» يذهب أبعد بكثير من ذلك مع أنه قد لا يعكس بتصريحاته العامة خططه لأسباب قانونية؛ إذ إن نيّات الحزب ظهرت في نهاية العام عندما كُشف عن اجتماع سرّي شارك فيه نواب من الحزب ومستشار زعيمته أليس فايدل، ناقش ترحيل ملايين المهاجرين من ألمانيا، بينهم مَن يحملون جنسيات ألمانية، لكنهم يتحدّرون من أصول مهاجرة.

الكشف عن الاجتماع أثار استياءً سياسياً واجتماعياً كبيراً في ألمانيا بسبب أصدائه التاريخية والاجتماع الشهير الذي عقده النازيون قبل «الهولوكوست» وناقشوا فيه «الحل الأخير»، إلا أن «البديل» ما زال ينفي أن تكون هذه سياسته، ويزعم قادته حرصهم على اللعب ضمن ما هو مسموح في القانون، خوفاً من حظر الحزب المراقَب.

عموماً، الفوز المزدوج للمتطرفين في الولايات الشرقية يراه البعض نتيجة لضعف الحكومة الفيدرالية. وهذا ما عبر عنه راينر دولغار رئيس «رابطة أصحاب الأعمال الألمانية»، الذي حذّر من أن صعود «البديل» إنما يعكس «قلقاً عاماً وعميقاً وانعدام الثقة في أن ألمانيا تتحرك بالاتجاه الصحيح». وأردف بأن نتائج الانتخابات «تنبيه واضح للحكومة الائتلافية... وعلى أي حكومة أن تحافظ على الأعمال والتماسك الاجتماعي».

كان لافتاً في نتائج الانتخابات مدى تأثير حزب «البديل من أجل ألمانيا» على الشباب

المستشار الألماني أولاف شولتز (رويترز)

انتخابات براندنبرغ المقبلة... الاختبار الصعب للاشتراكيين و«الخضر»

قد تكون الانتخابات المقبلة في ولاية براندنبرغ المحيطة بالعاصمة برلين، الاختبار الأكبر والأخطر للأحزاب الحكومية، خاصة الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) بقيادة المستشار الألماني أولاف شولتس. فعلى عكس ولايتَي ثورينجيا وساكسونيا، حيث لم يكن للاشتراكيين أصلاً وجود قوي، يقود الاشتراكيون الحكومة الحالية في براندنبرغ، وكان حزبهم حصل في الانتخابات الماضية على 26 في المائة من نسبة الأصوات مقابل 23 في المائة آنذاك لحزب «البديل من أجل ألمانيا». هذا العام تشير الاستطلاعات إلى انقلاب الوضع، وحلول «البديل» أولاً بنسبة أصوات تصل إلى 27 في المائة مقابل 23 في المائة للاشتراكيين. كذلك سيكون حزب «الخضر» الشريك في الحكومة أيضاً أمام تحدٍّ جدي، هو البقاء في الحكومة وتجنب انخفاض نسبة أصواته عن نسبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان. ووفق الاستطلاعات، يبدو «الخضر» على حافة الحصول على 5 في المائة، في انخفاض كبير عن 11 بالمائة في الانتخابات الماضية. من جهة ثانية، مع أن الولايات الشرقية الخمس قد لا تعكس وضع البلاد بشكل كامل، خاصة أن عدد سكانها ككل لا يزيد على 14.5 في المائة (مليون من أصل 83 مليون ألماني)، فهي تشكّل مؤشراً لتزايد الامتعاض من الحكومة وتراجع الثقة بالأحزاب الكبيرة. فالخلافات المستمرة داخل الحكومة الائتلافية، والوضع الاقتصادي المتدهور - أولاً بسبب جائحة «كوفيد-19»، ثم بسبب الحرب في أوكرانيا - زادا من تراجع الثقة بالأحزاب الحاكمة، ثم إن تحول حزب «الخضر» من حزب مُسالم تاريخياً إلى حزب يدعم الحرب في أوكرانيا، وساعد في إبقاء مرافق الفحم مفتوحة رغم تعهداته بإغلاقها رداً على وقف الغاز الروسي، أبعد عنه كثيرين من مناصريه. يبقى أنه ما زال هناك عام واحد يفصل ألمانيا عن انتخاباتها العامة، وفيه تأمل الأحزاب التقليدية أن تتمكن من مواجهة «البديل من أجل ألمانيا» ووقف تقدمه... وزحفه نحو الولايات الغربية.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.