الساحل الأفريقي... جبهة جديدة للحرب الروسية ــ الأوكرانية

«قنبلة موقوتة» في مالي: «فاغنر» تدعم الجيش ... وكييف مع المتمردين

ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
TT

الساحل الأفريقي... جبهة جديدة للحرب الروسية ــ الأوكرانية

ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)
ميليشيا «فاغنر»... تتحرك على أرض مالي ومنطقة الساحل (رويترز)

لا تتوقّف منطقة الساحل الأفريقي عن استيلاد المفاجآت، وهي التي تعيشُ على وقع حرب أهلية طاحنة منذ أكثر من 10 سنوات، إلا أنها حرب تجذب إليها يوماً بعد يوم لاعبين جدداً. وآخر هؤلاء اللاعبين كانت أوكرانيا، الساعية لمنافسة النفوذ الروسي إثر انهيار النفوذ الفرنسي والغربي في منطقة ظلت لأكثر من قرن حديقة خلفية للمنظومة الغربية. أوكرانيا التي تخوض منذ سنواتٍ حرباً شرسة ضد روسيا، تحاولُ راهناً فتحَ جبهة جديدة لهذه الحرب تبعد آلاف الكيلومترات من سهول شرق أوروبا وصقيعها، وتتأجج وسط لهيب الصحراء الكبرى... فهل تنجحُ في أن تُعيد للمنظومة الغربية نفوذها المتصدّع في الساحل الأفريقي؟

يمكنُ القول إن أوكرانيا كسبت في مالي أولَ معركة دعمت فيها المتمرّدين الطوارق، الذين دمّروا وحدة كاملة من الجيش المالي وميليشيا «فاغنر» الروسية، وراح ضحيتها عشراتُ المقاتلين الروس قبل أسبوعين. ولكن هل يا ترى ستكسبُ الحربَ في منطقة يقول التاريخ إن حروبها تنتهي من دون منتصر؟

«صدمة تينزواتين»

ساهمت ميليشيا «فاغنر» الروسية الخاصة، بشكل واضح في انتصارات الجيش المالي ضد المتمردين الطوارق والعرب، وسيطرته على مدن شمال مالي، ما منحه الكثير من الثقة وهو يشاهدُ المتمردين ينسحبون دون استماتة في القتال طيلة الأشهر الماضية.

بيد أن الصدمة وقعت حين حاولت وحدة من الجيش المالي و«فاغنر» الإطباق على بلدة تينزواتين، آخر معاقل المتمردين، على الحدود بين مالي والجزائر. فهنا واجهت كميناً مُحكماً انتهى بتدمير الوحدة العسكرية، ومقتل مئات الجنود واعتقال العشرات، وكانت تلك الخسارة الأولى والأقسى التي تتعرض لها «فاغنر» في منطقة الساحل والصحراء.

والواقع أن المتمردين لم يكتفوا بالانتصار العسكري فقط، بل حوّلوه إلى انتصار إعلامي ودعائي، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تظهر حجم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها الميليشيا الروسية الخاصة تحديداً، ولم تترك أي مجال لإخفاء الهزيمة أو تبريرها، الأمر الذي كشف بوضوح أن المتمردين خططوا لكل شيء.

اللاعب الجديد

مباشرة بعد «معركة تينزواتين»، وما أثارته من ردود فعل واسعة عبر العالم، خرج مسؤول في الاستخبارات العسكرية الأوكرانية اسمه أندريه يوسوف، ليلمحَ إلى أن كييف قدّمت معلومات إلى المتمردين لكي يتمكنوا من الإيقاع بمقاتلي «فاغنر» والجيش المالي.

وأضاف المسؤول الاستخباراتي الأوكراني أن بلاده قدمت إلى المتمردين «كل المعلومات الضرورية التي يحتاجون إليها، وليس المعلومات فقط التي سمحت لهم بإجراء عملية عسكرية ناجحة ضد مرتكبي جرائم الحرب الروس».

ومن ثم، ذهب هذا أبعد من ذلك، حين قال في تصريحات صحافية: «سترون المزيد من هذا في المستقبل». ومن جانبه، نشر يوري بيفوفاروف، السفير الأوكراني لدى السنغال، مقطع فيديو ذكر فيه أن كييف «لعبت دوراً» في المعركة التي هُزمت فيها قوات الجيش المالي و«فاغنر»، ودعمت المتمردين الطوارق والعرب.

هذه التصريحات أسفرت عن استدعاء السفير الأوكراني من طرف السلطات السنغالية للاحتجاج على تصريحاته، كما أوفدت السلطات السنغالية وزيرها الأول عثمان سونكو إلى العاصمة المالية باماكو ليؤكد أمام الصحافيين أن «السنغال لن تسمح بأن تكون أراضيها معبراً للمساس بأمن دولة جارة مثل مالي».

وأيضاً، أعلن كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو قطع علاقاتها مع حكومة كييف، في محاولة واضحة لمحاصرة أي دور محتملٍ لأوكرانيا في الحرب الدائرة في منطقة الساحل، وهي حرب يبدو أن روسيا تريد الهيمنة عليها وحدها، دعماً للأنظمة العسكرية المتحالفة معها.

الساحل المشتعل

لقراءة أي دور محتمل قد تلعبه أوكرانيا في منطقة الساحل الأفريقي، يعتقدُ عبد الصمد مبارك، الأستاذ بجامعة نواكشوط والخبير في الشأن الأفريقي، أنه لا بد من «فهم الوضع الخاص الذي تمرّ به المنطقة»، مشيراً إلى أن «دول الساحل عموماً تعيش أزمة أمنية تتجلّى في الحروب والنزاعات المسلحة. وهذه أدّت بدورها إلى انعدام الاستقرار السياسي الناجم عن تداول ظاهرة الانقلابات العسكرية، وفرض حالة الاستثناء والطوارئ في عموم بلدان الساحل الأربعة: مالي، وبوركينا فاسو، وتشاد، والنيجر».

ويضيف مبارك، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الوضع القائم في منطقة الساحل «فرض سياقاً جديداً بفعل تنوّع المواقف وتعدّدها من حالة الساحل بصفة عامة، خصوصاً بعد تطوّر صراع النفوذ بين القوى العظمى إزاء الأنظمة العسكرية في دول (تحالف الساحل). وهو التحالف الذي أسّس أخيراً بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو لمواجهة المخاطر في الساحل الأفريقي، وكذلك التصدي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)».

من جانب آخر، يعتقد الأكاديمي والخبير في الشأن الأفريقي أن الوضع ازداد تعقيداً «بعد تنامي صراع النفوذ بين الحضور الاقتصادي الصيني والأطماع الدبلوماسية الأميركية والمد الأمني الروسي، مقابل تراجع النفوذ الفرنسي... مع أن فرنسا هي الحليف الاستراتيجي للدول الأفريقية منذ فترة ما بعد الاستقلال».

الحل العسكري

عبد الصمد مبارك يرى أن التطورات الأخيرة في شمال مالي «نتيجة طبيعية» للقرار الذي اتخذه المجلس العسكري الحاكم في مالي، حين تخلّى عن «اتفاقية الجزائر» الموقّعة عام 2015 مع الحركات المسلحة الساعية إلى إنشاء «حكم ذاتي» أو «نظام فيدرالي» في شمال مالي. وكانت هذه الاتفاقية قد نجحت قرابة 10 سنوات في تحقيق سلام بين باماكو والمتمردين.

جدير بالذكر أن العسكريين الذين يحكمون مالي اليوم مؤمنون بأن الخيار العسكري هو الذي سيمكنهم من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من شمال مالي، ظلت لسنوات كثيرة خارج دائرة نفوذ الجيش المالي. وبناءً على ذلك، أطلق المجلس العسكري الحاكم قبل سنتين عملية عسكرية هدفها إعادة «توحيد» مالي.

وهنا يقول الخبير مبارك إن قرار باماكو أطلق «مواجهة ميدانية بين المتمردين والسلطات العسكرية الجديدة في دولة مالي، التي تعيشُ أصلاً أزمة شرعية في الحكم. وهذا ما جعلها تلتفت مبكراً نحو روسيا عبر قوة (فاغنر) لضمان تعزيزات أمنية لتوفير الحماية العسكرية بعد انسحاب القوات الفرنسية وتلاشي الدفاع العسكري لدول منظومة دول الساحل».

ويستطرد شارحاً أنه مع هذا الوضع «دخلت سلطات مالي في مواجهة جديدة مع جبهة من دول الميدان بقيادة الجزائر، وكذلك أفسحت المجال أمام التنظيمات التحررية في أزواد لاستجلاب حلفاء جدد. هُنا تسلّلت أوكرانيا عبر بوابة حاجة المتمردين للمساندة في مواجهة (فاغنر). وبالتالي، فتحت أوكرانيا جبهة جديدة من الصراع خارج حلبة الصراع الحقيقية على الحدود مع روسيا».

حكام مالي مؤمنون بأن الخيار العسكري سيمكنهم

من استعادة السيطرة على مناطق واسعة

من شمال البلاد

... والعلم الروسي مرفوع مع صور حكام مالي العسكريين في شوارع العاصة باماكو (رويترز)

ماذا تريد كييف؟

يعتقدُ مبارك أنه «من الطبيعي أن تصبح أوكرانيا هي اللاعب الجديد في منطقة الساحل الأفريقي من أجل مواجهة النفوذ الروسي... وهي من خلال ذلك تسعى لتحقيق عدة أهداف». ويضيف من ثم «أن أوكرانيا، وهي تدخل منطقة الساحل الأفريقي، تحتمي بالمنظومة الغربية في الخلفية، وذلك وفق مقاربة ثنائية جديدة هدفها الواضح هو إضعاف زخم الحرب في الساحة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وإبعاد النيران عن الدول الأوروبية».

وهنا، يتابع موضحاً أنه خلال السنوات الماضية كانت أوكرانيا خارج «لعبة النفوذ» في منطقة الساحل الأفريقي «غير أنها اليوم تحاولُ أن تدخل من باب التأثير على مجريات الحرب في دولة مالي. وبالتالي، تحاول أن تخلق منافذ لتأزيم الوضع وتعقيده أمام النفوذ الروسي». وهكذا، يتوقع الأكاديمي والخبير أن أوكرانيا، في البداية، «لن تكثر من خلق الأعداء، بل ستركّز جهودها على تفادي تشتت القوة واندثار محدودية التأثير المباشر على عدوها الروسي، ممثلاً في قوة (فاغنر) من خلال حضورها في الساحل، قبل أن تتوسع مجريات الأحداث حسب تعدد الأطماع وتقدّم جبهات القتال العسكري في منطقة، أصبحت اليوم مفتوحة على قوى النفوذ وتبعات متغيرات الصراع الدولي».

علبة كبريتحقاً، يمكنُ وصف منطقة الساحل الآن بأنها غداً علبة كبريت (عيدان ثقاب) مفتوحة على جميع الاحتمالات، وقابلة للانفجار في أي وقت. وهذا ما يصفه مبارك بأنه «تأزيم المتأزم أصلاً»، ويلفت إلى أن دخول سلطات كييف - المدعومة من الغرب - على الخط وفتح جبهة جديدة في الساحل لمواجهة روسيا «سيفاقم الوضع المتأزم أصلاً». ثم يشير في هذا السياق إلى أن منطقة الساحل «تحمل خلفها تاريخاً طويلاً من الصراعات المسلحة الدامية، وتعدد اللاعبين فيها يزيد من الخطر».

هذا الجانب يشرحه الخبير في الشأن الأفريقي بالقول إن «ما تحتاجه المنطقة أكثر من أي شيء آخر هو سياسة الأمر الواقع، من أجل مواجهة المخاطر المحدقة بالمنطقة بما فيها الحروب بالوكالة، والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والإرهاب والتطرف، وعصابات تهريب البشر والشبكات المنظمة للهجرة غير الشرعية... وكلها ظواهر أصبحت عملة متداولة في جُلّ بلدان الساحل الخمسة، باستثناء موريتانيا».

كذلك، يضيف أن كل ما سبق «يخلق حالة من انعدام الاستقرار السياسي، ممزوجة بالعمل العسكري في منطقة مفتوحة على كل الاحتمالات»، قبل أن يشير إلى أن هذه «تحديات وجودية ذات طابعٍ أمني وتنموي، قد تعصف بكيان هذه الدول التي يهددها الفقر والتخلف الاقتصادي، زيادة على الهاجس الأمني وعدم شرعية الأنظمة السياسية القائمة».

تفادي الأسوأفي الحقيقة، لا يعول الخبراء في الشأن الأفريقي على استنباط حل ناجع من المنظومة الدولية، وهذا بسبب الصراع الدائر بين المنظومة الغربية والمعسكر الشرقي، وبسبب فشل التجارب السابقة التي قادتها فرنسا والاتحاد الأوروبي على امتداد 10 سنوات... وكلها لم تفضِ إلى أي نتيجة في دول الساحل.بناءً عليه، يتجه الخبراء نحو البحث عن حلول محلية، ولكنها هي الأخرى تواجه مشاكل كبيرة بسبب الخلافات والصراعات وغياب الإرادة السياسية. وهنا يرى مبارك أن «المشهد السياسي الوليد في الساحل الأفريقي له تداعيات خطيرة على المنطقة بصفة عامة، ما يتطلب عملاً محكماً واستباقياً يمكّنُ من تفادي انزلاق المنطقة نحو المجهول، في ظل تنامي الوضع الأمني المغلق ودخول فاعلين جدد لهم أجندات خاصة وحسابات خارج السياق الأفريقي المتأزم أصلاً».

 

 

عقبات دون توسّط «دول الجوار»... الجزائر وموريتانيا بالذات

> يعتقدُ عبد الصمد مبارك، الأكاديمي الخبير في الشأن الأفريقي، أن «الوضع القائم في مالي ومنطقة الساحل يتطلب دوراً محورياً لدول الجوار الأفريقي، وبخاصة تلك التي تمتلك مستوى معيناً من التأثير العسكري والأمني والسياسي على دول الساحل؛ على غرار الجزائر وموريتانيا».ويضيف أن دولاً مثل الجزائر وموريتانيا تستطيع أن تلعب دوراً في «انتشال المنطقة من مستنقع الصراعات الضيقة المدمرة، التي قد تكون لها تداعيات جد خطيرة على مستقبل بقاء الدولة المركزية في مالي، وغيرها من الكيانات المماثلة».في المقابل، يبقى احتمال تحرك الدولتين مستبعداً، أولاً لأن علاقات الحكمين في الجزائر ومالي تمرّ بفترة من التوتر غير المسبوق. إذ اتهمت باماكو السلطات الجزائرية بدعم المتمردين الطوارق والعرب، بينما ترفض الجزائر هذه الاتهامات، وتأخذ على باماكو الانسحاب من اتفاق السلام، الموقع فيها عام 2015، الذي ترى الجزائر أنه السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الأمنية في مالي.أما بالنسبة لموريتانيا، فهي الأكثر إحراجاً. ذلك أنها تستقبل حالياً قرابة 200 ألف لاجئ مالي على أراضيها، ولقد تضرّرت خلال الأشهر الأخيرة من الحرب الدائرة في مالي بشكل مباشر، بسبب اقتحام ميليشيا «فاغنر» عدة قرى موريتانية في المنطقة الحدودية المشتركة، ما أسفر عن قتل عشرات الموريتانيين وتهجير المئات من هذه المنطقة.هذا، ومع أن نواكشوط حافظت على علاقاتها جيدة مع الحكام العسكريين في باماكو، فإنها بعثت إليهم برسائل عسكرية، وأجرى الجيش الموريتاني مناورات عسكرية على الحدود مع مالي، وأعلن عن اقتناء أسلحة جديدة، من ضمنها مسيرات مسلحة. وأكد أيضاً الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في عدة مناسبات خلال الأسابيع الأخيرة، أنه «لن يتسامح مع أي تهديد للأمن الموريتاني».وبالتالي، ليست نواكشوط في موقع يمكّنها من محاولة لعب أي دور دبلوماسي في الأزمة التي تعيشها جارتها مالي، وهي التي تعارض بصمت قرار باماكو الاستعانة بميليشيا «فاغنر» والسماح لعناصرها بالاقتراب من حدودها.


مقالات ذات صلة

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

حصاد الأسبوع من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع دوما بوكو

دوما بوكو... رئيس بوتسوانا «العنيد» يواجه تحديات «البطالة والتمرد»

لا يختلف متابعو ملفات انتقال السلطة في أفريقيا، على أن العناد مفتاح سحري لشخصية المحامي والحقوقي اليساري دوما بوكو (54 سنة)، الذي أصبح رئيساً لبوتسوانا،

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر

كمال بن يونس (تونس)
حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.