3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك

مغامرة زيلينسكي تحرج الكرملين... وتعيد ترتيب أولويات الحرب الأوكرانية


من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
TT

3 «سيناريوهات» لتطور الوضع حول كورسك


من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)
من آثار المعارك على جبهة كورسك (رويترز)

لا شك في أن التوغل الأوكراني المباغت داخل الأراضي الروسية في منطقة كورسك الحدودية الأسبوع الفائت، شكّل مفاجأة صادمة لموسكو، التي انشغلت خلال الأشهر الأخيرة بتسجيل إنجازاتها على الأرض، ومستوى التقدم البطيء ولكن المتواصل، على عدد من الجبهات. كانت كييف تصارع خلال أشهر لتأكيد قدرتها على الصمود أمام الهجمات الروسية الناجحة على محوري خاركيف ودونيتسك، ولتوصل رسالة إلى الغرب مفادها أن المساعدات التي تقدم إلى أوكرانيا فعالة وضرورية، وأن مقولة «الانتصار الروسي المؤلم ولكن المحتوم» التي بدأت تأخذ رواجاً أكثر في الغرب، ليست أكيدة. في هذه الظروف جاء هجوم كورسك ليقلب موازين القوى، ويضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام إحراج غير مسبوق منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثين شهراً.

وجّهت أوكرانيا ضربة للكرملين، حين سلّطت الضوء على فشله في حماية أراضي روسيا وحطّمت رواية الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا ظلت إلى حد كبير غير متأثرة بالأعمال الحربية على الجبهات البعيدة.

التوغّل الأوكراني في روسيا أرسل أيضاً إشارة قوية إلى حلفاء كييف أن الجيش الأوكراني يمكن أن ينتزع زمام المبادرة ويلحق هزيمة ولو محدودة حتى الآن، بالجيش الروسي. وهذه رسالة مهمة بشكل خاص قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي إطار السجالات الغربية المتزايدة حول آفاق دعم أوكرانيا وتداعيات الحرب المتواصلة على البلدان الأوروبية.

مجريات العملية وأهدافها

بعد أشهر من التراجع على الجبهة الشرقية، أطلقت أوكرانيا عملية واسعة النطاق غير مسبوقة في منطقة كورسك الحدودية الروسية، سمحت لقواتها بالتوغل، حسب محلّلين، حتى عمق 35 كيلومتراً على الأقل، والسيطرة على نحو 80 بلدة وقرية روسية بمساحة إجمالية تزيد على 1000 كيلومتر.

يوم 6 أغسطس (آب) الحالي، تدفقت القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك من اتجاهات عدة، وسرعان ما اجتاحت عدداً قليلاً من نقاط التفتيش والتحصينات الميدانية التي يحرسها حرس الحدود الروس المسلحون تسليحاً خفيفاً. وتخطّت القوات الأوكرانية كذلك وحدات المشاة الروسية على حدود المنطقة الروسية التي يبلغ طولها 245 كيلومتراً (152 ميلاً) مع أوكرانيا.

وعلى النقيض من الهجمات السابقة التي شنّتها مجموعات صغيرة من المتطوّعين الروس الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأوكرانية، ورد أن التوغّل الأوكراني في منطقة كورسك شمل هذه المرة وحدات من ألوية عدة من الجيش الأوكراني المخضرم.

وأفاد مدوّنون عسكريون روس بأن مجموعات أوكرانية متنقّلة تتألف من مركبات مدرعة عدة، قادت كل منها بسرعة عشرات الكيلومترات (الأميال) إلى داخل الأراضي الروسية، متجاوزة التحصينات الروسية، وزرعت الذعر في جميع أنحاء المنطقة. وشكّل هذا التطور ضربة واسعة لثقة الروس بتقدّم قواتهم على الجبهات، لا سيما أن هذه المساحة التي تحققت السيطرة عليها في أسبوع واحد، تعادل تقريباً المساحة التي سيطرت عليها روسيا في أوكرانيا منذ بداية العام.

الهدف النهائي

ما زال الهدف النهائي من عملية كورسك غير واضح تماماً، رغم الخطوات الأوكرانية على الأرض، بما في ذلك على صعيد الحديث عن إعلان منطقة عسكرية وفتح ممرات إنسانية لخروج المدنيين، أو الخطة التي تكلمت عن إنشاء «منطقة عازلة» في كورسك لتخفيف الضغط المدفعي والصاروخي الروسي على المناطق الأوكرانية المحاذية للحدود. لكن الأكيد وفقاً لتقدير خبراء عسكريين أن درجة نجاح الهجوم المباغت فاجأت حتى الأوكرانيين أنفسهم، الذين بدأوا نقاشات لتحديد آليات الإفادة من الوضع الجديد.

تقارير روسية تشير إلى أن التقدم السريع للقوات الأوكرانية في كورسك تحقَّق بفضل مُعدات حرب إلكترونية قطعت الاتصالات الروسية، وسمحت بتقدم سريع للآليات داخل المناطق الروسية، مدعومة بهجمات من الطائرات المُسيّرة وحماية الدفاع الجوي. وهذا يعكس أن كييف حصلت حتماً على مساعدة لوجستية واستخباراتية قوية من جانب الغرب، الذي ربما يكون، بدوره، فوجئ بتوقيت العملية وحجمها، لكنه بالتأكيد كان على علم بجانب من التخطيط لعملية كبيرة محتملة.

لقد ربح الأوكرانيون عملياً مع السيطرة على مساحة من الأرض الروسية موطئ قدم في روسيا يمكّنهم من إرسال مجموعات استطلاع للبحث عن نقاط ضعف هناك، واستقدام قِطع المدفعية لقصف أهداف داخل عمق أراضيها.

في المقابل، قال مسؤول أميركي إن واشنطن ترى أن أحد أهداف عملية كورسك هو قطع خطوط الإمداد الروسية للجبهة الشرقية، حيث ينفّذ الجيش الروسي هجوماً منذ مايو (أيار) الماضي.

وتقول مصادر إنه بعيداً عن الانتصارات التكتيكية، أظهرت أوكرانيا قدرتها على التخطيط بسرّية لعملية هجومية وتنفيذها، خصوصاً بعد فشل هجومها المضاد الصيف الماضي، الذي طرح تساؤلات في الداخل والخارج حول قدرتها على مواصلة «حرب الخنادق» الطاحنة أمام الهجوم الروسي.

وفقاً لخبراء، سعت كييف عبر شن هذا التوغّل إلى إجبار الكرملين على تحويل الموارد من منطقة دونيتسك (في شرق أوكرانيا)، حيث شنّت القوات الروسية هجمات في قطاعات عدة وحققت مكاسب بطيئة ولكن ثابتة، معتمدةً على تفوقها في القوة النارية. وإذا تمكنت أوكرانيا من التمسك ببعض مكاسبها من التوغّل داخل روسيا، فمن شأن هذا تعزيز موقف كييف في مباحثات السلام المستقبلية، وقد يسمح لها بتبادل هذه المكاسب مقابل الأراضي الأوكرانية التي تحتلها موسكو.

وعلى الرغم من النجاحات الأولية للتوغّل الأوكراني داخل روسيا، فإنه قد يتسبب في استنزاف بعض أكثر الوحدات قدرةً في أوكرانيا، ويترك القوات الأوكرانية في دونيتسك من دون تعزيزات حيوية، كما أن محاولة تأسيس وجود أوكراني دائم في منطقة كورسك قد تشكّل تحدياً للقوات الأوكرانية، التي ستغدو خطوط إمدادها عُرضة للنيران الروسية.

رد فعل موسكو

لا شك أن التوغل المباغت أحرج الرئيس فلاديمير بوتين، الذي وصف أكبر هجوم بري تتعرض له بلاده منذ الحرب العالمية الثانية بأنه مجرد «استفزاز واسع النطاق»؛ أي إن الكرملين لم يتعامل مباشرة مع التطور بصفته حدثاً كبيراً يمكن أن يؤثر على مسار الحرب وعلى استراتيجيات إدارة الصراع.

ولعل الفشل الروسي في توقع الهجوم أولاً، وفي مواجهته ثانياً، سيخلّفان تداعيات واسعة على المستوى الداخلي؛ إذ لم يكن الروس يتوقعون قبل ثلاثين شهراً عندما أطلق بوتين «العملية العسكرية الخاصة» أن يكونوا يوماً أمام مشهد الدبابات الألمانية وهي تتجوّل فوق أراضيهم، ولا ناقلات الجنود والمدرعات الغربية وهي تبني تحصينات ومواقع دفاعية في مدنهم.

هذا المشهد مع قسوته سيشكّل حافزاً لرفض أي تسويات، ووضع موارد ضخمة بهدف إعادة تحرير المناطق التي دخلتها القوات الأوكرانية.

على المستوى العسكري، حيّر المراقبين فشل روسيا بشن هجوم مضاد سريع ضد الأوكرانيين والحلفاء الغربيين. ولم تنقل وزارة الدفاع الروسية حتى الآن قواتها على نطاق واسع من الدونباس إلى منطقة كورسك.

تبرير ذلك بسيط للغاية، وهو أن موسكو ترى أنه بين أبرز أهداف تخفيف الضغط عن قطاعي خاركيف ودونيتسك، لذلك حرص بوتين خلال اجتماعات القيادة العسكرية على تأكيد أن الهجوم الروسي في العمق الأوكراني لم ولن يتأثر. لكن إلى أي درجة يمكن أن تحافظ موسكو على هذه الوتيرة في التعامل مع الحدث؟

هذا سؤال ما زالت السلطات المختصة في روسيا لم تقدم جواباً بشأنه.

لقد تحرك الهجوم بسرعة كبيرة، وكان رد الروس بطيئاً للغاية لدرجة أن أوكرانيا ربما بدأت تعيد النظر في أهدافها. وبدايةً كانت كييف مدفوعة بالرغبة في رفع معنويات الأوكرانيين وتحفيز الدعم العسكري من حلفائها الغربيين. وبالإضافة إلى ذلك، سعت القوات الأوكرانية إلى تحويل القوات الروسية عن خط المواجهة في منطقة دونيتسك، حيث تتقدم القوات الروسية بالقرب من توريتسك وبوكروفسك وتشاسوفوي يار. وهذا يفسر كلام العسكريين الأوكرانيين بعد مرور أسبوع على بدء الهجوم عن خطط لإنشاء «منطقة عازلة» على الأراضي الروسية أو تعزيز تحصينات إضافية فيها.

زيلينسكي (رويترز)

مغامرة زيلينسكي تقلق الغرب

في هذه الأثناء، يقول خبراء غربيون إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتخذ بإطلاق العملية قراراً جريئاً للغاية، يكاد يقترب من أن يكون مغامرة حقيقية؛ إذ قال زيلينسكي خلال أيام من بدء الهجوم إن كييف «تسعى إلى نقل الحرب» داخل روسيا، وإن أوكرانيا «تثبت أنها قادرة على ممارسة الضغط الضروري؛ الضغط على المعتدي».

وعندما بدأ التوغل، في 6 أغسطس، بدا الأمر كأنه «عرض آخر للشجاعة العسكرية» من قِبل «الفيلق الروسي»، وهو واحدة من مجموعات الميليشيات المناهضة لبوتين، لكن بعد مرور يومين فقط أصبح من الواضح أن كييف نفسها تحاول توجيه ضربة استراتيجية مضادة لروسيا.

المرجح أن وراء الهجوم قراراً مباشراً من زيلينسكي، الذي ضغط وفقاً لتقارير لعدة أشهر على قادته العسكريين لشنّ هجوم صيفي. ونظراً للمشاكل المتعلقة بالقوى البشرية والموارد في أوكرانيا، كان القادة متردّدين، لكن زيلينسكي كان يسعى جاهداً إلى عكس السرد القائل إن أوكرانيا تخسر الحرب. بل حاول فعلاً إيجاد طريقة لوقف خسارة المزيد من الأراضي في شرق أوكرانيا، وتعطيل هذه الديناميكية أو عكسها. وهذا الخيار العسكري الاستراتيجي «أسلوب إلى حد كبير جريء ومحفوف بالمخاطر»، وفقاً لتعبير معلق عسكري.

أما القادة الغربيون فيشعرون الآن بالقلق، وبخاصة مع استخدام بعض المعدات الأرضية (مركبات قتالية مدرّعة، ومركبات مشاة مدرّعة، وقاذفات صواريخ، ومدافع هاون، ووحدات دفاع جوي أرضية) لحلف شمال الأطلسي (ناتو) داخل روسيا، الأمر الذي يمثّل تجاوزاً لعتبة أو «خط أحمر» آخر، ولو أن القادة الأوكرانيين طلبوا الإذن الغربي مسبقاً لما حصلوا عليه. لذلك أقدم زيلينسكي على الهجوم من دون تنسيق واسع، وفقاً لتقديرات مع الغرب. وهذا يفسر أن واشنطن في الأيام التالية قالت إنها تنتظر معلومات إضافية من كييف حول الهجوم.

مع هذا، مغامرة زيلينسكي محفوفة بالمخاطر؛ فليس أمام موسكو الآن من خيارات سوى فعل كل ما يلزم لوقف التوغل، ولا يمكن للضربة المضادة الأوكرانية في كورسك أن تحقّق سوى أهداف محدودة.

وكحد أقصى، قد تأمل القوات الأوكرانية حول كورسك في توسيع نطاق وصولها إلى ما هو أبعد من احتلال محطة الطاقة النووية فيها، مقابلاً لاحتلال روسيا لمحطة زابوريجيا الأوكرانية عام 2022، لكن هذه الأهداف ستعتمد على المدة التي ستستغرقها العملية، وبأي طريقة يمكن للأوكرانيين الصمود داخل كورسك.

تشير تقارير إلى أن التقدم السريع للقوات الأوكرانية تحقَّق بفضل مُعدات حرب إلكترونية قطعت الاتصالات الروسية

ماذا بعد كورسك؟

يقول المحلل العسكري فرانتز ستيفان غادي، من جنيف، إن المرحلة المقبلة من عملية كورسك تعتمد على الاحتياطي المُتاح لدى كل طرف، وكيف سيستخدمه على الجبهة. ويتابع: «ستحتاج أوكرانيا إلى نقل جنود وموارد عسكرية إضافية للجبهة كي تحافظ على زخم الهجوم، في حين ستسعى روسيا لصدّ الهجوم بسرعة، واستخدام قوتها النارية كالقنابل المنزلقة».

ويرى غادي، كما نقلت عنه «وول ستريت جورنال»، أن المشكلة الرئيسية في عملية كورسك أنها لا تُغير الوضع على الجبهة الشرقية، حيث ما زالت القوات الروسية تتقدم، وإن كان بوتيرة أبطأ. ويضيف: «عملية كورسك تتطلب قدراً كبيراً من الموارد، خصوصاً جنود المشاة، الذين قد تحتاج إليهم أوكرانيا على جبهة أخرى». وعلى الجبهة الشرقية يعاني الضباط الأوكرانيون قلة عدد الجنود، ويتساءلون عن مغزى مهاجمة الأراضي الروسية، رغم أنهم يأملون أن تؤدي هذه العملية الهجومية في كورسك إلى تخفيف الضغط على جبهتهم.

وهنا، يرجّح أن الجيش الأوكراني يفضّل الوقوف والقتال في الجيب الذي أنشأه، وربما يتم تعزيزه، لكن الأعداد الهائلة من الجنود الذين سترسلهم موسكو ستُنبئنا في نهاية المطاف بشكل القتال المقبل. واستمرار وجود هذا التوغل داخل الأراضي الروسية سيكون أمراً غير مقبول بالنسبة للرئيس بوتين.

 

بوتين (رويترز)

الخيارات الثلاثة: مزيد من التقدم، تراجع أو انسحاب جزئي

يتوقع الجنرال الأسترالي المتقاعد، ميك رايان، 3 سيناريوهات لتطور الأحداث في منطقة كورسك. يتضمن السيناريو الأول، الأكثر اندفاعاً، محاولة التمسك بالأراضي التي أمكن الاستيلاء عليها، حتى التقدم أكثر من أجل سحب مزيد من القوات الروسية من أوكرانيا، والحصول على أوراق مساومة في المفاوضات المستقبلية. لكن هذا أمر محفوف بالمخاطر، وفق المحلل، لأنه سيكون من الصعب على القوات الأوكرانية توفير غطاء للحرب الإلكترونية والدفاع الجوي، حتى للقوات المتمركزة جيداً في مثل هذه المنطقة الواسعة.أما السيناريو الثاني فهو التراجع وإنقاذ القوات والمعدات وإعادة تجهيزها، وقد تسلحت بروح معنوية عالية، في محاولة تحرير أراضيهم العام المقبل. وأما الخيار الثالث فيقوم على الانسحاب جزئياً إلى مواقع أكثر أمناً أقرب إلى الحدود الأوكرانية. وسيتطلب الأمر قوات أقل عدداً، وتوفير دعم مدفعي أفضل ولوجستيات أفضل، وتأمين قاعدة لمزيد من الهجمات في المستقبل. ويشير مصدر لمجلة «الإيكونوميست» في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية إلى أن هذا الخيار هو الأكثر ترجيحاً. وقد جرى بالفعل نقل جزء من الخدمات اللوجستية - قوات الهندسة والوقود والمستشفيات الميدانية وقواعد الغذاء والإصلاح - على بعد عدة كيلومترات إلى عمق الأراضي الروسية.


مقالات ذات صلة

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

حصاد الأسبوع بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

تيم والز «ابن الريف الأميركي»... هل يؤشر إلى تحالف سياسي واجتماعي جديد للديمقراطيين؟

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع هاريس (أ ب)

أميركا 2024: من حسابات الولايات المتأرجحة... إلى استعادة دوائرها المحورية

> يراهن ناخبو الحزب الديمقراطي الأميركي اليوم على تيم والز؛ لأنه يعرف لغة المناطق التي «نزف» فيها حزبهم الأصوات لعقود من الزمن.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

الساحل الأفريقي... جبهة جديدة للحرب الروسية ــ الأوكرانية

لا تتوقّف منطقة الساحل الأفريقي عن استيلاد المفاجآت، وهي التي تعيشُ على وقع حرب أهلية طاحنة منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أنها حرب تجذب إليها يوماً بعد يوم لاعبين

الشيخ محمد (نواكشوط)
حصاد الأسبوع استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

«اضحكوا قليلاً وستبكون كثيراً»... بهذه العبارة خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الإسرائيليين، متوعداً إياهم بالانتقام لدماء القائد العسكري الأول

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

انزلقت بنغلاديش، إحدى أكبر دول العالم الإسلامي والقارة الآسيوية، من حيث عدد السكان، خلال الأسبوع الماضي إلى حالة من الفوضى. وفي تحوّل دراماتيكي استقالت رئيسة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)

واشنطن ترعى كسر «قواعد الاشتباك»مع إيران... لفرض ميزان قوى جديد

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
TT

واشنطن ترعى كسر «قواعد الاشتباك»مع إيران... لفرض ميزان قوى جديد

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)

على الرغم من أن بعض التحليلات لا تزال تعتقد أن المنطقة قد تكون مقبلة على حرب موسعة، مدفوعة «بفائض القوة» الذي يشعر به بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، فإن ما جرى في الأيام الماضية أظهر أن ميزاناً جديداً للقوى إقليمياً في طور التشكل، بعدما كسرت إسرائيل «قواعد الاشتباك» التي كانت قائمة مع إيران وميليشياتها. فالحرب التي شنّتها على قطاع غزة، إثر «الزلزال» الذي أحدثه في المجتمع الإسرائيلي هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، لم تكن لتستمر من دون «غطاء» أميركي. وكشفت الأيام الأخيرة أن أهدافها بعيدة المدى تتجاوز مسألة الرد على «حماس» إلى فرض قواعد جديدة على «طوق النار» الذي تفرضه إيران عليها. إذ إن حشد الأساطيل الأميركية الذي تكرّر 3 مرات خلال الأشهر العشرة الماضية كان رسالة ردع مزدوجة، ليس لإعادة بناء الردع الإسرائيلي فقط، بل إعادة تكريس «معادلة جديدة – قديمة» مع إيران، تقوم على أضلاع عدة، منها منع امتلاكها السلاح النووي، ووقف تهديداتها وتدخلاتها، والانضواء كدولة طبيعية في محصلة إقليمية غير معادية للسياسات الأميركية.

انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي قد يكون عجّل ما يسمى أميركياً بفترة «البطة العرجاء». إلا أنه عملياً قد يكون الآن - في الأشهر المتبقية من عهده - أكثر تحلّلاً من الالتزامات التي كان مضطراً لمراعاتها لو بقي في السباق. فهو ما عاد مضطراً لتقديم خطاب «يوازن» بين انحيازه لإسرائيل وشجب «المأساة الإنسانية» التي يتعرض لها الفلسطينيون.

وهكذا، دفعت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بوضع أصول عسكرية إضافية، بحرية وجوية، بالقرب من إسرائيل للمساعدة في الدفاع ضد ما يعتقد أنه «هجوم وشيك» من قبل إيران رداً على قتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، واغتيال فؤاد شكر القائد الكبير في «حزب الله» في ضواحي بيروت، الأسبوع الماضي. وبدلاً من تقديم مخارج ملائمة تحفظ لإيران «ماء الوجه» على الأقل، يقود وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، جهوداً دبلوماسية وعسكرية لممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة على إيران، والطلب من بعض العواصم الإقليمية والدولية، بما فيها روسيا، حضّها وحلفاءها على كبح أي ردّ.

تحليلات لبعض الصحف الأميركية رأت أن الاجتماع «الاستثنائي» الذي عقده وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في المملكة العربية السعودية، يوم الأربعاء، بطلب من إيران، لمناقشة «جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة ضد الشعب الفلسطيني واعتدائه على سيادة إيران»، بما في ذلك مقتل هنية، قد يهدف إلى تأمين مخرج يجعل من تراجع طهران عن توجيه ضربة كبيرة، تلبيةً لمناشدات الدول المجتمعة، بعدم توسيع الصراع وجرّ المنطقة إلى حرب لا يريدها أحد، بعد تحميل إسرائيل المسؤولية.

كذلك عدّت التحليلات زيارة سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن الروسي ووزير الدفاع السابق، المفاجئة لطهران، جزءاً من الجهود الدبلوماسية لمنع التصعيد، الذي قيل إنه نصح قادتها بذلك لأسباب قد تختلف عن تصوّرات واشنطن، لكنها تتقاطع معها في هذه اللحظة الحرجة.

حراجة موقف «محور المقاومة»وبينما يرى البعض أن عمليات الاغتيال والمخاوف من أعمال العنف الانتقامية التي يمكن أن تطلقها، يمكن أن تدفع بعض الدول إلى الابتعاد عن إسرائيل والتقرب من إيران، في سعيها إلى تهدئة التوترات التي تهدد أمنها، يرى آخرون أن تراجع الخطاب التعبوي الإيراني، وتدرجه من الرد بكل «قوة» إلى الرد بحسب ما «يسمح» به القانون الدولي، وكذلك تراجع حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» اللبناني عن «حافة الحرب الشاملة»، أدلّة على حراجة موقف «محور المقاومة»، وخشيته من التكلفة العالية التي قد يدفعها.

وفي حين كرّر بلينكن التحذير من أنه «لا ينبغي لأحد تصعيد هذا الصراع»، وأشار إلى «انخراطه في دبلوماسية مكثفة مع الحلفاء والشركاء، وتوصيل هذه الرسالة مباشرة إلى إيران وإسرائيل»، أكد أوستن أن واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل في مواجهة أي هجوم.

في المقابل، في إشارة إلى استثمار واشنطن المستمر في الأمن الإسرائيلي، أجرى يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، مع أوستن يوم الثلاثاء مكالمة هي الخامسة بينهما منذ الهجوم الصاروخي الذي وقع في 28 يوليو (تموز) على بلدة مجدل شمس المحتلة في الجولان. وأيضاً توجه الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى الأميركية (سينتكوم) إلى إسرائيل يوم الاثنين، لإجراء مباحثات مع القادة العسكريين، أشاد بها غالانت، كونها «ترجمة مباشرة للدعم الأميركي لإسرائيل إلى عمل».

في هذا الوقت، تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية، الذي عُدّ انتكاسة لسعي إدارة بايدن لتأمين وقف إطلاق النار في غزة، «لكونها تعتقد أنها تحقق تقدماً فيه»، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي. غير أن تعيين يحيى السنوار، خلفاً لهنية، قد يكون أعطى إسرائيل مبرّراً لمواصلة التمسك بأهدافها في غزة، ولبايدن المسوّغات لتحميل «حماس» المسؤولية عن فشل جهوده، بعدما وصفت إدارته السنوار بالإرهابي، وطالبته بالعمل على تطبيق الاتفاق.

نتنياهو يحتاج نصراً معنوياً

ثم، مع أن حرب غزة ربما انتهت بالمعنى العسكري، فإن حاجة نتنياهو إلى «نصر معنوي» عبر القضاء على السنوار - الذي يحمّله مسؤولية هجوم أكتوبر - قد يترجمه في الأيام والأسابيع المقبلة بارتكاب مزيد من المجازر، وتدمير ما تبقى من عمران في غزة، بما يكرس مفاعيل «النكبة» الثانية بحق الشعب الفلسطيني.

وفي حين لا يستبعد محللون أن يكون تعيين السنوار رداً إيرانياً على محاولات إنهاء إمساكها بـ«الورقة الفلسطينية» كجزء من «ردّها» المعنوي على «الإهانة» التي تعرّضت لها، يرى آخرون أن محاولاتها إطالة الصراع لأطول مدة ممكنة يهدف أيضاً إلى توظيفه في أي تطورات سياسية قد تحصل على المشهد الانتخابي في أميركا.

وبعكس ما يراه البعض بأن نتنياهو هو المشكلة الآن في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فربما يكون هو الورقة الرابحة بالنسبة لواشنطن، لا إيران، في احتواء الحريق الإقليمي. ومع أن نتنياهو قد غيّر شروطه للتوصل إلى اتفاق محتمل، بعد أن طرح بايدن خطته للتوصل إلى اتفاق، وهو الذي قيل إنه اختلف مع كبار مسؤوليه الأمنيين بسبب إصراره على مواصلة الحرب والضغط على «حماس»، بدلاً من قبول وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الرهائن، فقد بدا الآن بعد مقتل شكر وهنية، أنه قادر على قلب المشهد، ورفع سقف الضغوط والمواجهة، مهما كان شكل الرد الإيراني.

انتقادات لاذعة

على صعيد موازٍ، كانت بعض الانتقادات الأميركية لسلوك نتنياهو لافتة، منها أنه «وضع الولايات المتحدة في موقف مستحيل»، وفق فرانك لوينشتاين، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد الرئيس باراك أوباما. إذ قال لوينشتاين: «إنه يثير رداً قد يجرنا إلى حرب، لكن لا أحد يشكك في ذلك علناً... لأننا بالطبع سنقف مع إسرائيل ضد إيران».

مع ذلك، أظهرت الاغتيالات والهجمات والضربات التي شنّتها إسرائيل على مدى الشهور الماضية، وقبلها لسنوات، داخل إيران وخارجها، مستهدفة قادة منها ومن ميليشياتها، أنها لم تؤدِ إلى حرب إقليمية، وهذا رغم عدم إبلاغ الولايات المتحدة عنها، وغضبها. وبينما أكد مسؤول إسرائيلي أن المكالمة الهاتفية التي أجريت بين بايدن ونتنياهو الأسبوع الماضي، بعد قتل هنية كانت «متوترة»، لا تتوافر دلائل، كما لم تصرح إدارة بايدن، بأنها جاهزة لممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل لمحاولة احتواء أفعالها، مثل إعادة النظر ببعض المساعدات العسكرية أو الحد منها. وبذلك، حرّر بايدن نائبته كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، من تحمل أوزار سياساته أمام بعض ناخبي الحزب الغاضبين من دعمه لإسرائيل.

أضف إلى ما سبق، أن إيران ومحورها يمران راهناً في لحظة ضعف وارتباك سياسي وعسكري واستخباري غير مسبوقة بوجود حكومة جديدة تسعى لتقديم «أوراق اعتماد» جديدة مع الغرب. ثم إن إدارة بايدن لطالما اعتقدت أن طهران، التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية وتكافح مع اقتصاد متعثر، تريد تجنب صراع واسع النطاق، ما قد يجعل من تغيير التوازن الإقليمي أمراً ممكناً.

تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية

تغيير قواعد اللعبة

في هذه الأثناء، يقول دينيس روس، المبعوث الأميركي الخاص السابق لعملية السلام، إنه طالما لم تؤدِ جولات التوتر السابقة بين إسرائيل وإيران إلى تصاعد الصراع وبقيت محتواة، فإن مغادرة بايدن منصبه تحرره للتركيز على إبرام صفقة تطبيع إسرائيلية إقليمية، يرجح أن تكون مشروطة بإنهاء الصراع والحرب في غزة، ومن شأنها أن تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

روس قال في مقالة في مجلة «فورين أفيرز» إن نتنياهو يحتاج إلى الأميركيين لأخذ زمام المبادرة، ويعلم أنه من دون التدخل الأميركي لن يتمكن من التوصل إلى اتفاق. فالهزيمة العسكرية لـ«حماس» لن تكون ذات أهمية كبيرة إذا ما تمكنت من إعادة تشكيل نفسها. كذلك يدرك نتنياهو أنه إذا كان يريد بديلاً لحكم «حماس» في غزة، فسيحتاج إلى الدول العربية الرئيسية، للعمل مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى لإنشاء إدارة مؤقتة في غزة تتولى مسؤولية الحكم والأمن اليومي. ومع تفضيل الديمقراطيين والجمهوريين بشكل عام فكرة تحقيق اختراق كهذا، من غير المرجح أن يعارضها ترمب أو هاريس في حال فوز أي منهما في السباق الرئاسي. تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية

أحد لقاءات نتنياهو وبلينكن المتكررة (ا ف ب)

تخوّف في واشنطن من «7 أكتوبر» ثانٍ

> يرى مراقبون أن «الارتباك» الذي تعيشه إيران وأذرعها، خصوصاً «حزب الله»، شجّع على مواصلة سياسة التهويل والضغوط، بأن البدائل عن عدم تراجعهم عن التصعيد، قد تكون إقدام إسرائيل على تنفيذ هجوم استباقي.حول هذا يقول ماثيو ليفيت، كبير الباحثين بالشأن الإيراني في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» -القريب من تل أبيب- إن سلوك «حزب الله» يثير القلق أكثر من سلوك إيران، في ظل امتلاكه عدداً كبيراً من الصواريخ والمسافة القصيرة نسبياً، إذ يمكن أن يؤدي الهجوم من لبنان إلى إصابة أهداف عسكرية واستراتيجية في شمال البلاد وفي المركز.وفي ظل تخوف الإسرائيليين من شن «حزب الله» هجوماً شبيهاً بهجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يتصاعد خطر أن تبادر إسرائيل بشن هجوم برّي استباقي لإزالة هذا الاحتمال. ومع أن غالبية المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن الحرب مع «حزب الله» اليوم لن تكون مثل أي حرب خاضتها إسرائيل على الإطلاق -ولذا يفضلون تأجيل المواجهة- لكن إذا لم يتمكن المدنيون الإسرائيليون من العودة إلى منازلهم قريباً، قد تأتي الحرب في وقت أقرب كثيراً مما يرغبون.من جهة ثانية، تركيز الجهود الدبلوماسية الأميركية على إقناع الحزب بسحب جميع قواته إلى مسافة 10 كيلومترات على الأقل من الحدود، تطبيقاً للقرار الدولي رقم 1701، الذي صدر بعد حرب 2006، يمكن أن يجعل الهجوم المفاجئ على غرار 7 أكتوبر أقل احتمالاً بكثير. وهذا ما تسعى إلى تحقيقه واشنطن، وقد نقله عديد من الوسطاء الغربيين والعرب إلى لبنان، خصوصاً أن إسرائيل أنجزت تدمير وإفراغ هذا الشريط الحدودي من سكانه.على الرغم من ذلك، يقول ليفيت إن العوامل التي منعت «حزب الله» من فتح جبهة ثانية كاملة لا تزال قائمة. وبرأيه «يعاني لبنان أزمة اقتصادية وسياسية مدمِّرة، ولا يريد معظم مواطنيه أن يجر (حزب الله) البلاد إلى ما قد تكون حرباً مدمِّرة للغاية. وفي حين أن إيران سعيدة بالقتال حتى آخر وكيل عربي، فإن قادتها لا يريدون أن تمتد الحرب إلى حدودهم».ومع ميل بعض التحليلات عن الاغتيالات التي وقعت الأسبوع الماضي، إلى تسليط الضوء على قدرات إسرائيل على شن هجمات عسكرية وتكنولوجية متطورة في «عمق أراضي العدو»، يرى مراقبون أنها لم تنجح في تبديد الإحراج الذي حدث في 7 أكتوبر. وربما ما تقوم به إسرائيل من دفع لحدود تصرفاتها الإقليمية، لا ينبع من شعورها بالقوة بل لأنها تشعر بالضعف. إذ تلك العمليات، في الأساس لا تضيف إلا القليل من الحسابات الاستراتيجية طويلة الأمد. والآن، مع استعداد إسرائيل لتحمل أخطار أكبر واستيعاب التكاليف الأعلى، فإنها تسعى للاستفادة من المزايا التكتيكية، في محاولة محمومة لاستعادة الردع، وادعاء أن الجيش الإسرائيلي عاد مجدداً «جيشاً لا يُقهَر!».