لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

سقوف القتال ترتفع تدريجياً... وحركة الاتصالات فاعلة

استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
TT

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)
استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)

«اضحكوا قليلاً وستبكون كثيراً»... بهذه العبارة خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الإسرائيليين، متوعداً إياهم بالانتقام لدماء القائد العسكري الأول فؤاد شكر في خطاب تشييع الأخير، الذي اغتالته إسرائيل، مع غروب يوم الثلاثاء الماضي بغارة استهدفته داخل منزله في منطقة حارة حريك بضواحي بيروت الجنوبية. لكنّ خطاب تأبين شكر في ذكرى مرور أسبوع على مقتله انطوى على عدّة مفارقات، أبرزها إعلان نصر الله أن حزبه و«محور المقاومة» غير مستعجلين للردّ بانتظار اختيار الهدف بدقّة حتى لا يؤدي إلى حربٍ واسعة، وأن تجنب الردّ حتى الآن هو ردّ بذاته يجعل الإسرائيليين «يقفون على قدم ونصف» تحسّباً لما سيأتي. في لبنان أيضاً يحبس الناس أنفاسهم بانتظار ردّ الحزب والأثمان التي ستدفعها إسرائيل جراءه. إلا أن ما يقلقهم أكثر هو كيف ستتعامل تلّ أبيب مع نتائج عملية الحزب المرتقبة بين ساعة وأخرى، خصوصاً إذا أدت إلى ضرب هدفٍ استراتيجي أو قتل مدنيين إسرائيليين، وهو ما ينذر بجرّ جبهة لبنان إلى حربٍ واسعة يصعب تحمل تبعاتها ونتائجها.

يعترف خبراء في لبنان أن في جعبة «حزب الله» بنك أهداف واسعاً في الداخل الإسرائيلي، والصور التي التقطتها طائرات «الهُدهد» 3 مرات، تنبئ باختيار أكثر من هدف. إلّا أن مراقبين يعدّون أن «خيارات الحزب محدودة، وإن كان يملك كثيراً من الصور والمعطيات».

ويرى العميد منير شحادة، منسّق الحكومة اللبنانية السابق مع «الأمم المتحدة»، أن خطاب نصر الله ما قبل الأخير «حسم بشكل قاطع الانتقال من جبهة المساندة إلى المعركة الكبرى. وهذا يعني أن كل محور المقاومة، بما فيها إيران، انخرط في هذه المعركة». ويؤكد شحادة لـ«الشرق الأوسط» أن «الردّ على اغتيال فؤاد شكر حتمي، لكن هذا الردّ ليس فورياً، بل رهن اختيار الهدف والفرصة المتاحة له». ويضيف: «بتقديري سيكون الردّ بحجم جريمة اغتيال القيادي العسكري فؤاد شكر، وربما يؤدي إلى اغتيال شخصية عسكرية إسرائيلية كبيرة».

التوقيت المناسب

وحقاً، اتسم خطاب نصر الله الثاني الذي ألقاه يوم الثلاثاء بمناسبة تأبين شكر، بالهدوء والروية وتحاشي استعجال «الردّ القادم في توقيته المناسب»، مخاطباً جمهوره المتعطّش للانتقام، بـ«التروّي»، مستخدماً تعبير «يا واش يا واش»، معتبراً أن «عدم الردّ حتى الآن هو جزء من الردّ» طالما أنه يقلق الإسرائيليين.

وهنا، يوضح الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور حسن جوني لـ«الشرق الأوسط»، أن نصر الله «ملتزم بحتميّة الردّ على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، تاركاً التوقيت للميدان وللفرصة التي توفر له هدفاً بحجم الخسارة التي تلقاها». ويتابع: «ردّ (حزب الله) ليس مشروطاً باغتيال شخصية إسرائيلية توازي أهمية فؤاد شكر، بل ربما يكون هدفاً عسكرياً موجعاً، يستخدم فيه صواريخ فاعلة ومؤثرة، لكن إذا تمكن من اصطياد شخصية عسكرية كبيرة يكون ذلك أفضل بالنسبة له».

وحسب جوني، الذي كان يشغل منصب قائد كلية الأركان في الجيش اللبناني: «لا يمكنني أن أتنبّأ بطبيعة الردّ، بل أستنتج انطلاقاً من الظروف الإقليمية والدولية المؤثرة في هذه الحرب واستراتيجية تدخل (حزب الله)، وعنوانها الدعم والمساندة، بأن هذا الردّ محكوم بحدّين: الأول ردّ غير تقليدي وغير نمطي، أي أنه لا يشبه الردود التي أتت انتقاماً لاغتيال قادة ميدانيين، ويأتي في مكان لا يتوقعه الجيش الاسرائيلي، كأن تكون هناك عملية خاصة، برية أو بحرية أو جوية، تفاجئه في أسلوبها ومكانها. والثاني وهو السقف الأعلى للردّ، يتحدد بألّا يتجاوز الخطوط الحمراء الكبرى التي تعطي إسرائيل مبرّراً، سواء في الداخل الإسرائيلي أو في الخارج، لشنّ حرب واسعة على لبنان... فالعملية المرتقبة تحتاج إلى تقييم دقيق حتى تأتي ضمن هذين الحدّين»، وفق جوني.

مصطفى بدر الدين

قصف الضاحية

طبعاً، لا مجال للمقارنة بين التفوق الجوي والتكنولوجي لدى إسرائيل وبين قدرات «حزب الله». وإن كان الأخير طوّر قدراته القتالية منذ عام 2006 حتى اليوم، فليس سهلاً أن ينتقي الهدف، وثمة أسئلة عن البدائل التي سيلجأ إليها في حال لم يحقق مراده بقتل شخصية إسرائيلية كبيرة. هنا يعدّ العميد شحادة أنه «في حال تأخر اختيار الشخصية الإسرائيلية، سيختار الحزب هدفاً عسكرياً استراتيجياً، أعمق من كل الأهداف التي ضربها منذ 8 أكتوبر الماضي». ويوضح: «طالما أن إسرائيل خرقت قواعد الاشتباك وتجرّأت على قصف الضاحية الجنوبية، قد لا يتردد الحزب بضرب هدف استراتيجي في حيفا أو تلّ أبيب، مع حرصه على ألّا تتسبب الضربة بقتل مدنيين إسرائيليين»، ثم إنّ «ردّ (حزب الله) ليس فورياً ولا خلال ساعات أو أيام قليلة، فهو يتوخّى نجاح الردّ وانتقاء الهدف وضربه بدقّة».

معركة «المحور»

راهناً، ثمّة حرص كبير لدى «حزب الله» على ألا يُجرّ إلى حرب لا يريدها، وهذا ما عناه نصر الله عندما أكد أن معركة «محور المقاومة» تهدف إلى «عدم تمكين إسرائيل من الانتصار في هذه المعركة»، ما يعني تخليه عن شعار «إزالة الكيان الصهيوني من الوجود». وحول هذا، رأى العميد جوني أنه «رغم كل هذا التصعيد في العمليات العسكرية، وتحديداً في عمليات الاغتيال، ورغم ارتفاع وتيرة الخطاب السياسي والتهديدات، فإن الأسباب التي منعت اندلاع الحرب الشاملة، وخاصة بين إسرائيل و(حزب الله)، لا تزال قائمة. وهي أولاً اعتبارات الردع والردع المقابل، وثانياً الإنهاك الذي أصاب الجيش الإسرائيلي بعد أشهر طويلة من القتال في غزة، وثالثاً الموقف الدولي والإقليمي، وتحديداً الولايات المتحدة، التي لم تسمح لإسرائيل حتى الآن بتوسعة عملياتها وإدخال المنطقة في حرب كبرى لا لزوم لها ولا مصلحة».

لا عذر لإسرائيل

من جانب آخر، أتى قصف الضاحية الجنوبية واغتيال فؤاد شكر من خارج كلّ التوقعات، إذ تفيد المعلومات بأن لبنان تلقى ضمانات أميركية بأن بيروت والضاحية الجنوبية مستثنيان من أي عمل عسكري إسرائيلي. وهذه العملية كانت محور الاتصال العاصف بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ«الخداع» والتفرد بقرار اغتيال شكر في بيروت وإسماعيل هنية في قلب طهران. وبرأي العميد شحادة، إن نتنياهو «يسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران»، وإنه «لا عذر لإسرائيل لتنفيذ عملية خطيرة ودقيقة في قلب طهران، واغتيال القائد السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية، إلّا دفع المنطقة إلى الحرب». وبعد تساؤل شحادة: «ما هو مبرّر إسرائيل لاغتيال قائد سياسي تتفاوض معه من أجل تبادل الأسرى ووقف العمليات العسكرية؟»، فإنه يشير إلى «أن ردّ (حزب الله) قد يستدرج ردّاً إسرائيلياً، وعندها نصبح أمام حربٍ مفتوحة، وقد تكون حرباً إقليمية تتخطّى جبهة لبنان، وسيكون كلّ محور المقاومة شريكاً فيها».

اغتيال شكر يتصدّرخسائر «حزب الله» للعلم منذ 8 أكتوبر الماضي، خسر «حزب الله» عدداً من قادته العسكريين والميدانيين، لكن اغتيال شكر شكّل أكبر ضربة منذ اغتيال عماد مغنية في دمشق عام 2008. وعليه، يعدّ الدكتور خلدون الشريف، السياسي اللبناني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن خطابي نصر الله الأخيرين «اتسما بالعقلانية، رغم حجم الخسارة التي مني بها باغتيال القائد العسكري فؤاد شكر في عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، عندما أعلن أن الردّ محسوم، لكننا نقاتل بغضب وبعقل، وبغضب وحكمة». وتابع الشريف أن الخطاب الثاني لنصر الله «استفاض في شرح الموقف من الجهتين، حيث قال إنه لو أرادت إسرائيل حرباً شاملة مع لبنان لشنّتها منذ حين، وليؤكد بدوره أن الحزب ليس طالب حرب بدوره، لكنه حسم موضوع الرد ولمّح بشكل واضح إلى أن الحزب حين استهدفت إسرائيل مدنيين ردّ على أهداف عسكرية».

أبعد مسافة

هذا، وبينما يبدي «حزب الله» حرصه على تجنيب المدنيين الإسرائيليين والمنشآت المدنية عملياته، بدا لافتاً امتلاكه أسماء وأماكن المعامل والمصانع الموجودة في الشمال الإسرائيلي. فقد ذكرها نصر الله في خطابه الأخير، وهذا ما رسم علامات استفهام عن إمكانية تحويلها إلى أهداف مشروعة في حال اندلاع الحرب. إلّا أن الشريف أعرب عن اعتقاده بأن «الرد سيكون على أهداف عسكرية قد تكون أبعد مسافة مما طالته صواريخ الحزب أو مسيراته سابقاً». وأردف: «لا شك أن هناك وساطات كثيرة تجري بين الحزب وإسرائيل وبين إيران وإسرائيل أيضاً... ومن الواضح أن السبيل الوحيدة لإلغاء الرد على اغتيال كل من هنية وشكر تختصر بوقف إطلاق نار في غزة، ما يسقط الردود. لكن الملفت في الخطاب قول نصر الله إن أحداً لا يطلب من إيران وسوريا أن يقاتلا قتالاً طويلاً، وهو ما دفع عدداً كبيراً من الفرقاء في لبنان ليسألوا سؤالاً بديهياً: هل مطلوب أن يدفع لبنان وحده، دون الآخرين، ثمناً من رزقه وأرواحه، على الرغم من إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية وإجرام حكام إسرائيل؟!».

لا مجال للمقارنة بين التفوق الجوي والتكنولوجي لدى إسرائيل وبين قدرات «حزب الله»

كلام دبلوماسي

في المقابل، التزام «حزب الله» بـ«قواعد الاشتباك المستمرة» منذ فتح «جبهة المساندة» قبل 10 أشهر، لا يعني أن عملياته لن تطول أهدافاً ومنشآت عسكرية في العمق الإسرائيلي، لكن لا شيء يضمن استمرار المغامرات الإسرائيلية رغم الضغوط الأميركية والغربية التي تمارس عليها. وهنا يلفت الدكتور الشريف إلى أنه «ليس ثمة ما يؤكد أن واشنطن وعدت بعدم استهداف بيروت والضاحية، ولو أن الكلام الدبلوماسي الرفيع في العاصمة كان في هذا الاتجاه كل الوقت». ويضيف في الوقت نفسه أنه «ليست هناك ضمانات ألّا يرد الحزب على أهداف قد تدفع الإسرائيلي إلى الردّ بدوره، وزيادة حدود الصراع وحدود النار، غير أنه من الواضح إلى اليوم أن الكل يقاتل تحت السقوف، لكن تلك السقوف ترتفع تدريجياً إلى مستويات عالية».

موازين القوى

ثم توقف الشريف عند إعلان الأمين العام لـ«حزب الله» أن هذه المعركة لن تكون معركة زوال إسرائيل. وعزا هذا الموقف اللافت إلى أن «موازين القوى الداعمة لإسرائيل بعد عملية (طوفان الأقصى) لغير مصلحة المقاومة، خاصة في فلسطين المحتلة، بسبب الظروف التي أحاطت بالعملية من جهة، وبسبب ضعف إمكانات حركة (حماس) العسكرية، رغم قدراتها الهائلة على الصمود، ولأن هذه المعركة تحديداً لم يقررها نصر الله، بل جاء منذ 8 أكتوبر ليقول إنه جبهة إسناد لا أكثر».

ولا يستغرب الشريف اعتراف نصر الله «المنطقي والبديهي بتحقيق إسرائيل أهدافاً ثمينة في اغتيال من اغتالتهم منذ البدايات، مع أن المعارك تعرف بنتائجها النهائية، التي لا تزال غير واضحة». ثم يختم: «من المؤكد أن إسرائيل لا تستطيع إنهاء (حزب الله) وضرب نفوذه، لكنها تستطيع التسبب بآلام شديدة، وهو بدوره يستطيع إيلامها»، معتبراً أن «سردية الحزب في الاستراتيجية قد لا تكون تغيّرت، لكنه يدرك في التكتيك أن زوال إسرائيل ليس في متناول اليد في هذه المرحلة أو في مرحلة أبعد».

عماد مغنية

ثلاثة من القيادات المركزية في «حزب الله» يُنسب اغتيالها لإسرائيل

ينسب «حزب الله» اغتيال ثلاث شخصيات عسكرية مركزية في جهازه إلى إسرائيل. وبدأ المسلسل في عام 2008 باغتيال عماد مغنية، الذي وصفه نصر الله بـ«قائد الانتصارين»، (2000 و2006)، وكان قد اغتيل بسيارة مفخخة بدمشق في فبراير (شباط) 2008. ومغنية، من مواليد 1962، ويُعد من مؤسسي «حزب الله» في 1982، وقاد الوحدة العسكرية بالحزب منذ منتصف التسعينات، كما قاد معارك الحزب ضد إسرائيل في 2006.بعد مغنية، تعرّض مصطفى بدر الدين للاغتيال في مايو (أيار) 2016، إذ قتله صاروخ استهدفه في مركز للحزب بريف دمشق في سوريا، وتضاربت هوية الجهة التي اغتالته بين مجموعات سورية معارضة أو إسرائيل. وبدر الدين من مواليد 1961، ويعد من الكوادر المؤسِّسة للحزب في 1982، وقاد وحدة الحزب العسكرية لفترات متقطعة بين 1992 - 1996 و2008 - 2016، كما قاد معارك الحزب في سوريا منذ 2012، وعدَّته إسرائيل «وزير أمن حزب الله».وبعد بدر الدين، اغتالت إسرائيل أخيراً فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في يوليو (تموز) 2024، وشكر من مواليد 1961، ومن مؤسسي «حزب الله» في 1982، وقاد الوحدة العسكرية المركزية بالحزب في فترات متقطعة بين 1985 - 1992، و2016 – 2024، وترأس برنامج تطوير سلاح الحزب بالصواريخ الدقيقة والمسيّرات. ويقول الحزب إنه وضع البرامج التدريبية والعسكرية وتولى صياغة الخطط العسكرية. أيضاً قاد شكر معارك الحزب في جنوب لبنان ضد إسرائيل منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، واغتيل بغارة جوية إسرائيلية في ضواحي بيروت الجنوبية يوم 30 يوليو 2024.


مقالات ذات صلة

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

حصاد الأسبوع كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

انزلقت بنغلاديش، إحدى أكبر دول العالم الإسلامي والقارة الآسيوية، من حيث عدد السكان، خلال الأسبوع الماضي إلى حالة من الفوضى. وفي تحوّل دراماتيكي استقالت رئيسة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)

محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

> في أوائل يونيو (حزيران) الفائت، بعدما أعادت المحكمة العليا في بنغلاديش نظام حصص الوظائف، الذي كان يفضّل أحفاد مقاتلي حرب التحرير عام 1971، تجمع نحو 500 طالب

«الشرق الأوسط» ( نيودلهي)
حصاد الأسبوع القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)

واشنطن ترعى كسر «قواعد الاشتباك»مع إيران... لفرض ميزان قوى جديد

على الرغم من أن بعض التحليلات لا تزال تعتقد أن المنطقة قد تكون مقبلة على حرب موسعة، مدفوعة «بفائض القوة» الذي يشعر به بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، فإن

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع تشييع إسماعيل هنية في طهران قبل مراسم دفنه في قطر (الشرق الأوسط)

عضلات نتنياهو انتفخت... والنتيجة مخيفة

في البيت الأبيض أرشيفات سوداء مليئة بالقصص عن تبجّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القادة الأميركيين، وأشهرها ما قاله عنه الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل نحو عشر سنوات؛ إذ تساءل: «مَن هنا يمثل الدولة العظمى؟». إلا أن جون بايدن، وإن شاطر أوباما في مقت نتنياهو، يتصرف بطريقة مختلفة. إنه يساير. يدلل. وحتى عندما يمارس عليه الضغوط تكون تلك ضغوطاً ناعمة. ويجد نفسه عالقاً في مطبات ومكائد وورطات حربية ووُحُول... فلا يضطر فقط إلى استقباله في البيت الأبيض بعد طول تمنع، ولا يقبل «ببلع ضفدع» وصوله إلى واشنطن تلبية لدعوة من الكونغرس - رغم معارضة الحزب الديمقراطي - بل يصبح شريكاً له، عن رضا أو عن إرغام، في أعمال كثيرة يدفع فيها البشر ثمناً باهظاً وتهدد بحرب لا يريدها أحد. واليوم، الخطر كبير فعلاً... خطر أن تكون الحرب واسعة جداً، ولا يكون بمقدور «الأخ الأكبر» في واشنطن منعها أو تطويقها. مقرّبون من نتنياهو، يقولون إنه «وضع بايدن والإدارة الأميركية كلها تحت إبطه» وطوّعها لصالح سياسة اليمين الإسرائيلي. ويضيفون: «مَن حاول في واشنطن رسم خريطة طريق للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية وتنشئة بيني غانتس ليكون رئيس حكومة يطيح نتنياهو، وجد نفسه يسير وراءه. ولكن هذا في خدمة الولايات المتحدة وليس ضدها. فنتنياهو يقود بنجاح أهم معركة ضد الإرهاب في تاريخ الشرق الأوسط». ويؤكد المعجبون بنتنياهو أن هذا هو شعوره هو أيضاً. فهو يعتقد بأن الله حبا الشعب اليهودي وأيضاً الولايات المتحدة بقائد تاريخي سيحدث انعطافاً حاداً في المنطقة لخدمة «العالم الحر» والمعتدلين في الشرق الأوسط. وهو لا يقول هذا الكلام للسيدة سارة أو للمرآة في بيته، بل أيضاً يجاهر به أمام كثير ممّن يلتقيهم هذه الأيام، في واشنطن وفي إسرائيل.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

شعبية كاسحة أظهرتها صناديق الاقتراع في رواندا للرئيس بول كاغامي، «حامل جينات الحكم» وقائد التنمية في البلاد، الذي أنقذ شعبه من براثن الحرب الأهلية وجعل رواندا في مقدمة دول القارة الأفريقية، فكافأه الناخبون بإبقائه في منصبه لمدة قد تزيد على ربع قرن. ورغم تحديات داخلية ومعارضة بات صوتها واضحاً، ظفر كاغامي في يوليو (تموز) الماضي، بولاية رئاسية رابعة بعد حصوله على 99.18 في المائة من الأصوات، مقارنة بمنافسيه: مرشح حزب «الخضر» فرانك هابينيزا (0.5 في المائة) والمرشح المُستقل فيليب مباييمانا (0.32 في المائة). ومعلوم أن مسيرة كاغامي ترتبط في أذهان قادة غربيين وأفارقة بأنها مسيرة شخص بات «نموذجاً للتنمية» و«مخلصاً حقيقياً لشعبه من آفتي الإبادة والتمييز»، بل جعل من بلده «سنغافورة أفريقيا».

محمد الريس (القاهرة)

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية
TT

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

أعاد فوز بول كاغامي الكاسح بولاية رئاسية رابعة في رواندا، ذلك البلد الجبلي في قلب وسط أفريقيا، فتح «صندوق» شخصية أحد أطول القادة الأفارقة بقاءً في الحكم منذ عام 2000. ولقد حرص الرجل، في سيرته الذاتية بموقعه الإلكتروني، على التذكير بأنه «كان قائداً لقوات الجبهة الوطنية الرواندية»، ولقد قاد النضال لتحرير رواندا. ثم الإشارة إلى دور تلك «الجبهة» في وقف حرب الإبادة الجماعية ضد شعب التوتسي (الذي ينتمي إليه) في عام 1994. كذلك ركّز في سيرته الذاتية، بخلاف رئاسته لرواندا، على شغل منصب رئيس الاتحاد الأفريقي من عام 2018 إلى 2019، وترؤس مجموعة شرق أفريقيا من عام 2018 إلى عام 2021.

ميلاد رئيس

يوم 23 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1957، ووسط صرخات تنادي باستقلال مستعمرة «رواندا – أوروندي» عن الاستعمار البلجيكي، تفتحت أعين كاغامي رضيعاً في بلدة تامبوي لعائلة من شعب التوتسي، الذي إن كان يشكل أقلية صغيرة في البلاد مقارنة مع غالبية الهوتو، فإنه تمتع طويلاً بالزعامة والسلطة.

ولم يصل كاغامي لعامه الثالث، إلا وشقّ الطريق لاجئاً مع أسرته إلى أوغندا تجنباً لفصول اضطهادٍ واجهت التوتسي، وكأن القدر يحمل في العام الخامس من عمر كاغامي بشائر تحريرية لموطنه الأصلي.

وفي عام 1962، كانت أجواء التحرّر والاستقلال والاضطهاد، التي عاشها الطفل كاغامي، وقومه التوتسي، مع موعد نيل «رواندا – أوروندي» الاستقلال عن الاستعمار البلجيكي، بل كتابة رواندا يومذاك الأحرف الأول من مسيرتها السيادية على إثر انفصالها عن «توأمها» بوروندي، التي تماثلها تماماً لجهة تركيبتها الديمغرافية القبلية، بوجود غالبية من الهوتو، وأقلية من التوتسي... الذين كانت لهم هنا أيضاً الموقع الأبرز والمكانة الأرفع.

ومرت سنوات، وكاغامي في أوغندا ينهي دراسته الابتدائية بتفوّق، ساهمت في صنعه المعاناة، داخل مخيم للاجئين بأوغندا. وبالفعل، أنجز من المنفى دراسته الثانوية والجامعية خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، وسجّل خطوته الأولى لتحرير بلاده، حين كان أحد من وقع عليه اختيارات في الجيش الأوغندي للدراسة المتقدمة في «كلية القيادة والأركان العامة للجيش الأميركي» في فورت ليفنوورث بولاية كانساس الأميركية.

صُعود مُبكر

في سن الثانية والعشرين، فعّل بول كاغامي خطوته الأولى، وشكّل مع عدد من الشبان التوتسي الروانديين خلال أكتوبر عام 1979 أحد بواكير مكوّنات «جيش المقاومة الوطنية الأوغندي» بزعامة يوري موسيفيني، الذي كافأهم في ما بعد بتولي مناصب مهمة بالدولة عقب توليه حكم أوغندا عام 1986، ولا يزال موسيفيني حتى اليوم في السلطة ليغدو أحد أطول الرؤساء الأفارقة حكماً.

كاغامي وجد طريق الصعود السياسي مبكراً عقب تعيينه من جانب موسيفيني رئيساً للاستخبارات العسكرية الأوغندية، فور إعلان الأخير رئيساً لأوغندا. لكنه رغم ترسيخ وضعه لم ينس موطنه الأصلي، بل أسس مع أبناء وطنه من التوتسي الروانديين المنفيين «الجبهة الوطنية الرواندية» لخوض حرب ضد النظام السابق في رواندا، الذي اضطهد التوتسي. وبين هذا الصعود وتلك التحركات التحررية، تزوّج عام 1989 وهو في سن الـ32 من جانيت نييرامونجي، وهي من التوتسي أيضاً.

لقد كانت مطالب منع التمييز ضد التوتسي، بوصلة «الجبهة الوطنية الرواندية»، التي أسّسها كاغامي، والتي عززت نشاطها في أكتوبر عام 1990 وسط حرب أهلية قبلية بين شعبي التوتسي والهوتو على امتداد رواندا، قبل أن ترى تلك «الجبهة» كاغامي قائداً جديداً لها إثر إنهائه الصراعات على القيادة. ومن ثم، بين عامي 1991 و1993 قاد وفد «الجبهة» إلى مفاوضات السلام في أروشا بجمهورية تنزانيا لوقف تلك الحرب.

وعام 1994، إثر حملة تصفيات دموية وأجواء إبادة جماعية، طالت نحو 800 ألف شخص، معظمهم من التوتسي، بدأ التحول الدراماتيكي في صعود بول كاغامي نحو السلطة في رواندا، خصوصاً بعدما استغل تلك الإبادة لحشد التعاطف الإقليمي والدولي. وبالفعل، سرَّعت وحشية مجارز الإبادة وتيرة هجمات «الجبهة» التي سيطر عناصرها على العاصمة كيغالي في يونيو (حزيران) عام 1994، وتمكن بدعم دول أفريقية، أبرزها أوغندا الذي يرأسها موسيفيني «الأب الروحي» لكاغامي، بعد شهر، من السيطرة على البلاد برمتها.

بعدها، شُكّلت «حكومة وحدة وطنية» لقيادة رواندا، برئاسة باستور بيزيمونغو. وأُسند إلى كاغامي (كان يومذاك في الـ37 من عمره) منصب نائب الرئيس ورئيس الأمن الداخلي. وبعد أقل من 6 سنوات، بدأ فصل جديد في حياته السياسية، مع تزكية البرلمان له بتولي رئاسة رواندا خلال مارس (آذار) عام 2000، ومنذ ذلك الحين احتفظ بالحكم.

مسيرة التنميةتزكية البرلمان جاءت في الواقع بعد إطاحة كاغامي عام 2000 بحكم بيزيمونغو، وإحالته إلى المحاكمة بتهمة «الفساد ومخالفة توجه المصالحة الوطنية القاضي بنبذ آيديولوجيا التفرقة العرقية»، قبل أن يحُكم على الرئيس المخلوع بالسجن لمدة 15 سنة.

ومن هذه النقطة، باشر كاغامي بناء الدولة من جديد، وقاد الجهود الهادفة إلى سنّ دستور جديد لتجاوز «جرائم الإبادة، وحظر الإشارات العرقية»، وركّز على التنمية ودعم الاقتصاد. وفي عام 2003، أبصر دستور رواندا الجديد (دستور 2003) النور، وسمح له بفترة ولاية مدتها 7 سنوات، وفي العام ذاته، أعيد انتخابه بالاقتراع العام المباشر بنسبة 95 في المائة من الأصوات.

في هذه الأثناء، وجدت رواندا نفسها على موعد مع تحول لافت في ثرواتها الاقتصادية، وخصوصاً مع وضع «رؤية رواندا عام 2020»، التي كانت تتضمن تصوراً لمعدل نمو سنوي نسبته على الأقل 7 في المائة. وبعد 6 سنوات فقط، عام 2006 سجّلت رواندا معدل نمو اقتصادي بنسبة 8 في المائة، وحافظت بالمتوسط على هذا المعدل ليغدو اقتصادها أحد أسرع الاقتصادات نمواً في أفريقيا.

ومع هذا التقدم الاقتصادي اللافت، ضمن كاغامي إعادة انتخابه عام 2010 بنسبة 93 في المائة من الأصوات، وقبيل انتهاء فترة رئاسته، قاد البلاد لاستفتاء عام 2015، ما سمح له بالترشح لأكثر من 3 فترات، بعدما كان «دستور 2003» يمنح الرئيس فترة ولاية مدتها 7 سنوات قابلة للتجديد، لكن لمرة واحدة. وفي المقابل، قلّص التعديل الجديد فترة الرئاسة من 7 إلى 5 سنوات، مع الإبقاء على الحد الحالي، وهو تولّي الرئاسة لولايتين، بيد أنه سمح باستثناء كاغامي، الذي يمكنه أن يسعى لفترة ولاية أخرى، مدتها 7 سنوات، ثم الترشح لفترتين، مدة كل منهما 5 سنوات.

الولاية الثالثة

وحقاً، ترشح كاغامي لولاية ثالثة، وحقّق في أغسطس (آب) 2017 فوزاً كاسحاً بنسبة 98.8 في المائة من الأصوات في انتخابات الرئاسة، وحصل على ولاية رئاسية جديدة تمتد 7 سنوات أخرى، انتهت في يوليو (تموز) 2024، وباتت أمامه ولايتان، مدة كل منهما 5 سنوات، وهو ما يمكّنه من البقاء في منصبه حتى عام 2034. أما على الصعيدين الاقتصادي والتنموي، فقد ارتفعت مكاسب رواندا إبّان عهد كاغامي من قطاع السياحة من 2.4 في المائة عام 1998 إلى 12.7 في المائة عام 2017، وارتفعت صادرات رواندا من المعادن، إذ بلغت عام 2017 نحو 373 مليون دولار أميركي، مقارنة بـ 166 مليون دولار في السنة السابقة.

أيضاً سجلت رواندا نمواً قوياً بلغ 7.2 في المائة في المتوسط بين عامي 2012 و2022 بفضل التطوير في البنى التحتية، ولا سيما الطرق والمستشفيات، والتقدّم في مجالي التعليم والصحة. ووفق تقديرات «صندوق النقد الدولي» في مارس (آذار) عام 2024، واصل اقتصاد رواندا نموه القوي في عام 2023، في حين تباطأ التضخم بشكل حاد، نتيجة تركيز السلطات على حماية استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار الخارجي من خلال إعادة بناء احتياطيات السياسات في أعقاب الصدمات المركبة، بما في ذلك الفيضانات المدمّرة.

في المقابل، مع ظهور أصوات معارضة ناشدت كاغامي بالامتناع عن الترشح وتشجيع تداول السلطة، «خشية العودة لفترة الاقتتال العرقي»، أعرب الرئيس عن نيته «مغادرة السلطة واختيار خليفة له»، متعهداً بأن «خطة الخلافة تناقش بنشاط داخل الحزب الحاكم». ووصف تقاعده بأنه «حتمي»، مكرراً ما قاله في أواخر 2022، من أنه لا مشكلة لديه في أن يصبح «مسنّاً عادياً».

وختاماً، نشير إلى أنه ليس أمام كاغامي - الذي يقترب الآن من سن الـ67 - غير احتمال الترشح لفترة رئاسية جديدة وأخيرة، ستكون في 2029، تنتهي حال نجاحه في 2034. ومعها وخلالها ترتفع وتهبط أسهم التساؤلات بين احتمال اختتام الرئيس الرواندي سيرته «بطلاً متقاعداً» في أذهان الروانديين، أو حدوث مفاجآت أخرى قد تكون فصل النهاية لحياته السياسية.