واشنطن ترعى كسر «قواعد الاشتباك»مع إيران... لفرض ميزان قوى جديد

انسحاب بايدن حلّه من الموازنة بين دعم إسرائيل وحماية الفلسطينيين

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
TT

واشنطن ترعى كسر «قواعد الاشتباك»مع إيران... لفرض ميزان قوى جديد

القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)
القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى لصواريخ حماس (أ ف ب/ غيتي)

على الرغم من أن بعض التحليلات لا تزال تعتقد أن المنطقة قد تكون مقبلة على حرب موسعة، مدفوعة «بفائض القوة» الذي يشعر به بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، فإن ما جرى في الأيام الماضية أظهر أن ميزاناً جديداً للقوى إقليمياً في طور التشكل، بعدما كسرت إسرائيل «قواعد الاشتباك» التي كانت قائمة مع إيران وميليشياتها. فالحرب التي شنّتها على قطاع غزة، إثر «الزلزال» الذي أحدثه في المجتمع الإسرائيلي هجوم حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، لم تكن لتستمر من دون «غطاء» أميركي. وكشفت الأيام الأخيرة أن أهدافها بعيدة المدى تتجاوز مسألة الرد على «حماس» إلى فرض قواعد جديدة على «طوق النار» الذي تفرضه إيران عليها. إذ إن حشد الأساطيل الأميركية الذي تكرّر 3 مرات خلال الأشهر العشرة الماضية كان رسالة ردع مزدوجة، ليس لإعادة بناء الردع الإسرائيلي فقط، بل إعادة تكريس «معادلة جديدة – قديمة» مع إيران، تقوم على أضلاع عدة، منها منع امتلاكها السلاح النووي، ووقف تهديداتها وتدخلاتها، والانضواء كدولة طبيعية في محصلة إقليمية غير معادية للسياسات الأميركية.

انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي قد يكون عجّل ما يسمى أميركياً بفترة «البطة العرجاء». إلا أنه عملياً قد يكون الآن - في الأشهر المتبقية من عهده - أكثر تحلّلاً من الالتزامات التي كان مضطراً لمراعاتها لو بقي في السباق. فهو ما عاد مضطراً لتقديم خطاب «يوازن» بين انحيازه لإسرائيل وشجب «المأساة الإنسانية» التي يتعرض لها الفلسطينيون.

وهكذا، دفعت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بوضع أصول عسكرية إضافية، بحرية وجوية، بالقرب من إسرائيل للمساعدة في الدفاع ضد ما يعتقد أنه «هجوم وشيك» من قبل إيران رداً على قتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» في طهران، واغتيال فؤاد شكر القائد الكبير في «حزب الله» في ضواحي بيروت، الأسبوع الماضي. وبدلاً من تقديم مخارج ملائمة تحفظ لإيران «ماء الوجه» على الأقل، يقود وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، جهوداً دبلوماسية وعسكرية لممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة على إيران، والطلب من بعض العواصم الإقليمية والدولية، بما فيها روسيا، حضّها وحلفاءها على كبح أي ردّ.

تحليلات لبعض الصحف الأميركية رأت أن الاجتماع «الاستثنائي» الذي عقده وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في المملكة العربية السعودية، يوم الأربعاء، بطلب من إيران، لمناقشة «جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة ضد الشعب الفلسطيني واعتدائه على سيادة إيران»، بما في ذلك مقتل هنية، قد يهدف إلى تأمين مخرج يجعل من تراجع طهران عن توجيه ضربة كبيرة، تلبيةً لمناشدات الدول المجتمعة، بعدم توسيع الصراع وجرّ المنطقة إلى حرب لا يريدها أحد، بعد تحميل إسرائيل المسؤولية.

كذلك عدّت التحليلات زيارة سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن الروسي ووزير الدفاع السابق، المفاجئة لطهران، جزءاً من الجهود الدبلوماسية لمنع التصعيد، الذي قيل إنه نصح قادتها بذلك لأسباب قد تختلف عن تصوّرات واشنطن، لكنها تتقاطع معها في هذه اللحظة الحرجة.

حراجة موقف «محور المقاومة»وبينما يرى البعض أن عمليات الاغتيال والمخاوف من أعمال العنف الانتقامية التي يمكن أن تطلقها، يمكن أن تدفع بعض الدول إلى الابتعاد عن إسرائيل والتقرب من إيران، في سعيها إلى تهدئة التوترات التي تهدد أمنها، يرى آخرون أن تراجع الخطاب التعبوي الإيراني، وتدرجه من الرد بكل «قوة» إلى الرد بحسب ما «يسمح» به القانون الدولي، وكذلك تراجع حسن نصر الله، زعيم «حزب الله» اللبناني عن «حافة الحرب الشاملة»، أدلّة على حراجة موقف «محور المقاومة»، وخشيته من التكلفة العالية التي قد يدفعها.

وفي حين كرّر بلينكن التحذير من أنه «لا ينبغي لأحد تصعيد هذا الصراع»، وأشار إلى «انخراطه في دبلوماسية مكثفة مع الحلفاء والشركاء، وتوصيل هذه الرسالة مباشرة إلى إيران وإسرائيل»، أكد أوستن أن واشنطن ستقف إلى جانب إسرائيل في مواجهة أي هجوم.

في المقابل، في إشارة إلى استثمار واشنطن المستمر في الأمن الإسرائيلي، أجرى يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، مع أوستن يوم الثلاثاء مكالمة هي الخامسة بينهما منذ الهجوم الصاروخي الذي وقع في 28 يوليو (تموز) على بلدة مجدل شمس المحتلة في الجولان. وأيضاً توجه الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الوسطى الأميركية (سينتكوم) إلى إسرائيل يوم الاثنين، لإجراء مباحثات مع القادة العسكريين، أشاد بها غالانت، كونها «ترجمة مباشرة للدعم الأميركي لإسرائيل إلى عمل».

في هذا الوقت، تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية، الذي عُدّ انتكاسة لسعي إدارة بايدن لتأمين وقف إطلاق النار في غزة، «لكونها تعتقد أنها تحقق تقدماً فيه»، وفق المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي. غير أن تعيين يحيى السنوار، خلفاً لهنية، قد يكون أعطى إسرائيل مبرّراً لمواصلة التمسك بأهدافها في غزة، ولبايدن المسوّغات لتحميل «حماس» المسؤولية عن فشل جهوده، بعدما وصفت إدارته السنوار بالإرهابي، وطالبته بالعمل على تطبيق الاتفاق.

نتنياهو يحتاج نصراً معنوياً

ثم، مع أن حرب غزة ربما انتهت بالمعنى العسكري، فإن حاجة نتنياهو إلى «نصر معنوي» عبر القضاء على السنوار - الذي يحمّله مسؤولية هجوم أكتوبر - قد يترجمه في الأيام والأسابيع المقبلة بارتكاب مزيد من المجازر، وتدمير ما تبقى من عمران في غزة، بما يكرس مفاعيل «النكبة» الثانية بحق الشعب الفلسطيني.

وفي حين لا يستبعد محللون أن يكون تعيين السنوار رداً إيرانياً على محاولات إنهاء إمساكها بـ«الورقة الفلسطينية» كجزء من «ردّها» المعنوي على «الإهانة» التي تعرّضت لها، يرى آخرون أن محاولاتها إطالة الصراع لأطول مدة ممكنة يهدف أيضاً إلى توظيفه في أي تطورات سياسية قد تحصل على المشهد الانتخابي في أميركا.

وبعكس ما يراه البعض بأن نتنياهو هو المشكلة الآن في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فربما يكون هو الورقة الرابحة بالنسبة لواشنطن، لا إيران، في احتواء الحريق الإقليمي. ومع أن نتنياهو قد غيّر شروطه للتوصل إلى اتفاق محتمل، بعد أن طرح بايدن خطته للتوصل إلى اتفاق، وهو الذي قيل إنه اختلف مع كبار مسؤوليه الأمنيين بسبب إصراره على مواصلة الحرب والضغط على «حماس»، بدلاً من قبول وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الرهائن، فقد بدا الآن بعد مقتل شكر وهنية، أنه قادر على قلب المشهد، ورفع سقف الضغوط والمواجهة، مهما كان شكل الرد الإيراني.

انتقادات لاذعة

على صعيد موازٍ، كانت بعض الانتقادات الأميركية لسلوك نتنياهو لافتة، منها أنه «وضع الولايات المتحدة في موقف مستحيل»، وفق فرانك لوينشتاين، الذي شغل منصب المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في عهد الرئيس باراك أوباما. إذ قال لوينشتاين: «إنه يثير رداً قد يجرنا إلى حرب، لكن لا أحد يشكك في ذلك علناً... لأننا بالطبع سنقف مع إسرائيل ضد إيران».

مع ذلك، أظهرت الاغتيالات والهجمات والضربات التي شنّتها إسرائيل على مدى الشهور الماضية، وقبلها لسنوات، داخل إيران وخارجها، مستهدفة قادة منها ومن ميليشياتها، أنها لم تؤدِ إلى حرب إقليمية، وهذا رغم عدم إبلاغ الولايات المتحدة عنها، وغضبها. وبينما أكد مسؤول إسرائيلي أن المكالمة الهاتفية التي أجريت بين بايدن ونتنياهو الأسبوع الماضي، بعد قتل هنية كانت «متوترة»، لا تتوافر دلائل، كما لم تصرح إدارة بايدن، بأنها جاهزة لممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل لمحاولة احتواء أفعالها، مثل إعادة النظر ببعض المساعدات العسكرية أو الحد منها. وبذلك، حرّر بايدن نائبته كمالا هاريس، مرشحة الحزب الديمقراطي، من تحمل أوزار سياساته أمام بعض ناخبي الحزب الغاضبين من دعمه لإسرائيل.

أضف إلى ما سبق، أن إيران ومحورها يمران راهناً في لحظة ضعف وارتباك سياسي وعسكري واستخباري غير مسبوقة بوجود حكومة جديدة تسعى لتقديم «أوراق اعتماد» جديدة مع الغرب. ثم إن إدارة بايدن لطالما اعتقدت أن طهران، التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية وتكافح مع اقتصاد متعثر، تريد تجنب صراع واسع النطاق، ما قد يجعل من تغيير التوازن الإقليمي أمراً ممكناً.

تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية

تغيير قواعد اللعبة

في هذه الأثناء، يقول دينيس روس، المبعوث الأميركي الخاص السابق لعملية السلام، إنه طالما لم تؤدِ جولات التوتر السابقة بين إسرائيل وإيران إلى تصاعد الصراع وبقيت محتواة، فإن مغادرة بايدن منصبه تحرره للتركيز على إبرام صفقة تطبيع إسرائيلية إقليمية، يرجح أن تكون مشروطة بإنهاء الصراع والحرب في غزة، ومن شأنها أن تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

روس قال في مقالة في مجلة «فورين أفيرز» إن نتنياهو يحتاج إلى الأميركيين لأخذ زمام المبادرة، ويعلم أنه من دون التدخل الأميركي لن يتمكن من التوصل إلى اتفاق. فالهزيمة العسكرية لـ«حماس» لن تكون ذات أهمية كبيرة إذا ما تمكنت من إعادة تشكيل نفسها. كذلك يدرك نتنياهو أنه إذا كان يريد بديلاً لحكم «حماس» في غزة، فسيحتاج إلى الدول العربية الرئيسية، للعمل مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى لإنشاء إدارة مؤقتة في غزة تتولى مسؤولية الحكم والأمن اليومي. ومع تفضيل الديمقراطيين والجمهوريين بشكل عام فكرة تحقيق اختراق كهذا، من غير المرجح أن يعارضها ترمب أو هاريس في حال فوز أي منهما في السباق الرئاسي. تحدثت تقارير عن وجود احتكاك متزايد بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بسبب «المفاجأة» و«الغضب» من اغتيال هنية

أحد لقاءات نتنياهو وبلينكن المتكررة (ا ف ب)

تخوّف في واشنطن من «7 أكتوبر» ثانٍ

> يرى مراقبون أن «الارتباك» الذي تعيشه إيران وأذرعها، خصوصاً «حزب الله»، شجّع على مواصلة سياسة التهويل والضغوط، بأن البدائل عن عدم تراجعهم عن التصعيد، قد تكون إقدام إسرائيل على تنفيذ هجوم استباقي.حول هذا يقول ماثيو ليفيت، كبير الباحثين بالشأن الإيراني في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» -القريب من تل أبيب- إن سلوك «حزب الله» يثير القلق أكثر من سلوك إيران، في ظل امتلاكه عدداً كبيراً من الصواريخ والمسافة القصيرة نسبياً، إذ يمكن أن يؤدي الهجوم من لبنان إلى إصابة أهداف عسكرية واستراتيجية في شمال البلاد وفي المركز.وفي ظل تخوف الإسرائيليين من شن «حزب الله» هجوماً شبيهاً بهجوم «حماس» في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يتصاعد خطر أن تبادر إسرائيل بشن هجوم برّي استباقي لإزالة هذا الاحتمال. ومع أن غالبية المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن الحرب مع «حزب الله» اليوم لن تكون مثل أي حرب خاضتها إسرائيل على الإطلاق -ولذا يفضلون تأجيل المواجهة- لكن إذا لم يتمكن المدنيون الإسرائيليون من العودة إلى منازلهم قريباً، قد تأتي الحرب في وقت أقرب كثيراً مما يرغبون.من جهة ثانية، تركيز الجهود الدبلوماسية الأميركية على إقناع الحزب بسحب جميع قواته إلى مسافة 10 كيلومترات على الأقل من الحدود، تطبيقاً للقرار الدولي رقم 1701، الذي صدر بعد حرب 2006، يمكن أن يجعل الهجوم المفاجئ على غرار 7 أكتوبر أقل احتمالاً بكثير. وهذا ما تسعى إلى تحقيقه واشنطن، وقد نقله عديد من الوسطاء الغربيين والعرب إلى لبنان، خصوصاً أن إسرائيل أنجزت تدمير وإفراغ هذا الشريط الحدودي من سكانه.على الرغم من ذلك، يقول ليفيت إن العوامل التي منعت «حزب الله» من فتح جبهة ثانية كاملة لا تزال قائمة. وبرأيه «يعاني لبنان أزمة اقتصادية وسياسية مدمِّرة، ولا يريد معظم مواطنيه أن يجر (حزب الله) البلاد إلى ما قد تكون حرباً مدمِّرة للغاية. وفي حين أن إيران سعيدة بالقتال حتى آخر وكيل عربي، فإن قادتها لا يريدون أن تمتد الحرب إلى حدودهم».ومع ميل بعض التحليلات عن الاغتيالات التي وقعت الأسبوع الماضي، إلى تسليط الضوء على قدرات إسرائيل على شن هجمات عسكرية وتكنولوجية متطورة في «عمق أراضي العدو»، يرى مراقبون أنها لم تنجح في تبديد الإحراج الذي حدث في 7 أكتوبر. وربما ما تقوم به إسرائيل من دفع لحدود تصرفاتها الإقليمية، لا ينبع من شعورها بالقوة بل لأنها تشعر بالضعف. إذ تلك العمليات، في الأساس لا تضيف إلا القليل من الحسابات الاستراتيجية طويلة الأمد. والآن، مع استعداد إسرائيل لتحمل أخطار أكبر واستيعاب التكاليف الأعلى، فإنها تسعى للاستفادة من المزايا التكتيكية، في محاولة محمومة لاستعادة الردع، وادعاء أن الجيش الإسرائيلي عاد مجدداً «جيشاً لا يُقهَر!».


مقالات ذات صلة

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

حصاد الأسبوع استهداف فؤاد شكر في جنوب بيروت (آ ف ب)

لبنان: ردّ «حزب الله» مقيّد بالهدف... ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة

«اضحكوا قليلاً وستبكون كثيراً»... بهذه العبارة خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الإسرائيليين، متوعداً إياهم بالانتقام لدماء القائد العسكري الأول

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع كانت فترة ولاية حسينة في رئاسة حزب «رابطة عوامي» بمثابة بداية كفاح دام عقداً شهد إخضاعها لفترات طويلة من الإقامة الجبرية

الشيخة حسينة واجد «وارثة» زعامة بنغلاديش تودّع السلطة بعد حكم استمر 15 سنة متصلة

انزلقت بنغلاديش، إحدى أكبر دول العالم الإسلامي والقارة الآسيوية، من حيث عدد السكان، خلال الأسبوع الماضي إلى حالة من الفوضى. وفي تحوّل دراماتيكي استقالت رئيسة

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع من التظاهرات الاحتجاجية التي غيرت المعادلة السياسية في بنغلاديش (غيتي)

محطات في العد التنازلي لحكم الشيخة حسينة

> في أوائل يونيو (حزيران) الفائت، بعدما أعادت المحكمة العليا في بنغلاديش نظام حصص الوظائف، الذي كان يفضّل أحفاد مقاتلي حرب التحرير عام 1971، تجمع نحو 500 طالب

«الشرق الأوسط» ( نيودلهي)
حصاد الأسبوع تشييع إسماعيل هنية في طهران قبل مراسم دفنه في قطر (الشرق الأوسط)

عضلات نتنياهو انتفخت... والنتيجة مخيفة

في البيت الأبيض أرشيفات سوداء مليئة بالقصص عن تبجّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القادة الأميركيين، وأشهرها ما قاله عنه الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل نحو عشر سنوات؛ إذ تساءل: «مَن هنا يمثل الدولة العظمى؟». إلا أن جون بايدن، وإن شاطر أوباما في مقت نتنياهو، يتصرف بطريقة مختلفة. إنه يساير. يدلل. وحتى عندما يمارس عليه الضغوط تكون تلك ضغوطاً ناعمة. ويجد نفسه عالقاً في مطبات ومكائد وورطات حربية ووُحُول... فلا يضطر فقط إلى استقباله في البيت الأبيض بعد طول تمنع، ولا يقبل «ببلع ضفدع» وصوله إلى واشنطن تلبية لدعوة من الكونغرس - رغم معارضة الحزب الديمقراطي - بل يصبح شريكاً له، عن رضا أو عن إرغام، في أعمال كثيرة يدفع فيها البشر ثمناً باهظاً وتهدد بحرب لا يريدها أحد. واليوم، الخطر كبير فعلاً... خطر أن تكون الحرب واسعة جداً، ولا يكون بمقدور «الأخ الأكبر» في واشنطن منعها أو تطويقها. مقرّبون من نتنياهو، يقولون إنه «وضع بايدن والإدارة الأميركية كلها تحت إبطه» وطوّعها لصالح سياسة اليمين الإسرائيلي. ويضيفون: «مَن حاول في واشنطن رسم خريطة طريق للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية وتنشئة بيني غانتس ليكون رئيس حكومة يطيح نتنياهو، وجد نفسه يسير وراءه. ولكن هذا في خدمة الولايات المتحدة وليس ضدها. فنتنياهو يقود بنجاح أهم معركة ضد الإرهاب في تاريخ الشرق الأوسط». ويؤكد المعجبون بنتنياهو أن هذا هو شعوره هو أيضاً. فهو يعتقد بأن الله حبا الشعب اليهودي وأيضاً الولايات المتحدة بقائد تاريخي سيحدث انعطافاً حاداً في المنطقة لخدمة «العالم الحر» والمعتدلين في الشرق الأوسط. وهو لا يقول هذا الكلام للسيدة سارة أو للمرآة في بيته، بل أيضاً يجاهر به أمام كثير ممّن يلتقيهم هذه الأيام، في واشنطن وفي إسرائيل.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

شعبية كاسحة أظهرتها صناديق الاقتراع في رواندا للرئيس بول كاغامي، «حامل جينات الحكم» وقائد التنمية في البلاد، الذي أنقذ شعبه من براثن الحرب الأهلية وجعل رواندا في مقدمة دول القارة الأفريقية، فكافأه الناخبون بإبقائه في منصبه لمدة قد تزيد على ربع قرن. ورغم تحديات داخلية ومعارضة بات صوتها واضحاً، ظفر كاغامي في يوليو (تموز) الماضي، بولاية رئاسية رابعة بعد حصوله على 99.18 في المائة من الأصوات، مقارنة بمنافسيه: مرشح حزب «الخضر» فرانك هابينيزا (0.5 في المائة) والمرشح المُستقل فيليب مباييمانا (0.32 في المائة). ومعلوم أن مسيرة كاغامي ترتبط في أذهان قادة غربيين وأفارقة بأنها مسيرة شخص بات «نموذجاً للتنمية» و«مخلصاً حقيقياً لشعبه من آفتي الإبادة والتمييز»، بل جعل من بلده «سنغافورة أفريقيا».

محمد الريس (القاهرة)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
TT

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)
كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب بكثير؟ الإجابة عن هذا السؤال، لا يختصرها الإجماع السريع الذي توافقت عليه تيارات الحزب لدعم كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالية. ذلك أن الصعوبات التي يواجهها الديمقراطيون، والأزمات التي لم يتمكنوا بعد من ابتكار الحلول لها، أكبر من أن يحتويها استعاضتهم عن مرشح مسنّ ضعيف وغير ملهم، بمرشحة شابة ملوّنة. ولكن مع ذلك، يبدو أن الديمقراطيين مقتنعون الآن بأنه باتت لديهم الفرصة لإعادة تصوير السباق على أنه تكرار لهزيمة مرشح «مهووس بالغرور والانتقام»، في حين يعيد خصومهم الجمهوريون تشكيل سياسات حزبهم، وفق أجندة قد تغير وجهه ووجهة أميركا، التي عدّها البعض، «دعوة للعودة إلى الوراء».

في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ثمة انزياح الجمهوريين إلى سياسات انعزالية خارجياً وحمائية اقتصادية داخلياً، معطوفة على سياسات اجتماعية يمينية متشددة، قد يكون من الصعب إقناع بعض الشارع بخطورتها. وفي المقابل، ما لم يقدم الديمقراطيون حلولاً للمشاكل التي أبعدت ولا تزال تبعد، شريحة واسعة من أبناء الطبقة العاملة إلى التصويت مرتين لمصلحة دونالد ترمب، فإنهم سيفقدون السيطرة على حملتهم.

الأمر لا يقتصر على أفراد الطبقة العاملة البيضاء الذين غادروا الحزب الديمقراطي بأعداد كبيرة خلال العقود الأخيرة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن ترمب يُعد لاجتذاب الناخبين السود واللاتينيين من الطبقة العاملة بنسب تاريخية محتملة. ومع اعتناق ترمب ومرشحه لمنصب نائب الرئيس، جي دي فانس، لسنوات، سياسات «شعبوية» فإنهما سعيا أيضاً إلى استخدام حتى بعض الانتقادات «التقدمية» للسوق الحرة، ولو كانا سيخدمان الأثرياء في نهاية المطاف.

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

ولاغتنام هذه الفرصة، قد يفكر الديمقراطيون في قراءة كيف تمكّن حزبهم من التعافي من الأزمات الخطيرة في ماضيهم. ومعلوم أنه في حين كانت الانتخابات الماضية تدور حول السياسات، وليس التدهور الذهني للمرشحين والتشكيك بقدرتهم على الفوز، كما كان الحال مع بايدن في هذه الانتخابات، فإنهم لم ينجحوا إلا عندما قدّموا أجندة اقتصادية، تروّج لرأسمالية أكثر أخلاقية وأقل ضراوة وقسوة.

توحد حول «أجندة تقدمية»يقول مايكل كوزين، أستاذ التاريخ في جامعة جورجتاون، إنه منذ القرن التاسع عشر، لم ينجح الديمقراطيون في قلب هزائمهم، إلّا بعد توحيد صفوفهم خلف أجندة، قدمت مساراً مختلفاً لمعالجة الأزمات، من «الكساد الكبير» إلى التصدي للعنصرية، وكسر الخطاب الشعبوي - الذي هدف إلى كسب تأييد المزارعين وعمال المناجم - ومن ثم طرحوا حلولاً بشأن العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والمال.

في العشرينات من القرن الماضي، دارت أزمة الديمقراطيين حول قضايا الثقافة والعِرق بدلاً من تحديد من فاز ومن خسر فيما كان آنذاك اقتصاداً مزدهراً. ولقد تطلب الأمر أسوأ كساد في تاريخ البلاد، لإعطاء الديمقراطيين الفرصة لوضع هذه الاختلافات وراء ظهورهم. وعام 1932، تحت قيادة فرانكلين روزفلت، فازوا بغالبية كبيرة في الكونغرس وأنشأوا أكبر توسع في السلطات المحلية للحكومة الفيدرالية في تاريخ الولايات المتحدة.

وبعدها، في عام 1968، بدا أن انسحاب ليندون جونسون من السباق أشبه بانسحاب جو بايدن هذا العام... إذ كان الرجلان يخطّطان للترشح لإعادة الانتخاب، لكن المعارضة الشرسة داخل حزبهما أثنتهما عن ذلك. واليوم، كما حصل سابقاً، أخذ نائب الرئيس مكانه على رأس القائمة. غير أن معارضة عودة جونسون كانت بسبب أكثر أهمية بكثير من القلق بشأن أداء الرئيس في مناظرة، أو على قدراته الجسدية والمعرفية التي قسا عليها الزمن. كان الخلاف يومذاك حول «حرب فيتنام» يقسم الديمقراطيين، والأميركيين عموماً، وهو ما أدى إلى خسارتهم أمام الجمهوريين وفوز المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون.

اصطفاف التيار التقدمياليوم، باستثناء الحرب في غزة، وانتقاد التيار التقدمي لإسرائيل، فإن الديمقراطيين متّحدون بشكل ملحوظ حول القضايا التي ركّز عليها بايدن في حملته الانتخابية. وبدا أن تمسك هذا التيار به والاصطفاف اليوم وراء نائبته كامالا هاريس، دليل على إجماع على أن «خطر» إدارة ترمب أخرى قد طغى على استيائه منهما. وفي غياب أي استثناءات تقريباً، يتفق ممثلوهم مع أعضاء الحزب في مجلسي الشيوخ والنواب، على تشجيع العمال على تشكيل النقابات ويريدون القيام باستثمارات جادة في مجال الطاقة المتجددة، ويؤيدون بالإجماع زيادة الضرائب على الأغنياء وتسليح أوكرانيا.

بيد أن تغير موقف «التيار التقدمي» بشأن هاريس - التي لطالما تعرضت للانتقادات منه - يعكس إلى حد كبير الديناميكيات السياسية المتغيرة داخل الحزب الديمقراطي نفسه. وحقاً، منذ التراجع المطّرد لدور اليساري المخضرم بيرني ساندرز وتحوّله إلى شيء من الماضي، وكون النجوم التقدميين مثل النائبة ألكساندريا أوكازيو كورتيز، ما زالوا أصغر من أن يتمكنوا من الترشح للرئاسة، لا يوجد بديل واضح عند هذا التيار. وأيضاً، مع تهميش أولويات «التقدميين» التشريعية السابقة كالتعليم الجامعي المجاني والرعاية الصحية الشاملة، واستمرار تعثر القضايا الحالية كالحرب في غزة من دون نهاية واضحة، تقلصت فرص «تيارهم» في لعب دور أكبر داخل الحزب.

ولكن إذا أعطى انسحاب بايدن الديمقراطيين فرصة لإحياء حظوظهم فيما بدا لفترة وكأنه سباق خاسر، فإنه قد لا يفعل ذلك الكثير لمعالجة الأزمة الأعمق التي واجهوها منذ أعاد ترمب تشكيل الحزب الجمهوري.

الديمقراطيون تجنّبوا الانقسامفإجماع الديمقراطيين على الدفع بكامالا هاريس خياراً لا بد منه، قد يكون جنبهم على الأقل خطر الانقسام. ورغم كونها خطيبة مفوهة، على خلفيتها بوصفها مدعية عامة وسيناتوراً سابقاً عن كاليفورنيا - كبرى الولايات الأميركية وأهمها - يظل العديد من الأميركيين ينظرون إليها على أنها «ليبرالية» و«تقدمية» تهتم بشدة بالحقوق الإنجابية والتنوع العرقي. وهم أيضاً يأخذون عليها أنها لم تظهر، حتى الآن على الأقل، قدرتها على التواصل بالقوة نفسها مع ناخبي الطبقة العاملة الذين يعتقدون أن لا الحزب الديمقراطي ولا الحكومة أظهرا الاهتمام نفسه بمشاكلهم الاقتصادية... وخوفهم من أن حياة أطفالهم قد تتعرض للخطر.

واستناداً إلى استطلاعات رأي تشير منذ عدة سنوات إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن الولايات المتحدة «تسير على المسار الخطأ»، استخدم جي دي فانس، نائب ترمب، هذه المخاوف التي عرضها في كتابه «مرثية هيلبيلي» لتصعيد الخطاب الشعبوي، الذي عدّه البعض دعوة إلى إعادة عقارب الزمن عبر إحياء الصناعات المنقرضة، بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

صعود المظالممع هذا، إذا اكتفت هاريس بالترويج والدفاع عن إنجازاتها وبايدن فقط، فقد تفشل في معالجة هذه المخاوف، وربما تسمح لترمب بالفوز مرة أخرى. الاعتراف باللامساواة بين الجنسين وقبول «الهويات» الجنسية، ونقد الاستعمار والعنصرية وكراهية الأجانب، وصعود حركة حماية البيئة، كلها مظالم وتحديات لشرائح واسعة تعتقد أنها تتعرّض للخطر وتدعو الساسة للعودة إلى الأنماط القديمة دفاعاً عنها. كما أن اضطرابات أخرى لعبت أيضاً دوراً في صعود هذه المظالم، من تغير المناخ والتحديات الاقتصادية التي فرضها، واستمرار التفاوت في الدخل، وموجات المهاجرين إلى أوروبا والولايات المتحدة، والانهيار الاقتصادي عام 2008، وجائحة «كوفيد-19» التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

ومع تصاعد الشكوى من الهجرة والمهاجرين والتغير الديموغرافي والعولمة في كل مكان، يهدّد خطاب «الشعبوية» الجديد الديمقراطيات الليبرالية القديمة. وبدا أن احتضان الناخبين الأميركيين لترمب، يشبه تحول الناخبين الفرنسيين نحو حزب «التجمّع الوطني» اليميني المناهض للمهاجرين بزعامة مارين لوبان، الذي يدّعي أنه يمثل «فرنسا الحقيقية»، ومعه صعود العديد من أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، وفق الكاتب الأميركي إدواردو بوتر.

فشل ديمقراطي

مع ذلك، فشل الديمقراطيون منذ عهد باراك أوباما في تقديم برنامج سياسي متماسك حول الوجهة التي يريدون أخذ أميركا إليها، والتكلم عن أولئك الذين يكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وهذا، بصرف النظر عن دفاعهم عن مصالح الطبقة الوسطى والتسامح مع الاختلافات الثقافية والتحرك نحو اقتصاد أكثر خضرة.

ومع أن ترشيح كامالا هاريس قد يعطيهم الفرصة للبدء في تغيير تلك الصورة، يظل الخطر كامناً في أنهم قد يعتقدون أن الأزمة الأخيرة التي مروا بها، أمكن حلها بتغيير المرشحين من دون معالجة حالة السخط التي تعصف بالبلاد. وهذا ما بدا من خطابهم الذي عاد للتشديد على أن المهمة الرئيسية هي منع عودة ترمب. فقد التحمت الأصوات الديمقراطية في خطاب شبه موحّد لتصوير الانتخابات على «أنها بين مجرم مُدان لا يهتم إلا بنفسه ويحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بما يخص حقوقنا وبلدنا، ومدعية عامة سابقة ذكية ونائبة رئيس ناجحة تجسد إيمانناً بأن أفضل أيام أميركا لا تزال أمامنا»، على ما كتبته الثلاثاء، هيلاري كلينتون في مقالة رأي في «نيويورك تايمز».

ربما لا حاجة إلى التذكير بأن خسارة كلينتون نفسها للسباق الرئاسي أمام ترمب عام 2016، كان بسبب إحجام ناخبي ولايات ما يعرف بـ«حزام الصدأ» - حيث قاعدة العمال البيض - عن تأييدها، بعدما خسر مرشحهم بيرني ساندرز الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، الذي كان ينظر إليه على أنه مرشح واعد للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة، ومنحهم أصواتهم لترمب الذي نجح في مخاطبة هواجسهم.

فرصة هاريس

اليوم، في ضوء انتزاع هاريس - إلى حد بعيد - بطاقة الترشيح قبل انعقاد مؤتمر الحزب في 19 أغسطس (آب) المقبل، ما يوفر عليها خوض انتخابات تمهيدية جديدة والفوز فيها، فإنها تحظى بفرصة لإعادة تقديم نفسها. وخلال الأيام الأخيرة، تعززت حملتها بفضل زيادة الحماسة والدعم وجمع التبرعات الذي حقق أرقاماً قياسية خلال 48 ساعة، وكل ذلك كان مفقوداً في حملة بايدن وسط مخاوف بشأن عمره وصحته.

لكن الحزب ما زال منقسماً حيال الرد على هجمات الجمهوريين، إذ يشعر البعض بالقلق من أن الغرق في مناقشات حول العنصرية والتمييز الجنسي، يمكن أن يستهلك حملة هاريس لدى انشغالها بمخاطبة جمهور الناخبين الأوسع. ولذا تصاعدت الأصوات الديمقراطية الداعية إلى جسر الهوة إزاء الهجرة والجريمة والتضخم، التي يركز الجمهوريون عليها، بينما يتساءل آخرون، عمّا إذا كان الكلام الصارم عن الإجهاض والضرائب والعنصرية، وغير ذلك من بنود جدول الأعمال التي يسعى الديمقراطيون بشدة إلى إعادتها إلى قمة الأولويات العامة، هو الطريقة الأفضل لخوض السباق ضد ترمب. الديمقراطيون متّحدون اليوم حول القضايا التي ركّز عليها بايدن

لطّف الجمهوريون خطابهم المتشدد... بينما يبحث الديمقراطيون عن نائب لهاريس

> لا يخفى، لدى تفحّص المشهد الانتخابي الأميركي، أن الجمهوريين سعوا للاستفادة من مكاسب استطلاعات الرأي مع الأميركيين الذين كانوا مترددين في السابق تجاه دونالد ترمب، وخاصة الناخبين غير البيض. إذ أعادوا تنظيم مؤتمرهم الوطني للتأكيد على «الوحدة»، بعد محاولة الاغتيال التي تعرّض لها ترمب، وتقديمه كرجل دولة وليس محارباً للثقافة والعرق. وتضمن المؤتمر كلمات دحضت الاتهامات بالعنصرية ضد ترمب، إلى جانب عدد من المتكلمين الذين أكدوا على خلفياتهم المهاجرة وعلى أن الجمهوريين مهتمون فقط بأمن الحدود. وبينما يقلّب الديمقراطيون الأسماء لاختيار نائب الرئيس على بطاقة الاقتراع مع كمالا هاريس، برز عدد من الأسماء على رأسهم جوش شابيرو حاكم ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. وحظي شابيرو، وهو يهودي أبيض،

ترمب يهاجم هاريس خلال مهرجان انتخابي في ولاية نورث كارولينا (آب)

بالاهتمام كونه حقق فوزاً كبيراً في انتخابات عام 2022، متغلباً على سيناتور يميني متشدد أنكر فوز بايدن في انتخابات عام 2020، ويلقى دعماً كبيراً من الرئيس السابق باراك أوباما. أيضاً، برز السيناتور مارك كيلي (من ولاية أريزونا المتأرجحة أيضاً) الذي عُدّ منافساً محتملاً في مواجهة نائب ترمب، السيناتور جي دي فانس (من ولاية أوهايو). ويقف الرجلان على النقيض في العديد من قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة مساعدة أوكرانيا. وبدا كيلي مرشحاً مثالياً ضد فانس؛ للموازنة بين الحفاظ على الولايات المتأرجحة، والحفاظ على سياستهم الخارجية. واتهمه بأنه «سيتخلى» عن أوكرانيا لصالح روسيا. وأردف كيلي قائلاً، إنه «أمام ما قد يفعله ترمب وفانس للتخلي عن حليف، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر خطورة بكثير». ورغم رفضه تأكيد أن يكون من بين المرشحين، قائلاً إن الأمر يتعلق بهاريس، «المدعية العامة التي تتمتع بكل هذه الخبرة، وترمب الرجل المدان بـ34 جناية ولديه خيار بشأن المستقبل، قد يعيدنا إلى الماضي حين كنا أقل أماناً».