انتخابات فنزويلا...الفتنة الدامية أو نهاية الثورة البوليفارية

أصبحت أمام خيارين مع رفض المعارضة النتائج والتشكيك الدولي بها

مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
TT

انتخابات فنزويلا...الفتنة الدامية أو نهاية الثورة البوليفارية

مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)

مع انتصاف ليل الأحد الفائت كانت قد انقضت ست ساعات على إقفال آخر صناديق الاقتراع في العاصمة الفنزويلية كاراكاس عندما أعلن المجلس الوطني الانتخابي فوز الرئيس اليساري نيكولاس مادورو بولاية رئاسية ثالثة إثر حصوله على 51 في المائة من الأصوات مقابل 44 في المائة نالها مرشح المعارضة الموحدة إدموندو غونزاليس. وجاء في بيان الهيئة الانتخابية، التي يسيطر عليها الحزب الحاكم، أن النتيجة باتت بحكم النهائية بعد فرز 80 في المائة من الأصوات، وأن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 59 في المائة.

مارينا كورينا، زعيمة المعارضة الفنزويلية، مع مرشحها الرئاسي إدموندو غوزنزاليس (إيبا - إيفي)

المعارضة ترفض النتيجة

بعد صدور بيان الهيئة الانتخابية سارعت المعارضة التي تقودها ماريا كارينا، التي كانت المحكمة الانتخابية قد نزعت عنها أهلية الترشح، إلى رفض النتيجة التي وصفتها بأنها «انتهاك صارخ للحقيقة». وشددت على إدانتها «التلاعب بالفرز»، بينما راحت عواصم إقليمية وأوروبية تطالب بالكشف عن مضابط جميع أقلام الاقتراع للتحقق من النتائج. وحقاً، طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «نشر نتائج التصويت مفصلة مع السندات الثبوتية أمام المراقبين الدوليين»، وفي حين شكّك الرئيس التشيلي (اليساري) غابرييل بوريتش بصدقية النتائج الرسمية، قائلاً: «على نظام مادورو أن يعرف بأنه من الصعب جداً تصديق النتائج التي أعلن عنها»، أكّد أن تشيلي لن تعترف بها ما لم يجرِ التحقّق منها على يد جهات مستقلة ومحايدة.

ما يُذكر أنه قبل صدور بيان المجلس الانتخابي الذي أعلن فوز مادورو قبل نهاية عملية الفرز، كانت المعارضة اليمينية والليبرالية الفنزويلية قد شكت من أن الهيئة الانتخابية لم تطلعها سوى على 30 في المائة من المضابط بعدما توقفت عمليتا طبعها وتوزيعها. وأفاد مراقبون بأنه مع ظهور النتائج الأولى كان القلق قد بلغ ذروته في أوساط النظام، وراحت قيادات رسمية تدلي بتصريحات توحي بفوز مادورو مع أن عملية الفرز كانت لا تزال في بداياتها.

ومنذ فجر الاثنين بدأت بلدان أميركية لاتينية عدة، بينها البيرو والأوروغواي وكوستاريكا، تعرب عن شكها بشفافية النتائج، في حين كانت برقيات التهنئة تتوالى من كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا وهوندوراس. لكن اثنتين من الدول الوازنة في المنطقة، البرازيل والمكسيك، اللتان تربط حكومتيها علاقات جيدة مع نظام مادورو، التزمتا الصمت لساعات طويلة، مع أن وزير الخارجية البرازيلي سلسو اموريم كان ضمن فريق المراقبين الدوليين الذين أشرفوا ميدانياً على سير الانتخابات وعمليات الفرز. كذلك كان الرئيس البرازيلي لويس إيغناسيو لولا قد أعرب منذ أيام عن أنه «شعر بالخوف من التصريحات التي صدرت عن مادورو وقال فيها إن فنزويلا ستشهد حمام دم في حال فوز المعارضة»، وحثّ الرئيس الفنزويلي على احترام العملية الانتخابية والرحيل في حال الخسارة.

وبينما صدر بيان عن لويس موريّو، وزير خارجية كولومبيا المجاورة لفنزويلا - والتي تربطها بها علاقات تاريخية واقتصادية واجتماعية وثيقة - طالب بتدقيق مستقل في نتائج الانتخابات، أعربت كوبا عن تهنئتها بلسان وزير خارجيتها برونو رودريغيز، الذي قال: «لا بد من احترام إرادة الشعب الفنزويلي».

وخارج أميركا اللاتينية، طالب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بورّيل، من جهته السلطات الفنزويلية «بأقصى درجات الشفافية في عملية الفرز»، داعياً إلى «احترام إرادة الناخبين» بالكشف عن مضابط جميع أقلام الاقتراع.

تحية لتشافيز في ذكرى ولادته الـ70

وبعد الإعلان عن النتائج صباح الاثنين توجّه مادورو من القصر الحكومي إلى «ثكنة الجبل»، حيث ضريح الرئيس الراحل هوغو تشافيز للاحتفال بذكرى مولده في اليوم نفسه الذي أجريت فيه الانتخابات، وقال: «هذا الفوز هو تكريم لقائدنا في ذكرى ميلاده السبعين». لكن زعيمة المعارضة مارينا كورينا، كانت تواصل التأكيد: «نحن من فاز في الانتخابات، والكل يعرف ذلك... الفوز كان كاسحاً في جميع الولايات، والبيانات التي في حوزتنا تبيّن بما لا يترك مجالاً للشك أن غونزاليس نال 70 في المائة من الأصوات مقابل 30 في المائة لمادورو». وأردفت أن المعارضة «على أتمّ الاستعداد للدفاع عن الحقيقة؛ لأن ما حصل ليس مجرد تزوير آخر، بل هو انتهاك صارخ للإرادة الشعبية».

في أي حال، بعد تطوّرات اليوم الأول بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات، ظلت الأمور محصورة ضمن الإطار السياسي. إذ تراوحت بين تأكيد المعارضة على فوز مرشحها وتنديدها بالتلاعب بعملية الفرز وتزوير النتائج، ومطالبة عواصم إقليمية ودولية بإعادة الفرز تحت إشراف مراقبين محايدين، واستدعاء سفراء عدد من الدول الأميركية اللاتينية بعدما دعت «منظمة البلدان الأميركية» مادورو إلى الاعتراف بهزيمته أو الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، في موقف انتقده الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. لكن، لاحقاً، دخلت الأزمة مرحلة جديدة على وقع الاحتجاجات الشعبية التي عمّت جميع أنحاء البلاد وتخللتها أعمال عنف وصدامات بين المتظاهرين والقوى الأمنية أوقعت حتى الآن أكثر من 15 قتيلاً ومئات الجرحى.

غضب شعبي... وتطورات متسارعة

وبينما كان الغضب الشعبي يجتاح المدن الفنزويلية، حيث أسقط المتظاهرون تماثيل للرئيس السابق هوغو تشافيز وبتروا رأس أحدها وجرّوه في الشوارع، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يجري اتصالاً مطولاً مع نظيره البرازيلي لولا حول الوضع في فنزويلا. ولقد وصفه بيان صدر لاحقاً عن البيت الأبيض بأنه يشكّل «لحظة حرجة جداً بالنسبة للديمقراطية والاستقرار في شبه القارة». ثم اتفق الطرفان الأميركي والبرازيلي على مواصلة التنسيق الوثيق حول الوضع الفنزويلي مع الجهات الإقليمية والدولية. غير أن البيرو ذهبت أبعد؛ إذ اعترفت بمرشح المعارضة غونزاليس رئيساً جديداً لفنزويلا، وعرضت كوستاريكا اللجوء السياسي لمرشح المعارضة ولزعيمتها كورينا، بعد الدعوات التي صدرت عن قيادات في النظام الفنزويلي لاعتقالهما وإحالتهما إلى المحاكمة بتهمة التحريض على أعمال العنف وزعزعة السلم الأهلي.

كذلك، تزامنت إدانة «منظمة البلدان الأميركية» مع إعلان «مركز كارتر»، - الذي سمحت له الحكومة الفنزويلية بمراقبة العملية الانتخابية - عجزه عن التحقق من نتائج الانتخابات التي قال إنها «افتقدت أدنى درجات الشفافية». واعتبر لويس ألماغرو، الأمين العام لـ«المنظمة» أن إصرار مادورو على رفض الاعتراف بهزيمته «يترك أمامه مخرجاً واحداً من الأزمة هو الدعوة لإجراء انتخابات جديدة بإشراف مراقبين من الاتحاد الأوروبي و(منظمة البلدان الأميركية) وهيئة انتخابية جديدة مستقلة».

ومنذ صباح الأربعاء، تسارعت التطورات بشكل يبعث على القلق والخوف من صدامات دامية بين الأجهزة الأمنية والمحتجين، لا سيما بعد إعلان وزير الدفاع فلاديمير بادرينو «تأييد القوات المسلحة بلا شرط لمادورو»، وتحذيره من أن الجيش «سيتصرف بحزم من أجل صون السلم الداخلي في البلاد». في المقابل، أمام إصرار مادورو على موقفه أعلن لناطق بلسان البيت الأبيض «أن صبر واشنطن والأسرة الدولية بدأ ينفد»، وتابع القول إن مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس «فاز بفارق ملايين الأصوات على مادورو المنتهية ولايته»، وتزامن هذا الموقف من واشنطن، مع حض زعيمة المعارضة اليمينية أنصارها على مواصلة التحرك للضغط على النظام من أجل إجباره على التراجع وتسليم السلطة لمرشحها، وتشديدها على أنها لن تلجأ إلى أي بلد وستواصل النضال بجانب مؤيديها.

أخيراً، مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، بما في ذلك من حكومات يسارية كحكومات البرازيل وكولومبيا وتشيلي والمكسيك، ردّ مادورو بقوله أمام صحافيين إنه جاهز لتقديم جميع سجلات التصويت، والتجاوب مع استدعائه للتحقيق من لدن الهيئة الانتخابية حول كل ما يتعلق بعملية الفرز. لكن مراقبين في العاصمة الفنزويلية يستبعدون تراجع مادورو عن موقفه بعدما ضمن تأييد الجيش؛ لأنه يدرك جيداً مدى أهمية هذه الانتخابات بالنسبة لاستمرارية «الثورة البوليفارية» التي أطلقها هوغو تشافيز منذ 25 سنة، وأيضاً بالنسبة لمستقبله السياسي ومصيره القانوني. دخلت الأزمة مرحلة جديدة على وقع الاحتجاجات الشعبية التي عمّت

جميع أنحاء البلاد

مادورو... جدار الثورة الأخير

> عندما قام الضابط الفنزويلي هوغو تشافيز بمحاولته الانقلابية ضد حكم الاشتراكي المعتدل كارلوس أندريس بيريز يوم 3 فبراير (شباط) 1992، وانتهت بفشلها سريعاً بعد وقوع عشرات القتلى في محيط القصر الرئاسي، كان نيكولاس مادورو في الثلاثين من عمره ويعمل سائقاً لإحدى قاطرات مترو العاصمة الفنزويلية كاراكاس. بعد تلك المحاولة دخل تشافيز السجن، حيث كان يمضي وقته بمطالعة أعمال وسيرة بطل التحرير الأميركي اللاتيني سيمون بوليفار، ويجري «محاورات» وهمية مع تمثال صغير له صُنع من الجبس الأبيض، كما يروي كاتب سيرته. تلك كانت بذرة «الأسطورة» التي نمت مع خروج تشافيز من السجن نتيجة عفو رئاسي بعد سنتين من اعتقاله، ثم تأسيسه «حزب الجمهورية الخامسة» وفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1998. أما مادورو، فمنذ وصوله إلى الحكم في انتخابات عام 2013، حاول الارتقاء بمسيرته إلى مستوى تشافيز الذي كان بلغ من الشهرة و«الكاريزما» ما جعله أقرب الزعماء إلى ملهمه الراحل فيدل كاسترو. وللعلم، كان تشافيز يزور كاسترو في هافانا عشرات المرات كل سنة، ويضخّ في عروق الثورة الكوبية المترهلة الملايين من عائدات النفط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. بيد أن المقارنة بين تشافيز ومادورو كانت مستحيلة منذ بدايتها رغم المحاولات الكثيرة التي بذلها الأخير منذ وصوله إلى الحكم للمرة الأولى عام 2013. إذ تلقى مادورو علومه الابتدائية والثانوية عند الراهبات، ونشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة، حيث كان والده ناشطاً يسارياً في حزب «العصبة الاشتراكية»، الذي انضمّ إليه نيكولاس لاحقاً، قبل أن يسافر إلى كوبا ويلتحق بمعهد إعداد الكوادر السياسية اليسارية في هافانا الذي أسسه فيدل كاسترو. وبعد عودته إلى كاراكاس انخرط مادورو في الحركة التي كان أسسها تشافيز بمساعدة مستشارين كوبيين. ومن ثم ساهم إلى جانب طارق صعب وآخرين في تنظيم الحملة التي أثمرت في نهايتها الحصول على عفو رئاسي للإفراج عن هوغو تشافيز بعد اعتقاله إثر محاولة الانقلاب الفاشلة. شغل مادورو مناصب عدة في كنف زعامة تشافيز، فكان نائباً ثم رئيساً للبرلمان، ووزيراً للخارجية، ونائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً للحزب الاشتراكي الموحّد.

تشافيز مع «أستاذه» فيدل كاسترو (أ.ب)

وفي عام 2012 عندما كان تشافير في آخر مراحل المرض الذي قضى عليه دعا أنصاره إلى تأييد مادورو في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام التالي. وفعلاً، يوم 14 أبريل (نيسان) 2013 انتُخب مادورو رئيساً للجمهورية، ثم أعيد انتخابه عام 2018 في انتخابات لم تشارك فيها المعارضة ورفضت دول كثيرة الاعتراف بشرعيتها، على غرار ما حصل مع نتائج انتخابات الأحد الماضي التي قد تكون إما «رصاصة الرحمة» في جسم الثورة البوليفارية، أو شرارة أزمة دامية كما حذّر مادورو قبل أيام في حال فوز المعارضة.


مقالات ذات صلة

عضلات نتنياهو انتفخت... والنتيجة مخيفة

حصاد الأسبوع تشييع إسماعيل هنية في طهران قبل مراسم دفنه في قطر (الشرق الأوسط)

عضلات نتنياهو انتفخت... والنتيجة مخيفة

في البيت الأبيض أرشيفات سوداء مليئة بالقصص عن تبجّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على القادة الأميركيين، وأشهرها ما قاله عنه الرئيس الأسبق باراك أوباما قبل نحو عشر سنوات؛ إذ تساءل: «مَن هنا يمثل الدولة العظمى؟». إلا أن جون بايدن، وإن شاطر أوباما في مقت نتنياهو، يتصرف بطريقة مختلفة. إنه يساير. يدلل. وحتى عندما يمارس عليه الضغوط تكون تلك ضغوطاً ناعمة. ويجد نفسه عالقاً في مطبات ومكائد وورطات حربية ووُحُول... فلا يضطر فقط إلى استقباله في البيت الأبيض بعد طول تمنع، ولا يقبل «ببلع ضفدع» وصوله إلى واشنطن تلبية لدعوة من الكونغرس - رغم معارضة الحزب الديمقراطي - بل يصبح شريكاً له، عن رضا أو عن إرغام، في أعمال كثيرة يدفع فيها البشر ثمناً باهظاً وتهدد بحرب لا يريدها أحد. واليوم، الخطر كبير فعلاً... خطر أن تكون الحرب واسعة جداً، ولا يكون بمقدور «الأخ الأكبر» في واشنطن منعها أو تطويقها. مقرّبون من نتنياهو، يقولون إنه «وضع بايدن والإدارة الأميركية كلها تحت إبطه» وطوّعها لصالح سياسة اليمين الإسرائيلي. ويضيفون: «مَن حاول في واشنطن رسم خريطة طريق للإطاحة بالحكومة الإسرائيلية وتنشئة بيني غانتس ليكون رئيس حكومة يطيح نتنياهو، وجد نفسه يسير وراءه. ولكن هذا في خدمة الولايات المتحدة وليس ضدها. فنتنياهو يقود بنجاح أهم معركة ضد الإرهاب في تاريخ الشرق الأوسط». ويؤكد المعجبون بنتنياهو أن هذا هو شعوره هو أيضاً. فهو يعتقد بأن الله حبا الشعب اليهودي وأيضاً الولايات المتحدة بقائد تاريخي سيحدث انعطافاً حاداً في المنطقة لخدمة «العالم الحر» والمعتدلين في الشرق الأوسط. وهو لا يقول هذا الكلام للسيدة سارة أو للمرآة في بيته، بل أيضاً يجاهر به أمام كثير ممّن يلتقيهم هذه الأيام، في واشنطن وفي إسرائيل.

نظير مجلي (القدس)
حصاد الأسبوع بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

بول كاغامي... مُنقذ رواندا وقائد مسيرة تنميتها الاقتصادية

شعبية كاسحة أظهرتها صناديق الاقتراع في رواندا للرئيس بول كاغامي، «حامل جينات الحكم» وقائد التنمية في البلاد، الذي أنقذ شعبه من براثن الحرب الأهلية وجعل رواندا في مقدمة دول القارة الأفريقية، فكافأه الناخبون بإبقائه في منصبه لمدة قد تزيد على ربع قرن. ورغم تحديات داخلية ومعارضة بات صوتها واضحاً، ظفر كاغامي في يوليو (تموز) الماضي، بولاية رئاسية رابعة بعد حصوله على 99.18 في المائة من الأصوات، مقارنة بمنافسيه: مرشح حزب «الخضر» فرانك هابينيزا (0.5 في المائة) والمرشح المُستقل فيليب مباييمانا (0.32 في المائة). ومعلوم أن مسيرة كاغامي ترتبط في أذهان قادة غربيين وأفارقة بأنها مسيرة شخص بات «نموذجاً للتنمية» و«مخلصاً حقيقياً لشعبه من آفتي الإبادة والتمييز»، بل جعل من بلده «سنغافورة أفريقيا».

محمد الريس (القاهرة)
حصاد الأسبوع كمالا هاريس... أمام الأختبار السياسي الأكبر (رويترز)

اختيار هاريس قد لا يكفي لتجنيب الديمقراطيين الهزيمة

هل نجح انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من سباق الرئاسة في تجنيب الديمقراطيين هزيمة... كانت تتجمع نُذُرها حتى من قبل «مناظرته الكارثية» مع منافسه الجمهوري

حصاد الأسبوع ديفيد لامي

ديفيد لامي... وجه الدبلوماسية البريطانية الجديد يواجه قضايا عالمية شائكة

انتهت 14 سنة من حكم حزب المحافظين باتجاه بريطانيا يساراً مع تحقيق حزب العمال تحت زعامة السير كير ستارمر فوزاً ساحقاً منحه غالبية ضخمة بلغت 172 مقعداً. وفي حين توقف المحللون طويلاً عند حقيقة أن هذا الفوز الساحق لم يأت نتيجة زيادة كبرى في نسبة التأييد عما حصل عليه العمال في الانتخابات السابقة قبل 4 سنوات، بل بسبب انهيار الأحزاب والقوى المنافسة للحزب في عموم المناطق البريطانية التي كان يسعى إلى كسبها. وحقاً أدى تحدّي حزب الإصلاح الانعزالي اليميني المناوئ للهجرة وللتكامل الأوروبي إلى قضمه نسبة عالية وقاتلة من أصوات المحافظين ما أدى إلى انهيارهم في معاقلهم التقليدية. كذلك انهار الحزب القومي الأسكوتلندي في أسكوتلندا، وكانت الحصيلة إعادة العمال هيمنتهم عليها. ومن جهة ثانية، بينما كانت القضايا الداخلية - والاقتصادية بالذات - في اهتمامات الناخبين، فإن أنظار المتابعين الدوليين اتجهت إلى معالم السياسة الخارجية للحكومة العمالية الجديدة، أما الوجه الجديد الذي سيقود الدبلوماسية البريطانية للسنوات القليلة المقبلة فهو وزير الخارجية الجديد ديفيد لامي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع جيريمي كوربن (رويترز)

سنوات المحافظين الـ14 الأخيرة غيّرت الكثير في بريطانيا

> شهدت السنوات الـ14 الأخيرة تغيّرات مهمة على مشهد الساحة السياسية البريطانية أثّرت في كيميائها داخلياً وبدلت الكثير من الأولويات والمقاربات لمعظم القضايا .


تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
TT

تونس... على أبواب انتخاباتها الرئاسية الجديدة

الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)
الرئيس قيس سعيّد ... يعد العدة لاختبار انتخابي مهم. (رويترز)

تكشف تصريحات قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وهيئات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وبلاغات الأحزاب السياسية، عن تركيز على مطلب «تنقية المناخ السياسي والاجتماعي» في تونس و«تنظيم حوار وطني قبل الانتخابات»، كما ورد على لسان نور الدين الطبوبي، الأمين العام لـ«الاتحاد» وقياديين في «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة مثل الزعيم اليساري عز الدين حزقي، والمحامي احمد نجيب الشابي، والحقوقية شيماء عيس والأكاديمي رياض الشعيبي. بل إن قياديين في أحزاب تعد قريبة إلى «السلطة» يطالبون ايضاً بـ»الحوار بين الأطراف الاجتماعية والسياسية» بينهم المرشحان للرئاسة الوزير ناجي جلول، الوزير السابق وأمين عام «حزب الائتلاف الوطني»، وزهير المغزاوي، أمين عام حزب الشعب القومي الناصري.

بل إن المحامي العروبي خالد الكريشي وعدداً من القياديين البارزين في حزب الشعب القومي الناصري، الذي يعتبر «الأقرب سياسياً» إلى قصر قرطاج الرئاسي، أدلوا أخيراً بـ«تصريحات سياسية نارية» انتقدت السلطات السياسية واتهمتها بـ«الفشل في تحقيق الشعارات التي رُفعت يوم حراك 25 يوليو (تموز) 2021» وقرارات حل البرلمان والحكومة السابقين.

نورالدين الطبوبي...ابرز الشخصيات النقابية (آ ف ب)

انتعاش الخطاب الشعبوي

خالد الكريشي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه ورفاقه الذين كانوا قد دعموا بقوة الرئيس سعيّد سابقاً، أصبحوا يدعمون ترشيح زعيم حزبهم زهير المغزاوي، ويعطون أولوية للإصلاحات السياسية «حرصاً على مصداقية الانتخابات الرئاسية المقبلة». وفي السياق ذاته، أعلن المغزاوي خلال مؤتمر صحافي في أحد فنادق العاصمة تونس أنه قرّر الترشح للرئاسة؛ لأن مشروع برنامجه الانتخابي يتضمّن بالخصوص «إقامة نظام ديمقراطي والتصدّي لسيناريو حكم الفرد». أما ناجي جلول فذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ تعهد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بـ«توظيف خبراته السياسية وتجاربه السابقة في المعارضة، ثم في الحكومة وفي قصر قرطاج في عهد الرئيس الباجي قائد السبسي لإخراج البلاد من أزماتها في ظرف 6 اشهر فقط».

واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات تكشف الآن عن مدى انتشار «الخطاب الشعبوي» في أوساط عدّة داخل تونس بسبب اقتناع «النخب» باستفحال معاناة الطبقات الشعبية من البطالة والفقر وغلاء الأسعار.

إصلاحات سياسية فورية

في سياق متصل، صدرت داخل الجامعات ومقار نقابات الصحافيين والمحامين والقضاة نداءات من كبار خبراء القانون الدستوري والعلوم السياسية تطالب رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الداخلية ببدء «إصلاحات سياسية جريئة»، بينها تحرير الإعلام والإفراج عن الإعلاميين والموقوفين في قضايا ذات صبغة سياسية.

واعتبر الأكاديمي أمين محفوظ، وهو أستاذ جامعي للعلوم السياسية والقانونية والدستورية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في تونس «مهمة جداً، بل قد تكون الأهم والأخطر منذ 15 سنة». ودعا محفوظ الـ8 ملايين ناخب تونسي إلى تجنب مقاطعة انتخابات 6 (تشرين الأول) المقبل كما قاطعوا الانتخابات النيابية والمحلية خلال العامين الماضي، ومثلما امتنع معظمهم عن المشاركة في الاستفتاء على دستور 2022 احتجاجاً على أوضاعهم المعيشية وعلى «غلطات النخب».

من جهته، أورد عماد الدايمي، الوزير والمستشار السابق في رئاسة الجمهورية، الذي أعلن مبدئياً ترشحه للرئاسة أنه سيعمل على إقناع عموم المواطنين بنجاعة «الرهان مجدداً على أن التغيير يكون عبر صندوق الاقتراع». واعتبر الدايمي أن «الانتخابات الرئاسية المقبلة يمكن أن تخرِج البلاد من أزماتها السياسية والأمنية، ثم الاقتصادية والاجتماعية، وأن تدفع في اتجاه تحقيق المصالحة الوطنية».

غير أن معارضيه اتهموه بدورهم بـ«الشعبوية» وأطلق من وصفوا أنفسهم بـ«أنصار الرئيس سعيّد» حملة ضده، وذكّروه بأنه كان وزيراً مستشاراً ومديراً لمكتب الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي ما بين 2011 و2014.

وفي سياق موازٍ، تضمن البرنامج الانتخابي لمنذر الزنايدي، الوزير السابق للتجارة والسياحة والنقل والصحة قبل 2011، تعهداً بالقيام بإصلاحات سياسية فورية، بينها «إعادة تحقيق المصالحة الوطنية بين التونسيين بمختلف انتماءاتهم وبصرف النظر عن خلافات الماضي». ويعتبر الزنايدي عملياً المرشح المبدئي الأقرب لـ«الحزب الدستوري» الذي كان في الحكم إبان عهدي الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. لكنه ومجموعة أخرى من المرشحين يوجدون خارج البلاد، بينهم الأميرال كمال العكروت، المستشار العسكري للرئيس الأسبق الباجي قائد السبسي.

الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في صدارة الجدل السياسي والانتخابي. (إيبا)

الورقة الاقتصادية الاجتماعية

في المقابل، تكشف تصريحات الأميرال كمال العكروت عن تحاشي التركيز على الملفات السياسية مقابل محاولة مواكبة «المشاغل المعيشية للطبقات الشعبية». وأعلن الأميرال رهاناً متزايداً على «إنقاذ البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية الهيكلية» التي استفحلت منذ جائحة «كوفيد - 19» عامي 2020 - 2021، وكذلك تضرر البلاد من الحرب في أوكرانيا. وللعلم، كانت تونس تستقبل سنوياً قبل اندلاع الحرب الأوكرانية نحو 800 ألف سائح روسي وأوكراني، كما كانت تعتمد في توفير حاجياتها من الحبوب والمحروقات بأسعار تفضيلية على وارداتها من روسيا وأوكرانيا.

من جانبه، تعهد الإعلامي والكاتب العروبي أحمد الصافي سعيد، الذي يتهمه خصومه أيضاً بـ«الشعبوية»، بأن تكون على رأس أولوياته الاقتصادية والاجتماعية «تنويع الشراكات الاقتصادية للبلاد عربياً ودولياً»، واستحداث «مدن ذكية» وأقطاب تكنولوجية في العاصمة وفي الجهات؛ ما يؤدي إلى توفير موارد رزق لمئات آلاف الشباب العاطل عن العمل وبينهم عشرات آلاف من خريجي الجامعات والمهندسين الشبان.

واعتبر الصافي سعيد في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «إصلاح الأوضاع الاقتصادية ممكن... ولجوء مزيد من الشباب إلى الحلول اليائسة، مثل الهجرة غير النظامية، يمكن معالجته عبر تنويع فرص التنمية وخلق الثروة وتحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الأوربي وشركاء البلاد الإقليميين والدوليين حول ملفات كثيرة»، منها «تشديد مراقبة تونس لسواحلها وحدودها البرية كي لا تكون معبراً لعشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً».

التغيير آتٍ

في هذه الأثناء، ترفع النخب السياسية والشخصيات التي أعلنت مبدئياً الترشح لانتخابات 6 أكتوبر المقبل شعارات كثيرة ذات صبغة اقتصادية اجتماعية سياسية، منها «الشعبوي» ومنها «التغييري». لكن الخبراء الاقتصاديين المستقلين، مثل رضا الشكندالي، لا يترددون باتهام هؤلاء بـ«الشعبوية» و«اللاواقعية». ويفسّر بعض الخبراء أزمات تونس الحالية بعوامل عدة، من بينها «حصيلة السلطات المتعاقبة منذ اندلاع الأزمة المالية والاقتصادية العالمية في 2008، وتضرر صادرات البلاد ومداخيل سياحتها وفرص الاستثمار والتوظيف» نتيجة «الانكماش الاقتصادي العالمي، وبخاصة داخل البلدان الأوروبية التي تعدّ الشريك الأول لتونس بنسبة تفوق الـ70 في المائة».

وعودة إلى الوزير السابق عماد الدايمي، فإن الملفات الاقتصادية والاجتماعية هيمنت على خطابه، ولقد برّر شعاره «التغيير قادم» بثلاثة أسباب تهم السياسات الاقتصادية للدولة وأولويات القطاع الخاص.

ويشرح الدايمي، فيقول إن السبب الأول هو كون «المنوال التنموي للبلاد وصل إلى نهاية الطريق، وصار عاجزاً تماماً عن تأمين حلول للمشاكل» المتراكمة منذ عقود. والسبب الثاني هو أن «بنية الدولة التونسية ومؤسساتها تقادمت وتهالكت، ولم ترضخ للتجديد، فباتت على درجة كبيرة من البيروقراطية والتكلس وانعدام الفاعليّة». ولأن منظومة المؤسسات والمنشآت العمومية الواسعة أضحت كلها تقريباً مفلسة وحوكمتها مدمّرة، خرّبها الفساد والمحسوبية و«بلطجة النقابات». وأما السبب الثالث والأخير، فهو واقع «البنية الريعية» للاقتصاد التونسي، «الذي تزايد اعتماده على عدد قليل من العائلات ورجال الأعمال الذين يحتكرون الثروة ويهيمنون على كل القطاعات رغم ضغوط المستثمرين الشبان والشركاء الأجانب».

اهتمامات الرئيس سعيّد

ولكن، هذا التركيز على الملفات الاقتصادية والاجتماعية ليس محصوراً بالمرشحين المحسوبين على المعارضة بمختلف ألوانها، بل يهم كذلك الرئيس قيس سعيّد، الذي استأنف زياراته للأسواق الشعبية وللجهات الداخلية المهمشة وللمؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات، بما في تلك في قطاعات الصحة والمياه والكهرباء والبنوك.

ولئن برز سعيّد قبل نجاحه في انتخابات 2019 بمداخلاته السياسية والقانونية والدستورية في وسائل الإعلام، فإنه منذ وصوله قصر قرطاج قبل خمس سنوات صار يعطي أولوية مطلقة للمشاغل الاجتماعية والاقتصادية للطبقات الشعبية. ومن ثم، يتهم «عصابات التهريب والاحتكار» بتحمّل مسؤولية ارتفاع الأسعار ونسب البطالة والفقر، وبالتسبب في تعطيل عمل شبكات نقل المياه والكهرباء.

وحقاً، مع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية كثّف سعيّد تحركاته في محافظات عدة متفقداً أوضاع الطبقات الشعبية، وكاشفاً للشعب عبر الفريق الإعلامي المرافق له عن ما يراه من «حجم الدمار والتخريب» الذي حمّل مسؤوليته إلى أجيال من السياسيين والإداريين منذ عهدي الرئيسين بورقيبة (1956 - 1987) وبن علي (1987 - 2011) ثم في حكومات ما بعد «انتفاضة يناير 2011» الشبابية والاجتماعية. وعلى الرغم من وجود سعيّد في الحكم منذ سنوات، فإنه لا يزال يتبرأ في الكلمات التي يتوجه بها إلى الشعب من «تقصير أجيال من المسؤولين» ومن «التخريب الذي يقوم به متآمرون على الأمن القومي» إلى حد تعمّد احتكار مواد الاستهلاك والترفيع في الأسعار وتخريب شبكات الماء والكهرباء. سعيّد يحمّل النخب الحاكمة منذ 70 سنة مسؤولية تردي الأوضاع

الاهتمام بالشأن السياسي متراجع تحت الضغوط الاقتصادية والمعيشية

> في ظل التركيز الشديد من قِبل أنصار الرئيس قيس سعيّد ومعارضيه على الصعوبات الاقتصادية والمعيشية وغلاء الأسعار والبطالة، تراجع الاهتمام بـ«الشأن السياسي»، وبالملفات السياسية والدستورية والجيو استراتيجية التي كانت حاضرة بقوة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية التي نظمت منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2011. بل إن التقارير المفصلة لبعض المنظمات المستقلة، التي تحصل على دعم مالي من عواصم غربية، مثل «منظمة بوصلة»، أصبحت تتحدث بوضوح عن كون التحضيرات للانتخابات المقبلة تجري في «مناخ لا سياسي». رئيس المعهد التونسي للمستشارين الجبائيين الأسعد الذوادي، قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تياراً واسعاً من الشارع التونسي دعم الخطوات التي قام بها قيس سعيّد عندما فتح بعض «ملفات الفساد المالي» الكبرى، وأمر بإيقاف مجموعة من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين عن البنوك والشركات العمومية ومصادرة أملاك بعضهم. ومن جهة ثانية، دعا عدد من الزعماء السياسيين والخبراء الاقتصاديين والنقابيين المستقلين إلى ضرورة ألا يتسبب تزامن التحقيقات القضائية مع «المتآمرين على أمن الدولة» ومع «الفاسدين مالياً» مع العملية الانتخابية في عملية «تصفية حسابات». ورأى هؤلاء أن «الأسباب العميقة للصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تمرّ بها تونس أسباب هيكلية»، ولقد تعقّدت بعد سنوات من الجفاف و13 سنة من الاضطراب السياسي والإداري. وهنا يتساءل البعض عما إذا كانت انتخابات 6 أكتوبر ستساهم في تحسين فرص استرجاع ثقة ملايين الناخبين والمواطنين بصناديق الاقتراع، أم ترى سيتجدد سيناريو «امتناع» نحو 88 في المائة عن المشاركة في التصويت كما حدث خلال السنتين الماضيتين، وهذا بينما يضغط ملف الصعوبات الاقتصادية على كل من مرشحي السلطة ومعارضيهم.