الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
TT

الشيخة حسينة ومحمد يونس... الطريق إلى الصدام الأخير

العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)
العاصمة دكا مسرحاً للاضطرابات قبل تنحي الشيخة حسينة ومغادرتها بنغلاديش (رويترز)

> تدريجياً، تعود بنغلاديش البالغ عدد سكانها 170 مليون نسمة، جلّهم من المسلمين، إلى الحياة الطبيعية بعد أشهر من الفوضى والاحتجاجات، واستقالة كبار المسؤولين من الشرطة والقضاء وجهاز الخدمة المدنية. ولقد أُطلق سراح معظم أولئك الذين اعتُقلوا إبان الاحتجاجات، وكذلك بعض السجناء السياسيين المحتجزين، بما في ذلك البيجوم خالدة ضياء، المنافسة السياسية التقليدية للشيخة حسينة، رئيسة الحكومة السابقة. وللعلم، نشأت بنغلاديش إثر حرب الانفصال عن باكستان عام 1971. ولكن تأسيس الدولة كان أمراً بالغ الصعوبة، إذ قُتل ما يقرب من 3 ملايين شخص في الحرب، ونزح نحو 10 ملايين شخص إلى الهند، مع نزوح ما يقرب من 30 مليون شخص داخلياً بسبب الصراع. وفاقم من متاعب البلاد السياسية والأمنية أنها تعاني وضعاً محفوفاً بالمخاطر، وحدوداً جغرافية هشة، وتضربها الأعاصير العاتية بانتظام، في حين تشعر في الوقت نفسه بالتأثير المباشر لتغير المناخ وارتفاع مستويات سطح البحر.

وأما بالنسبة للدكتور محمد يونس، ففي حين كان محل إعجاب في مختلف أنحاء العالم لمساعدته الملايين من الناس على الخروج من براثن الفقر، فإنه في وطنه بنغلاديش، أكسبته شخصيته العامة عداء رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، ابنة مؤسس البلاد الشيخ مجيب الرحمن، التي اتهمته ذات مرة بامتصاص دماء الفقراء. وجاء أول اتهام بالاختلاس بحق يونس عام 2010، عندما اتهم توم هاينمان، مخرج الأفلام الوثائقية الدنماركي، الدكتور يونس و«بنك غرامين» في أحد أفلامه بتحويل ملايين الدولارات من أموال المساعدات التي قدمتها الوكالة النرويجية للتعاون الإنمائي (نوراد). وكان عنوان ذلك الفيلم «متورط في الائتمان الصغير».

على الأثر، بدأت حكومة حسينة التحقيقات في أنشطة يونس، وأقصتْه عن منصب المدير الإداري للبنك إثر مزاعم بانتهاك قواعد التقاعد، وكان قد تجاوز ستين عاماً في ذلك الوقت. وأيَّدت محكمة بنغلاديش العليا قرار فصله في أبريل (نيسان) 2011.

الشيخة حسينة واجد... طي صفحة تاريخية وعائلية (روبترز)

يومذاك، اتهمت حسينة «بنك غرامين» باجتذاب مبالغ ضخمة من المساعدات من البلدان الغربية «من دون حدوث تغيير ملموس على أرض الواقع». وتصاعد التأزم في يناير (كانون الثاني) 2024 عندما اتُّهم يونس وثلاثة من زملائه من شركة «غرامين تيليكوم»، وهي واحدة من شركاته العديدة، بانتهاك قوانين العمل لصالح موظفيهم. ويومها حُكم عليهم بالسجن ستة أشهر، لكنَّ محكمة العمل أفرجت عنهم بكفالة، مما أتاح لهم الوقت للاستئناف أمام محكمة أعلى. وفي حينه، علّقت «منظمة العفو الدولية» بالقول إن إدانة يونس كانت «رمزاً لحالة حقوق الإنسان المحاصرة» في بنغلاديش. ولاحقاً، في يونيو (حزيران)، وجهت المحكمة إلى يونس تهمة اختلاس 2.2 مليون دولار من صندوق رعاية العمال التابع لشركة الاتصالات الخاصة به.

معلّقون ومفكّرون سياسيون رأوا أن جذور الصراع بين يونس وحسينة ترجع إلى عام 2007، عندما أعلن يونس اعتزامه تشكيل حزب سياسي، بينما أقدمت حكومة مدعومة من الجيش على سجن حسينة. والمفارقة هنا، أنه قبل ذلك، كان يونس من مناصري والد حسينة، الشيخ مجيب الرحمن. بل وعيّن يونس حسينة -مع السيدة الأميركية الأولى هيلاري كلينتون- رئيساً مشاركاً لـ«قمة الائتمان الصغير» التي عُقدت بين 2 و4 فبراير (شباط) عام 1997، وحينذاك لم يكن لدى حسينة سوى الثناء على يونس والإعجاب به.

مع كل ذلك، انتهت هذه العلاقة الطويلة عام 2007 بعدما كشف يونس عن نيته تشكيل حزب سياسي باسم «ناغوريك شاكتي» (سلطة المواطن) لإنهاء ثقافة الصدام السياسي في بنغلاديش، التي تخللتها فترات من الاضطرابات وفترات من الحكم العسكري.


مقالات ذات صلة

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

حصاد الأسبوع محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

محمد يونس... حامل «جائزة نوبل للسلام» و«مصرفي الفقراء» يتولّى حكم بنغلاديش

في محاولة لسد الفراغ القيادي في بنغلاديش، ولو بصفة مؤقتة، عُيّنَ محمد يونس الحائز على «جائزة نوبل» والخبير الاقتصادي، كبير مستشاري الحكومة المؤقتة المدعومة من

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع داخل الجمعية الوطنية الفرنسية (آ ف ب)

فرنسا في مواجهة مأزق البرلمان المُعلق والغموض السياسي

بعد انتهاء الهدنة السياسية التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلنها بسبب الألعاب الأولمبية 2024، عادت الأنظار من جديد إلى «قصر ماتينيون»، حيث مقر رئاسة

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع 
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

لا شك في أن التوغل الأوكراني المباغت داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية الأسبوع الفائت، شكّل مفاجأة صادمة لموسكو، التي انشغلت خلال الأشهر الأخيرة

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع هاريس (أ ب)

أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

> يراهن ناخبو الحزب الديمقراطي الأميركي اليوم على تيم والز؛ لأنه يعرف لغة المناطق التي «نزف» فيها حزبهم الأصوات لعقود من الزمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
TT

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)

«اضحكوا قليلاً وستبكون كثيراً»... بهذه العبارة خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الإسرائيليين، متوعداً إياهم بالانتقام لدماء القائد العسكري الأول فؤاد شكر في خطاب تشييع الأخير، الذي اغتالته إسرائيل، مع غروب يوم الثلاثاء الماضي بغارة استهدفته داخل منزله في منطقة حارة حريك بضواحي بيروت الجنوبية. لكنّ خطاب تأبين شكر في ذكرى مرور أسبوع على مقتله انطوى على عدّة مفارقات، أبرزها إعلان نصر الله أن حزبه و«محور المقاومة» غير مستعجلين للردّ بانتظار اختيار الهدف بدقّة حتى لا يؤدي إلى حربٍ واسعة، وأن تجنب الردّ حتى الآن هو ردّ بذاته يجعل الإسرائيليين «يقفون على قدم ونصف» تحسّباً لما سيأتي. في لبنان أيضاً يحبس الناس أنفاسهم بانتظار ردّ الحزب والأثمان التي ستدفعها إسرائيل جراءه. إلا أن ما يقلقهم أكثر هو كيف ستتعامل تلّ أبيب مع نتائج عملية الحزب المرتقبة بين ساعة وأخرى، خصوصاً إذا أدت إلى ضرب هدفٍ استراتيجي أو قتل مدنيين إسرائيليين، وهو ما ينذر بجرّ جبهة لبنان إلى حربٍ واسعة يصعب تحمل تبعاتها ونتائجها.

يعترف خبراء في لبنان أن في جعبة «حزب الله» بنك أهداف واسعاً في الداخل الإسرائيلي، والصور التي التقطتها طائرات «الهُدهد» 3 مرات، تنبئ باختيار أكثر من هدف. إلّا أن مراقبين يعدّون أن «خيارات الحزب محدودة، وإن كان يملك كثيراً من الصور والمعطيات».

ويرى العميد منير شحادة، منسّق الحكومة اللبنانية السابق مع «الأمم المتحدة»، أن خطاب نصر الله ما قبل الأخير «حسم بشكل قاطع الانتقال من جبهة المساندة إلى المعركة الكبرى. وهذا يعني أن كل محور المقاومة، بما فيها إيران، انخرط في هذه المعركة». ويؤكد شحادة لـ«الشرق الأوسط» أن «الردّ على اغتيال فؤاد شكر حتمي، لكن هذا الردّ ليس فورياً، بل رهن اختيار الهدف والفرصة المتاحة له». ويضيف: «بتقديري سيكون الردّ بحجم جريمة اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر، وربما يؤدي إلى اغتيال شخصية عسكرية إسرائيلية كبيرة».

التوقيت المناسب

وحقاً، اتسم خطاب نصر الله الثاني الذي ألقاه يوم الثلاثاء بمناسبة تأبين شكر، بالهدوء والروية وتحاشي استعجال «الردّ القادم في توقيته المناسب»، مخاطباً جمهوره المتعطّش للانتقام، بـ«التروّي»، مستخدماً تعبير «يا واش يا واش»، معتبراً أن «عدم الردّ حتى الآن هو جزء من الردّ» طالما أنه يقلق الإسرائيليين.

وهنا، يوضح الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور حسن جوني لـ«الشرق الأوسط»، أن نصر الله «ملتزم بحتميّة الردّ على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، تاركاً التوقيت للميدان وللفرصة التي توفر له هدفاً بحجم الخسارة التي تلقاها». ويتابع: «ردّ (حزب الله) ليس مشروطاً باغتيال شخصية إسرائيلية توازي أهمية فؤاد شكر، بل ربما يكون هدفاً عسكرياً موجعاً، يستخدم فيه صواريخ فاعلة ومؤثرة، لكن إذا تمكن من اصطياد شخصية عسكرية كبيرة يكون ذلك أفضل بالنسبة له».

وحسب جوني، الذي كان يشغل منصب قائد كلية الأركان في الجيش اللبناني: «لا يمكنني أن أتنبّأ بطبيعة الردّ، بل أستنتج انطلاقاً من الظروف الإقليمية والدولية المؤثرة في هذه الحرب واستراتيجية تدخل (حزب الله)، وعنوانها الدعم والمساندة، بأن هذا الردّ محكوم بحدّين: الأول ردّ غير تقليدي وغير نمطي، أي أنه لا يشبه الردود التي أتت انتقاماً لاغتيال قادة ميدانيين، ويأتي في مكان لا يتوقعه الجيش الاسرائيلي، كأن تكون هناك عملية خاصة، برية أو بحرية أو جوية، تفاجئه في أسلوبها ومكانها. والثاني وهو السقف الأعلى للردّ، يتحدد بألّا يتجاوز الخطوط الحمراء الكبرى التي تعطي إسرائيل مبرّراً، سواء في الداخل الإسرائيلي أو في الخارج، لشنّ حرب واسعة على لبنان... فالعملية المرتقبة تحتاج إلى تقييم دقيق حتى تأتي ضمن هذين الحدّين»، وفق جوني.

مصطفى بدر الدين

قصف الضاحية

طبعاً، لا مجال للمقارنة بين التفوق الجوي والتكنولوجي لدى إسرائيل وبين قدرات «حزب الله». وإن كان الأخير طوّر قدراته القتالية منذ عام 2006 حتى اليوم، فليس سهلاً أن ينتقي الهدف، وثمة أسئلة عن البدائل التي سيلجأ إليها في حال لم يحقق مراده بقتل شخصية إسرائيلية كبيرة. هنا يعدّ العميد شحادة أنه «في حال تأخر اختيار الشخصية الإسرائيلية، سيختار الحزب هدفاً عسكرياً استراتيجياً، أعمق من كل الأهداف التي ضربها منذ 8 أكتوبر الماضي». ويوضح: «طالما أن إسرائيل خرقت قواعد الاشتباك وتجرّأت على قصف الضاحية الجنوبية، قد لا يتردد الحزب بضرب هدف استراتيجي في حيفا أو تلّ أبيب، مع حرصه على ألّا تتسبب الضربة بقتل مدنيين إسرائيليين»، ثم إنّ «ردّ (حزب الله) ليس فورياً ولا خلال ساعات أو أيام قليلة، فهو يتوخّى نجاح الردّ وانتقاء الهدف وضربه بدقّة».

معركة «المحور»

راهناً، ثمّة حرص كبير لدى «حزب الله» على ألا يُجرّ إلى حرب لا يريدها، وهذا ما عناه نصر الله عندما أكد أن معركة «محور المقاومة» تهدف إلى «عدم تمكين إسرائيل من الانتصار في هذه المعركة»، ما يعني تخليه عن شعار «إزالة الكيان الصهيوني من الوجود». وحول هذا، رأى العميد جوني أنه «رغم كل هذا التصعيد في العمليات العسكرية، وتحديداً في عمليات الاغتيال، ورغم ارتفاع وتيرة الخطاب السياسي والتهديدات، فإن الأسباب التي منعت اندلاع الحرب الشاملة، وخاصة بين إسرائيل و(حزب الله)، لا تزال قائمة. وهي أولاً اعتبارات الردع والردع المقابل، وثانياً الإنهاك الذي أصاب الجيش الإسرائيلي بعد أشهر طويلة من القتال في غزة، وثالثاً الموقف الدولي والإقليمي، وتحديداً الولايات المتحدة، التي لم تسمح لإسرائيل حتى الآن بتوسعة عملياتها وإدخال المنطقة في حرب كبرى لا لزوم لها ولا مصلحة».

لا عذر لإسرائيل

من جانب آخر، أتى قصف الضاحية الجنوبية واغتيال فؤاد شكر من خارج كلّ التوقعات، إذ تفيد المعلومات بأن لبنان تلقى ضمانات أميركية بأن بيروت والضاحية الجنوبية مستثنيان من أي عمل عسكري إسرائيلي. وهذه العملية كانت محور الاتصال العاصف بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«الخداع» والتفرد بقرار اغتيال شكر في بيروت وإسماعيل هنية في قلب طهران. وبرأي العميد شحادة، إن نتنياهو «يسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران»، وإنه «لا عذر لإسرائيل لتنفيذ عملية خطيرة ودقيقة في قلب طهران، واغتيال القائد السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية، إلّا دفع المنطقة إلى الحرب». وبعد تساؤل شحادة: «ما هو مبرّر إسرائيل لاغتيال قائد سياسي تتفاوض معه من أجل تبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية؟»، فإنه يشير إلى «أن ردّ (حزب الله) قد يستدرج ردّاً إسرائيلياً، وعندها نصبح أمام حربٍ مفتوحة، وقد تكون حرباً إقليمية تتخطّى جبهة لبنان، وسيكون كلّ محور المقاومة شريكاً فيها».

اغتيال شكر يتصدّرخسائر «حزب الله» للعلم منذ 8 أكتوبر الماضي، خسر «حزب الله» عدداً من قادته العسكريين والميدانيين، لكن اغتيال شكر شكّل أكبر ضربة منذ اغتيال عماد مغنية في دمشق عام 2008. وعليه، يعدّ الدكتور خلدون الشريف، السياسي اللبناني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن خطابي نصر الله الأخيرين «اتسما بالعقلانية، رغم حجم الخسارة التي مني بها باغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، عندما أعلن أن الردّ محسوم، لكننا نقاتل بغضب وبعقل، وبغضب وحكمة». وتابع الشريف أن الخطاب الثاني لنصر الله «استفاض في شرح الموقف من الجهتين، حيث قال إنه لو أرادت إسرائيل حرباً شاملة مع لبنان لشنّتها منذ حين، وليؤكد بدوره أن الحزب ليس طالب حرب بدوره، لكنه حسم موضوع الرد ولمّح بشكل واضح إلى أن الحزب حين استهدفت إسرائيل مدنيين ردّ على أهداف عسكرية».

أبعد مسافة

هذا، وبينما يبدي «حزب الله» حرصه على تجنيب المدنيين الإسرائيليين والمنشآت المدنية عملياته، بدا لافتاً امتلاكه أسماء وأماكن المعامل والمصانع الموجودة في الشمال الإسرائيلي. فقد ذكرها نصر الله في خطابه الأخير، وهذا ما رسم علامات استفهام عن إمكانية تحويلها إلى أهداف مشروعة في حال اندلاع الحرب. إلّا أن الشريف أعرب عن اعتقاده بأن «الرد سيكون على أهداف عسكرية قد تكون أبعد مسافة مما طالته صواريخ الحزب أو مسيراته سابقاً». وأردف: «لا شك أن هناك وساطات كثيرة تجري بين الحزب وإسرائيل وبين إيران وإسرائيل أيضاً... ومن الواضح أن السبيل الوحيدة لإلغاء الرد على اغتيال كل من هنية وشكر تختصر بوقف إطلاق نار في غزة، ما يسقط الردود. لكن الملفت في الخطاب قول نصر الله إن أحداً لا يطلب من إيران وسوريا أن يقاتلا قتالاً طويلاً، وهو ما دفع عدداً كبيراً من الفرقاء في لبنان ليسألوا سؤالاً بديهياً: هل مطلوب أن يدفع لبنان وحده، دون الآخرين، ثمناً من رزقه وأرواحه، على الرغم من إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية وإجرام حكام إسرائيل؟!».

لا مجال للمقارنة بين التفوق الجوي والتكنولوجي لدى إسرائيل وبين قدرات «حزب الله»

كلام دبلوماسي

في المقابل، التزام «حزب الله» بـ«قواعد الاشتباك المستمرة» منذ فتح «جبهة المساندة» قبل 10 أشهر، لا يعني أن عملياته لن تطول أهدافاً ومنشآت عسكرية في العمق الإسرائيلي، لكن لا شيء يضمن استمرار المغامرات الإسرائيلية رغم الضغوط الأميركية والغربية التي تمارس عليها. وهنا يلفت الدكتور الشريف إلى أنه «ليس ثمة ما يؤكد أن واشنطن وعدت بعدم استهداف بيروت والضاحية، ولو أن الكلام الدبلوماسي الرفيع في العاصمة كان في هذا الاتجاه كل الوقت». ويضيف في الوقت نفسه أنه «ليست هناك ضمانات ألّا يرد الحزب على أهداف قد تدفع الإسرائيلي إلى الردّ بدوره، وزيادة حدود الصراع وحدود النار، غير أنه من الواضح إلى اليوم أن الكل يقاتل تحت السقوف، لكن تلك السقوف ترتفع تدريجياً إلى مستويات عالية».

موازين القوى

ثم توقف الشريف عند إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» أن هذه المعركة لن تكون معركة زوال إسرائيل. وعزا هذا الموقف اللافت إلى أن «موازين القوى الداعمة لإسرائيل بعد عملية (طوفان الأقصى) لغير مصلحة المقاومة، خاصة في فلسطين المحتلة، بسبب الظروف التي أحاطت بالعملية من جهة، وبسبب ضعف إمكانات حركة (حماس) العسكرية، رغم قدراتها الهائلة على الصمود، ولأن هذه المعركة تحديداً لم يقررها نصر الله، بل جاء منذ 8 أكتوبر ليقول إنه جبهة إسناد لا أكثر».

ولا يستغرب الشريف اعتراف نصر الله «المنطقي والبديهي بتحقيق إسرائيل أهدافاً ثمينة في اغتيال من اغتالتهم منذ البدايات، مع أن المعارك تعرف بنتائجها النهائية، التي لا تزال غير واضحة». ثم يختم: «من المؤكد أن إسرائيل لا تستطيع إنهاء (حزب الله) وضرب نفوذه، لكنها تستطيع التسبب بآلام شديدة، وهو بدوره يستطيع إيلامها»، معتبراً أن «سردية الحزب في الاستراتيجية قد لا تكون تغيّرت، لكنه يدرك في التكتيك أن زوال إسرائيل ليس في متناول اليد في هذه المرحلة أو في مرحلة أبعد».

عماد مغنية

ثلاثة من القيادات المركزية في «حزب الله» يُنسب اغتيالها لإسرائيل

ينسب «حزب الله» اغتيال ثلاث شخصيات عسكرية مركزية في جهازه إلى إسرائيل. وبدأ المسلسل في عام 2008 باغتيال عماد مغنية، الذي وصفه نصر الله بـ«قائد الانتصارين»، (2000 و2006)، وكان قد اغتيل بسيارة مفخخة بدمشق في فبراير (شباط) 2008. ومغنية، من مواليد 1962، ويُعد من مؤسسي «حزب الله» في 1982، وقاد الوحدة العسكرية بالحزب منذ منتصف التسعينات، كما قاد معارك الحزب ضد إسرائيل في 2006.بعد مغنية، تعرّض مصطفى بدر الدين للاغتيال في مايو (أيار) 2016، إذ قتله صاروخ استهدفه في مركز للحزب بريف دمشق في سوريا، وتضاربت هوية الجهة التي اغتالته بين مجموعات سورية معارضة أو إسرائيل. وبدر الدين من مواليد 1961، ويعد من الكوادر المؤسِّسة للحزب في 1982، وقاد وحدة الحزب العسكرية لفترات متقطعة بين 1992 - 1996 و2008 - 2016، كما قاد معارك الحزب في سوريا منذ 2012، وعدَّته إسرائيل «وزير أمن حزب الله».وبعد بدر الدين، اغتالت إسرائيل أخيراً فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في يوليو (تموز) 2024، وشكر من مواليد 1961، ومن مؤسسي «حزب الله» في 1982، وقاد الوحدة العسكرية المركزية بالحزب في فترات متقطعة بين 1985 - 1992، و2016 – 2024، وترأس برنامج تطوير سلاح الحزب بالصواريخ الدقيقة والمسيّرات. ويقول الحزب إنه وضع البرامج التدريبية والعسكرية وتولى صياغة الخطط العسكرية. أيضاً قاد شكر معارك الحزب في جنوب لبنان ضد إسرائيل منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، واغتيل بغارة جوية إسرائيلية في ضواحي بيروت الجنوبية يوم 30 يوليو 2024.