انتخابات فنزويلا...الفتنة الدامية أو نهاية الثورة البوليفارية

أصبحت أمام خيارين مع رفض المعارضة النتائج والتشكيك الدولي بها

مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
TT

انتخابات فنزويلا...الفتنة الدامية أو نهاية الثورة البوليفارية

مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)
مادورو... يحتفل بانتصاره (رويترز)

مع انتصاف ليل الأحد الفائت كانت قد انقضت ست ساعات على إقفال آخر صناديق الاقتراع في العاصمة الفنزويلية كاراكاس عندما أعلن المجلس الوطني الانتخابي فوز الرئيس اليساري نيكولاس مادورو بولاية رئاسية ثالثة إثر حصوله على 51 في المائة من الأصوات مقابل 44 في المائة نالها مرشح المعارضة الموحدة إدموندو غونزاليس. وجاء في بيان الهيئة الانتخابية، التي يسيطر عليها الحزب الحاكم، أن النتيجة باتت بحكم النهائية بعد فرز 80 في المائة من الأصوات، وأن نسبة المشاركة في التصويت بلغت 59 في المائة.

مارينا كورينا، زعيمة المعارضة الفنزويلية، مع مرشحها الرئاسي إدموندو غوزنزاليس (إيبا - إيفي)

المعارضة ترفض النتيجة

بعد صدور بيان الهيئة الانتخابية سارعت المعارضة التي تقودها ماريا كارينا، التي كانت المحكمة الانتخابية قد نزعت عنها أهلية الترشح، إلى رفض النتيجة التي وصفتها بأنها «انتهاك صارخ للحقيقة». وشددت على إدانتها «التلاعب بالفرز»، بينما راحت عواصم إقليمية وأوروبية تطالب بالكشف عن مضابط جميع أقلام الاقتراع للتحقق من النتائج. وحقاً، طلب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن «نشر نتائج التصويت مفصلة مع السندات الثبوتية أمام المراقبين الدوليين»، وفي حين شكّك الرئيس التشيلي (اليساري) غابرييل بوريتش بصدقية النتائج الرسمية، قائلاً: «على نظام مادورو أن يعرف بأنه من الصعب جداً تصديق النتائج التي أعلن عنها»، أكّد أن تشيلي لن تعترف بها ما لم يجرِ التحقّق منها على يد جهات مستقلة ومحايدة.

ما يُذكر أنه قبل صدور بيان المجلس الانتخابي الذي أعلن فوز مادورو قبل نهاية عملية الفرز، كانت المعارضة اليمينية والليبرالية الفنزويلية قد شكت من أن الهيئة الانتخابية لم تطلعها سوى على 30 في المائة من المضابط بعدما توقفت عمليتا طبعها وتوزيعها. وأفاد مراقبون بأنه مع ظهور النتائج الأولى كان القلق قد بلغ ذروته في أوساط النظام، وراحت قيادات رسمية تدلي بتصريحات توحي بفوز مادورو مع أن عملية الفرز كانت لا تزال في بداياتها.

ومنذ فجر الاثنين بدأت بلدان أميركية لاتينية عدة، بينها البيرو والأوروغواي وكوستاريكا، تعرب عن شكها بشفافية النتائج، في حين كانت برقيات التهنئة تتوالى من كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا وهوندوراس. لكن اثنتين من الدول الوازنة في المنطقة، البرازيل والمكسيك، اللتان تربط حكومتيها علاقات جيدة مع نظام مادورو، التزمتا الصمت لساعات طويلة، مع أن وزير الخارجية البرازيلي سلسو اموريم كان ضمن فريق المراقبين الدوليين الذين أشرفوا ميدانياً على سير الانتخابات وعمليات الفرز. كذلك كان الرئيس البرازيلي لويس إيغناسيو لولا قد أعرب منذ أيام عن أنه «شعر بالخوف من التصريحات التي صدرت عن مادورو وقال فيها إن فنزويلا ستشهد حمام دم في حال فوز المعارضة»، وحثّ الرئيس الفنزويلي على احترام العملية الانتخابية والرحيل في حال الخسارة.

وبينما صدر بيان عن لويس موريّو، وزير خارجية كولومبيا المجاورة لفنزويلا - والتي تربطها بها علاقات تاريخية واقتصادية واجتماعية وثيقة - طالب بتدقيق مستقل في نتائج الانتخابات، أعربت كوبا عن تهنئتها بلسان وزير خارجيتها برونو رودريغيز، الذي قال: «لا بد من احترام إرادة الشعب الفنزويلي».

وخارج أميركا اللاتينية، طالب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الأوروبية، جوزيب بورّيل، من جهته السلطات الفنزويلية «بأقصى درجات الشفافية في عملية الفرز»، داعياً إلى «احترام إرادة الناخبين» بالكشف عن مضابط جميع أقلام الاقتراع.

تحية لتشافيز في ذكرى ولادته الـ70

وبعد الإعلان عن النتائج صباح الاثنين توجّه مادورو من القصر الحكومي إلى «ثكنة الجبل»، حيث ضريح الرئيس الراحل هوغو تشافيز للاحتفال بذكرى مولده في اليوم نفسه الذي أجريت فيه الانتخابات، وقال: «هذا الفوز هو تكريم لقائدنا في ذكرى ميلاده السبعين». لكن زعيمة المعارضة مارينا كورينا، كانت تواصل التأكيد: «نحن من فاز في الانتخابات، والكل يعرف ذلك... الفوز كان كاسحاً في جميع الولايات، والبيانات التي في حوزتنا تبيّن بما لا يترك مجالاً للشك أن غونزاليس نال 70 في المائة من الأصوات مقابل 30 في المائة لمادورو». وأردفت أن المعارضة «على أتمّ الاستعداد للدفاع عن الحقيقة؛ لأن ما حصل ليس مجرد تزوير آخر، بل هو انتهاك صارخ للإرادة الشعبية».

في أي حال، بعد تطوّرات اليوم الأول بعد الإعلان عن نتيجة الانتخابات، ظلت الأمور محصورة ضمن الإطار السياسي. إذ تراوحت بين تأكيد المعارضة على فوز مرشحها وتنديدها بالتلاعب بعملية الفرز وتزوير النتائج، ومطالبة عواصم إقليمية ودولية بإعادة الفرز تحت إشراف مراقبين محايدين، واستدعاء سفراء عدد من الدول الأميركية اللاتينية بعدما دعت «منظمة البلدان الأميركية» مادورو إلى الاعتراف بهزيمته أو الدعوة لإجراء انتخابات جديدة، في موقف انتقده الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. لكن، لاحقاً، دخلت الأزمة مرحلة جديدة على وقع الاحتجاجات الشعبية التي عمّت جميع أنحاء البلاد وتخللتها أعمال عنف وصدامات بين المتظاهرين والقوى الأمنية أوقعت حتى الآن أكثر من 15 قتيلاً ومئات الجرحى.

غضب شعبي... وتطورات متسارعة

وبينما كان الغضب الشعبي يجتاح المدن الفنزويلية، حيث أسقط المتظاهرون تماثيل للرئيس السابق هوغو تشافيز وبتروا رأس أحدها وجرّوه في الشوارع، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يجري اتصالاً مطولاً مع نظيره البرازيلي لولا حول الوضع في فنزويلا. ولقد وصفه بيان صدر لاحقاً عن البيت الأبيض بأنه يشكّل «لحظة حرجة جداً بالنسبة للديمقراطية والاستقرار في شبه القارة». ثم اتفق الطرفان الأميركي والبرازيلي على مواصلة التنسيق الوثيق حول الوضع الفنزويلي مع الجهات الإقليمية والدولية. غير أن البيرو ذهبت أبعد؛ إذ اعترفت بمرشح المعارضة غونزاليس رئيساً جديداً لفنزويلا، وعرضت كوستاريكا اللجوء السياسي لمرشح المعارضة ولزعيمتها كورينا، بعد الدعوات التي صدرت عن قيادات في النظام الفنزويلي لاعتقالهما وإحالتهما إلى المحاكمة بتهمة التحريض على أعمال العنف وزعزعة السلم الأهلي.

كذلك، تزامنت إدانة «منظمة البلدان الأميركية» مع إعلان «مركز كارتر»، - الذي سمحت له الحكومة الفنزويلية بمراقبة العملية الانتخابية - عجزه عن التحقق من نتائج الانتخابات التي قال إنها «افتقدت أدنى درجات الشفافية». واعتبر لويس ألماغرو، الأمين العام لـ«المنظمة» أن إصرار مادورو على رفض الاعتراف بهزيمته «يترك أمامه مخرجاً واحداً من الأزمة هو الدعوة لإجراء انتخابات جديدة بإشراف مراقبين من الاتحاد الأوروبي و(منظمة البلدان الأميركية) وهيئة انتخابية جديدة مستقلة».

ومنذ صباح الأربعاء، تسارعت التطورات بشكل يبعث على القلق والخوف من صدامات دامية بين الأجهزة الأمنية والمحتجين، لا سيما بعد إعلان وزير الدفاع فلاديمير بادرينو «تأييد القوات المسلحة بلا شرط لمادورو»، وتحذيره من أن الجيش «سيتصرف بحزم من أجل صون السلم الداخلي في البلاد». في المقابل، أمام إصرار مادورو على موقفه أعلن لناطق بلسان البيت الأبيض «أن صبر واشنطن والأسرة الدولية بدأ ينفد»، وتابع القول إن مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس «فاز بفارق ملايين الأصوات على مادورو المنتهية ولايته»، وتزامن هذا الموقف من واشنطن، مع حض زعيمة المعارضة اليمينية أنصارها على مواصلة التحرك للضغط على النظام من أجل إجباره على التراجع وتسليم السلطة لمرشحها، وتشديدها على أنها لن تلجأ إلى أي بلد وستواصل النضال بجانب مؤيديها.

أخيراً، مع تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية، بما في ذلك من حكومات يسارية كحكومات البرازيل وكولومبيا وتشيلي والمكسيك، ردّ مادورو بقوله أمام صحافيين إنه جاهز لتقديم جميع سجلات التصويت، والتجاوب مع استدعائه للتحقيق من لدن الهيئة الانتخابية حول كل ما يتعلق بعملية الفرز. لكن مراقبين في العاصمة الفنزويلية يستبعدون تراجع مادورو عن موقفه بعدما ضمن تأييد الجيش؛ لأنه يدرك جيداً مدى أهمية هذه الانتخابات بالنسبة لاستمرارية «الثورة البوليفارية» التي أطلقها هوغو تشافيز منذ 25 سنة، وأيضاً بالنسبة لمستقبله السياسي ومصيره القانوني. دخلت الأزمة مرحلة جديدة على وقع الاحتجاجات الشعبية التي عمّت

جميع أنحاء البلاد

مادورو... جدار الثورة الأخير

> عندما قام الضابط الفنزويلي هوغو تشافيز بمحاولته الانقلابية ضد حكم الاشتراكي المعتدل كارلوس أندريس بيريز يوم 3 فبراير (شباط) 1992، وانتهت بفشلها سريعاً بعد وقوع عشرات القتلى في محيط القصر الرئاسي، كان نيكولاس مادورو في الثلاثين من عمره ويعمل سائقاً لإحدى قاطرات مترو العاصمة الفنزويلية كاراكاس. بعد تلك المحاولة دخل تشافيز السجن، حيث كان يمضي وقته بمطالعة أعمال وسيرة بطل التحرير الأميركي اللاتيني سيمون بوليفار، ويجري «محاورات» وهمية مع تمثال صغير له صُنع من الجبس الأبيض، كما يروي كاتب سيرته. تلك كانت بذرة «الأسطورة» التي نمت مع خروج تشافيز من السجن نتيجة عفو رئاسي بعد سنتين من اعتقاله، ثم تأسيسه «حزب الجمهورية الخامسة» وفوزه في الانتخابات الرئاسية عام 1998. أما مادورو، فمنذ وصوله إلى الحكم في انتخابات عام 2013، حاول الارتقاء بمسيرته إلى مستوى تشافيز الذي كان بلغ من الشهرة و«الكاريزما» ما جعله أقرب الزعماء إلى ملهمه الراحل فيدل كاسترو. وللعلم، كان تشافيز يزور كاسترو في هافانا عشرات المرات كل سنة، ويضخّ في عروق الثورة الكوبية المترهلة الملايين من عائدات النفط بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. بيد أن المقارنة بين تشافيز ومادورو كانت مستحيلة منذ بدايتها رغم المحاولات الكثيرة التي بذلها الأخير منذ وصوله إلى الحكم للمرة الأولى عام 2013. إذ تلقى مادورو علومه الابتدائية والثانوية عند الراهبات، ونشأ في عائلة من الطبقة المتوسطة، حيث كان والده ناشطاً يسارياً في حزب «العصبة الاشتراكية»، الذي انضمّ إليه نيكولاس لاحقاً، قبل أن يسافر إلى كوبا ويلتحق بمعهد إعداد الكوادر السياسية اليسارية في هافانا الذي أسسه فيدل كاسترو. وبعد عودته إلى كاراكاس انخرط مادورو في الحركة التي كان أسسها تشافيز بمساعدة مستشارين كوبيين. ومن ثم ساهم إلى جانب طارق صعب وآخرين في تنظيم الحملة التي أثمرت في نهايتها الحصول على عفو رئاسي للإفراج عن هوغو تشافيز بعد اعتقاله إثر محاولة الانقلاب الفاشلة. شغل مادورو مناصب عدة في كنف زعامة تشافيز، فكان نائباً ثم رئيساً للبرلمان، ووزيراً للخارجية، ونائباً لرئيس الجمهورية ورئيساً للحزب الاشتراكي الموحّد.

تشافيز مع «أستاذه» فيدل كاسترو (أ.ب)

وفي عام 2012 عندما كان تشافير في آخر مراحل المرض الذي قضى عليه دعا أنصاره إلى تأييد مادورو في الانتخابات الرئاسية المقررة في العام التالي. وفعلاً، يوم 14 أبريل (نيسان) 2013 انتُخب مادورو رئيساً للجمهورية، ثم أعيد انتخابه عام 2018 في انتخابات لم تشارك فيها المعارضة ورفضت دول كثيرة الاعتراف بشرعيتها، على غرار ما حصل مع نتائج انتخابات الأحد الماضي التي قد تكون إما «رصاصة الرحمة» في جسم الثورة البوليفارية، أو شرارة أزمة دامية كما حذّر مادورو قبل أيام في حال فوز المعارضة.


مقالات ذات صلة

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

حصاد الأسبوع الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع  تأتي رئاسة تراوري في فترةٍ تواجه خلالها بوركينا فاسو تحديات أمنية وإقليمية بعدما فقدت السيطرة على نحو 40 في المائة من مساحتها، للجماعات المسلّحة

إبراهيم تراوري... رئيس بوركينا فاسو وقائد حربها الشرسة ضد «الإرهاب»

رغم تعهّد النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، بألا يبقى في السلطة، فإنه مدّد فترة الحكم الانتقالي خمس سنوات إضافية، راهناً إجراء الانتخابات التي كان من

فتحية الدخاخني (القاهرة)
حصاد الأسبوع بليز كومباووري (أ.ف.ب)

بوركينا فاسو... 9 سنوات من مواجهة «الجماعات المسلحة»

لم تعرف بوركينا فاسو (أعالي الفولتا) استقراراً سياسياً لعقود طويلة، فمنذ استقلالها عن فرنسا عام 1960 شهدت تسعة انقلابات عسكرية؛ كان آخِرها الانقلاب الذي قاده

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
حصاد الأسبوع مناصرو حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف في ملتقى انتخابي بولاية ثورينجيا (رويترز)

ألمانيا أمام تحدي اليمين المتطرف وتداعيات صعوده السياسي

قبل 4 سنوات كانت نسبة التأييد لحزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، على المستوى الوطني، لا تتعدى 12 في المائة. ومع أن تأييده في الولايات الألمانية

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص

فتحية الدخاخني (القاهرة)

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
TT

فوز منتظر للرئيس عبد المجيد تبّون في انتخابات الرئاسة الجزائرية

الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)
الرئيس عبد المجيد تبّون (رويترز)

يتوجه الجزائريون اليوم إلى مراكز الاقتراع لاختيار رئيس جديد. وهذه هي ثاني استحقاقات رئاسية بعد الحراك الذي طال سنتين تقريباً، وشهد خروج ملايين الجزائريين إلى الشوارع كل يوم جمعة للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. سيصوت الناخبون لأحد المرشحين الثلاثة، وهم: الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبّون، والمرشح المعارض يوسف أوشيش من حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، وهو أقدم حزب معارض في الجزائر، أسّسه حسين آيت أحمد، أحد زعماء الثورة الجزائرية، وهو ذو توجه علماني، إضافة إلى المرشح عبد العالي حساني شريف، وهو رئيس «حزب مجتمع السلم» الإسلامي المعروف بـ«حمس» الذي يعّد من أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، وهو ذو توجه «إخواني» محافظ. ووفق الأرقام التي قدّمتها السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات، التي تتولى عملية الإشراف على سير العملية الانتخابية، تصل الكتلة التصويتية للجزائريين في الداخل إلى 42 مليون ناخب، معظمهم من الشباب. أما في الخارج فيقدر عددهم بـ865 ألفاً و490 ناخباً، 45 في المائة نساء و55 في المائة رجال، بينما بلغت نسبة الذين تقل أعمارهم عن 40 سنة 15.43 في المائة. ويشمل العدد الإجمالي للجان الانتخابية في الخارج 117 لجنة، موزعة كالتالي: 18 لجنة في فرنسا، و30 لجنة في باقي الدول الأوروبية، و22 لجنة في الدول العربية، و21 في الدول الأفريقية، و26 في كل من آسيا وأميركا.

مع كل استحقاق انتخابي تنظمه الجزائر، تطفو إلى السطح عبارة «الكتلة الصامتة»، أو مشكلة المشاركة الضعيفة التي أخذت حيّزاً مهمّاً لدى المرشحين، إذ يدعو الجميع هذه الفئة إلى المشاركة في الانتخابات والذهاب إلى صناديق الاقتراع. وكانت انتخابات 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 قد سجلّت نسبة مشاركة قدّرت بـ39.93 في المائة ، في حين بلغت في رئاسيات 2014 نحو 51.7 في المائة.

النائب البرلماني علي محمد ربيج كان قد قال في تصريح صحافي أخيراً إن «الكتلة الصامتة التي تُعد بالملايين تقرّر في كل مرة بصورة إرادية أو غير إرادية ألا تشارك في العملية الانتخابية». وأردف أن «هذه الكتلة براغماتية نفعية، وربما تشارك وفق مجموعة من الشروط»، مشيراً إلى أنها تتساءل عند كل استحقاق حول قدرة الانتخابات على تغيير الحياة اليومية للمواطن، وتحسين ظروفه المعيشية، وما إذا كانت العملية الانتخابية محسومة مسبقاً أم لا، وغيرها من الأسئلة التي تطرحها هذه الكتلة الصامتة في كل مرة. وتابع من ثم: «لذا حرص كل من المرشحين الثلاثة في حملاتهم الانتخابية على استقطاب هذه الشريحة ببرامج تعبّر عن تطلعاتهم، فكانت الأولوية للملفات الاجتماعية والاقتصادية لإيقاظ هذه الفئة».

تبّون: دعم سياسي ... وحظوظ أوفر

يُعد الرئيس الحالي عبد المجيد تبّون، الذي كان قد فاز بولاية رئاسية أولى عام 2019 خلفاً للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، المرشح الأوفر حظاً. وكان تبّون قد أعلن في مارس (آذار) الماضي عن إجراء انتخابات رئاسية مبكّرة في 7 سبتمبر (أيلول) أي قبل 3 أشهر من موعدها المقرّر مسبقاً. ورغم انتمائه لحزب «جبهة التحرير الوطني»، فإنه يترشح اليوم بصفته «مستقلاً»، وذلك حسب تصريحاته: «نزولاً عند رغبة أحزاب سياسية ومنظمات وطنية مختلفة».

وحقاً، أعلن أبرز الأحزاب السياسية في الجزائر، ومنها «جبهة التحرير الوطني» و«جبهة المستقبل» و«التجمع الوطني الديمقراطي» و«صوت الشعب» و«حركة البناء الوطني»، خلال يونيو (حزيران) الفائت، دعمها ترشيح الرئيس تبّون لولاية رئاسية ثانية. إذ أكد رئيس «جبهة المستقبل» فاتح بوطبيق في تجمع نظّم بقاعة الأطلس بالعاصمة أن «المرشح» عبد المجيد تبّون يعّد رجل «المرحلة المقبلة»، معتبراً أن برنامجه الانتخابي يحمل نظرة شاملة للتكفل بمختلف انشغالات المواطن. أما رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة فوصف تبّون بأنه يملك «نظرة استشرافية تسمح بالتوزيع العادل للثروات وخلق أقطاب اقتصادية في جميع ربوع الوطن». إلا أن دعم «جبهة التحرير الوطني» يبقى العنصر الأهم، ذلك أنها تاريخياً «القوة السياسية الأولى في البلاد»، ثم إن «جبهة التحرير» تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وهو 98 مقعداً.

ثم إنه، فضلاً عن هذا الدعم الحزبي، يتمتع تبّون بتأييد مؤسسة الجيش، إذ تميزت علاقته برئيس الأركان الحالي السعيد شنقريحة بكثير من الاستقرار، وثمة إشارات متعددة إلى أن مؤسسة الجيش تراه مناسباً للاستمرار في المنصب، خصوصاً بعد مقال نشرته مجلة «الجيش» بداية هذا العام، تحدث عن «الإنجازات التي تجسّدت إلى الآن، وصواب نهج الرئيس الإصلاحي».

مسيرة سياسية حافلة

ولد الرئيس عبد المجيد تبّون في ولاية النعامة، الواقعة بشمال غربي الجزائر، يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1945 لعائلة محافظة، وكان والده الحاج أحمد تبّون إماماً وعضواً في جمعية العلماء المسلمين.

تخرّج الشاب عبد المجيد في المدرسة الوطنية للإدارة عام 1969، متخصصاً في الاقتصاد والشؤون المالية. وشغل على الإثر عدة وظائف سامية في المؤسسات الإدارية للدولة. وواصل مسيرته المهنية ليصار إلى ترقيته في منصب الأمين العام، ثم عُيّن والياً في عدة محافظات. وفي عام 1991، التحق تبّون بحكومة سيد أحمد غزالي كوزير منتدب مكلّف بالجماعات المحلية. ثم في عام 1999 شغل منصب وزير الاتصال والثقافة، وفي عام 2001 منصب وزير السكن والعمران إلى 2002.

بعدها، عاد تبّون في 2012 ليشغل من جديد منصب وزير السكن والعمران، وفي 2017 جرى تعيينه وزيراً أول ثم رئيساً للجمهورية في الانتخابات الرئاسية في 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13 في المائة.

برنامج من أجل «جزائر جديدة»

يخوض الرئيس تبّون الانتخابات اليوم ببرنامج طموح يحمل شعار «الجزائر الجديدة»، مؤكداً على أنه يريد استكمال العمل الذي بدأه عام 2019. على الصعيد الاقتصادي، وعد الرئيس بمحاربة الفساد والقضاء على ما يطلق عليه عملية «تضخيم الفواتير» التي استنزفت الأموال الجزائرية بالعملة الصعبة. وفي برنامج وثائقي بثّه التلفزيون الجزائري بعنوان «الجزائر الجديدة... الرؤية والتجسيد»، جرى إبراز الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة، أهمها الشروع في سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار من أجل «تنويع المداخيل والتقليل من التبعية للمحروقات». وللعلم، يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات الغاز، وكانت البلاد قد استفادت من الغزو الروسي لأوكرانيا لتجديد العلاقات مع الدول الأوروبية في مجال إمدادات الطاقة، وأثمرت الخطوة أن أصبحت «واحدة من 4 دول فقط في العالم، تجاوزت العتبة من تصنيف الدخل المتوسط الأدنى إلى المتوسط الأعلى»، وفقاً لأحدث تقرير سنوي لتصنيف الدخل من البنك الدولي. وعلى ضوء المعلومات التي تفيد بأن سعر الغاز الطبيعي قد قفز 4 أضعاف ما كان عليه قبل بداية الحرب في أوكرانيا.

ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، وضع الرئيس تبّون ما سُمّي بـ«قانون الاستثمار الجديد» الذي تضّمن تسهيلات كبيرة للمستثمرين الوطنيين والأجانب، ووضع منصة رقمية للمستثمر، كما أعلِن عن تسجيل «أزيد من 7 آلاف مشروع استثماري جديد لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار». وتوقف المصدر نفسه أيضاً عند أهم المشاريع الاستثمارية الكبرى التي أطلقتها الجزائر خلال السنوات الأخيرة، كمركّب بلارة للحديد والصلب بولاية جيجل (شرق الجزائر)، الذي يتربع على مساحة تقدر بـ216 هكتاراً، ومجمّع توسيالي - الجزائر للحديد والصلب، وهو استثمار اقتصادي ناتج عن شراكة استراتيجية جزائرية تركية، ومنجم الحديد بغار جبيلات (جنوب الجزائر) الذي يعّد أكبر استثمار منجمي بالجزائر منذ الاستقلال، إضافة إلى مشروع خطوط السكك الحديدية، التي ستربط مدن الجنوب بعضها ببعض، وأخرى مع دول الجوار كتونس وموريتانيا.

ولقد وعد الرئيس الجزائري أيضاً بمواصلة سياسة الدعم الاجتماعي التي تشمل مختلف الفئات، وأهمها البرامج السكنية لذوي الدخل الضعيف، إلى جانب رفع المنح الموجهة للمرأة الماكثة بالبيت وذوي الاحتياجات الخاصة والمتقاعدين وأجور الموظفين، وذلك بعد الإعلان عن خلق نحو 450 ألف منصب شغل لاستيعاب مشكلة البطالة، التي تصل إلى 12 في المائة، حسب الأرقام التي نشرتها منظمة العمل الدولية.

في المجال السياسي

أما في المجال السياسي، فقد اهتم الرئيس تبّون بتكثيف التعاون الدولي، فزار روسيا وتركيا والبرتغال والصين ودولاً عديدة. وأكّد على موقف الجزائر في مناصرة القضايا العادلة، كالقضية الفلسطينية التي يعدّها الرئيس الجزائري «القضية المقدسة». ودبلوماسياً، اتسمت الفترة الأخيرة ببعض الأزمات والتوترات، مع الإشارة إلى أن الرئيس الجزائري حاول إعادة هيكلة العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين فرنسا والجزائر، غير أن العلاقة بين البلدين تعكرت من جديد، إلى درجة أن هناك تساؤلات بشأن جدوى الزيارة التي كان من المفروض أن يقوم بها إلى باريس في الخريف المقبل، في حال فاز بالانتخابات الرئاسية.

يوسف اوشيش (الإذاعة الجزائرية)

يوسف أوشيش.. الوجه الشاب في الانتخابات

يوسف أوشيش يعدّ الوجه الشاب في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، إذ ولد يوم 29 يناير (كانون الثاني) 1983 في بوغني، بمنطقة القبائل شمال الجزائر، وفيها درس حتى حصوله على البكالوريا عام 2003. وفي العام نفسه التحق بجامعة الجزائر حيث تابع دراسته على مستوى كلية العلوم السياسية، وحصل منها على شهادة في العلوم السياسية، تخصّص العلاقات الدولية. في الجامعة، تميّز أوشيش بالتزامه النقابي والسياسي. وبعد التخرج عمل صحافياً خلال الفترة من 2008 إلى 2012 وانخرط في صفوف حزب «جبهة القوى الاشتراكية» قبل تجاوز سن الـ19 سنة. وسياسياً، مارس عدة مسؤوليات داخل الحزب، حيث شغل منصب رئيس «المجلس الشعبي الولائي» بولاية تيزي وزو في 2017، وكان آنذالك أصغر رئيس في هذا الجهاز السياسي. وضع أوشيش برنامجه السياسي تحت شعار «رؤية الغد»، معلناً في لقاء صحافي مع جريدة «لكسبرسيون» أن ترشحه جاء من «أجل فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء أكان سياسياً أم مؤسساتياً»، وهو يدافع عن منهج الاشتراكية، والنظام شبه الرئاسي ذي التوجه البرلماني. ثم إنه التزم في حال فوزه بتقديم منحة للنساء الماكثات في البيت، ورفع الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى إعادة النظر في اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي.

 

عبد العالي حساني شريف (الإذاعة الجزائرية)

عبد العالي حساني شريف... عودة التيار الإسلامي

بعد سنوات من الغياب عن الانتخابات الرئاسية، قرر «حزب مجتمع السلم» (حمس) خوض غمار الرئاسيات، ورشح عبد العالي حساني شريف ممثلاً له، تحت شعار «فرصة». وللعلم، «حزب مجتمع السلم» يعدّ حالياً أكبر تنظيم إسلامي سياسي في الجزائر، كما يعدّ أكبر قوة معارضة داخل البرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، إذ يملك 65 مقعداً من أصل 407.ولد عبد العالي حساني شريف عام 1966 بولاية المسيلة، بجنوب شرقي الجزائر. وزاول دراسات في الهندسة، وكان مسؤولاً في التنظيم والرقمنة داخل المؤسسة الحزبية، قبل أن يرأسها عام 2023. اقتصادياً، يدافع مرشح التيار الإسلامي عن السوق الحرة، وتأسيس ما يسميه «بالصرافة الإسلامية» مع فتح بنوك إسلامية في جميع مناطق الوطن. ويرتكز برنامجه الاقتصادي على المنافسة والمبادرات الحرة، مع حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وسياسياً، يؤيد إصلاحاً دستورياً وقانونياً لبيئة الحكم، إضافة إلى دعم إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون. ولقد وعد حساني في حال فوزه بكرسي الحكم، بمراجعة التقسيم الإداري، بهدف إنعاش التنمية بالمناطق الشاسعة. وهو يرى أن الهدف من إعادة التقسيم الإداري يتمثل في تعمير المساحات الشاسعة غير المأهولة، وتحقيق التنمية فيها، مع إعطاء الفرصة للمنتخبين لطرح مبادراتهم، لينتقل بذلك التخطيط التنموي من المركزية إلى المحلية. أيضاً يرى حساني أن جهود السلطات لمحاربة الفساد غير كافية. وانتقد معالجة البطالة، معتبراً أن الحكومات المتعاقبة لم تستطع بسبب القرارات الظرفية، وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتكاملة، لذلك يقدم برنامجه «نظرة جديدة» للملف. كذلك، تعهد بتوسيع البنية التحتية لتجارة العبور الدولي، مع ترقية التبادلات التجارية المغاربية والأفريقية، وبعث المنطقة العربية للتبادل الحر. وفي جانب العلاقات الدوليّة، يمنح برنامج حساني شريف الأفضلية لتحسين العلاقات مع دول الجوار ومعالجة الخلافات وتقليص أثرها.