الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

تحت وطأة تراكم المعارضة الشعبية والعسكرية

كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية
كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية
TT

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية
كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية

انزلقت بنغلاديش، إحدى أكبر دول العالم الإسلامي والقارة الآسيوية، من حيث عدد السكان، خلال الأسبوع الماضي إلى حالة من الفوضى. وفي تحوّل دراماتيكي استقالت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، بعد حكم استمر 15 سنة، وفرّت من البلاد. وبفرارها في اللحظة الأخيرة إلى الهند، نجت من غضب آلاف المحتجين الذين اقتحموا مقر إقامتها الرسمي. وما يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الشيخة حسينة إلى الهند؛ إذ وجدت نفسها وشقيقتها ريحانة في الهند قبل 49 سنة. ففي عام 1975، طلبت حسينة وريحانة مساعدة نيودلهي بعدما قتل عسكريون متمردون والدهما الشيخ مجيب الرحمن مع سبعة من أفراد الأسرة، بينهم أخوهما راسل البالغ 10 سنوات. ونجحت حسينة في الهروب؛ لأنها كانت في ألمانيا مع زوجها وريحانة. ومن جهته، أكد قائد الجيش، وقر الزمان، الذي تربطه بحسينة أواصر عائلية، باعتباره زوج ابنة عمها، أن الشيخة استقالت من منصبها رئيسةً للوزراء وغادرت البلاد. وأردف إن حكومة مؤقتة قيد التشكيل، طالباً من الشعب التعاون سلمياً.

على الرغم من رحيل الشيخة حسينة واجد واستيلاء الجيش على السلطة في بنغلاديش، استمرت أعمال العنف والتخريب في جميع أنحاء البلاد. وأعقب ذلك الاتفاق على تعيين الدكتور محمد يونس، الخبير الاقتصادي الحائز جائزة نوبل، رئيساً للحكومة المؤقتة بالبلاد، وفقاً لما أعلنه السكرتير الصحافي للرئيس محمد شهاب الدين.

هذا، وأبدى يونس استعداده لتشكيل حكومة مؤقتة، مقدّراً «ثقة المحتجين الذين يتمنون لي قيادة الحكومة المؤقتة». ودعا إلى إجراء «انتخابات حرة».

الشيخة حسينة ونسبها

وُلدت الشيخة حسينة لعائلة مسلمة في شرق البنغال عام 1947، أي ما كانت تعرف بباكستان الشرقية، لأبويها البيجوم الشيخة فضيلة النساء مجيب (المتحدرة من أصل بغدادي عراقي) والشيخ مجيب الرحمن، ابن أسرة شيخ، والأب المؤسس لبنغلاديش وأول رئيس للبلاد. وداخل حرم جامعة دكا، كبرى جامعات البلاد والعاصمة، صعد نجم حسينة قياديةً طلابيةً نشطة.

ثم تزوّجت حسينة من عالم فيزياء بنغلاديشي محترم اسمه محمد واجد ميا، الذي تولى لفترة رئاسة هيئة الطاقة الذرية في بنغلاديش. وتوفي ميا، عام 2009 عن عمر يناهز 67 سنة بعد مرض طويل. ولقد أنجب الزوجان ولداً سمَّياه ساجيب جوي (53 سنة) وبنتاً هي سايما (51 سنة).

تأسيس بنغلاديش

بعد تأسيس بنغلاديش المستقلة، في أعقاب انفصال باكستان الشرقية عن باكستان (باكستان الغربية في حينه) تسلّل التوتر إلى صفوف الجيش جرّاء شعور العسكريين الذين رفضوا التمرّد على وحدة باكستان - قبل الحرب - بالتمييز ضدهم. ثم دفع تزايد السخط على الشيخ مجيب الرحمن وحزبه «رابطة عوامي»، بعض الجنود الشباب إلى اغتياله وعائلته بالكامل؛ ما مهّد الطريق لانقلاب عسكري.

يومذاك، نجت حسينة وشقيقتها ريحانة من الموت لأنهما كانتا في ألمانيا، برفقة زوج حسينة الفيزيائي الراحل واجد مياه. وبالتالي، لم تتمكنا من العودة إلى بنغلاديش، الغارقة بالفوضى والدماء.

وفي مقابلة أُجريت معها، روت حسينة أهوال عام 1975، قائلة: «لقد حدث ذلك فجأة. قبل 15 يوماً فقط، غادرت أنا وأختي البلاد، وذهبنا إلى ألمانيا حيث كان زوجي العالم النووي يجري أبحاثه ما بعد الدكتوراه هناك. ولأن زوجي كان مقيماً في الخارج، اعتدت أن أعيش في المنزل نفسه (مع والديّ). في ذلك اليوم، كان الجميع هناك: والدي، وأمي، وإخوتي الثلاثة، وزوجاتهم. كان الجميع هناك. وجاءوا إلى المطار جميعاً لتوديعنا. كان ذلك هو اليوم الأخير لنا معاً، كما تعلمون. لقد قتلوا 18 فرداً من عائلتي، بما في ذلك شقيقي الأصغر 10 سنوات».

وتابعت حسينة إن رئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندي أبلغتها استعداد الهند منحها الأمن والمأوى. وبالفعل، انتقلت إلى دلهي، وعاشت هي وباقي عائلتها، الذين قدِموا إلى الهند بعد علمهم بالمجزرة، في منزل بالعاصمة الهندية تحت حراسة أمنية مشددة؛ خوفاً على حياتهم.

وذكرت حسينة أنها وأفراد أسرتها اضطروا إلى تغيير أسمائهم كي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة في المنفى، والنجاة من المصير الذي لقيه والداها وأقاربها الآخرون. ومع أنها فكرت في العودة إلى بنغلاديش، بيد أنها لم تفكر قط في تحمل «مسؤولية مثل هذا الحزب الضخم».

في المعترك السياسي

في ثمانينات القرن العشرين، أخذت الأمور تتغيّر. إذ سافرت الشيخة حسينة إلى بلدان عدة، وألقت كلمة في اجتماع عام يوم 16 من أغسطس (آب) 1980 في لندن، مطالبة بمحاكمة قتلة أسرتها. وجاء ذلك بعدما طالبت شقيقتها بالأمر ذاته في خطاب ألقته في السويد. وواصلت حسينة حملتها لتقديم قتلة أسرتها إلى العدالة، وقد شاركت فيها شخصيات مرموقة. وفي هذا الوقت، أعلنت «رابطة عوامي» حسينة زعيمة للحزب أثناء غيابها.

وفي نهاية المطاف، أنهت الشيخة حسينة بالفعل، منفاها في العاصمة الهندية، وعادت إلى بنغلاديش يوم مايو (أيار) 1981.

كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية. ففي نوفمبر (تشرين الأول) 1987، تعرّضت للاستهداف من جانب الديكتاتور العسكري الجنرال محمد حسين إرشاد.

التنافس «الثنائي» مع خالدة ضياء

بعدها، فاجأت حسينة كثيرين عندما انضمت إلى البيجوم خالدة ضياء - أرملة قائد الجيش السابق ومؤسس «الحزب الوطني البنغلاديشي»، ضياء الرحمن - بهدف إطاحة إرشاد. وبحلول عام 1990، خرج مئات الآلاف إلى شوارع العاصمة دكا للمطالبة باستقالة إرشاد.

ومع أن إرشاد حاول التشبث بالسلطة بإعلان حالة الطوارئ، فإنه أُجبِر بالنتيجة على الاستقالة. لكن «الاتفاق» بين الشيخة حسينة والبيجوم خالدة لم يطُل. ومنذ ذلك الحين، هيمنت العائلتان المتنافستان على الساحة السياسية في البلاد. ولقد قبعت خالدة قيد الإقامة الجبرية، تقاوم ما تقول إنها اتهامات فساد ملفقة، حتى أُطلق سراحها، الاثنين الماضي؛ بناءً على أوامر الرئيس محمد شهاب الدين.

للعلم، في عام 1991، «استولى الحزب الوطني البنغلاديشي» على السلطة، وأصبحت الشيخة حسينة زعيمة المعارضة الرئيسية. لكن الإعصار الذي ضرب بنغلاديش عام 1991 وأسفر عن مقتل 140000 شخص، أعطى مسيرة حسينة دفعاً جديداً. وبعد خمس سنوات، عام 1996، نُصّبت رئيسة وزراء لبنغلاديش.

وطبقاً لتقارير صحافية يعتد بها، شهدت ولاية حسينة الأولى خطوات كبيرة في اتجاه تحرير الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات الأجنبية ورفع مستويات المعيشة، بما في ذلك تحسين مجالي الرعاية الصحية والتعليم. أيضاً، تحولت بنغلاديش قوةً بارزةً على صعيد الصناعة العالمية للملابس. لكن مع ذلك، رغم هذه الإنجازات، فقدت حسينة السلطة عام 2001 لصالح البيجوم خالدة. وأدى التنافس بين السيدتين، الذي أطلق عليه «البيجومات المتصارعات»، إلى اشتعال صراع سياسي كبير، شهد أعمال عنف وقتل خارج نطاق القضاء. بعدها، عام 2004، نجت حسينة بأعجوبة من محاولة اغتيال إثر انفجار قنبلة يدوية في تجمع جماهيري. وعام 2007، حكمت كل من حسينة وخالدة بالسجن بتهم فساد بعد انقلاب عسكري ذلك العام. إلا أن التهم أسقطت لاحقاً فأتيح لهما التنافس في الانتخابات التالية. وأخيراً، عام 2008، حققت الشيخة حسينة نصراً انتخابياً كبيراً، وظلت في منصبها حتى اضطرارها إلى الاستقالة هذا الشهر.

وداعها للساحة السياسية

من جهته، قال ساجيب (جوي)، نجل الشيخة حسينة ومستشارها، في مقابلة إنها لن تعود إلى السياسة مرة أخرى، وأكد أنها غادرت البلاد من أجل سلامتها؛ بناءً على إصرار عائلتها. وتابع ساجيب، المقيم بريطانيا، إن والدته «كانت محبطة للغاية من شعب بنغلاديش؛ بسبب طريقة معاملتهم لها، بعدما فعلت الكثير من أجله».

وتابع أن أمه «عندما تولت السلطة كانت بنغلاديش تُعدّ دولة فاشلة ودولة فقيرة، أما اليوم، فتعتبر من نمور آسيا الصاعدة». وأردف: «إنها تشعر بخيبة أمل كبيرة، ولن تعود إلى السياسة، فهي تبلغ من العمر 77 سنة وكانت هذه ستكون ولايتها الأخيرة. كونها ستتقاعد بعد ذلك على أي حال». واختتم كلامه بمرارة: «اتخذ الناس خيارهم، وسيحصلون على القيادة التي يستحقون. لقد مرّت عائلتي بهذا ثلاث مرات - ثلاثة انقلابات، وانتهى الأمر من وجهة نظرنا. لقد سئمنا من إنقاذ بنغلاديش».

ما يجدر ذكره، أن بنغلاديش، التي كانت إحدى أفقر دول العالم عندما استقلت عن باكستان عام 1971، شهدت نمواً بمعدل يزيد على 6 في المائة سنوياً منذ عام 2009. وانخفضت فيها معدلات الفقر بشكل حاد، فبات بمقدور أكثر من 95 في المائة من سكان البلاد البالغ عددهم 170 مليون نسمة، الحصول على الكهرباء، مع تجاوز نصيب الفرد في الدخل نظيره في الهند عام 2021.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.