الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
TT

الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)

> تدريجياً، تعود بنغلاديش البالغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، جلّهم من المسلمين، إلى الحياة الطبيعية بعد أشهر من الفوضى والاحتجاجات، واستقالة كبار المسؤولين من الشرطة والقضاء وجهاز الخدمة المدنية. ولقد أُطلق سراح معظم أولئك الذين اعتُقلوا إبان الاحتجاجات، وكذلك بعض السجناء السياسيين المحتجزين، بما في ذلك البيجوم خالدة ضياء، المنافسة السياسية التقليدية للشيخة حسينة، رئيسة الحكومة السابقة. وللعلم، نشأت بنغلاديش إثر حرب الانفصال عن باكستان عام 1971. ولكن تأسيس الدولة كان أمراً بالغ الصعوبة، إذ قُتل ما يقرب من 3 ملايين شخص في الحرب، ونزح نحو 10 ملايين شخص إلى الهند، مع نزوح ما يقرب من 30 مليون شخص داخلياً بسبب الصراع. وفاقم من متاعب البلاد السياسية والأمنية أنها تعاني وضعاً محفوفاً بالمخاطر، وحدوداً جغرافية هشة، وتضربها الأعاصير العاتية بانتظام، في حين تشعر في الوقت نفسه بالتأثير المباشر لتغير المناخ وارتفاع مستويات سطح البحر.

وأما بالنسبة للدكتور محمد يونس، ففي حين كان محل إعجاب في مختلف أنحاء العالم لمساعدته الملايين من الناس على الخروج من براثن الفقر، فإنه في وطنه بنغلاديش، أكسبته شخصيته العامة عداء رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، ابنة مؤسس البلاد الشيخ مجيب الرحمن، التي اتهمته ذات مرة بامتصاص دماء الفقراء. وجاء أول اتهام بالاختلاس بحق يونس عام 2010، عندما اتهم توم هاينمان، مخرج الأفلام الوثائقية الدنماركي، الدكتور يونس و«بنك غرامين» في أحد أفلامه بتحويل ملايين الدولارات من أموال المساعدات التي قدمتها الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي (نوراد). وكان عنوان ذلك الفيلم «متورط في الائتمان الصغير».

على الأثر، بدأت حكومة حسينة التحقيقات في أنشطة يونس، وأقصتْه عن منصب المدير الإداري للبنك إثر مزاعم بانتهاك قواعد التقاعد، وكان قد تجاوز ستين عاماً في ذلك الوقت. وأيَّدت محكمة بنغلاديش العليا قرار فصله في أبريل (نيسان) 2011.

الشيخة حسينة واجد... طي صفحة تاريخية وعائلية (روبترز)

يومذاك، اتهمت حسينة «بنك غرامين» باجتذاب مبالغ ضخمة من المساعدات من البلدان الغربية «من دون حدوث تغيير ملموس على أرض الواقع». وتصاعد التأزم في يناير (كانون الثاني) 2024 عندما اتُّهم يونس وثلاثة من زملائه من شركة «غرامين تيليكوم»، وهي واحدة من شركاته العديدة، بانتهاك قوانين العمل لصالح موظفيهم. ويومها حُكم عليهم بالسجن ستة أشهر، لكنَّ محكمة العمل أفرجت عنهم بكفالة، مما أتاح لهم الوقت للاستئناف أمام محكمة أعلى. وفي حينه، علّقت «منظمة العفو الدولية» بالقول إن إدانة يونس كانت «رمزاً لحالة حقوق الإنسان المحاصرة» في بنغلاديش. ولاحقاً، في يونيو (حزيران)، وجهت المحكمة إلى يونس تهمة اختلاس 2.2 مليون دولار من صندوق رعاية العمال التابع لشركة الاتصالات الخاصة به.

معلّقون ومفكّرون سياسيون رأوا أن جذور الصراع بين يونس وحسينة ترجع إلى عام 2007، عندما أعلن يونس اعتزامه تشكيل حزب سياسي، بينما أقدمت حكومة مدعومة من الجيش على سجن حسينة. والمفارقة هنا، أنه قبل ذلك، كان يونس من مناصري والد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن. بل وعيّن يونس حسينة -مع السيدة الأميركية الأولى هيلاري كلينتون- رئيساً مشاركاً لـ«قمة الائتمان الصغير» التي عُقدت بين 2 و4 فبراير (شباط) عام 1997، وحينذاك لم يكن لدى حسينة سوى الثناء على يونس والإعجاب به.

مع كل ذلك، انتهت هذه العلاقة الطويلة عام 2007 بعدما كشف يونس عن نيته تشكيل حزب سياسي باسم «ناغوريك شاكتي» (سلطة المواطن) لإنهاء ثقافة الصدام السياسي في بنغلاديش، التي تخللتها فترات من الاضطرابات وفترات من الحكم العسكري.


مقالات ذات صلة

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

حصاد الأسبوع محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع داخل الجمعية الوطنية الفرنسية (آ ف ب)

فرنسا في مواجهة مأزق البرلمان المُعلق والغموض السياسي

بعد انتهاء الهدنة السياسية التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلنها بسبب الألعاب الأولمبية 2024، عادت الأنظار من جديد إلى «قصر ماتينيون»، حيث مقر رئاسة

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع 
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

لا شك في أن التوغل الأوكراني المباغت داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية الأسبوع الفائت، شكّل مفاجأة صادمة لموسكو، التي انشغلت خلال الأشهر الأخيرة

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع هاريس (أ ب)

أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

> يراهن ناخبو الحزب الديمقراطي الأميركي اليوم على تيم والز؛ لأنه يعرف لغة المناطق التي «نزف» فيها حزبهم الأصوات لعقود من الزمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
TT

محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)
من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)

> في أوائل يونيو (حزيران) الفائت، بعدما أعادت المحكمة العليا في بنغلاديش نظام حصص الوظائف، الذي كان يفضّل أحفاد مقاتلي حرب التحرير عام 1971، تجمع نحو 500 طالب في جامعة دكا للمطالبة بإلغائه. وبعد شهرين، تحديداً يوم 5 أغسطس (آب)، تخلت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد عن السلطة، وفرّت من البلاد، بينما زحف ائتلاف من الطلاب البنغلاديشيين والمعارضين السياسيين والمواطنين العاديين نحو مقرّ إقامتها.

يحمل خروج حسينة من المشهد السياسي ببنغلاديش أهمية خاصة؛ نظراً لنسبها العائلي؛ فقد لعب والدها الشيخ مجيب الرحمن دوراً محورياً في كفاح بنغلاديش من أجل الاستقلال. وبعدما كانت حسينة ذات يوم أملاً لشباب بنغلاديش في معارك الديمقراطية، ورئيسة وزراء أعادت الحياة إلى مفاصل الاقتصاد الوطني، تحولت نهاية المطاف الخصم الأكبر. ووفق مصادر صحافية، «بلغ الغضب ضد عائلة الشيخة حسينة نقطة الغليان بعد حظرها جميع الأحزاب السياسية الأخرى بالبلاد وقمعها حرية الصحافة. ورغم انتخابها لولاية رابعة على التوالي رئيسةً للوزراء في وقت مبكر من العام، فإن ما بدأ مظاهراتٍ طلابية سلمية سرعان ما تطور إلى حركة شعبية وطنية ضد الفساد المستشري والمحسوبية والاستبداد على نحو طغى على أي نجاحات اقتصادية وتنموية كانت تتباهى بها، سواء في الداخل أو الخارج».

وتشير مصادر إلى أن رفض حسينة إعطاء أي مساحة للمعارضة، «شوّهت الإرث الذي تعتز به أكثر من أي شيء آخر، أي إرث والدها، المؤسس المحبوب لبنغلاديش، الشيخ مجيب الرحمن، الذي تقف تماثيله الآن وسط الأنقاض». وتضيف: «لا شك في أن عنف الغوغاء المتطرف والاحتجاجات حظيت بدعم سياسي، وربما بتشجيع من عناصر في باكستان والولايات المتحدة، وكلتاهما كانت لها علاقات متوترة مع حكومة رابطة عوامي (يسار الوسط)».

وتبعاً لتقرير في صحيفة «بروثوم ألو» الناطقة باللغة البنغالية ومقرّها دكا، واجهت رئيسة الوزراء السابقة اختياراً عصيباً: فهل عليها الإصغاء إلى نصح دائرتها المقربة والامتناع عن التشدّد، أم أفضل لها المغادرة؟ وفي النهاية، اختارت حسينة الهروب، لكن سبقته ساعات من المكالمات الهاتفية والاجتماعات.

ومن ثم قدّمت «بروثوم ألو» رواية عن الساعات الـ24 من حكم حسينة قبل استقالتها ومغادرتها. وورد في الرواية: «قبل فرارها من البلاد، استدعت رؤساء أفرع القوات المسلحة الثلاثة: الجيش والبحرية والقوات الجوية، وكذلك المفتش العام للشرطة في الساعة 10.30 لمدة ساعة، من صباح اليوم ذاته الذي فرّت فيه، ومارست عليهم ضغوطاً هائلة للسيطرة على الموقف، متسائلة عن سبب امتناعهم عن التعامل بصرامة مع المحرضين الذين كانوا يتسلقون ويعطلون المركبات المدرعة لقوات إنفاذ القانون والجيش... ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت، كانت شوارع دكا المؤدية إلى ساحة جونوبون تعجّ بجحافل ضخمة من الناس ربما تكون الأكبر في تاريخ. وفي اليوم السابق، أدرك بعض زملائها، من بينهم أحد كبار مساعديها، خطورة الموقف، فحاولوا إقناعها بنقل السلطة إلى الجيش، لكنها في تلك اللحظة كانت مترددة إزاء قبول النصيحة».

«... بعدها لما رأى المسؤولون أنهم لم يتمكنوا من إقناع حسينة بخطورة الموقف، اجتمعوا بشقيقتها الصغرى ريحانة في غرفة منفصلة، وحثوها على إقناع أختها بالأمر. وبعد ذلك، تحدثت ريحانة معها، لكن حسينة ظلت متشبثة بموقفها...».

«... بعد ذلك، تحدّث مسؤول كبير إلى ابن حسينة، ساجيب جوي، المقيم بالخارج، لكنه كان مستشاراً رسمياً لرئيسة وزراء بنغلاديش. وتبعاً للتقرير، تحدث جوي بعد ذلك مع والدته التي وافقت أخيراً على الاستقالة. وقبل أن تصعد على متن الطائرة لمغادرة البلاد، أعربت حسينة عن رغبتها في تسجيل خطاب وداع موجّه للأمة، لكن هذا لم يحدث. وبحلول ذلك الوقت، أشارت تقارير استخباراتية إلى أن العديد من الطلاب كانوا يسيرون نحو مقرّ إقامتها، ما لم يعطها الوقت الكافي لتسجيل الخطاب الذي تريده. وبدلاً عن ذلك، أمهلها الجيش 45 دقيقة للتأهب للمغادرة».